د_عقيل سعيد محفوض
تمثل إعادة التفكير في الدّولة مهمة أساسية، وأول بند من أجندة ممكنة أو محتملة لسورية ما بعد الحرب. بصورة تعيد الاعتبار لفكرة الدولة أو الدولة الوطنية أو الدولة الراهنة بالمعنى الذي يمكن أن تتوافق عليه فواعل السياسة في سورية.
ظهر في الحرب السورية ديناميتان متعاكستان تجاه الدولة، واحدة ضدها وقد عدّتها هدفاً للصّراع السياسيّ، والأخرى معها وعدّت الدّفاع عن النظام السياسيّ دفاعاً عنها. وإنَّ من أوّل الدروس التي يُفترض استخلاصها من الحرب، هو ضرورة الحفر عميقاً في مصادر وطبقات الخطاب والسلوك حول السياسة والدولة، وحول أسباب الحرب، من أجل تفادي وقوع حرب أخرى في المستقبل.
إنَّ إعادة التفكير في الدولة في ظلّ الحرب محكومة بسؤال رئيس، وهو أي دولة يريد السوريون، وإلى أي حدٍّ يمكن أن يتوافقوا عليها؟ والأهم، هو قدرة السوريين على الاقتراب من مشروع بناء "عقد اجتماعي جديد" فيما بينهم، بوصفهم سوريين في المقام الأول، وليس فقط بوصفهم عرباً وكرداً أو مسلمين ومسيحيين أو علويين وسُنّة وشيعة، وليس بوصفهم قبائل وعشائر أو أبناء مناطق وجهات، أو بوصفهم مدناً وأريافاً وبواديَ، أو شرائح وطبقات، إلخ.
تتطلب المقاربة الجادة لظاهرة الدولة في سورية، تغيير قواعد التفكير والنظر إلى السياسة، انطلاقاً من الواقع والمعيوش وليس الإيديولوجي والدوغمائي. وقد لا يكون ثمة "منوال" صالح بالتمام لاتّباعه، ومن ثم فإنَّ المطلوب هو التفكير في "إطار حاكم" لبناء دولة قوية وعادلة، و"فتح باب الاجتهاد" في السياسة والدولة، و"زحزحة" البنى العقدية والأفكار والمدارك النمطية حول الدولة، و"الاستخدام العمومي للعقل"! ولا بد من إعادة الاعتبار لفكرة ومسألة الدولة والدولة الوطنية، والهوية الوطنية، وما يمكن أن نسميه –مؤقتاً– أسس أو مصادر الشخصية السورية ومشروع الدولة في سورية، وتأصيل أو تعزيز الأسس الثقافية والتاريخية والاجتماعية لظاهرة الدولة في سورية، وتدبّر السبل الممكنة للعبور إلى دولة قوية ومستقرة.
تتألف الدراسة من مقدمة وعشرة محاور: أولاً- في المقاربة والرؤية ويتضمن: المركزية الغربية واجتهادات الأطراف، واللغة والتاريخ؛ ثانياً- حول الدولة في سورية؛ ثالثاً- التنكّر لـ الدولة! رابعاً- التمسك بالدولة؛ خامساً- ديناميات متعاكسة حول الدولة؛ سادساً- ضد الدولة، التمسك بالدولة؛ سابعاً- دروس الحرب؛ ثامناً- الدولة ما بعد الحرب؛ تاسعاً- أي مقاربة ممكنة؟ ويتضمن: أي نقطة ارتكاز؟ والاستخدام العمومي للعقل! وإعادة الاعتبار للدولة؛ عاشراً- الإشارات والتنبيهات؛ وأخيراً خاتمة.
مقدمة
وضعَ الحدثُ السوريُّ المجتمعَ والدولةَ في سورية أمام تحديات وجودية كبرى، غير مسبوقة، ولا متوقعة[1]، وكانت الدولة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وتعرضت بُناها وتكويناتها المادية والمعنوية وأنماط التفاعلات والقيم فيها لدمار مَهُول. وتداخلت الرهانات والأولويات الداخلية والإقليمية والدولية في الحدث السوريِّ، في حالة صراع غير مسبوق أيضاً في السياسة الدولية[2]، على الأقل في تسارعه وتكثيفه وأنماط الموارد والإمكانات التي خُصصت له وأُنفقت فيه.
لعلَّ من أهم "حسنات" الحروب والأزمات الكبرى أنها تفتح الأبواب المُغلقة، وأحياناً ما تمثل "فرصة" لتناول أسئلة ومواجهة قضايا كان "مسكوتاً عنها" و"متنكراً لها" و"لا مفكراً فيها"، مثل: سؤال الدولة، والهوية الوطنية، والدِّين، والبناء أو التكوين الاجتماعي، والمواطنة، وتداول السلطة، وتوزيع الموارد المادية والمعنوية، والعلاقات المدنية-العسكرية، إلخ.
الحرب مثلما أنها تُدمِّر وتُمزِّق، فإنها تبني أيضاً، أو هي تعطي فرصة للبناء، والحرب، كما هو مَعروف، أهمَ مُحرّك للتاريخ[3]. وإذا كانت الحرب تخلف الدمار، فإنها تعطي فرصة استثنائية لمراجعة ما كان قبلها، وإعادة البناء، وقد تمكّن الألمان، مثلاً، من إعادة بناء بلدهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية ليصبح عاشر اقتصاد في العالم في مدّة عشر سنوات، وهذا ينسحب تقريباً على اليابان، وغير بعيد أن يحدث مثله في هذا البلد المشرقي الجميل، سورية، ولو أن ذلك دونه صعوبات كبيرة وثقيلة. والمسألة ليست مجرد خيار أو فرصة، وإنما هي ضرورة وواجب، "وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب"!
ومما لا بدَّ منه أو ما لا يتم الواجب إلا به، فهو أن تحاول فواعل الثقافة والفكر "اختراق سلسلة من الحجب ومن التمثلات"[4]، ونقد وتفكيك "تابو" الدولة، تابو الدولة بمعنى: مماهاتها بالنظام السياسيّ، والتخوف من مجرد طرح الأسئلة حولها، وعدِّها موضوعاً للصّراع على الموارد، وليس مظلة أو سقفاً لذلك الصّراع.
وإعادة التفكير ليست نقضاً، إنما "إعادة تخليق" و"إحياء" لـ معنى الدولة، ومقامها، وسلامها وحربها، وقبولها وتلقيها، الدفاع عنها من قبل بعض الفواعل والانقضاض عليها من قبل فواعل أخرى، أو حتى مجرد التخلي عنها أو اللامبالاة حيال ما تتعرض له، وهذا ما حدث بالفعل في بعض مراحل الحدث السوري منذ آذار/مارس 2011.
لكن ما تلك الدولة التي قامت في سورية، وإذا لم تكن "على قدْر الطموح" فكيف قامت بالفعل، وكيف استقامت لها الأمور؟ ولو أنها لم تستقم لها بسهولة، وما كان دور فواعلها هي نفسها في أن تبقى على ما كانت عليه، وربما أن تتأخر في كسب الشرعية والمقبولية بوصفها كياناً نهائياً؟ الأسئلة كثيرة، ولو أن الورقة لن تقدم إجابات عنها كلها، وما تحاوله هو موضعتها في سياق مقولتها الرئيسة.
تتألف الدراسة من مقدَّمة وعشرة محاور: أولاً- في المقاربة والرؤية ويتضمن: المركزية الغربية واجتهادات الأطراف، واللغة والتاريخ؛ ثانياً- حول الدولة في سورية؛ ثالثاً- التنكُّر لـ الدولة! رابعاً- التمسك بالدولة؛ خامساً- ديناميات متعاكسة حول الدولة؛ سادساً- ضد الدولة، التمسك بالدولة؛ سابعاً- دروس الحرب؛ ثامناً- الدولة ما بعد الحرب؛ تاسعاً- أي مقاربة ممكنة؟ ويتضمن: أي نقطة ارتكاز؟ والاستخدام العموميّ للعقل! وإعادة الاعتبار للدولة، عاشراً- الإشارات والتنبيهات، وأخيراً خاتمة.
أولاً- في المقاربة والرؤية
تتناول الورقة سؤال الدولة أو بالأحرى "إعادة التفكير في الدولة" في ضوء تجربة الحرب في سورية منذ آذار/مارس 2011، على الرغم من إدراك الكاتب لصعوبة أن تُمسك ورقة أو أوراق وحتى عدّة كتب بهذا الموضوع. وذلك لعدة أسباب منها:
- أن الدولة هي موضوع إشكاليّ ومُعقد بطبيعته[5]، وثمة تجاذبات واختلافات كثيرة في التنظيرات والاجتهادات النظرية حول الموضوع.
- وأن نشوء الدولة في المنطقة العربية والشرق الأوسط والعالم خارج أوروبا إشكاليّ أيضاً، لجهة "استيراد الدولة" وهل هذا ممكن[6]، لجهة الكيفيات التي فيها ووفقها كان "نقل" أو "انتقال" ظاهرة الدولة إلى المنطقة، وهل أمكن للدولة أن "تقوم" أو "تنبني" بشكل قابل للاستمرار كذا؟
- وأنه يتعلق بالحدث السوري وهو أكثر إشكالية وتعقيداً، حدث خلافيّ إلى حدّ كبير، وشهد تجاذبات ومنافسات ومواجهات كبيرة، كما شهد طبقات من التقديرات والمواقف والمراجعات[7]، وأدى إلى صدوع في السياسات الداخلية والإقليمية والدولية، كما شكّل تحدياً كبيراً لنظريات واجتهادات العلوم الاجتماعية بعامة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية بصورة خاصة[8].
تنطلق الورقة من إعادة التفكير في الدولة، باعتبار ذلك مهمة أساسية وأول بند من أجندة ممكنة أو محتملة لسورية ما بعد الحرب. بصورة تعيد الاعتبار لفكرة الدولة أو الدولة الوطنية أو الدولة الراهنة وتدرجها (بالمعنى الذي يمكن أن تتوافق عليه فواعل السياسة في سورية؟) في مقامها في نظم القيم واتجاهات الوعي والتفكير لدى فواعل السياسة والبنى الدولتية والسلطات والأحزاب والمؤسسات والبنى الاجتماعية، إلخ.
وتنطلق أيضاً من أنَّ إعادة التفكير في الدولة تمثل "فرصة سانحة" أمام السوريين، من أجل وضع فكرة الدولة وخطاب الدولة ومشروع الدولة في مختبر البحث والتدقيق والتقصي والتفكير والتدبير أو التدبر الجاد والعميق، باعتبار التطلع إلى المستقبل والاستجابة لتحدياته واحتواء أي انزلاق محتمل إلى حرب أخرى، وإلا فإن السوريين أمام تحديات ماثلة أو وشيكة، وقد يتصورون أن المرحلة الأصعب مرّت وتمّ تجاوزها، إلا أن الحروب والأزمات ربما تشهد تحولات وانكسارات لا متوقعة.
المركزية الغربية واجتهادات الأطراف
نتحدث عن "إعادة التفكير في الدولة"، فيما الموضوع مثقل بهيمنة المقولات والمقاربات الغربية[9]، إذ ثمة نوع من "مركزية غربية" ثقيلة في هذا الباب، وغالباً ما يُطبَّقُ على الموضوع "فكر الدولة" نفسه، على ما يقول بيير بورديو[10]، والمنظور الغربي نفسه تقريباً، بالإضافة إلى إسهامات حول الدولة لباحثين ومفكرين من أصول مشرقية أو آسيوية أو أمريكية لاتينية، ولكنهم غالباً ما تعلموا في الغرب، مثل: الإيراني برتران بادي، والباكستاني حمزة علوي، والإيراني سيد رضا، والتركي علي كازانجيل، والمصري نزيه الأيوبي، وغيرهم[11].
اللغة والتاريخ
إنَّ المقاربات التاريخية، وحتى اللغوية والثقافية العربية حول الدولة، لا تساعد كثيراً في العثور على "أصل" يُمكن البناء عليه في إعادة التفكير في الدولة، إلا إذا أردنا أن نفكر في عوامل اختلالها وعدم شرعيتها بنظر مجتمعاتها، وهذا موضوع إشكاليّ ويحتمل الكثير من النقاش. وتجد في معجم لسان العرب لـ ابن منظور مثلاً أنَّ كلمة "دولة" تعني "الفعل والانتقال من حالٍ إلى حال"[12]، وتعني في معجم المحيط للفيروز آبادي "انقلاب الزمان والدهر من حال إلى آخر"[13].
وفي مقاييس اللغة لابن فارس "دول"، "الدال والواو أصلان: أحدهما يدلُّ على تحول شيء من مكان إلى آخر، والآخر يدل على ضعف واسترخاء ... ومن هذا الباب تداول القوم الشيء بينهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض، والدَّولة والدُّولة لغتان. ويقال بل الدُّولة في المال والدَّولة في الحرب، وإنما سميا بذلك من قياس الباب؛ لأنه أمرٌ يتداولونه، فيتحول من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا"[14]. وأما كتب التواريخ والفتوح والغزو، وكذلك مقدمة ابن خلدون مثلاً، فتحيل إلى أن سيرة الدولة في تاريخ المنطقة لا تخرج عن معانيها ودلالاتها في المعاجم، أي التحول والتغير وليس الثبات والاستمرار، وشرعية القوة/الغلبة والشريعة والأمة وليس الدولة. وكما سبق القول فإنَّ هذا باب فيه نقاش كثير[15].
ثانياً- حول الدولة في سورية
إنَّ الدولة الوطنية أو دولة ما بعد الاستعمار في سورية هي ظاهرة "مُهملة" أو "لا مفكر فيها" في الفكر السياسيّ والخطاب السياسيّ، وحتى في مدارك مختلف فواعل السياسة وكذلك نظم القيم والمزاج العام، ذلك رغم الكلام الكثير عليها، ومن الممكن أن تجد مستويين رئيسين للتعبير عن الدولة الراهنة:
- الأول هو أنها دولة من صنع الاستعمار –وهذا ما تتكرر الإشارة إليه– ولابد من تجاوزها لصالح دولة أكبر تستجيب لأولويات وطموحات الأمة: عربية أو سورية أو إسلامية، إلخ.
- الثاني هو أن الدولة نفسها وباعتبار مدارك وأولويات أو خطاب نظام الحكم أو نخبة الحكم فيها "أساس" لابد منه من أجل العمل على تحقيق الأهداف الكبرى.
ويمكن ملاحظة مؤشرات كثيرة ومستمرة على وجود الطيفين أو المستويين المذكورين في الخطاب السياسيّ لدى كل أو معظم نظم الحكم في المنطقة العربية، إذ يعد كل واحد منها نفسه رائداً للعمل التوحيدي، ولولا منه لكانت الأمة خارج التاريخ!
وهكذا، فإن الدولة في سورية والمنطقة، هي "مرفوضة ومرغوبة في آن"؛ ذلك أن سورية اليوم ليست مطلب أحد تقريباً، ليس المطلوب أن تبقى على ما هي عليه الآن، ولا أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، ولكن ثمة باباً كبيراً للأمل بأن تقوم سورية ما بعد الحرب بكيفية مختلفة.
وقد كانت الدولة كذلك (أي ليست مطلب أحد!) في عقود ما قبل الحرب، انظر أدبيات مختلف الفواعل والتيارات السياسية والإيديولوجية: البعث، الشيوعية، الدينية الإسلاموية، القومية الاجتماعية، القومية العربية، إن كان لا يزال لتلك التسميات والتصنيفات من معنى قابل للتداول والمداولة اليوم، باعتبار أنها أمست شبه مهجورة أو مشوّهة ومهملة تقريباً في الفضاء السوري خلال الحرب، وربما قبلها. وقد وصفت الأدبيات المذكورة الدولة بأنها: دولة الاستعمار، ودولة سايكس بيكو، ودولة سان ريمو، إلخ.
الدولة أو ظاهرة الدولة القائمة في سورية، ليست ظاهرة أصلية أو منتجاً أصليّاً محليّاً، ولو أنها ليست مجرد أو محض تأثير خارجي، إنما هي:
- "دولة مُستورَدَة"، بالمعنى الذي يورده مثلاً السوسيولوجي الفرنسي من أصل إيراني برتران بادي. والذي يتحدث عن ديناميات وفواعل "استيراد الدولة" من المركز الأوربي والغربي إلى مناطق العالم الأخرى، ومنها المنطقة العربية والشرق الأوسط[16].
- وهي دولة من صنع الاستعمار، بمعنى أنها دولة تجزئة أو دولة سايكس بيكو، وتم ترسيمها وفرضها بقوة الاحتلال المباشر وغير المباشر، حسب تقديرات مختلف تيارات وفواعل السياسة والفكر السياسي في سورية والمنطقة، على اختلافها[17].
- هي دولة "ضد الأمة" بمعنى أنها لا تنسجم معها ولا تصدر عنها، هي ضد الأمة بمعناها العربيّ أو الإسلاميّ، باعتبار أن الأولوية في المجال التاريخي والمشرقي العربي والإسلامي هي للأمة وليس للدولة[18]. ونحن هنا نتحدث عن ظاهرة الدولة منذ تأسيسها الحديث في سورية وليس ارتباطاً بأي مرحلة زمنية محددة.
- هي دولة "ضد الملة" بمعنى أنها لا تنسجم معها، ولا تصدر عنها[19]، وهي ضد الملة بالمعنى الدينيّ المذهبيّ أو الطائفيّ، وبمعنى القبيلة والعشيرة، لأنها تمثل في أبعاد رئيسة من أبعادها تجاوزاً لها، سواء أكانت (الملة أو الطائفة أو القبيلة) تمثل جزء من مجتمع الدولة نفسها، أم "مكوناً" عابراً له ولها، كما هو الحال في سورية وعموم المنطقة العربية والشرق الأوسط، حيث تتداخل الجماعات والتكوينات الإثنية والدينية في مناطق وجودها الجغرافية والتاريخية[20].
- وهي دولة "ضد الجهة" أو المنطقة، بمعنى ما دون الدولة، إذا كان الحديث عن جهة أو منطقة مثل شرق الفرات، أو منطقة حلب، أو جبل العرب، أو المنطقة الساحلية، إلخ. ومعنى ما فوق الدولة أو العابر لها، إذا كان الحديث عن المشرق العربيّ أو الهلال الخصيب أو الوطن العربي أو الشرق الأوسط، إلخ. وهذا باب يمكن أن يكون فيه نقاش كثير.
- والأمة والملّة والقبيلة ضد الدولة بمعنى أنَّ للأوليات أولوية وقوامة على الثانية، وبالنظر إلى أنَّ الدولة جاءت وافدة أو مستوردة من الغرب، وتم إقامتها في بيئة مختلفة عن موطنها الأصليّ، ووجدت صعوبة في تبيئتها وتكييفها في مجالها الجديد. ولم تتمكن من إقامة مجتمعها وتأسيس شرعيتها بما يحفظ بقاءها وتطورها. والأصل هو إخفاق التكوينات الاجتماعية في سورية والمشرق وفي كثير من العوالم خارج أوروبا في الانخراط في الحداثة السياسية، وفي قبول فكرة الدولة قبولاً حسناً. وقد أقيمت على الدوام بنى موازية للنظم السياسية والدولة، وديناميات إدارة للحكم والسلطة مختلفة كثيراً أو قليلاً عما تحدده الدساتير والأنظمة والقوانين.
- الطبقة والشريحة الاجتماعية الاقتصادية ضد الدولة، ويتعلق بالأمر بأنماط من الفواعل الاجتماعية ذات الارتباط بالغرب مثل رجال المال والأعمال المرتبطين مصلحياً بالخارج أو بالغرب، وثمة شريحة من النخب الثقافية المرتبطة قيمياً وثقافياً بالغرب، ومنهم من ظهر ولاؤه الفعلي عند اندلاع الحرب في سورية 2011، إذ هاجر بالمعنى المادي والمعنوي إلى الخارج، ووضع نفسه في خدمته.
وأظهرت الحرب أن ثمة شريحة من فواعل السياسة والمال والأعمال، وإلى حدّ ما العسكر، كانت على ارتباط مباشر أو غير مباشر بالخارج، وعملوا خلال الحرب كل شيء ممكن ضد بلدهم، تحت عنوان "الثورة"، فضلاً عن وجود شرائح اجتماعية وثقافية واقتصادية موالية ربما فعلت الشيء نفسه تقريباً، بالنظر إلى أنها عدّت الدولة مصدراً للريع، ماديّاً ومعنويّاً. وهذه وتلك، شرائح قد لا يكون من مصلحتها إقامة دول قويّة ذات نظم حكم وقوانين وسياسات وطنية مستقلة. ويهمها أن تبقى الدولة خاضعة لفواعل الريع والكسب غير المشروع وديناميات السيطرة والتحكم من الداخل والخارج.
- هي دولة "مُتوافق عليها" حسب خرائط السيطرة في المنطقة التي تم التوصل إليها بين بريطانيا وفرنسا وروسيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى[21]، والتي تم تثبيتها أو إعادة إنتاجها بعد الحرب العالمية الثانية، وفق خرائط سيطرة تم الاتفاق عليها بين فواعل النظام العالمي الكبرى آنذاك، وبخاصّة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. ويتحدث إيمانويل والرشتين وسمير أمين وآخرون عن أن الدول في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وفي خارج أوربا، تمت "إقامتها" وفقاً لمقتضيات النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي[22].
اتبعت الدولة في سورية والشرق الأوسط مساراً قد يكون "معاكساً" لمسارها في أوروبا، إذ تشكلت قانونياً وسلطوياً قبل أن تتشكل مجتمعياً وثقافياً، أو هي لم تتمم تشكّلها الضروري هذا[23]. ولكن هذا "الانتشار" للدولة أو تبنيها لم يكن بفعل إرادة التأثر والتلقي الذاتي، أي أنه لم يكن إرادياً بالأساس، حتى لو أصبح جزئياً كذلك فيما بعد، وهو "لا يستجيب لاعتبارات داخلية بقدر ما يستجيب لعوامل خارجية المنشأ، مرتبطة أساساً بالخطر العسكري الذي كانت تمثله الدول الغربية الجديدة [وهو] ما يبين أيضاً الطابع العسكري الذي ما لبثت أن ارتدته"[24].
تتميز الدولة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهذا ينسحب في جانب كبير منه على ظاهرة الدولة في سورية، بـ:
- حضور مكثف ومقرر للعامل الخارجيّ في تشكيلها وفي سياساتها عموماً.
- أن مجتمعها لم يحقق درجة اندماج وتكامل مستقرة، كما لم يتجاوز فعلياً التشكيلات والولاءات التقليدية التي تتجاذبه أو تتنازعه، ولم يتقدم بوضوح إلى حالة المواطنة والمشاركة.
- لم يحقق النضج المؤسسي.
- لم يتطور فيها مجتمع سياسي أو مدني مقابل الدولة.
- تشهد حالة عدم استقرار مستمرة ومزمنة أحياناً، ما يهدّد بتفاقمها إلى حالة اضطراب اجتماعي وسياسي وعنف قد يصل في جانب منه إلى "حرب أهلية".
- تركُّز كبير نسبياً للموارد المادية والمعنوية في يد النظام السياسي والفواعل المؤيدة له أو المتحالفة معه.
- ضعف الأداء السياسي والمشاركة السياسية والشرعية.
ثالثاً- التنكر لـ الدولة!
كانت لدى السوريين في بدايات القرن العشرين، وبعد تَشَكُّل الدولة الحديثة، إرادة أن يكونوا شعباً يعيش "فيما تبقى" من سورية التاريخية[25]، لكن أحداً منهم لم يقتنع بأن ما حدث في تلك الحقبة، أي في بدايات القرن الماضي، كان هو السبيل الصحيح لـ "العودة إلى التاريخ"[26]، ولم يؤمن أحد منهم تقريباً بـ "نهائية الهوية" و"نهائية الكيان"، بمعنى نهائية الدولة القائمة في سورية[27].
من مفارقات السياسة والتاريخ، وهذا أمر يتعلق بالموقف من الدولة وفيه شيء من "التنكر" لها، أن الفرنسيين لم يجدوا صعوبة كبيرة في احتلال سورية[28]، خلا مقاومات جرت في مناطق معينة مثل الساحل السوري بقيادة الشيخ صالح العلي، وفي ريف حلب بقيادة إبراهيم هنانو تفاعلاً مع موقف الحركة الكمالية ضد فرنسا، وفي شرق الفرات بتأثير التدخل البريطاني والتركي.
وكان دخول الفرنسيين إلى دمشق يسيراً ومن دون عوائق تُذكر، باستثناء خروج مجموعة صغيرة من المقاتلين بقيادة يوسف العظمة لمواجهة الجيش الفرنسي القادم من بيروت لاحتلال دمشق، حيث جرت معركة ميسلون 1920[29]. ولم تسلّط الدراسات السورية الكثير من الأضواء على وقعة ميسلون، مثلاً، نظراً لما يمكن أن يكشفه ذلك من مواقف مخزية لكثير من الأعيان وفواعل السياسة في تلك الحقبة. وقد تحدّث رشيد رضا في كتابه "الرحلات الشامية" عن سوريين أو دمشقيين ذهبوا إلى بيروت للقاء الجنرال غورو واستعجال قدومه إلى دمشق[30]. ويسرد حسن الأمين ومحمد كرد علي ويوسف الحكيم وقائع كثيرة في هذا الباب، يمكن أن تساعد في تفسير ما جرى آنذاك، ولكنها لا تسعد أحداً!
لكن الأمور تغيرت لاحقاً، إذ في مدّة خمس سنوات، تحولت السهولة النسبية أمام فرنسا إلى صعوبات متزايدة، ذلك بسبب ما عُرف بالثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش. ولم أقع على دراسات كثيرة يمكن أن تساعد في تفسير ذلك التحول، من منظور سوسيولوجي أو ثقافي وحتى سياسي، ولا يزال تاريخ سورية في العصر الحديث غامضاً بالنسبة لكثير من السوريين اليوم.
في مرحلة الانتداب الفرنسي، قامت بنى تأسيسية للدولة في سورية، وتعززت إلى حدّ ما فكرة الدولة ونظمها القانونية والدستورية، ورغم كل ما حاولته فرنسا من هندسة للبناء الاجتماعي والسياسي، إلا أن ظروف الانتداب وتفاعلات البيئة الإقليمية والدولية ساعدت في خلق مجال للتفكير في السياسة والدولة والأمة بالنسبة للسوريين.
كانت الفكرة العروبية أو الفكرة الإسلاموية أو الأممية، أو حتى فكرة سورية الكبرى والهلال الخصيب، أكثر قدرة على الاستقطاب الاجتماعيّ والثقافيّ والسياسيّ في سورية. وبقيت سورية الدولة "بلا هوية" تقريباً، إلا ما خلقته قوة المجال والانتماء للدولة والنظام السياسيّ، من سياسات أو مدارك هوية مرتبطة بالدولة. وكان يتم التأكيد دائماً على أنَّ الدولة القائمة أو دولة ما بعد الاستعمار هي دولة مؤقتة ومرحلية وليس نهائية، وأن التعويل في الفكر السياسي هو على مدارك ونزعات عابرة للدولة.
واتصالاً بما ذكر أعلاه، لم تكن ظاهرة الدولة والهوية الوطنية المرتبطة بها موضوع اهتمام جِدِّيٍّ في الدرس السياسي والسوسيولوجي والمعرفي. ولم تصدر دراسات جِدِّيّة عن ظاهرة الدولة رغم "تضخمها" أي الدولة[31]، و"تجبرها" أحياناً، بل والتمركز حول نظم الحكم والإيديولوجيا التي لم تكن تُعِرها (الدولة والهوية الوطنية) كبير اهتمام، لأن "الدولة" كانت توصف –كما تتكرر الإشارة– بأسوأ الأوصاف مثل: دولة التجزئة، دولة الاستعمار، دولة سايكس-بيكو، إلخ.
هذا، وطوال عدة عقود، كان الخطاب حول الدولة مرتبطاً بـ النظام السياسي ومتمركزاً حوله، وما إن يطرأ تغير في موازين واتجاهات القوى وتقديرات الحكم وفواعله وحتى الأشخاص الممسكين به، حتى ينعكس ذلك تلقائياً على معنى الدولة والهوية والهوية الوطنية، فتقوى وتتعزز اتجاهات على حساب أخرى، أو يصيبها الضعف والتفكك ويتضاءل وزنها وتأثيرها.
رابعاً- التمسك بالدولة
إنَّ التمسك بالدولة في سورية (أو ما عرف لاحقاً باسم سورية) هو ظاهرة قديمة! ويمكن تلمُّس مؤشرات كثيرة على ذلك منذ بدايات القرن العشرين وفق تقدير قريب، ولو أن فكرة الدولة السورية (أو الدولنة في سورية) كانت أسبق من ذلك التاريخ. ولكن المؤشرات الأكثر بروزاً كانت مع اقتراب الانهيار العثمانيّ، وتزايدت في مرحلة الحرب العالمية الأولى إلى أن أصبحت فواعلها وتياراتها –على اختلافها– واقعاً ملموساً وقوّة اجتماعية وسياسية واضحة، وبخاصةٍ مع الإعلان عن المملكة السورية والحكومة العربية في دمشق للفترة الواقعة بين 1918-1920[32].
رفض السوريون تقسيم بلادهم إلى دويلات أو كيانيات منفصلة أو شبه منفصلة على أسس دينية أو إثنية أو جهوية، كما رفضوا الفدرالية[33]، ورفضوا إقامة كيانية كلدوآشورية كردية عربية في شرق الفرات في ثلاثينيات القرن الماضي[34]. ويرفضون حتى الآن المشروعات المطروحة حول طروحات الكيانيات الجهوية أو الدينية والفدرلة التي تم ويتم تداولها منذ بدء الحرب الدائرة في البلاد آذار/مارس 2011.
خامساً- ديناميات متعاكسة حول الدولة
يشهد العالم اليوم تطورات متعاكسة حول ظاهرة الدولة، إذ ثمة تراجع أو تغير في مقام وفكرة الدولة والسيادة والانتماء والولاء، في ظل العولمة وثورة الهويات وعصر التدفقات الشبكية، إلخ[35]، وثمة بالمقابل عودة الاهتمام بفكرة الدولة وظاهرة الدولة من قبل العلوم الاجتماعية حول العالم، وبخاصّة الغرب[36]، باعتبار التطورات الحاصلة في بلدان ومجتمعات الأطراف، وحتى بروز النزعات اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها.
إنَّ الدولة أو ظاهرة وتجربة وخبرة الدولة في سورية، هي ظاهرة "مسكوت عنها" و"متنكر لها" و"لا مفكر فيها"، بالمعنى المعرفيّ والقيميّ والسوسيولوجيّ والتاريخيّ وحتى القانونيّ والدستوريّ. وتبدو الدولة في سورية كما لو أنها "أقل من الطموح"، بل إن "فكر" أو "مخيال" الدولة يتجاوز –صعوداً وهبوطاً– حدود ومعنى الدولة في اللحظة الكولونيالية (أو دولة سايكس بيكو) إلى معانٍ عابرة للحدود، سواء كانت دولة عربية واحدة، أو دولة إسلامية، أو دولة سورية الطبيعة أو دولة على خط الأممية أو معاني ما دون الدولة بالمعنى الجهوي والمناطقي والطائفي والقبلي، إلخ.
وهكذا، فإنَّ "دولة الانتداب" وما عُرف لاحقاً بـ "الدولة الوطنية" أو "دولة ما بعد الاستعمار"، كانت شيئاً مختلفاً عمّا فكّرت فيه أو نظّرت له أو أمِلَتْهُ أو ربما حاوَلَتْهُ فواعل الفكر والسياسة في سورية، أي أنها نشأت بتأثير عوامل عديدة من أبرزها:
- ديناميات الانتشار والانتقال والمثال والمنوال في اللحظة الانتدابية الاستعمارية،
- وإكراهات السياسة الإقليمية والدولية،
- والأهم، هو الاستعدادات والقابليات المحلية لأن تتشكل المنطقة دولاً أو كيانيات تحت الانتداب الفرنسي أو البريطاني أو غيرهما وعلى أسس مصلحية أو جهوية، إلخ.
تقف فكرة "إعادة التفكير في الدولة" في حالة الحرب وما بعد الحرب أو في المرحلة الانتقالية من الحرب إلى السياسة، إذا صح التعبير، بين ديناميتين:
- الأولى هي أنَّ إقامة نظام حكم ودولة "أقل مركزةً" للقوّة والسلطات، وللمقولات السياسية والإيديولوجيات والتطلعات ...، هذا أساس مطالب الحل السياسيّ حسب ما تطرحه فواعل مثل الولايات المتحدة وحلفائها، وربما هو جزء من متطلبات سوريين متأثرين بخطاب وتقديرات المعارضة، وربما مطالب سوريين آخرين مقتنعين بذلك أو مدفوعين بمدارك طارئة نتيجة الحرب.
- الثانية هي أن إعادة الإعمار وبناء سياسات متوازنة ومستقرة، وتوزيع الموارد، وحكم القانون، إلخ، يتطلب "مركزة أكيدة" للسلطات وإقامة دولة قوية وقادرة، ولكن مع ضمانات بتخفيف مركزة السلطات أو توزيعها في مرحلة لاحقة، تحت معايير وضوابط الحوكمة وحكم القانون والمشاركة السياسية.
- يمكن الحديث عن دينامية ثالثة بين هذه وتلك، وتتمثل بتحدّي التوصل إلى صيغة "توازن" ما أمكن وبشكل "آمن" و"متوافق عليه"، سوريّاً وداخليّاً، في المقام الأول بين إعادة بناء "دولة مركزية قوية" وبين "دولة أقل مركزية"، وتوزيع الموارد والسلطات بشكل متوازن. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن إعادة البناء في ظل دولة ضعيفة، وكيف يمكن الإدماج الاجتماعي وتحقيق التنمية والأمن الاجتماعي والسياسي وغيره في ظلّ دولة "الحدّ الأدنى" من القوة!؟
سادساً- ضد الدولة، مع الدولة
ظهر في الحرب السوريّة ديناميتان متعاكستان تجاه الدّولة، واحدة ضدها وقد عدّتها هدفاً للصراع السياسي وليس مظلة له، والأخرى معها وقد عدت الدفاع عن النظام السياسيّ هو دفاع عنها (الدولة). وماهت الديناميتان بين النظام السياسي والدولة، إذ تمثل الدولة موضوعاً للصّراع السياسيّ والحرب، بمعنى –ويبدو أننا نكرر هنا– أن طرفاً يهدمها بذريعة العمل على إسقاط النظام السياسيّ، وطرفاً يدعم النظام السياسي بذريعة الحفاظ على الدّولة.
ضد الدولة
ظهر في الحرب نوع من "المماهاة" الفجة –ولكن المتوقعة– بين النظام السياسيّ والدولة، وجرى استهداف الدولة تحت عنوان استهداف أو معارضة النظام السياسيّ، وهكذا كانت الدولة موضوعاً للحرب، و"خصماً" و"غنيمةً" بالنسبة للمعارضين. وحدث ما يشبه ذلك لدى الموالين، شريحة منهم على الأقل، لجهة عدّ الدولة غنيمةً أيضاً. ويبدو أن الموقف من ظاهرة الدولة له جذور عميقة في الاجتماع والاجتماع السياسي في سورية، على اختلاف الفواعل والاتجاهات والتيارات.
وظهرت محاولات لإقامة بنى بديلة للدولة وكيانيات دولتية أو شبه دولتية بتأثير عوامل عديدة منها الإجهاد الداخلي وتراجع قدرة وسلطة الدولة، والتدخل الخارجي متعدد الفواعل والأشكال والأنماط والرهانات، والدفع باتجاه دولة هشة وغير قادرة على ممارسة أدوار وأهداف خارج حدودها، وحتى مجرد الدفاع عن مصالحها وأولوياتها.
أظهرت شرائح اجتماعيّة، كبيرة نسبياً، قابلية كبيرة لتلقي التأثيرات الخارجية، والدخول في رهانات الآخرين تجاه سورية، ومنها فواعل معادية تاريخياً لها، مثل: الولايات المتحدة و"إسرائيل" اللتين من المفترض أن أهدافهما وغاياتهما معروفة لدى السوريين. وأظهرت شرائح أخرى نوعاً من الانسحاب من المشهد أو على الأقل عدم الرغبة بالانخراط النشط فيه، شيء من اللامبالاة أو التخلي والاغتراب، وربما الشعور بالعجز عن فعل أي شيء.
وقد لاحظ الأكاديمي الأمريكي من أصل إيراني سيد ولي رضا نصر، أنَّ مجتمعات الباكستان وماليزيا والهند لم تقاوم بصورة جِدِّية التدخل الخارجي في بلدانها[37]. وحدث مثل ذلك لدى كثير من السوريين، في المنطقة الجنوبية من سورية تجاه التدخل الإسرائيليّ والأمريكيّ في الأزمة السورية[38]، إذ ظهرت أنماط استجابة متفاوتة مثل: القبول بذلك والانخراط فيه، أو التعاون النسبي معه، إلى مجرد السكوت عمّا يجري، وربما حدث نوع من "المقاومة" لدى شريحة من الناس أيضاً.
وحدث مثل ذلك وأكثر بالنسبة لموقف شريحة كبيرة من السوريين في إدلب وريف حلب تجاه التدخلات التركية والأمريكية وحتى الإسرائيلية هناك. وأما في شرق الفرات، فثمة ديناميات اختراق وديناميات استجابة مشابهة تقريباً[39].
مع الدولة
الثانية هي التمسك بالدّولة والدّفاع عنها بوصفها الإطار الجامع للسوريين، والقوة الرئيسة لمواجهة الأزمة، وإعادة البناء لمرحلة ما بعد الحرب. وكان موقف شريحة من السوريين مع النظام السياسيّ بالنظر إلى "المماهاة" التلقائية أو النسبية بينه وبين الدولة، وإن استهداف "النظام" هو مقدمة لاستهداف الدولة، ذلك أن المطلوب من الحرب بنظر هؤلاء هو تغيير "النظام" من أجل تغيير طبيعة الدولة نفسها.
هذا، ورغم كلّ ما جرى طوال الحرب، تحديداً في ذروتها، فإنَّ الدولة لم تسقط، وذلك ليس بفعل الدّعم الخارجي فحسب، وإنما لأن فيها ولديها مقولات وفواعل وديناميات وقابليات استمرار وبقاء. ولم تتصرف الدولة كمجرد فاعل في الحرب، إنما بقيت تقوم بأدوارها –ما أمكنها من أدوار– تجاه المجتمع في أحلك الظروف، أن تكون فوق الجميع، واحتواء أي محاولة لإقامة شرعية أخرى موازية أو بديلة، وعدم الاعتراف بأي مشروعات مقترحة من أجل إعادة بناء الدولة على أسس فدرالية أو ما شابه ذلك. والتمسك بوحدة المجتمع والجغرافيا والسيادة، تحت أي ظروف.
وواصلت الدولة –بدرجات متفاوتة من الأداء– مهامها في الأمور الأساسية، مثل: تأمين المتطلبات الأساسية، والتعليم والصحة، حتى الرواتب كانت التي تدفعها للعاملين في مناطق خارج سيطرتها. وهكذا، فقد أظهرت مقدرة عالية نسبياً على الاستمرار، كما أظهر المجتمع أو شرائح كبيرة منه تمسكاً عالياً نسبياً بها.
سابعاً- دروس الحرب
إنَّ من أوّل الدروس التي يفترض استخلاصها من الحرب، فيما يتصل بالدولة، هو ضرورة الحفر عميقاً في مصادر وطبقات الخطاب والسلوك حول السياسة والدولة، وحول فواعل الحرب وأسبابها، من أجل الحيلولة دون الوقع في حرب أخرى في المستقبل.
هذا، وبعد مئة عام تقريباً من إقامة الدولة السورية الأولى (1918-1920)، وبعد سنوات من الحرب السورية منذ العام 2011، يمكن القول: إنَّ تجربة الدولة لم تكن محلّ دراسة وتدقيق بالمستوى المطلوب حتى الآن، وأما بالنسبة للحرب فلم تتم دراستها كما ينبغي لها كحرب مثلت تحدياً وجودياً غير مسبوق للمجتمع والدولة في سورية. ثمة محاولات لا تزال محدودة بهذا الخصوص، ولا تزال ابتدائية أو تجريبية، وبلا أفق للاستمرار، وهكذا، فلا يزال السوريون من دون أي استخلاصات جادة لدروس وخبرات الحرب.
وقد مثّلت الحربُ تحدياً للمقولات الفكرية والنظرية والإيديولوجية في البلد وحوله، البعث والشيوعية والقومية الاجتماعية والليبرالية والاشتراكية والطائفية والجهوية وغيرها، التي أخفقت جميعها تقريباً في قراءة ما يجري في المنطقة والعالم، وفي توقع حدوث ما حدث في سورية، وحتى في قراءة مطابقة لما حدث، فضلاً عن الإخفاق في اقتراح أجندة ممكنة للحلّ ولسورية ما بعد الحرب. وحتى الآن، لم توضع تلك النظريات والمقولات والتيارات الإيديولوجية تحت مساءلة واختبار المعنى والجدوى، كما لم يشعر أصحابها بضرورة (أو بالقدرة على) القيام بأي شيء على هذا الصعيد!
ثمة نمطية عامة محتملة حول إعادة البناء ما بعد الحرب يشعر أطراف كثيرون أنها موائمة، وهي عادة تؤخذ من تجربتين أو نمطين عامين:
- الأول هو المركزية الغربية في السياسة والنظم السياسية والدستورية، وما يعتقد الغرب وحلفاؤه ومريدوه أنه منسجم مع معايير الديمقراطية والمشاركة وبناء الأمم والدول.
- الثاني هو تجارب الغرب بالذات في "بناء الدول" ما بعد الحرب، وبخاصّةٍ بناء الدول بعد الاحتلال الأمريكي، كما حدث في أفغانستان والعراق، وثمة تجارب البناء الدستوري والدولتي التي تولتها أو شاركت فيها الأمم المتحدة كما في البوسنة وتيمور الشرقية وعدد من الدول الأفريقية التي شهدت أزمات وحروباً داخلية وخارجية مركبة[40].
ثامناً- الدولة ما بعد الحرب
تتيح الحربُ فرصةً لإعادة التفكير بالدولة، لكن طبيعة السجال حول الحلّ أو التسوية في سورية لا توحي بوجود أي محاولة لفعل ذلك، مجرّد تفكير في ذلك، وما نقوله هنا يتعلق بالحاجة إلى إعادة طرح مسألة الدولة وهويتها وطبيعتها والموقف المجتمع منها، وموقفها من المجتمع، والموقف من السياسات والتفاعلات مع الخارج أو الآخر.
وقد بدت سورية طوال الحرب كما لو أنها "لا داخل لها"، كما بدا الخارج بالنسبة لها "داخلاً"، ثمة نوع من التداخل والتماهي المهول في المشهد السوري، وهذا إذ يمثل تهديداً، فإن بالإمكان عده فرصة أيضاً أو محاولة أن يكون كذلك.
السؤال المطروح اليوم هو: أي دولة في سورية ما بعد الحرب، إذ يمثل السجال حول شروط ومتطلبات الحل أو التسوية واحدة من تحديات الحرب وما بعدها؟ ما يعني أنَّ الحلّ قد لا يصدر عن قراءة معمقة لدروس الحرب ولأولويات وبداهات التفكير السياسي والمصلحة الوطنية، حتى هذا المستوى من النقاش خلافي هو أيضاً، إذ ما معنى التفكير السياسي لدى السوريين وما هو براديغمه وأولياته، وما معنى سورية بالذات، وما الذي يمثل فرصة-تهديداً بالنسبة للسوريين، وهل يمكن التوصل إلى أدنى توافق حول هذه الأمور؟
وهل ينبغي أن تكرّس عملية التسوية أو الحلّ إرادةَ الفواعل الدوليّة والإقليميّة التي حققت غلبةً نسبيّةً في الحرب، هل هذا مطروح بالفعل؟ أم تراعي أفكاراً "متفقاً عليها" حول الدولة، وضرورة خلق ميزان وعقد اجتماعيّ وعقد دستوري جديد؛ وما دور "الخارج" و"الآخر" في ذلك؟
ثمة مستوى آخر من الأسئلة، مثل: ما الاشتراطات الكبرى الكامنة خلف إعادة طرح مسألة الدولة في سورية، وهل يخاف الموالون فيحاولون السكوت عن مسألة الدولة باعتبار أن تجربة الدولة قبل الحرب والدروس المستفادة منها تعزز ما كان من دون أي حاجة للتغيير؟ وهل يخاف المعارضون من الاستمرار في (أو العودة إلى) دولة تمركز السلطات والموارد وعوامل القوة والقرار، بما يؤدي –من منظورهم– إلى تسلُّطية جديدة، فيحاولون الحيلولة دون ذلك (التمركز)؟ وإلى أي حد يمكن أن تتمفصل إرادة عدم التمركز لدى هؤلاء مع إرادة الخارج الذي لا يريد دولة قوية في سورية؟[41]
وهكذا، فإنَّ إعادة التفكير بالدولة في ظلّ الحرب محكومة بسؤال رئيس وهو أي دولة يريد السوريون، وإلى أي حدٍّ يمكن أن يتوافقوا على ذلك، وأي دولة يريدها أو يمكن أن يقبل بها حلفاء وخصوم كل طرف منهم؟
يتعلق الأمر بمسارات ومآلات الحرب الدائرة اليوم، والتجاذبات القائمة والمحتملة حولها، والأهم هو قدرة السوريين على الاقتراب من مشروع بناء "عقد اجتماعيّ جديد" فيما بينهم، بوصفهم سوريين في المقام الأول[42]، وليس فقط بوصفهم عرباً وكرداً أو مسلمين ومسيحيين أو علويين وسنة وشيعة، وليس بوصفهم قبائل وعشائر أو أبناء مناطق وجهات، أو بوصفهم مدناً وأريافاً وبوادي، أو شرائح وطبقات، إلخ، وعندما تفكر الدول وفواعل الأزمة السورية في دستور لسورية، فهي تفكّر في محدّدات السياسة والدولة السورية، ولا بد أنها تعمل ما أمكنها على فرض تصورها للدولة التي تريدها أو تريد أن تتعامل معها في المستقبل[43].
تاسعاً- أي مقاربة ممكنة؟
تتطلب المقاربة الجادّة لظاهرة الدولة في سورية، وضرورة إعادة التفكير فيها، في ضوء خبرة وتجربة الحرب، وتغيير قواعد التفكير والنظر إلى السياسة، وتغيير شروط وحدود التفكير، انطلاقاً من الواقع والمعيوش وليس الإيديولوجي والدوغمائي.
أي منوال؟
قد لا يكون ثمة "منوال" صالح بالتمام لاتّباعه، إنما يمكن التدقيق في تجارب وخبرات التحديث السياسيّ، وإعادة بناء النظم السياسية وحتى الدول في مرحلة ما بعد الحرب، وبخاصّةٍ في أوروبا واليابان (وحتى الاتحاد السوفييتي) في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتمثل تلك التجارب موضوعات للبحث والدراسة وليس "منوالاً" أو "مثالاً"، لأنَّ الظروف والإمكانات والاستعدادات والقابليات تختلف بحسب كل حالة، ومن ثم فإن المطلوب هو التفكير في "إطار حاكم" لعملية إعادة التفكير بالدولة يتمثل بأولوية بناء دولة قوية وقادرة وعادلة، وهذا باب فيه نقاش كثير.
أي نقطة ارتكاز؟
لا أحد يستطيع أن يزعم بوجود نصٍّ أو خطابٍ في سورية يمكن الارتكاز عليه في التفكير حول الدولة أو إعادة التفكير بالدولة، لا قبل الحرب ولا بعدها. وبعد كلّ أهوال الحرب قد تكون منفّرة أو غير صالحة العودةُ إلى كتابات سابقة قد نعثر عليها بصعوبة، وربما لا نجد لها تأثيراً كبيراً في الخطاب السياسيّ والسياسات العمليّة في سورية.
وإذا أمكن التوافقُ على مقولة أنَّ الحربَ طالت كلَّ شيء في سورية تقريباً، بما في ذلك فكرة الدولة نفسها، فسوف يكون من المناسب أو من الضروري مناقشة السبل الممكنة لإعادة طرح أسئلة السياسة والدولة، ودروس مستفادة من تجربة الحرب حول الدولة.
لعلَّ أول المهام الملحّة أمام المثقفين وفواعل الثقافة والفكر والسياسة هو "فتح باب الاجتهاد" في السياسة والدولة، و"زحزحة" البنى العقدية والأفكار والمدارك النمطية حول الدولة، وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ الحرب فجّرت تلك البنى أيضاً، ولا يمكن لأي منها الزعم بأن لديه إجابات حول ما جرى وحول الأجندات الممكنة للمستقبل.
الاستخدام العمومي للعقل!
هذا يذكر بقولةٍ مشهورة لـ إيمانويل كانط في نصٍّ شهير له بعنوان "ما التنوير؟"، يدعو فيها إلى "الاستخدام العموميّ للعقل"، وإذا كان استخدامُ العقل على نحو ما يدعو إليه كانط أي مواجهة الظلام وبناء الإنسان الجديد المتنور، فإنَّ مواجهة ظلام الحرب الدائرة في بلدنا المشرقي الجميل أوجب. وإن أمكن ذلك، فسوفُ يكونُ الخروجُ من أطر الدوغمائيات المغلقة أمراً بالغ الحساسيّة والصعوبة والإلحاح، فلا يعودُ للبعثيّ أو الشيوعيّ أو القوميّ الاجتماعيّ أو الإسلامويّ أو الليبراليّ –إن كان لا يزال لتلك التسميات من دلالات واضحة– متسعٌ للقول: إنَّ نصوصاً أو وثائق حزبية حول السياسة والأمة والدولة كتبت قبل أكثر من سبعين عاماً لا تزال صالحة، وقد سبقت الإشارة إلى أنَّ كلَّ هؤلاء أو أكثرهم كان مناهضاً بكيفية أو أخرى لفكرة أو منطق "الدولة الوطنية" بوصفها دولةً من صنع الاستعمار! ولو أنهم ليسوا سواء.
إعادة الاعتبار للدولة
لا بدَّ من إعادة الاعتبار لفكرة ومسألة الدولة والدولة الوطنية، والهوية الوطنية، وما يمكن أن نسميه –مؤقتاً– أسس أو مصادر الشخصية السوريّة ومشروع الدّولة في سورية. ومراجعة العقد الاجتماعيّ الذي طالته الحرب بصورة مباشرة، بل بناء عقد اجتماعيّ جديد. وتأصيل أو تعزيز الأسس الثقافية والتاريخية والاجتماعية لظاهرة الدولة في سورية، وتدبر السبل الممكنة للعبور إلى الدولة، بما في ذلك سياسات التماسك والبناء الاجتماعي والسياسي والثقافي، إلخ.
نتحدث هنا عن "إعادة التفكير" في سياسات وديناميات إنتاج وإعادة إنتاج للدولة وحتى للمجتمع، ومعنى الدولة وسلطتها وشرعيتها العميقة، بكل ما يعنيه ذلك من مراجعة معمقة للمقولات السابقة حول دولة التجزئة والاستعمار.
إنَّ نقطة البداية الممكنة أو الواجبة بالنسبة لسورية هي "إحضار الدولة" من حيز "اللامفكر فيه" و"المتنكر له" إلى حيز التفكير والبحث الجادّ والمعمق، وتفكيك وضعية مركبة ومعقدة للسياسة والدولة والحرب في الخطاب والفكر، ونظم القيم السياسية والاجتماعية وغيرها.
عاشراً- الإشارات والتنبيهات
- وضعَ الحدثُ السوريُّ المجتمعَ والدولةَ في سورية أمام تحديات وجودية كبرى، غير مسبوقة، ولا متوقعة. ولعلَّ من أهم "حسنات" الحروب والأزمات الكبرى أنها تفتح الأبواب المُغلقة، وأحياناً ما تمثل "فرصة" لتناول أسئلة ومواجهة قضايا كان "مسكوتاً عنها" و"متنكرا لها" ولا مفكراً فيها"، مثل: سؤال الدولة، والهوية الوطنية، والدين، والبناء أو التكوين الاجتماعي، والمواطنة، وتداول السلطة.
- إنَّ إعادة التفكير في الدولة هي مهمة أساسية وأول بند من أجندة ممكنة أو محتملة لسورية ما بعد الحرب. بصورة تعيد الاعتبار لفكرة الدولة أو الدولة الوطنية أو الدولة الراهنة وتدرجها، بالمعنى الذي يمكن أن تتوافق عليه فواعل السياسة في سورية.
- تقف فكرة "إعادة التفكير في الدولة" بين ديناميتين: الأولى هي إقامة نظام حكم ودولة "أقل مركزةً" للقوة والسلطات، وهذا أساس مطالب الحل السياسي حسب ما تطرحه فواعل مثل الولايات المتحدة وحلفائها. والثانية هي بناء دولة مركزية قوية من أجل الأمن والاستقرار اللازمين لإعادة الإعمار، وهذا أساس ما يريده النظام السياسيّ والدولة في سورية.
- ظهر في الحرب السورية ديناميتان متعاكستان تجاه الدولة، واحدة ضدها وقد عدتها هدفاً للصراع السياسي وليس مظلة له، والأخرى معها وقد عدت الدفاع عن النظام السياسي دفاعاً عنها.
- إنَّ من أول الدروس التي يفترض استخلاصها من الحرب، فيما يتصل بالدولة، هي ضرورة الحفر عميقاً في مصادر وطبقات الخطاب والسلوك حول السياسة والدولة، وحول فواعل الحرب وأسبابها، من أجل الحيلولة دون الوقع في حرب أخرى في المستقبل.
- بعد مئة عام تقريباً من إقامة الدولة السوريّة الأولى (1918-1920)، وبعد سنوات من الحرب السورية منذ العام 2011، يمكن القول: إنَّ تجربة الدولة لم تكن محل دراسة وتدقيق بالمستوى المطلوب حتى الآن، وأما بالنسبة للحرب فلم تتم دراستها كما ينبغي لها كحرب مثلت تحدياً وجودياً غير مسبوق للمجتمع والدولة في سورية.
- مثّلت الحربُ تحدياً للمقولات الفكريّة والنظرية والإيديولوجية في البلد وحوله، التي أخفقت جميعها تقريباً في قراءة ما يجري في المنطقة والعالم، وفي توقع ما حدث في سورية، وحتى في قراءة مطابقة لما حدث، فضلاً عن الإخفاق في اقتراح أجندة ممكنة للحلّ ولسورية ما بعد الحرب.
- السؤال المطروح اليوم هو: أي دولة في سورية ما بعد الحرب إذ يمثل السجال حول شروط ومتطلبات الحل أو التسوية واحداً من تحديات الحرب وما بعدها؟ ما يعني أن الحل قد لا يصدر عن قراءة معمقة لدروس الحرب ولأولويات وبداهات التفكير السياسي والمصلحة الوطنية، حتى هذا المستوى من النقاش خلافي هو أيضاً.
- إن إعادة التفكير في الدولة في ظل الحرب محكومة بسؤال رئيس وهو أي دولة يريد السوريون، وإلى أي حد يمكن أن يتوافقوا على ذلك، وأي دولة يريدها أو يمكن أن يقبل بها حلفاء وخصوم كل طرف منهم؟
- الأهم هو قدرة السوريين على الاقتراب من مشروع بناء "عقد اجتماعي جديد" فيما بينهم، بوصفهم سوريين في المقام الأول، وليس فقط بوصفهم عرباً وكرداً أو مسلمين ومسيحيين أو علويين وسنة وشيعة، وليس بوصفهم قبائل وعشائر أو أبناء مناطق وجهات، أو بوصفهم مدناً وأريافاً وبوادي، أو شرائح وطبقات، إلخ.
