أُطفئت شمعةٌ, ولكن شمعة أخرى اتّقدت, و"لبستان هشام" الشّرف بذلك, على وقع هذه الكلمات استضاف المحامي "أحمد وليد منصور" أحد الأخوين نزر "إدمون" ليحلّ ضيفاً على عائلة دار بستان هشام للنّشر, طوعاً للظّروف الخاصّة التّي عاشها مالك مكتبة نوبل "جُميل نزر" الذي قرر إغلاق مكتبته والاستقرار في أميركا، ما استوجبَ على شقيقه " إدمون " أن يُلملم الكتب والذّكريات الّتي اختصرتها عبارة "وداعاً نوبل".

أثارَ إغلاق المكتبة ضجةً على مواقع التواصل الاجتماعيّة، وصفها مؤسس الدار المحامي "منصور "أنّها حالة عاطفيّة فيسبوكيّة، لافتاً أن الواقع يحكم بمقتضياته "واللّي إيده بالمي مو متل اللّي إيده بالنّار"، فمبيعات مكتبة نوبل مُؤخّراً لم تعد تكفي لملء رفوفها،والسّبب أنّ تجارةَ الورق في يومنا تجارة خاسرة، ومالكي هذه المكتبة ليسوا مُضطرين لتحمّل الخسارة على عاتقهم وإبقاء مكتبتهم وقفاً، إرضاءً لرياء البعض ممن كتب ورثى إغلاق المكتبة وربما لم يُمسك كتاباً يوماً، علاوةً على افتقار مجتمعنا لثقافة الكتاب مقارنةً بغيره من المجتمعات.

أضاف "منصور" أنّ مكتبة نوبل ليست الحالة الأولى من نوعها، وأنّ الكثير من المكتبات أُغلقت مسبقاً، منها "مكتبة الذهبي" في الشّعلان، الّتي تعود ملكيتها "لقتيبة شيخاني" مالك دار قتيبة للنّشر، إذ أُغلقت هذه المكتبة بعد وفاة صاحبها, مُشيراً لروائع ما كانت تضمّه من "كتب قديمة وجرائد وكتب لنزار قباني موقّعة بخط يده، مجلّة المضحك المبكي وأعداد نادرة أخرى" كلّ هذه العظمة انطوت فيما بعد تحت أكثر المحال شعبيةً في يومنا هذا " فلافل على كيفك" المُضحك المبكي في الأمر .

كما وصفه "منصور" أنّ عدد النّاس الذين يترددون لهذا المحل،فاق بأضعاف عدد المُترددين لمكتبة "الذّهبي" قبل إغلاقها, مؤكّداً أنّ ذكر مكتبة "نوبل" ما يزال حيّاً، وأنّ "إدمون" وكتبه موجودان حتى اللّحظة، فَمن أراد القراءة فليتوجّه لمقرّ دار "بستان هشام" للنّشر في شارع الرّوضة في دمشق.

واسترجع "منصور" ذكريات الماضي مع مكتبة "نوبل،" ومالكيها والتّي رافقته منذ عام2002 حتّى إغلاقها.

وعلى وقع الأماكن وأثرها البالغ الذي لا يُنسى في النّفوس؛ استذكر "منصور" أغنية

" محمد عبده" "الأماكن كلّها مشتاكة لك" متحدثاً عن الصداقة التي ربطته "بإدمون" الرجل الذي كان ينتشله من حيرته عند اقتناء كتاب ما؛ بحنكة وذكاء يسرد له قصة الكتاب الذي بين يديه فينتقل به من حافة النّعم واللّا لقوله: "ضبلي هالكتاب صديقي" ويردف "منصور" كنتُ واحداً من القراء الذين يحتارون في اختيار ما سيقرؤون , لكن إدمون كان بائعاً وقارئاً من الطراز الرفيع ويعرف محتويات مكتبته جيداً ويساعدني بانتقاء الكتب.

و أضاف "منصور" أنّه عندما بدأ الدّراسة في كليّة الحقوق كان طريقه يضطره للمرور من أمام مكتبة "نوبل" والّتي كانت على كتف البناء المرافق لنقابة المحامين المركزيّة؛ إذ إنّ أي محامي تروق له المطالعة كان يتردد لتلك المكتبة؛ وبصفته من هواة جمع الكتب وبحكم تردده الدّائم لذلك المكان ربطته علاقة قوية مع "نوبل" و"إدمون" جسّدها بوصفه الدّقيق للمكان بأنّه: " غرفة داخلها مستودع صغير وفوقه في سقيفة"، جميعها تفاصيل رافقته مذ كان طالباً بكلية الحقوق وصولاً لكونه محامياً ومؤسّساً لأوّل شركة دار نشر في سوريا.

بعدما أغلقت بعض مكاتب دمشق أبوابها في وجه القراء, لتتحول مكتبة اليقظة لمحل بيع أحذية ومكتبة ميسلون الّتي غدت بعد إغلاقها مركزاً للصّرافة؛ ونوبل وربما ستطول القائمة مستقبلاً؛ ليس عجباً أن يتساءل قارئ ماسبق هل ستخلو دمشق من المكتبات، أم أنّها ستخلو من القرّاء؟! والأمرين سواء، لكن حتى وإن حصل لن يكون الأمر سوى تريند يتصدر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بضعة أيام من ثم يتلاشى و يُنسى.

سيريا ديلي نيوز- فاطمة كعده


التعليقات