في زمن اجتاحت فيه الفيروسات الفتاكة وآخرها كورونا مع سلسلة "متحوراته" السالبة للأنفاس، العالم بلا هوادة، حاصدةً ملايين الأرواح، كان المشهد قبل عامَي الجائحة في سوريا أكثر سوداوية وقتامة إثر اشتداد المعارك، وسقوط الضحايا بمئات الآلاف نتيجة الصراع المسلح الذي عاش تحت وطأته المدنيون آنذاك.
وفي بلد يحاول التعافي والنهوض بعد الدمار الذي أحاط به، ويرزح تحت وطأة الحصار، بينما تحيط به وبأهله الأهوال والضغوط النفسية من كل الاتجاهات، نالت النوائب الثقيلة من الأطفال واليافعين، ومَن لم يمت بالرصاص مات هماً وغماً، فبات "الموت المفاجئ" يصوّب ضرباته الموجعة نحو الشباب.
إنه الرحيل بلا مقدمات، والموت المفاجئ الزاحف بلا سابق إنذار نحو شريحة مَن يوصفون بأنهم في "ربيع العمر"، الذي برزت معه الأحجيات التي حيرت الأطباء، إذ يكاد لا يخلو يوم من وفاة شاب أو شابة في أعمار صغيرة نتيجة إصابتهم بالجلطات. وما يصل إلى وسائل الإعلام من تلك الحالات، قليل، وكان آخرها وفاة فتاة عشرينية في ريف مدينة اللاذقية (غرب) قيل إنها فارقة الحياة بسبب البرد، لكن مدير عام الطبابة الشرعية في سوريا نفى ذلك وأعلن أن الوفاة "فجائية".
خريف في ربيع العمر‍
"هموم لا يمكن أن تحملها الجبال"، مثل شعبي درجت العامة على إطلاقه، لا سيما لمَن يحاول العيش في أكثر البلدان خطورة في العالم وأقلها أماناً، بينما حال ناسها هم الأكثر فقراً بحسب المنظمات الأممية التي أعلنت عن هبوط 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر. لكن الأمر لا يقتصر على مَن يعيش في الداخل السوري، بل أخذ الموت المفاجئ يحصد أرواح الشبان السوريين في المهجر، دون وجود إحصاءات دقيقة في بلدان الاغتراب، في حين كشفت دراسة عن زيادة الإصابات بأمراض احتشاء العضلة القلبية بين مَن أعمارهم تحت سن الـ 45 سنة وفق إحصاءات أُجريت في مستشفيات سوريا.
وتتكرر بكثرة الأنباء عن سوريين في الداخل والخارج يفارقون الحياة فجأةً، وأغلبهم بنوبات قلبية بينما أعمارهم تتراوح بين العقدَين الثاني والثالث.
اقرأ المزيد
وقال أستاذ أمراض القلب في كلية الطب في "جامعة تشرين"، الدكتور إياس الخيّر، إنه "لوحظ في العقدين الأخيرين ازدياد الاحتشاءات والوفيات القلبية عند الشباب أقل من 45 سنة، بشكل متسارع وبنسبة كبيرة تتراوح بين 8 و15 في المئة من مجمل الاحتشاءات، بعد أن كانت في السابق بين 1 إلى 3 في المئة، ويشير الخط البياني إلى تصاعد النسبة.
الحالة النفسية وحياة الناس
ويعزو الباحثون تنامي الجلطات بسبب الحياة الصعبة التي تواجه الناس. ويرجع رئيس هيئة الطب الشرعي في سوريا، الدكتور زاهر حجو، سبب هذا الازدياد في الجلطات لدى صغار السن وحالات الموت المفاجئ إلى الظروف التي تعيشها البلاد، "فأصبحت متوقَعة الحدوث نتيجة هذه الظروف القاسية".
وقال الدكتور الخيّر، إن "مرد زحف الجلطات بهذا الشكل بين الشباب يعود إلى عوامل معروفة وغير معروفة الأسباب، منها ازدياد التدخين، وزيادة شحوم في الدم بسبب التغذية الانتقائية غير المتنوعة، التي تزداد بها الشحوم، وتراجع نوعية الغذاء الطبيعي وازدياد الاعتماد على الأسمدة والزراعات المحمية والأطعمة المجمدة والوجبات السريعة، وكذلك الخمول وقلة ممارسة التمارين الرياضية وقلة التعرض للشمس، إلى جانب العامل الوراثي الذي يلعب دوراً مهماً مع فرط تناول العقاقير المنشطة بخاصة عند الرياضيين والطلاب، وكذلك مدمني المخدرات بخاصة الكوكايين، وتأثير فيروس كورونا الذي أدى إلى زيادة حادة في الجلطات الدماغية والقلبية في كل الأعمار".
القلب المكسور والحياة الجديدة
في هذه الأثناء، بيّن الخيّر أن "الحالة النفسية لها بلا شك في الجلطات لدى الشباب، حيث تمت دراسة نوع من الجلطات يسمى تناذر القلب المكسور، ويكثر خلال الأزمات العاطفية عند الشابات، ومشكلات نقص التغذية ونفص الفيتامينات أو الامتناع عن تناول الدواء الضروري بسبب الفقر الشديد أو التخلف، وذلك يفسر انتشار الجلطات عند الشباب في البلدان الفقيرة أكثر بكثير من البلدان الغنية". وأضاف "ومن الأسباب غير المعروفة بدقة التي تحتاج إلى دراسة، تغير خلية الحياة البشرية والاعتماد على الموجات الخلوية والهوائية واللاسلكية والانتقال من الحياة الطبيعية إلى الحياة الحضارية، فالإنسان مصمَم للعيش حياة الإنسان البدائي، وليس للاعتماد على وسائل الرفاهية الآلية".
وفي وقت ينوه الأستاذ الجامعي في مجال أمراض القلب، أن "الموت يحدث في 35 في المئة من حالات احتشاء العضلة القلبية الحادة عند الشباب، ونصف حالات الموت تحدث قبل الوصول إلى المستشفى أو في العام الأول للاحتشاء".
وتتفاقم حالات الموت المفاجئ، بينما يؤكد الباحثون النفسيون وعلماء الاجتماع على دور الحرب وتداعياتها النفسية على الناس، حيث قضت على نصف مليون شخص وهجّرت أكثر من ستة ملايين آخرين، ودمرت منشآت البلاد ومقدراتها الاقتصادية، ما أحال قسماً كبيراً من العائلات إلى العوز بعد الكفاية. ومع تثاقل الهموم على الشباب، ظهرت مشكلات اجتماعية دفعت بعض السوريين إلى الانتحار.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات