مقدمة                            

كشفت الحربُ أنَّ لدى السوريين مقدرةً فائقةً على "تدبير" كلِّ شيء تقريباً، أو محاولة ذلك؛ ليس "تدبير الحياة" فحسب، وإنما "تدبير الموت" أيضاً، وقد كان فيهم أو لديهم حسُّ دعابة وفنون في التعبير، مثل القول، مع ابتسامة ملتوية أو مواربة أو حتى تهكّم بليغ: "عايشين من قلة الموت"، كان ذلك قبل الحرب، وجواباً عن سؤال الأحوال.

ولكنهم يواصلون اليوم، بعد سنوات من الحرب، تهكُّمهم هذا حتى مع "كثرة الموت"، الذي حدث جانب كبير منه بأيديهم هم أنفسهم، قائلين: "إن الموت لم يجد إلينا سبيلاً بعد"، و"لقد مَلَّ الموتُ منا"، و"الموت واحد منا، نغالبه ويغالبنا، نغلبه ويغلبنا"، و"لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، و"اللي إلو عمر، ما بتقتلو شِدَّة"!

وثمة مدارك وربما معتقدات "صانعة للموت" أو هي من "محدِّداته" أو من "عوامل إنتاجه"، إن أمكن التعبير، مثل: قيم الشهادة أو الموت في سبيل الوطن أو الملّة أو العصبة أو الحزب أو التنظيم، إلخ، وكذلك قيم التضحية الدينية والإيمانية، إلى جانب قيم الارتزاق والحصول على الريع.

أظهرَ الحدثُ السوري أن لدى السوريين إرادة للحياة تجاوزت (أو تكيفت مع) الكثير من أحوال وأهوال الحرب، وإرادة لـ "الحل والترحال" أو الهجرة واللجوء داخل سورية وخارجها؛ وقد تجاوزوا في ذلك كل الحدود والحواجز والجدران، المادية والمعنوية، وأظهروا مقدرة فائقة على التمسك بالعيش في أحلك الظروف، والإقدام على المخاطرة من أجل البقاء.

وأظهر الحدثُ أنَّ لدى السوريين –بالمقابل– إرادة للموت، بكيفية فاقت كل التوقعات تقريباً، ليس موتاً من أجل الموت، إنما موت أقرب لمآل اقتضته الحرب، أو هو موت حصل في سياق احتدام المعنى وهستيريا "الأدينة" و"المذهبة" و"التطييف" التي اختلطت مع احتدام الصراع على الموارد، و"انسداد أفق العيش" لدى شريحة من السوريين الذين وجدوا أنفسهم (ومنهم من قرّر لسبب أو لآخر أن يكون كذلك) في حالة اصطفاف واستقطاب قاتل.

وإرادةُ الموت ليست دفاعاً عن الوطن فحسب، وإنما في مقابل "فكرة الوطن" أو "فكرة سورية" وبمواجهتها أيضاً، أي موت من أجل أفكار وأهداف هي على نقيض تام تقريباً لها، سواء أكان موتاً من أجل أفكار طائفية أو قبلية أو جهوية، أو أهداف انقسامية أو ارتزاقية أو غنائمية.

وفي الوقت الذي تحول فيه السوري –في المشهد العالمي– إلى "أيقونة" للموت والقتل، فقد كان ذلك على حساب بُعد آخر لديه، يمكن أن يكون "أيقونياً" أيضاً، أو يجب أن يكون كذلك، هو "إرادة الحياة". وقد واجه السوريون إكراهاتٍ وأهوالَ حربٍ مستمرة منذ العام 2011، ويمكن العودة ببعض إكراهات الحرب وإرادة الحياة إلى عدة سنوات قبل ذلك.

مربع نص: من المفترض ألا يتحوّل الخطاب عن "إرادة الحياة" إلى عنوان لـ "التملق" أو "التغطية" على إخفاقات الحياة وانزلاقات السياسة وربما انحرافات المعنى والقيم والسلوك لدى شريحة قد تكون كبيرة من السوريينالحرب السوريّة هي في جانب منها "صِراع على المعنى"، وفي القلب منه "معنى الحياة"، و"إرادة الحرب" –بهذا المعنى– هي "إرادة الحياة"، وهذا ينسحب على "إرادة الموت" أيضاً، باعتبار أنهما وجهان وبعدان رئيسان للمعنى، إذ إنَّ الموت أو "إرادة الموت" هي تعبير عن "إرادة الحياة" أيضاً، باعتبار فكرة "التضحية" و"الشهادة"، وقد يكون الأهم هو فكرة "البطولة"، على ما تطرحه أو تحاوله الدراسة؛ وهذا باب فيه كلام كثير.

هنا يجب الحذر من تقديرات أو إجابات أخلاقية أو بالأحرى إيديولوجية عن أسئلة أو ظواهر "معيوشة" أو "معاشة" في الواقع تتجاوز كل الإيديولوجيات والسرديات التقليدية المعروفة في سورية والمنطقة (والعالم)، عن إرادة الحياة والموت، ومكابدة أحوال وأهوال الحرب.

وهكذا، من المفترض ألا يتحوّل الخطاب عن "إرادة الحياة" إلى عنوان لـ "التملق" أو "التغطية" على إخفاقات الحياة وانزلاقات السياسة وربما انحرافات المعنى والقيم والسلوك لدى شريحة قد تكون كبيرة من السوريين، وألا يكون الحديث عن "إرادة الحياة" مجرد نوع من "التعويض النفسي" أو جزءاً من "بروباغاندا" سياسية، ولو أن هذا أمر محتمل أو مرجح!

تتألف الدراسة من مقدمة وستة محاور، أولاً- في الرؤية والمقاربة، ويتضمن: في الإرادة، في الأسئلة؛ ثانياً- في مفهوم "إرادة الحياة"، ثالثاً- "إرادة الحياة" والحرب، رابعاً- إخوة كازانتزاكي! ويتضمن: القلب والسيف!، الإرادات الدنيا، الرهانات؛ خامساً- الحدث السوري، إرادة الحياة، ويتضمن: حالة أو ظاهرة "طيفية"، التيه، الحل والترحال، معانيَ متوازية، نسيجية-تفاعلية، فوكوية!، بركانية، لا متوقعة، سيالة، انبثاقية؛ سادساً- فضيلة الحرب! ويتضمن: انبثاق الحياة من الموت، الهزيمة ليست قدراً، تفكيك "المسلمات"، مواجهة "غير متكافئة"، الجدارة، التضحية، قيم البطولة؛ وأخيراً خاتمة.

أولاً- في الرؤية والمقاربة

إنَّ السؤال: ما إرادةُ الحياة؟ هو سؤال من النوع غير القابل للإجابة عنه تقريباً، وما المحاولات أو المشروعات الكثيرة للإجابة إلا مؤشر على ذلك! ولسنا بصدد طرح الموضوع في أبعاده اللغوية ولا الفلسفيّة ولا الأخلاقية ولا الدينيّة، إلخ[1]، ولو أن هذا ضروري في مقامه، إلا أن النص قد لا يغوص كثيراً في هذا الجانب المُعقّد من الموضوع، مفضِّلاً التركيز على بعده القيمي والاجتماعي، وبالطبع السياسي، المعيوش أو المعاش، المرتبط بحالات الحروب والأزمات، بالتركيز على الحرب السورية.

في الإرادة

الإرادةُ حسب تعريفات الجرجاني مثلاً، هي "صفة توجبُ للحيِّ حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه"، وهي "ميل يعقبُ اعتقادَ النفعِ"[2]. وهذا يحيل إلى نزوع أو تصميم ووعي واتجاه للفعل، ويتطلب تصميماً من قبل الفاعل، وتركيزاً أو تعييناً للمجال والموضوع تخصيصاً للموارد[3].

والإرادة حسب أندريه لا لاند هي "صورة الفعاليّة الشخصيّة، التي تتضمّن في شكلها التام، تمثّل الفعل الواجب إنتاجه، ووقفاً آنيّاً للنزوع نحو هذا العمل، تصوّر الأسباب الموجبة للقيام به أو عدم القيام به، الشعور بقيمة هذه الأسباب، قرار التصرّف بموجبها، والتوصّل إلى التنفيذ أو الامتناع النهائي عنه"[4].

وثمة كلام كثير في باب "الإرادة" لغويّاً وفقهيّاً وكلاميّاً وفلسفيّاً وسيكولوجيّاً، وقد احتل في الماضي موقعاً مهمّاً في فضاء التفكير والثقافة وتجاذباتهما في تاريخ المنطقة، إلا أنه لم يواصل حضوره ذاك، وتنحى ليصبح أقل مدعاة للاهتمام، بل إنه شهد –إلى ذلك– تحولاً في نمط الحضور، وأخذ مقاماً لفظياً وبلاغياً أو خطابياً أكثر منه معرفيّاً أو حتى سوسيولوجيّاً، وبخاصّةٍ في ما يتعلق بالحرب أو الصراع مع الغرب و"إسرائيل"، أو في حالات الحروب والصراعات الداخلية والأهلية في المنطقة، وهذا باب فيه كلام كثير.

هذا في معنى "الإرادة"، وقد كان عبارة عن إشارات وإحالات إلى خطوط عامة للمعنى، بالقدْر الذي يؤطر ويمهد لما يريده أو يحاوله النص، ومن ثم هو لم يُحطْ بالمفهوم ككل؛ أما الحديث في معنى أو مفهوم "إرادة الحياة" فهو موضوع فقرة لاحقة.

في الأسئلة

مربع نص: كيف حدث أن وجدت شريحة من السوريين "الخروجَ" على النظام السياسي تعبيراً عن "إرادة الحياة"، وكيف انفجر المجتمع وأصبحت "إرادةُ الحياة" هي "إرادة الموت"، وأصبح الموت جزءاً من المشهد ومن معيوش السوريين، كما لو أنه "وجه آخر" للحياة...ما الذي يجعل "إرادة الحياة"، لدى الفرد والجماعة الفرعية، مقابل إرادة الحياة (البقاء!) للمجتمع والدولة، لا تقوم إلا بمواجهتها، أو تخلياً عنها وهروباً من متطلباتها وربما إكراهاتها، من دون التطرق إلى ما كان عليه وضع تلك القيم في الاجتماع السوري، قبل الحرب، الأهم هنا هو ما الذي حدث بهذا الخصوص طوال الحرب، وقد يفتح ذلك الباب للسؤال عن أي حال يمكن أن تؤول إليه في سورية ما بعد الحرب؟

ما الذي يعطي "إرادةَ الحياة" لدى الأفراد والجماعات بُعداً مكانياً/جغرافيّاً أو وطنيّاً، إن أمكن التعبير، أي في إطار جماعة وطنية أو دولتية، أو "جغرافية المعنى"، بتعبير مستوحى من جَيل دولوز[5]، وما الذي يفسر "خروجها" عن ذلك البعد، و"ارتدادها" إلى أبعاد فردية أو فئوية أو جهوية، إلخ، أو "ترحالها" إلى أبعاد أو أماكن أخرى، ومنها ما يرتحل إلى فضاء قيمي وثقافي واجتماعي ورمزي وحتى إلى انتماء آخر؟

كيف حدث أن وجدت شريحة من السوريين "الخروجَ" على النظام السياسي تعبيراً عن "الحيوية" أو "إرادة الحياة"، وكيف انفجر المجتمع وأصبحت "إرادةُ الحياة" هي "إرادة الموت"، وأصبح الموت جزءاً من المشهد ومن معيوش أو معهود السوريين، كما لو أنه "وجه آخر" للحياة، ولازمة من لوازمها، وشرط من شروطها، وقد صار (الموت) في الحرب "ظاهرة عادية"، وكذلك الهجرة أو اللجوء؟

النص لا يتضمن إجابة مباشرة عن الأسئلة المذكورة، إذ إنها تتطلب حيزاً بحثياً وتداولياً مركباً وواسعاً ومفتوحاً، ومنها ما يصعب التعاطي معه بموضوعية، طالما أنَّ الحرب لا تزال قائمة، بكل إكراهاتها واصطفافاتها ورهاناتها وآلامها؛ وربما كانت الأسئلة –أو ما صيغ لغوياً على شكل أسئلة– هي مداخل تفكير وتحليل أكثر منها أسئلة تتطلب إجابات محددة.

المهم بالنسبة للنص هو البحث في الموضوع: إرادة الحياة، وإرادة الموت، وتأثير الحرب، والإرادة الحرة والمقاومة لدى السوريين، بما هم "الفاعل الأصلي" الذي حالت إكراهات الحرب وتداخلاتها بينه وبين التعبير عن نفسه، وعلى الرغم من سيولة الحديث عنه، وكثرة ما يقوله هو، وسيولة ما يقال باسمه. والمهم هو أنَّ الأسئلة تندرج في خط المعنى أو في أفق المعنى الذي يشتغل فيه أو يحاوله النص.

 

 

ثانياً- في مفهوم "إرادة الحياة"

إرادة الحياة هي جوهر وجود الإنسان، وهي تتجاوز التمسك بالحياة أو "غريزة البقاء"، حسب فرويد مثلاً[6]، أو "الحياة العارية"، حسب جورجيو أغامبين[7]، إلى المعنى الإنسي والثقافي والقيمي؛ وهي الحياة حضوراً وفعلاً، وإرادة، وقيمة ورمزاً ومعنىً.

يحيل تعبير "إرادة الحياة" إلى قوة أو اتجاه أو نزوع مُدرِك نحو الحياة، يتسم بالقصدية والعملية، وصولاً إلى المكابدة والمجاهدة، والمنافسة، وحتى الحرب والقتال، إن لزم الأمر أو كان ذلك ممكناً بالنسبة للفاعل.

وإن الحديث عن مفهوم "إرادة الحياة" لا يحيل إلى "نظام للمعنى" أو "براديغم" له، إنما إلى تشكيل "طيفي" و"نسيجي" و"شبكي" له، إن أمكن التعبير، وذلك وفق النقاط أو المستويات أو السمات الرئيسة الآتية:

 

 

 

 

 

 

  • حالة أو ظاهرة "طيفية"، بمعنى أنها تبدأ بإرادة البقاء بالمعنى البيولوجي أو الحياتي، حسب فوكو[8]، لتصل إلى إرادة العيش في فضاء المعنى وأفق الحرية[9]، المفتوحين على معاني "ما بعد الملة" أو "ما بعد الأمة"[10]، و"ما بعد الوطن" أو "ما بعد الجغرافيا"[11]، إن أمكن التعبير.
  • إرادة الحياة في عالم مفتوح على "الحل والترحال"، حسب ميشيل مافيزولي[12]، بما في ذلك حالة التيه والتخلي التي تصيب شريحة متزايدة من الناس حول العالم.
  • معان متوازية ومتداخلة ومتقاطعة، لدى الفرد الجماعة، بالأحرى خطوط للمعنى، يتنقل الإنسان في ما بينها، حسب جيل دولوز [13].
  • نسيجية، بتعبير مستعار من رولان بارت[14]، بمعنى أنها موجودة وكامنة وقارة في كل فعل ولدى كل فاعل، ولا توجد منعزلة، بل في حالة تفاعل، تداخل وتخارج، تآلف وتنافر، في ما بين فواعلها وموضوعاتها، وتظهر على شكل حالة أو حصيلة أو نمط عمومي، إن أمكن التعبير.
  • فوكوية! (نسبة إلى ميشيل فوكو)، وهي منتشرة وموزعة في أرجاء وجهات المجتمع والمجال، ولا تظهر عارية ولا واضحة بالتمام، وهذا يُذكِّر بمفهوم القوة لدى فوكو[15]، أو ما يدعوه بـ "ميكروفيزياء" السلطة أو القوة"، المنتشرة أو الموزعة في المجتمع.

 

  • بركانية، بتعبير مستعار من جاك دريدا[16]، أي أنها مفهوم متفجر ومتدفق من حيث معانيه وتجلياته، ومن حيث تحولاته.
  • لا متوقعة، وفُجائيّة ، بمعنى أن بروزها من عدمه، اتجاهاتها، قوتها أو تراجعها، هي من الأمور اللا متوقعة والمتقلبة أو "غير المنضبطة"، ولو أن دراسات "اللا متوقع" أو "علم اللا متوقع" أخذت تتقصّى وجود "أنماط تحليلية" أو "قوانين كامنة" في ذلك[17]، ومن المفترض أن ينسحب ذلك على ما ندعوه "إرادة الحياة".
  • و"إرادة الحياة"، مفهوم "سيّال"، بتعبير مستعار من زيغموند باومان[18]، حيث "الحياة السائلة"، و"الإرادة السائلة"، إن أمكن التعبير، بمعنى أن "سيولة" الظروف والوقائع والتطورات في الحياة تؤدي إلى عدم استقرار الأحوال لدى الناس، واختلال المدارك والاستجابات والأولويات، بما في ذلك الموقف من الحياة نفسه.
  • انبثاقية[19]، بمعنى كيف ينشأ المعقد من البسيط، والحي من الميت أو الحياة من الموت، وتخلق الهمة والتمرد من الضعف والخضوع؟

 

 

ثالثاً- "إرادة الحياة" والحرب

في الوقت الذي ظهرت فيه لدى السوريين طوال الحرب قيم: الموت والقتل والتدمير، والارتزاق، والهجرة واللجوء؛ ظهرت بالمقابل معان أخرى مثل: التمسك بالحياة، والمقاومة، والتكيف، ومكابدة العيش في ظروف ضاغطة وقاهرة؛ وبين هذه وتلك ظهرت قيم: "التملّص"، والشطارة، والاحتيال، إلخ.

تتقلّص أو تتضاءل الاهتمامات، أو تتمركز حول المتطلبات الأساسية، وما لا يمكن البقاء من دونه، والتطلع لما هو أبعد بـ "اقتناص الفرصة"، وتدبّر السبل الممكنة للخروج من سطوة الواقع وإكراهاته.

مربع نص: إرادةُ الحياة في الأزمات والحروب والكوارث الكبرى هي إرادة مواجهة الخطر أو الموت، والإصرار على البقاء، ومحاولة تحسين شروطه، في ظل تضاؤل أو تراجع القدرة على الاستجابة لمتطلبات وشروط العيش. هذا هو حال الحرب، والكثير مما يحدث، يحدث لأنها الحرب، ولأن المجتمع يفتقر للهمة، بما هو مجتمع وشعب، ويفتقر لآليات التضامن الاجتماعي؛ كما يفتقر بشدة لفواعل تفكير وسياسة قادرة على خلق وتدبير استجابة فعالة حيال ذلك، ويفتقر لفواعل بيروقراطية تنظيمية حكومية (وغير حكومية) ذات همة وكفاءة؛ ويحدث لأن الكثير من الناس لا بدائل أو لا خيارات أوسع أو أفضل أمامهم[20].

إرادةُ الحياة في الأزمات والحروب والكوارث الكبرى، هي إرادة مواجهة الخطر أو الموت، والإصرار على البقاء، ومحاولة تحسين شروطه، في ظل تضاؤل أو تراجع القدرة على الاستجابة لمتطلبات وشروط العيش، وفي ظل حياة بالغة الشدة والقسوة، حتى لغير المتقاتلين أو ممن لم ينخرطوا في الحرب.

 

إرادةُ الحياة، ظاهرة أصلية، وقوة حيوية فائقة، لا ننظر إليها بوصفها حاكماً أو محدّداً للإنسان، حسب شوبنهور[21]، إنما بوصفه هو من "يعطيها القيمة"، بتعبير نيتشه[22]، وبوصف الإنسان حاكماً ومحدداً ومنتجاً لها، قبلاً؛ ثم إنها تفعل فعلها في رسم ملامح وجوده وطبيعته.

وفي الحديث عن إرادة الحياة على مستوى الجماعة أو الشعب أو الدولة، فهذا أمر أساس في السياسة، وبخاصّة في حالات الحرب، وبالأخص إذا كانت الحرب داخلية أو ذات أبعاد داخلية، وعلى درجة كبيرة من التعقيد واللا يقين.

 

 

رابعاً- إخوة كازانتزاكي!

يقول نيكوس كازانتزاكي على لسان أحد أبطال رواية "الإخوة الأعداء"[23]: «يوجعني قتلك يا أخي، لكن اعذرني أحدنا يجب أن يموت .. وأُفَضِّل أن يكون أنت». لكن أياً من أبطال أو فواعل الحرب السورية، لا يُظهر أيّ حزن على قتل الطرف الآخر. فالقتال والقتل واجب لدى القاتل، وفي سبيل الواجب لدى القتيل.

تُظهر الحرب أن إرادة الحياة لدى طرف، هي القتل والموت أو الانكسار للطرف الآخر، الذي تدفعه "إرادة الحياة" لديه لأن يكون كذلك أيضاً بالنسبة لخصومه؛ وهذا ما يجعل المشهد معقداً، ودموياً، في كثير من الأحيان، وبخاصّة في الحرب ذات الطابع الأهلي أو الداخلي، كما تتكرر الإشارة، وبالأخص إذا اتخذت في بعض محدداتها ومظاهرها طابعاً دينياً أو مذهبياً أو طائفياً.

وعندما يتواجه الإخوة في حرب، يغيب السبب الأصلي للمواجهة، أو لا يعود البحث فيه ذا قيمة تذكر، وتصبح إرادة الحياة، نوعاً من القتل، والإهدار، والعبث، إذ إنَّ كل حدث في المواجهة يصبح سبباً للمزيد، وكل دم يسيل يستثير إهراق دم جديد، وهكذا.

القلب والسيف!

يتطلب الأمر تحليلاً معرفياً وسيكولوجياً معمقاً[24]، ولا أعلم إن كانت حدثت محاولات في هذا الباب، إنما يمكن تقصّي ما تعنيه المقولة وما تحيل إليه، في فضاء الحدث السوري، حيث يمكن الحديث عن مستويين رئيسين هما المقولة المذكورة وعكسها، وكلاهما يظهران ديناميات وعيٍ وإدراكٍ وفعلٍ في الحياة:

أن تكون مع النظام السياسي والدولة أو مع الوطن بقلبك لا بسيفك، بمعنى: أن تكون مؤيداً إنما بقلبك وتقديراتك ومواقفك على مستوى الخطاب والتعبير والموقف الإعلامي والسياسي والعاطفي، إلخ.. لكن من دون أن يتمثل ذلك في مواقف لها طابع الإلزام المعنوي والمادي. وهكذا فإن التأييد بالقلب لم يمنع أطرافه من التملص من الخدمة العامة، ولم يَحُلْ بين تهرُّبهم ولا تهرُّب أبنائهم من الخدمة الإلزامية ولم يوقف إبعادهم لهم بطُرق مختلفة إلى خارج البلاد، تحت عناوين وذرائع مختلفة مثل الدراسة أو الاستشفاء أو العمل، إلخ.

مربع نص: الحرب السورية هي حرب إرادات، بكل المعاني الممكنة، والمهم ليس "الإرادات الدنيا"، أي إرادات العيش والغريزة والغنيمة والارتزاق والقتل والاغتصاب، وإنما "الإرادات العليا" أو "السامية" أي إرادات القتال من أجل مبدأ أو فكرة أو وطنوأن تكون مع النظام السياسيّ والدولة أو الوطن بسيفك لا بقلبك، بمعنى: أن تكون معه في الميدان وفي العمل الحكومي وحتى السياسي والإعلامي، وبمواقفك وتقديراتك، إنما بلا حماس وبلا انهمام عميق أو بلا روح، إذ إنَّ قلبك ليس معه، إنما الأمور ذهبت بك في هذا المسار، ووجدت أن مصلحتك أن تكون على ما أنت عليه، ومن المحتمل أن يكون قلبك –بكيفية ما– مع الطرف الآخر، أو هو متمركز حول نفسك أنت بالذات، أو ممزق بين تقديرات وقناعات وحتى اصطفافات مختلفة، لكن عملياً في موضع اقتضته مصلحتك، وهذا يعني أن الأمور يمكن أن تتغير بتغير الظروف والأحوال والرهانات والمصالح. ويمكن بملاحظة بسيطة تقدير أن هذه الدينامية قد تصح على الجوانب الأخرى من اصطفافات الحرب.

الإرادات الدنيا، الرهانات

الحرب السورية هي حرب إرادات، بكل المعاني الممكنة، والمهم ليس "الإرادات الدنيا"، أي إرادات العيش والغريزة والغنيمة والارتزاق والقتل والاغتصاب، إلخ، وإنما "الإرادات العليا" أو "السامية" أي إرادات القتال من أجل مبدأ أو فكرة أو وطن، إلخ، في أفق حضاري وإنسي، المهم هو الرهانات الكامنة خلف كل ذلك، وفي أي أفق يحدث ذلك الاقتتال وتلك المواجهة بين الإرادات؟

تجد إرادة القتال لدى فواعل لا تملك أدنى فهم أو معرفة بطبيعة ما يجري، والرهانات الكامنة أو حتى البادية فيه، وثمة من يقاتل حتى الموت، من أجل أمور يعتقدها، أو يتمثلها، كأن يأتي "الجهادي" أو "الداعشي" مُفجِّراً نفسه، فيقتلها ويقتل آخرين، لاعتقاده أن ذلك سبيله لدخول الجنة، فيما وصل هو إلى لحظة "الانتحار"، أو لحظة "الانغماس"، في سياق قصدي، مُعد له بعناية فائقة، من قبل فواعل وقوى ورهانات هيأت المسرح المناسب لكل ذلك.

وكأن يقاتل مسلح سوري تحت علم الجيش التركي في شرق الفرات أو في ليبيا، وهو مدرك –أو غير مدرك!– لأبعاد ومعاني ما يفعل، ولا بد أنه "أعاد تعريف" نفسه وإرادته بكيفية جعلت من ذلك القتال أمراً مناسباً أو مقبولاً أو مطلوباً، بما يتجاوز بُعدَ الارتزاق –بالمعنى المعروف– إلى بُعدِ العمالة والتبعية والتمثل، وهذا باب فيه كلام كثير.

ويحدث أن يُحوّل أفراد أو جماعات اصطفافاتهم في الحرب، منخرطين بالقتال بكل إرادة وقوة وهمّة، وحدث أن تحول أفراد ومجموعات من موالين لجماعة مسلحة إلى أخرى، ومن موالين لدولة إلى أخرى، وغيروا أعلامهم وألوانهم وشكل لباسهم، وتسمياتهم ومفردات خطابهم، بكيفية مثلت ظاهرة تتطلب المزيد من البحث والدرس والتقصي.

 

 

خامساً- الحدث السوري، إرادة الحياة

لم يكن السوري صانعاً للموت أو موضوعاً له فحسب، وإنما كان صانعاً للحياة أيضاً، وقد أظهر مقدرة غير اعتيادية أو غير مسبوقة على مكابدة العيش في ظروف الحرب، وفي ظل إكراهات ثقيلة وقاسية، هذا بالنسبة لمن بقي في سورية، وأما من رغب بالهجرة أو اللجوء، أو اضطر إليهما، فقد أظهر همة وإقداماً كبيراً أيضاً على تحمل مخاطرهما، ومنهم من عبر البحر وحقول الألغام وقطع عشرات الكيلو مترات بسبب ذلك.

لكن إرادة الحياة دفعت السوريين إلى اتباع سبل مختلفة للتعبير عما هم فيه وعما يطمحون له، ويتجهون إليه، سواء أكان ذلك في سورية نفسها، أم كان في الخارج، الأمر الذي يفسر الطابع المركب والمتعدد والمتوازي والطيفي والنسيجي والفوكوي والانبثاقي والسّيال واللا متوقع والفايروسي، إلخ، كما سيظهر معنا في الفقرات الآتية، التي تمثل ما يمكن أن ندعوه خطوط المعنى أو سمات إرادة الحياة لدى السوريين:

حالة أو ظاهرة "طيفية"

تبدأ إرادة الحياة لدى السوريين بمعنى أولي هو "إرادة البقاء" بالمعنى الغريزي، حسب فرويد؛ وبالمعنى البيولوجي العاري، حسب ميشيل فوكو ومن بعده جورجيو أغامبين، كما تتكرر الإشارة، لتصل إلى إرادة العيش في فضاء المعنى وأفق الحرية والإنسانية. حالة مفتوحة على معان متعاكسة:

  • إرادة الحياة المتجهة نحو الماضي، كما هو الحال لدى خط السلفية والجهادية.
  • إرادة الحياة المتجهة نحو المستقبل أو العولمة، أو لدى الجماعات المتأثرة بالغرب والطامحة للتشكل على منواله، كما هو الحال لدى خط "ما بعد الملة" أو "ما بعد الأمة"، و"ما بعد الوطن" أو "ما بعد الجغرافيا"، إن أمكن التعبير.

التشكلات أو التمثلات أو بالأحرى التجليات الطيفية لإرادة الحياة، بالجمع وليس المفرد، هي موجود في آن، ومتداخلة، ليس على مستوى المجتمع فحسب، وإنما الجماعة والشريحة وحتى الفرد نفسه، إذ تجد لدى كل فاعل مما ذكرناه، أكثر أو معظم تلك التشكلات والتمثلات، إلخ.

التيه، الحل والترحال

إرادةُ العيش في عالم مفتوح، يعيش الإنسان فيه بين "حل وترحال"، حسب ميشيل مافيزولي[25]، حيث أخذت الهجرة وانتقال الناس عبر الجغرافيا والحدود والدول والسياسات يمثلان ظاهرة عالمية، بما في ذلك حالة "التيه" التي أخذت تسم حياة شريحة كبيرة من الناس، وهم بلا أوطان ولا أوراق تعريف، وبلا عمل أو دون اسم أو ليس لهم عنوان.

وحالة "التخلي" التي تصيب شريحة متزايدة من الناس حول العالم، سواء أكانوا مهاجرين أم لاجئين، أم كانوا أناساً عاديين، يشعرون بالغربة والاغتراب وهم في أماكن عيشهم، مدفوعين بمدارك الهجرة أو اللجوء أو الانتقال إلى المجهول، إرادة المخاطرة!

معان متوازية

يمكن الحديث عن معانٍ متوازية ومتداخلة ومتقاطعة لإرادة الحياة، لدى الفرد الجماعة، بالأحرى خطوط لمعنى "إرادة الحياة"، يتنقل الإنسان فيما بينها، حسب جيل دولوز؛ وهكذا تجد معانيَ مثل: إرادة الحياة أو العيش في البلاد، طالما أن ذلك ممكن، أو طالما أن الهجرة غير ممكنة أو غير متيسرة؛ وإرادة الحياة في المهاجر والشتات، أو محاولة ذلك، لكن من دون القطع مع الوطن الأم.

وإرادة الحياة في مناطق التخوم والمناطق الرمادية، حيث "تتداخل" أو "تتخارج" السلطات كما في مناطق الحدود والمخيمات وحيث لا تقوم سلطات ثابتة أو مستقرة، وحيث يمكن الانتقال بين هذا وذاك المستوى من "إمكانية العيش". بالإضافة إلى المفاضلة بين مدارك مختلفة للحياة والعيش، واقعية أو متخيلة/مخيالية.

نسيجية، تفاعلية

إرادة الحياة هي ظاهرة أو قوة "نسيجية"، بتعبير مستعار من رولان بارت يصف فيه "النص"[26]؛ بمعنى أنها موجودة وكامنة وقارة في كل فعل ولدى كل فاعل، ولا توجد منعزلة، بل في حالة تفاعل، تداخل وتخارج، تآلف وتنافر، في ما بين فواعلها وموضوعاتها، وتظهر على شكل حالة أو حصيلة أو نمط عمومي، إن أمكن التعبير.

وحيث ترتبط إرادة الحياة لدى الفرد، بإرادة الحياة لدى الأفراد الآخرين، ولدى الجماعات، وفي دوائر الوجود والعيش الأكبر: الوطن والإقليم والعالم أو العوالم المختلفة التي يمكن أن يعيش فيها أو يتطلع للعيش فيها.

فوكوية!

إرادة الحياة منتشرة وموزعة في أرجاء وجهات المجتمع والمجال، ولا تظهر عارية أو واضحة بالتمام، وهذا يُذكِّر بمفهوم السلطة أو القوة لدى فوكو، أو ما يدعوه بـ "ميكروفيزياء السلطة[27]، المنتشرة أو الموزعة في المجتمع. هذا يعني أن ثمة "ميكروفيزياء الإرادة"، إن أمكن التعبير، إذ إن "إرادة الحياة" مبثوثة أو موزعة في الكيان الاجتماعي برمته وفي فضاء المجتمع وأفقه.

ومثلما أنَّ السلطة هي شكل خاص من الصِّراع الدائم، حيث تتغير علاقات وتفاعلات القوة، وهي بلا مركز، حسب فوكو، بل إنها تتجاوز حدود الدولة نفسها، كما هو واضح اليوم، وبخاصّةٍ في الحدث السوري، بحيث يصعب حصر فواعل القوة والمعنى فيه، على تعددها وتجاذباتها ورهاناتها، فإن بالإمكان الحديث عن "إرادة الحياة" هي حصيلة مدارك وتحولات وتفاعلات الحدث، في الداخل والخارج، وحيث خبر السوريون عوامل وفواعل تأثير في مداركهم وتفضيلاتهم واختياراتهم حول الحياة، كانت الخارج أكثر منها من الداخل، ولو أن الداخل يبقى هو الأصل في نهاية المطاف، أو يفترض أن يكون كذلك.

بركانية

إرادة الحياة ظاهرة "بركانية"، بتعبير مستعار من جاك دريدا، متحدثاً عن النص والكتابة واللغة[28]، أي أنها ظاهرة متفجرة ومتدفقة من حيث معانيها وتجلياتها، ومن حيث تحولاتها، ومن حيث صعوبة حصرها أو التحكم بها، ومن حيث تأويلها، ومن حيث مخاطرها (وفرصها!)، ومن حيث الاحتمالات والتداعيات المتأتية عنها، فهي دائمة التغير بل دائمة الثوران، من حيث الشكل والمعنى، ومن حيث الاتجاه للتأثير والفعل.

صحيح أن إرادة الحياة تتحرك وتفعل بقوة احتراق أو انفجار داخلية أساساً، أو يفترض أنها كذلك، إلا أنّها يمكن أن تتحرك وتفعل بقوة تأثير خارجي، وهذا ما يحدث عموماً أو بداهة في عالم اليوم، إذ يمكن التأثير فيها وهندستها في بعض الأحيان، وحتى في كثير من الأحيان، إلا أنَّ بركانيتها وانبثاقيتها تجعلانها مفتوحة على التحول والتغيير، وبقدر قليل نسبياً من القدرة على الضبط والتنبؤ.

لا متوقعة

وهكذا، فإنَّ "إرادة الحياة" لدى السوريين، ظاهرة مفتوحة على المفاجآت و"اللا مُتَوَقَّعِ"؛ وهي ظاهرة تحيل إلى قوة حيوية ولا نمطية بصفة عامة؛ ولو أنَّ ثمة تقديرات تتحدث عن "أنماط تكرارية" لدى السوريين ولدى الشعوب عموماً؛ وتقديرات عن صعوبة الخروج بتقديرات أو تعميمات بهذا الخصوص، إذ يتطلب ذلك المزيد من البحث والتقصي، من منظور مركب.

يتعلق الأمر، وأعني الأنماط التكرارية، بـ ردود أفعال الأفراد والجماعات أو المجتمعات والأمم حيال الحروب والمواجهات والأزمات الكبرى، وبخاصة المفاجئ والطارئ، وما يحمل منها طابع التحدي الوجودي.

    ويمكن الحديث في هذا المقام عن خطين أو بالأحرى طورين رئيسين لـ "الاستجابة":

  • الأول عندما تكون استجابة الشعوب والأمم أقرب لـ "لا استجابة"، وتتمثل بـ نوع من السكون أو الاستسلام أو التكيف بسبب الشعور بالصدمة والعجز، إلخ.
  • الثاني عندما تتشكل أو تظهر استجابة نشطة ومقاومة، بقدر أو أخر من النجاح-الإخفاق.

هنا تكون الاستجابتان أو الطوران المذكوران "لا متوقعين"، مهما كانت قدرة الفاعل/الفواعل على التنبؤ وتقدير المسارات المحتملة، ومهما كانت القدرة على "الاحتواء".

سيالة

"إرادة الحياة" هي ظاهرة "سيّالة"، بتعبير مستعار من زيجمونت باومان، حيث "الحياة السائلة"، و"الإرادة السائلة"، إن أمكن التعبير، بمعنى: أنَّ الحياة في عالم يشهد تحولات كبرى، متسارعة ومتدفقة بصورة مستمرة، في ظروف وشروط العيش والعمل والصحة والتكنولوجيا والتسلية، وفي مفاهيم الوطن والمواطنة والدولة والفضاء العام، وتغيرت النظرة للذات والعالم والأشياء، وأصبح كل شيء فيه سائلاً تقريباً، منفلتاً من عقاله، ومنحدراً إلى حالة عنف وتفكك للروابط والقيم، إلخ، مقابل الصلابة التي كانت تسم العالم ونظم القيم، حول كل ما ذكرناه أعلاه، في بدايات الحداثة.

مربع نص: سمة الحياة السائلة هي انفلات الحدود والقيم، مقارنة بما كان قبلها، والعيش على تخوم التغيير والخطر، واللا يقين، والتحول المفاجئ أو المباغت للأمور، والشعور بالحاجة لـ اللحاق بركب السائرين السيال.المهم في ما يتحدث عنه باومان، وما يهم ما نحن فيه، هو أن الحياة السائلة يتغير فيها كلُّ شيء، وتصبح عرضة للتدفقات والتحولات حول العالم، كما تصبح جزءاً منها، لا حدود للداخل حيال الخارج، ولا العكس، وهذا لا يطال حدود الدول فحسب، وإنما المجتمع والقيم والثقافة وتطلعات الأفراد والجماعات والهويات وغيرها.

سمة الحياة السائلة هي انفلات الحدود والقيم، مقارنة بما كان قبلها، والعيش على تخوم التغيير والخطر، واللا يقين، والتحول المفاجئ أو المباغت للأمور، والشعور بالحاجة لـ اللحاق بركب السائرين السيال.

وهكذا، أصبحت قيمُ الاستهلاك السيالة هي ميزان الحياة، وإرادة الحياة هي أن تكون جزءاً من كل ما يحدث، محاولاً تلبية الاحتياجات والمضي نحو المخيالي والمتوقع أو المأمول، الأمر الذي يغير إلى حد كبير، ربما مهول، قيم الوطن والوطنية، ويجعلها بلا معنى تقريباً، مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك، وإن مواصلة التفكير فيها وفق خط المعنى السابق، هو –من هذا المنظار– نوع من التكلس والضعف والانقطاع عن العالم.

انبثاقية

إرادة الحياة انبثاقية، والفكرة أنها يمكن أن تظهر من قلب التعقُّد والتشابك الموجود، والتعبير مستعار من العلوم والبيولوجيا؛ ذلك أنَّ التعقُّد الشديد للخلايا العضوية يمكن أن يؤدي إلى ظهور أو انبثاق صفات جديدة بشكل لم يكن موجوداً من قبل، مثل: صفة الحياة في الخلية الحية، كما هو الحال في الدراسات البيولوجية، أو العقل في المخ البشري[29]، أو تولد أو انبثاق الأفكار بفعل التعلم أو التفكير، ومنها أفكار الفيض لدى بعض الفلاسفة والمتصوفة، وأفكار الإبداع والخلق العلمي في عوالم البرمجة، إلخ.. وذلك على الرغم من صعوبة الربط السببي بين هذا وذاك أحياناً[30].

الاعتراضات أو التحفظات على فكرة انبثاق الحياة من خلية، أو العقل من المخ، من منظار فيزيائي أو بيولوجي أو عصبي، إلخ، مفيدة هنا، إذ إنَّ صعوبة تقصّي السبب أو المصدر الرئيس هو ما يحدث هنا حيال "إرادة الحياة"، إذ إنها غالباً ما تظهر بكيفية غير قابلة للتفسير أو الفهم على نحو يقيني، والحدث السوري مَثَلٌ قد يكون نموذجياً –إن أمكن التعبير– على ذلك.

هكذا، كيف تنبثق الحياة من الموت، والقوة من الضعف أو العجز، ويخلق الهمة والتمرد، ألبير كامو، كيف يصبح الوهم واقعاً، يخلق ويحشد ويثابر ويتوثب، كذا...

 

 

سادساً- فضيلة الحرب!

لعل أهم فضيلة للحرب في سورية أنها ربما دفعت السوريين لاختبار "إرادة الحياة"، الصحيح أن السوريين لم يطرحوا السؤال "ما إرادة الحياة؟" –الذي بدأ به هذا النص– للمداولة والنقاش بالمعنى القيمي والثقافي بقدر ما عاشوه وكابدوه في الواقع. لكن أي دروس أو استخلاصات واقعة أو ممكنة لديهم حيال الحرب؟

انبثاق الحياة من الموت

انبثاق الحياة من الموت، والقوة من الضعف أو من "تدبير الضعف"، إن أمكن التعبير، ذلك أن سوداوية الحرب لم تمنع الناس من تلمُّس فجوات وفسحات للحياة، بل لعل أهم نتيجة لها هي إدراك الناس أنَّ الحياةَ ممكنةٌ مع الموت، الذي أصبح أمراً اعتيادياً، وقد وجد بعضهم أن الموت مدخل للحياة، ذلك أن العيش تحت المخاطر، والتضحية بالنفس، هو من الأمور الدالة على إرادة الحياة، إذ يُضحّى بالحياة المادية والبيولوجية أو العارية لصالح الحياة المعنوية والرمزية.

الهزيمة ليست قدراً

إنَّ الخسارة أو الهزيمة ليست قدراً، وإنَّ "الإرادة" و"المقاومة" يمكن أن تُحقّقا الكسب والانتصار، حتى لو لم يتم تحقيق انتصار نهائي، وإن مقارنة الخطاب والسياسات حول سورية في العام 2011 بالخطاب والسياسات اليوم، يعزز ذلك التقدير، ويحيل إلى أنَّ السوريين وحلفاءَهم اكتسبوا –طوال سنوات من الحرب– المزيد من الخبرة العملية ومن الثقة بالنفس حيال ما يمثل تهديداً-فرصة.

تفكيك "المسلمات"

مساءلة واختبار ثم تفكيك "المسلمات" أو ما بدا أنه مسلمات تقريباً، مثل قوة الغرب –وبخاصّةٍ الولايات المتحدة– وسيطرته على النظام العالمي، وإكراهات الحدث العربي الذي بدأ "ربيعاً" وانتهى "كارثة"؛ وتفكيك أو صدع التقديرات المتعجلة حول أن سورية سوف تكون "موضوعاً" لذلك الحدث.

مثّلت الحرب، في جانب منها، تكثيفاً لأوضاع القيم ورهاناتها وتدفقاتها في العالم اليوم، واختباراً جدياً لها، وكشفت عن اختلال ميزان المعنى والقوة في النظام العالمي، وأظهرت قدرة المجتمعات والشعوب والفواعل المناهضة للهيمنة العالمية على أن تقاوم وتحدث فرقاً، حتى مع وجود فوارق مهولة في الإمكانات والموارد.

مواجهة "غير متكافئة"

تمثلت إرادةُ الحياة بالانخراط في مواجهة "غير متكافئة" مع عدد كبير من المناهضين والخصوم والأعداء، موجة كاسحة ومهولة، كان مستصعباً مجرد تصور أن يصمد النظام السياسي والدولة لعدة أسابيع.

صحيح أن صمود السوريين ما كان ممكناً لولا وجود عوامل دعم وإسناد في الإقليم والعالم، إلا أن اندفاع تلك العوامل لدعم سورية، ما كان ممكناً لولا ذلك الصمود، وقد دخلت دول، مثل: روسيا وإيران وحزب الله في الحرب، ليس فقط لدعم مجتمع ودولة تحت التهديد، وإنما لدعم خيارات ورهانات وجدت أن ذلك الدخول يدعمها ويحميها أيضاً.

الجدارة، التضحية

إثبات الجدارة، والتحرر نسبياً من سطوة قيم وسياسات ما بعد الحداثة، التي أغرقت الأمم والشعوب والأفراد بقيم استهلاكية وعولمية وأوقعتها في فخ الاغتراب والبعد عن مرجعياتها الثقافية والقيمية وطموحاتها الوطنية، وجعلتها أقرب لمتلقٍ سلبيٍّ للقيم التي تريد فواعل الهيمنة العالمية تعميمها.

أظهر الحدث السوري أنَّ قيم التضحية من أجل قيم وطنية وثقافية وتاريخية لا تزال حاضرة ونشطة في الاجتماع السوري، وأن ثمة ما لم تتمكن العولمة وما بعد الحداثة أو الحداثة الفائقة من "تفكيكه" أو "إعطابه"، وقد كانت تظن أنها فعلت ذلك على مستوى العالم[31]. وقد برزت ظاهرة التضحية من قبل شرائح مختلفة من السوريين، وعلى أسس وطنية بصورة عامة، وذلك خلافاً للصور النمطية التي حاول الخصوم تعميمها حول الحرب واصطفافاتها، ودوافع القتال والموت فيها.

قيم البطولة

لكن إرادة القتال تجاوزت إلى حدٍّ ما، أو يجب أن تفعل، مفهوم "التضحية" أو "الشهادة" إلى مفهوم "البطولة"، إذ إنَّ التمجيد لا يزال متركزاً على "الشهادة"، وقد تحوّل الأمر في بعض الأحيان، وبسبب سوء التدبير، إلى قضية تعويضات أو امتيازات نسبية لذوي الشهداء، يجب إيلاء الجانب المادي أهمية مناسبة، إلا أن اقتصار الأمر عليه، وبالكيفية المتبعة، لا يبدو مناسباً.

من الأَولى التركيز في "إرادة الحياة" على قيم "البطولة"، بما هي مفهوم اجتماعي؛ وليس فقط "الشهادة"، بما هي مفهومٌ ذو طابع عسكري أو حربي عموماً، ولا يكاد يحيل إلى فعل اجتماعي مدني أو غير حربي؛ ذلك أن قيم "البطولة" تشمل أي فعل اجتماعي على المستوى الوطني، عسكريّاً كان أو غير عسكري، حربيّاً كان أو غير حربي، وتعزز دافعية العمل والإنجاز، بالمعنى الكلي أو الشامل؛ وأما "الشهادة"، فهي على أهميتها وأولويتها، حالة من حالات البطولة. ومن ذلك مثلاً أن القيام بعمل كبير في مواجهة خطر فايروس كورونا، هو عمل بطولي، وقد لا ينتهي بـ "الشهادة". إرادة الحياة هي قيمة بطولية.

 

 

خاتمة

قلبت إرادةُ الحياة لدى السوريين تلك "الصورة الأيقونة" الشائعة عنهم، التي بدأنا الحديث بها، الصورة المتمركزة حول: القتال والموت والهجرة واللجوء، إلخ، وشكلوا أو هُم بصدد تشكيل "صورة أيقونية" معاكسة، إن أمكن التعبير، متمركزة حول: إرادة الحياة، ليس التمسك بها، بما هي "حياة عارية" فقط، وإنما التضحية والموت من أجلها، بما هي معنى وقوة أيضاً.

وقد حاول النص التركيز على قيم البطولة لدى السوريين، بهدف إيلائه المزيد من الاهتمام، بلا مبالغة أو أدلجة، أو بأقل قدر ممكن منهما، إذ إنَّ ما قدموه أو ما أظهروه، بما هم سوريون، وما ساعدوا حلفاءهم على "تظهيره"، كان مفاجئاً و"كاسراً" أو "مفككاً" للتقديرات الكثيرة والمتدفقة حولهم جميعاً.

ولعلَّ إرادة الحياة، كما ظهرت لدى السوريين، وكما اختبروها عيشاً ومكابدة، هي الفضيلة الرئيسة لهذه الحرب، التي طالت كل شيء تقريباً في الظاهرة السورية اليوم، ويتعين على السوريين، والمعنيين بالحدث السوري التركيز على أولويات وقيم ورهانات "الفاعل الأصلي" في الحرب، لأن طبيعة استجابته هي الأساس في تقدير مسارات الأمور، خلافاً للتقديرات التي ذهبت بعيداً في القول أو الادعاء بأن السوريين أقل همة في مباشرة مسؤولياتهم حيال ما يقرر مصيرهم.

يمثل "تدبير الحياة"، والبحث في معنى ومفهوم "الإرادة العامة"، وديناميات وسبل "المقاومة"، مفردات تكتسب مقام الأولوية في أجندة السوريين بعد مضي سنوات من الحرب، وهذا يتطلب المزيد من الجهد والمثابرة لدى الجماعة العلمية وفواعل الفكر والثقافة والاجتماع، إلخ، في سورية، وهو مقتضى "إرادة الحياة" في مواجهة الحرب والموت.

 

 

المراجع

الكتب

  1. أبو رحمة، أماني. أبعد من فوكو: السياسات الحياتية في عصر الجينوم. القاهرة: أروقة للدراسات والنشر، 2017.
  2. آغامبين، جورجيو. المنبوذ: السلطة السياسية والحياة العارية. ترجمة وتقديم وتعليق: عبد العزيز العيادي. بيروت، بغداد: دار الجمل، ط1، 2017.
  3. بارت، رولان. لذة النص. ترجمة: منذر عياشي. دمشق: مركز الإنماء الحضاري، 1992.
  4. باومان، زيجمونت. الثقافة السائلة. ترجمة: حجاج أبو جبر. بيروت: شبكة الأبحاث العربية، 2018.
  5. باومان، زيجمونت. الحياة السائلة. ترجمة: حجاج أبو جبر، تقديم: هبة رؤوف عزت. بيروت: شبكة الأبحاث العربية، 2016.
  6. بك، أولريش. الحب عن بعد: أنماط حياتية في عصر العولمة. ترجمة: حسام الدين بدر. بيروت-بغداد: منشورات الجمل، 2014.
  7. تريفل، جيمس. هل نحن بلا نظير؟. ترجمة: ليلى الموسوي. الكويت: المجلس الوطني للآداب والفنون والثقافة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 323، كانون الثاني/يناير، 2006.
  8. الجرجاني، علي بن محمد. التعريفات، تحقيق: فريق من الباحثين. بيروت: دار الكتب العلمية، 1983.
  9. جيدنز، أنطوني. عالم منفلت: كيف تشكل العولمة حياتنا. ترجمة: محمد محي الدين. القاهرة: دار ميريت للنشر، 2005.
  10. حدجامي، عادل. فلسفة جيل دولوز: عن الوجود والاختلاف. الدار البيضاء: دار توبقال، 2012.
  11. دريدا، جاك. فصول منتزعة. ترجمة: عبد العزيز العيادي ومعز المديوني وناجي العونللي. بيروت-بغداد: منشورات الجمل، 2015.
  12. دولوز، جيل، كلير بارني. حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة. ترجمة: عبد الحي أزرقان واحمد العلمي. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1999.
  13. شوبنهاور، آرتور. العالم إرادة وتمثلاً. ترجمة وتقديم: سعيد توفيق، مراجعة: فاطمة مسعود. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2006.
  14. صليبا، جميل. المعجم الفلسفي. بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982.
  15. عطية، عبد الحليم. نيتشه وجذور ما بعد الحداثة. بيروت: دار الفارابي، 2010.
  16. غليك، جايمس. نظرية الفوضى، علم اللا متوقع. ترجمة: أحمد مغربي. بيروت: دار الساقي، ط1، 2008.
  17. فرويد، سيجموند. الأنا والهو. ترجمة: محمد عثمان نجاتي. القاهرة: دار الشروق، ط، 1982.
  18. فوكو، ميشيل. جنيالوجيا المعرفة. ترجمة: أحمد السطاتي وعبد السلام بتعبد العالي. الدار البيضاء: دار توبقال، 2008.
  19. فوكو، ميشيل. يجب الدفاع عن المجتمع. ترجمة: الزواوي بغورة. بيروت: دار الطليعة، 2003.
  20. كازانتزاكي، نيكوس. الإخوة الأعداء. ترجمة: إسماعيل المهدوي. القاهرة: الدار المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، 1967.
  21. لالاند، أندريه. موسوعة لالاند الفلسفية. تعريب: خليل أحمد خليل. بيروت: منشورات عويدات، 2001.
  22. مافيزولي، ميشيل. الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصرة. ترجمة: عبد الله زارو. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2010.
  23. مدكور، إبراهيم. المعجم الفلسفي. القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع، 1983.
  24. المسكيني، فتحي. الإيمان الحر أو ما بعد الملة: مباحث في فلسفة الدين. الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، 2019.
  25. مصطفى، عادل. كارل بوبر: مائة عام من التنوير. المملكة المتحدة: منشورات هنداوي، 2017.
  26. نيتشه، فريدريك. إرادة القوة: محاولة لقلب كل القيم. ترجمة وتقديم: محمد الناجي. الدار البيضاء: دار أفريقيا الشرق، 2011.

الدوريات

  • الزين، محمد شوقي. "الترجمة والاختلاف"، مجلة كتابات معاصرة، بيروت/لبنان، عدد 34، تموز/آب 1998.

 

المواقع الإلكترونية

  1. أبو رحمة، أماني. "جورجيو أغامبين: الإنسان المستباح والحياة العارية"، موقع عمان نت، 6 أيار/مايو 2016. https://bit.ly/2Wogllm
  2. دريدا، جاك. "بركان وجحيم الكتابة"، ترجمة: عبد القادر بودومة، المجلة الثقافية الجزائرية، 17 أيلول/سبتمبر 2010. https://thakafamag.com/?p=452
  3. الزين، محمد شوقي. "بركانية النص وأتون المعنى"، فكر ونقد، السنة الثالثة، العدد 25 كانون الثاني/يناير 2000. https://www.aljabriabed.net/n25_12azzin.(2).htm#_edn2
  4. فوكو، ميشيل. "فلسفة السلطة"، ترجمة: الزواوي بغورة، حكمة، 17 نيسان/أبريل 2015. https://bit.ly/2L8fyj3
  5. مرشان، إقبال. "الانبثاق والتعقيد البيولوجي"، الأوان، 31 كانون الثاني/يناير 2017. https://bit.ly/3dcI4My
  6. المسكيني، فتحي. "ما الفرق بين أن نحيا وأن نعيش؟"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، 30 تشرين الأول/أكتوبر 2017. https://bit.ly/3b7Ciun

 

 

 

عقيل سعيد محفوض

  • كاتب وأستاذ جامعي.
  • تتركز اهتماماته العلمية حول المنطقة العربية وتركيا وإيران والكرد.
  • عضو الهيئة العلمية في مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مِداد.
  • يكتب تحليلات ومقالات رأي في عدد من المنابر الإعلامية والسياسية والبحثية.
  • صدر له:
  • كتب
  • جدليات المجتمع والدولة في تركيا: المؤسسة العسكرية والسياسة العامة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008).
  • سورية وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).
  • السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية – التغيير، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
  • تركيا والأكراد: كيف تتعامل تركيا مع المسألة الكردية؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
  • تركيا والغرب: "المفاضلة" بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013).
  • الأكراد، اللغة، السياسة: دراسة في البنى اللغوية وسياسات الهوية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).
  • خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017؛ بيروت: دار الفارابي، 2017).
  • كورد نامه: في أسئلة الثقافة والسياسة والدولة لدى الكرد (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018؛ بيروت: دار الفرقد، 2018).

 

 

  • دراسات وأبحاث
  • سورية وتركيا: "نقطة تحول" أم "رهان تاريخي"؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
  • الحدث السوري: مقاربة "تفكيكية"، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
  • الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟ (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • دروس الحرب: أولويات الأمن الوطني في سورية، مقاربة إطارية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
  • مفهوم الأمن: مقاربة معرفية إطارية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2016).
  • مراكز التفكير: المحددات، الكيفيات، التحديات، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • القنفذ والثعلب: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • العنف المقدس: في الأسس الثقافية لعنف الجماعات التكفيرية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017).
  • ضفدع نيتشه؟ مقاربات معرفية في قراءة الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
  • حيث يسقط الظلّ! الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • عودة المسألة الشرقية تحولات السياسة والدولة في الشرق الأوسط، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • الجبهة الجنوبية: هل تسعى إسرائيل لتعديل اتفاق الفصل 1974؟،(دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • رايات بيضاء: حول سياسة المصالحات والتسويات في الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • استلابُ الكُرد: صورةُ مشروعِ "قوات سوريا الديمقراطيّة"، ولادتها وموتها!، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
  • إعادة التفكير في الدولة: قراءة في ضوء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • التفكير في الجَوْلان: المدارك النمطيَّة، وإكراهات الحرب، والمقاومة الممكنة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • الإِيالة والعِيَالة: الثّقة والأَمل والجَهالة والمُخَاطرة في الحرب السُّورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • ربَّاتُ نِيتشه: في معنى "ما بعد الحرب" في سُوريَّة، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • رهان مهاباد! شرق الفرات بين الكرد والولايات المتحدة وتركيا، أي استجابة ممكنة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • قراءة الحرب: في أفق التفكير واتجاهات الفعل، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • درس "إسرائيل": في طبيعة الصِّراع، وهل حان الوقت لـ "إنهَائه"؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).
  • التحدي والاستجابة: ماذا يحتاجُ السُّورِيُّون، وأي مَهَامّ وتَحَدِّيَات أَمَامَهُم اليَوم؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2019).

 

 

  • أوراق بحثية في مؤتمرات أو كتب جماعية:
  • "العرب في تركيا": محور تواصل أم تأزيم؟ بحث في مؤتمر العرب وتركيا نُشِرَ في كتاب جماعي (2012).
  • سياسات إدارة الأزمة السورية: "الإدارة بالأزمة"؟ بحث في كتاب جماعي، (2013).
  • الشرق الأوسط بعد 100 عام على الحرب العالمية الأولى: من "المسألة الشرقية" إلى "الدولة الفاشلة"، هل هناك سايكس-بيكو جديد؟ (مؤتمر بيروت 19 -22 شباط/فبراير، 2015).
  • من المظلومية إلى الفعل: تحديات فواعل المقاومة في عالم ما بعد الأحدية الغربية، في مؤتمر: (غرب آسيا في عالم ما بعد الأحادية الغربية: تحديات المرحلة الانتقالية، بيروت، 7 أيلول/سبتمبر 2017).
  • في ثقافة الكراهية: الظاهرة الدينية، الحرب، التوحش، (المؤتمر الدولي الأول لحوار الأديان، بيروت، 12-13 أيلول/سبتمبر 2017).
  • العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، (مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018).
  • إعادة التفكير بالدولة في حالات ما بعد الحرب: قراءة في ضوء الأزمة السورية، (المؤتمر الثقافي السوري، دمشق، 16-17 كانون الأول/ديسمبر 2018).

 


[1] ثمة رؤى ونظريات ومفاهيم ومقاربات كثيرة، انظر مثلاً: الكتب الدينية، مثل: القرآن والإنجيل، وكتابات فلاسفة، مثل: أرسطو، وإسهامات: أرتور شوبنهاور، فريدريك نيتشه، سيجموند فرويد، إريك فروم، آلفريد آدلر، حنة أرندت، ميشيل فوكو، جورجيو أغامبين، تيري إيغلتون، يورغن هابرماس، زيجمونت باومان، لوك فيري، وغيرهم.

[2] علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، تحقيق: فريق من الباحثين (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983)، وثمة طبعات ونسخ وتحقيقات كثيرة. انظر مثلاً الموقع الإلكتروني الآتي: https://al-maktaba.org/book/7312

[3] انظر في ذلك: جميل صليبا، المعجم الفلسفي (بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1982)؛ وإبراهيم مدكور، المعجم الفلسفي (القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع، 1983).

[4] أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب: خليل أحمد خليل (بيروت: منشورات عويدات، 2001).

[5] يتحدث جيل دولوز عما يسميه "جيو-فلسفة"، انظر مثلاً: عادل حدجامي، فلسفة جيل دولوز: عن الوجود والاختلاف (الدار البيضاء: دار توبقال، 2012).

[6] سيجموند فرويد، الأنا والهو، ترجمة: محمد عثمان نجاتي (القاهرة: دار الشروق، ط، 1982)، مواضع مختلفة.

[7] "الحياة العارية" هي في معنى أولي: الحياة العادية، البيولوجية، البقاء، يقابلها نمط الحياة وطبيعة الحياة ومعنى الحياة. المعنى الأول يعبر عنه لفظ (zôè) المأخوذ من اليونانية القديمة، أي مجرد الحياة الطبيعية، والمعنى المقابل يعبر عنه لفظ (bios)، أي نمط الحياة، كما سبقت الإشارة، ويحيل إلى وضعية الإنسان حيال المجتمع والسلطة أو الدولة.

انظر: جورجيو آغامبين، المنبوذ: السلطة السياسية والحياة العارية، ترجمة وتقديم وتعليق: عبد العزيز العيادي (بيروت، بغداد: دار الجمل، ط1، 2017)؛ وأماني أبو رحمة، "جورجيو أغامبين: الإنسان المستباح والحياة العارية"، موقع عمان نت، 6 أيار/مايو 2016، https://bit.ly/2Wogllm

[8] ميشيل فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة: الزواوي بغورة (بيروت: دار الطليعة، 2003)؛ وأماني أبو رحمة، أبعد من فوكو: السياسات الحياتية في عصر الجينوم (القاهرة: أروقة للدراسات والنشر، 2017).

[9] فتحي المسكيني، "ما الفرق بين أن نحيا وأن نعيش؟"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، 30 تشرين الأول/أكتوبر 2017، https://bit.ly/3b7Ciun

[10] فتحي المسكيني، الإيمان الحر أو ما بعد الملة: مباحث في فلسفة الدين (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، 2019).

[11] انظر وقارن: أولريش بك، الحب عن بعد: أنماط حياتية في عصر العولمة، ترجمة: حسام الدين بدر (بيروت-بغداد: منشورات الجمل، 2014)؛ وأنطوني جيدنز، عالم منفلت: كيف تشكل العولمة حياتنا، ترجمة: محمد محي الدين (القاهرة: دار ميريت للنشر، 2005).

[12] ميشيل مافيزولي، الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصرة، ترجمة: عبد الله زارو (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2010).

[13] جيل دولوز وكلير بارني، حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة: عبد الحي أزرقان واحمد العلمي (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1999).

[14] رولان بارت، لذة النص، ترجمة: منذر عياشي (دمشق: مركز الإنماء الحضاري، 1992).

[15] ميشيل فوكو، جنيالوجيا المعرفة، ترجمة: أحمد السطاتي وعبد السلام بتعبد العالي (الدار البيضاء: دار توبقال، 2008).

 [16] جاك دريدا، فصول منتزعة، ترجمة: عبد العزيز العيادي ومعز المديوني وناجي العونللي (بيروت-بغداد: منشورات الجمل، 2015)؛ وجاك دريدا، "بركان وجحيم الكتابة"، ترجمة: عبد القادر بودومة، المجلة الثقافية الجزائرية، 17 أيلول/سبتمبر 2010، https://thakafamag.com/?p=452

وانظر مثلاً: محمد شوقي الزين، "بركانية النص وأتون المعنى"، فكر ونقد، السنة الثالثة، العدد/ 25 / يناير 2000، https://www.aljabriabed.net/n25_12azzin.(2).htm#_edn2

[17] جايمس غليك، نظرية الفوضى، علم اللا متوقع، ترجمة: أحمد مغربي (بيروت: دار الساقي، ط1، 2008).

[18]كتب زيجمونت باومان عدة كتب حول الموضوع: الحداثة السائلة، الثقافة السائلة، الأزمنة السائلة، المراقبة السائلة، الحياة السائلة، وغيرها.

[19] انظر مثلاً: عادل مصطفى، كارل بوبر: مائة عام من التنوير (المملكة المتحدة: منشورات هنداوي، 2017). وإقبال مرشان، "الانبثاق والتعقيد البيولوجي"، الأوان، 31 كانون الثاني/يناير 2017، https://bit.ly/3dcI4My

[20] لا يقع ذلك على الجميع، إنما على الأفراد والشرائح الفقيرة، بل الأكثر فقراً، والمستضعفة، والأغنياء أو الميسورين الذين أخذت الحرب بأملاكهم وأعمالهم، وتقطعت بهم سبل الكسب والعيش، ولو أن المعنى المراد هنا لا يحيل إلى الفقر والغنى المادي، وإنما المعنوي والرمزي والمعرفي والحيوي، إن أمكن التعبير.

[21] آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ترجمة وتقديم: سعيد توفيق، مراجعة: فاطمة مسعود (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2006).

[22] فريدريك نيتشه، إرادة القوة: محاولة لقلب كل القيم، ترجمة وتقديم: محمد الناجي (الدار البيضاء: دار أفريقيا الشرق، 2011)؛ وعبد الحليم عطية، نيتشه وجذور ما بعد الحداثة (بيروت: دار الفارابي، 2010).

[23] نيكوس كازانتزاكي، الإخوة الأعداء، ترجمة: إسماعيل المهدوي (القاهرة: الدار المصرية للطباعة والنشر والتوزيع، 1967).

[24] عنوان الفقرة "القلب والسيف"، هو استعارة أو إحالة تعبيرية ورمزية إلى عبارة قالها الشاعر الفرزدق للإمام الحسين بن علي واصفاً بها أحوال أهل العراق حيال الإمام. تقول الروايات: إنَّ الإمام الحسين كان متجهاً إلى العراق، وقد دعاه أهلها للمجيء إليهم، واعدين إياه بالمناصرة، وقد التقى الإمامُ في الطريق بالشاعر الفرزدق، وعندما سأله عن أحوال من خلَّفَه وراءه في العراق، أجاب الفرزدق: "قلوب الناس معك وسيوفهم عليك"!

[25] ميشيل مافيزولي، الحل والترحال، مرجع سابق.

[26] انظر: رولان بارت، لذة النص، مرجع سابق، ومحمد شوقي الزين، "الترجمة والاختلاف"، مجلة كتابات معاصرة، بيروت/لبنان، عدد 34، تموز/آب 1998، ومحمد شوقي الزين، "بركانية النص وأتون المعنى"، مجلة فكر ونقد، مرجع سابق.

[27] ميشيل فوكو، يجب الدفاع عن المجتمع، مرجع سابق؛ وميشيل فوكو، "فلسفة السلطة"، ترجمة: الزواوي بغورة، حكمة، 17 نيسان/أبريل 2015، https://bit.ly/2L8fyj3

[28] جاك دريدا، "بركان وجحيم الكتابة"، ترجمة: عبد القادر بودومة، المجلة الثقافية الجزائرية، مرجع سابق.

[29] جيمس تريفل، هل نحن بلا نظير؟، ترجمة: ليلى الموسوي (الكويت: المجلس الوطني للآداب والفنون والثقافة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 323، كانون الثاني/يناير، 2006).

[30] انظر مثلاً: عادل مصطفى، كارل بوبر: مائة عام من التنوير، مرجع سابق؛ وإقبال مرشان، "الانبثاق والتعقيد البيولوجي"، مرجع سابق.

[31] زيجمونت باومان، الحياة السائلة، ترجمة: حجاج أبو جبر، تقديم: هبة رؤوف عزت (بيروت: شبكة الأبحاث العربية، 2016)؛ وزيجمونت باومان، الثقافة السائلة، ترجمة: حجاج أبو جبر (بيروت: شبكة الأبحاث العربية، 2018).

 

د.عقيل سعيد محفوض

مركز دمشق للأبحاث والدراسات

مِداد

سيريا ديلي نيوز


التعليقات