- تتطلب المقاربة الجادة لظاهرة الدولة في سورية، وضرورة إعادة التفكير فيها، تغيير قواعد التفكير والنظر إلى السياسة، وتغيير شروط وحدود التفكير، انطلاقاً من الواقع والمعيوش وليس الإيديولوجي والدوغمائي.
- قد لا يكون ثمة "منوال" صالح بالتمام لاتباعه، إنما يمكن التدقيق في تجارب وخبرات التحديث السياسيّ وإعادة بناء النظم السياسية وحتى الدول في مرحلة ما بعد الحرب. ومن ثم فإن المطلوب هو التفكير في "إطار حاكم" لعملية إعادة التفكير بالدولة يتمثل بأولوية بناء دولة قوية وقادرة وعادلة.
- لعلَّ أول المهام الملحة أمام المثقفين وفواعل الثقافة والفكر والسياسة هو "فتح باب الاجتهاد" في السياسة والدولة، و"زحزحة" البنى العقدية والأفكار والمدارك النمطية حول الدولة، و"الاستخدام العمومي للعقل"!
- لا بدَّ من إعادة الاعتبار لفكرة ومسألة الدولة والدولة الوطنية، والهوية الوطنية، وما يمكن أن نسميه –مؤقتاً– أسس أو مصادر الشخصية السورية ومشروع الدولة في سورية. وتأصيل أو تعزيز الأسس الثقافية والتاريخية والاجتماعية لظاهرة الدولة في سورية، وتدبر السبل الممكنة للعبور إلى دولة قوية ومستقرة.
خاتمة
تناولت الورقة "إعادة التفكير في الدولة" في بلد مثل سورية يعاني حرباً لا مثيل لها تقريباً منذ آذار/مارس 2011، وفي عصر التدفقات العالمية، حيث لم تعد الدولة ومنذ زمن بعيد لاعباً رئيساً أو حصرياً في المشهد العالمي. وقد تغيرت مفاهيم الوطن والانتماء والهوية والولاء والعمل والاتصال، إلخ، بدرجة تجعل من مفهوم الدولة كما عرفته دراسات الدولة والعلوم الاجتماعية والسياسية مفهوماً متقادماً أو مُجهَدَاً وبحاجة ماسّة للمراجعة وإعادة البناء.
إنَّ إعادة التفكير بالدولة تتناول مسألة تجمع متغيرين رئيسين هما: الدولة بكل تبعات الحرب التي طالتها في قلبها وروحها، إذا صح التعبير؛ والمجتمع الذي بدا لبعض الوقت أنه انفجر بعقده الاجتماعي وبدولته، والعكس صحيح، وبكل التناقضات والانقسامات والانشقاقات والأمراض القديمة والناشئة أو المستجدة فيه. ثمة إذن إيقاعان مختلفان، أي الدولة والمجتمع، فمن أين يبدأ العمل، ومن يقوم به، وكيف؟
وإذ تريد سورية وحلفاؤها دولة أكثر ثباتاً من جهة وأكثر قدرة على احتواء مصادر التهديد من جهة ثانية، فإنَّ المعارضة وحلفاءها يريدون دولة مختلفة بالتمام إن أمكن، وإن لم يكن فدولة أقل صلة بما كان قبل الحرب –من حيث تمركز مصادر القوة والموارد– وأقل قدرة على إثارة المتاعب!
قد تدفع التجاذبات والرهانات الإقليمية والدوليّة، وإلى حدٍّ ما الداخلية، نحو إقامة دولة تكون "مستقرة بما يكفي" في الداخل، ولكن "غير قادرة" على مباشرة طموحات خارج حدودها، دولة مصممة بحيث تكون مفخخة بالعنف ومن الصعب على أي إيديولوجية أو كتلة اجتماعية أن تعيد النظر في سياساتها ومواقفها أو موقعها في النظام الإقليميّ والعالميّ، وإذا فكرت فواعل أو قوى بذلك، فهذا يعني تجدد الصراع داخل الدولة نفسها. والعراق ولبنان مثالان يمكن أن يساعدا في توضيح ذلك.
ليس الهدف من "إعادة التفكير في الدولة" هو العودة إلى ما كان قبل الحرب، ولا القطع معه بالكلية، إنما دولة تنبثق من أولويات الاجتماع السياسي في سورية، ومن خبرة الحرب، وتطلعات السوريين إلى دولة قوية وآمنة وعادلة.
إنَّ مدارك وخبرات السياسة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وما يسميه بيير بورديو "اليقينيات الأولية"[44] في الاجتماع والسياسة تجعل من إقامة دولة مستقرة مسألة شبه مستحيلة، إذ ثمة تناقض في قلب السياسة، يتعلق الأمر بمقام السلطة والدولة بالنسبة للأمة أو الجماعة المسلمة أو الجماعة المؤمنة، لمن تكون الأولوية والشرعية؟ وتأثير السياسة الدولية وطبيعة نظام التغلغل والاختراق الخارجي، والتكوين الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية، إلخ. وهذا باب فيه نقاش كثير، ولكن يجب ألا يدعو لليأس والقنوط، إنما للعمل واجتراح الحلول. وعندما ندرس التاريخ، نجد أن البدائل والتحولات الأكثر إشراقاً كانت تبرز في اللحظات الحالكة!
المراجع
الكتب
- إبراهيم، عبد الله. المركزية الغربية: إشكالية التكون والتمركز حول الذات. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات، ط 2، 2002.
- الأمين، حسن. سراب الاستقلال في بلاد الشام: 1918-1920. بيروت: دار الريس للكتب والنشر، ط 1، 1998.
- الأمين، حسن. غارات على بلاد الشام. دمشق: دار قتيبة، ط 1، 2000.
- الأيوبي، نزيه. العرب ومشكلة الدولة. بيروت: دار الساقي، 1992.
- الأيوبي، نزيه. تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط. ترجمة: أمجد حسين. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2010.
- بادي، برتران وماري كلود-سموتس. انقلاب العالم: سوسيولوجيا المسرح الدولي. ترجمة: سوزان خليل. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006.
- بادي، برتران. الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي. ترجمة: لطيف فرج. القاهرة: دار العالم الثالث، 1996.
- بادي، برتران. السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام. ترجمة: لطيف فرج. بيروت: مدارك للأبحاث والنشر، 2017.
- بادي، برتراند. سوسيولوجيا الدولة. ترجمة: جوزيف عبد الله وجورج أبو صالح. بيروت: مركز الإنماء القومي، [د.ت].
- باروت، محمد جمال. التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
- بورديو، بيير. عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس. ترجمة: نصير مروة. بيروت: المركز العربي للأبحاث والدراسات، 2016.
- الجنابي، ميثم. علم الملل والنحل: تقاليد المقالات والأحكام في ثقافة الإسلام. قبرص: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، 1994.
- ديب، كمال. تاريخ سورية المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011. بيروت: دار النهار، 2011.
- رضا، رشيد. رحلات إلى سورية 1908-1920. تحرير: زهير ظاظا. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، 2001.
- روبرتس، ج. تيمونز وإيمي هايت. من الحداثة إلى الدولة: رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي. ترجمة: سمر الشيشكلي. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، 310، 2004.
- سلامة، غسان. المجتمع والدولة في المشرق العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1987.
- ضاهر، مسعود. مشكلات بناء الدولة الحديثة في الوطن العربي. نيقوسيا-قبرص: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، 1994.
- العروي، عبد الله. مفهوم الدولة. بيروت: المركز الثقافي العربي، 1984.
- فرومكين، ديفيد. سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط الحديث، 1914-1922. ترجمة: أسعد إلياس. بيروت: دار الريس، 1992.
- كاستلز، إيمانويل. سلطة الاتصال. ترجمة: محمد حرفوش. القاهرة: المشروع القومي للترجمة، 2014.
- كوثراني، وجيه. بلاد الشام في مطلع القرن العشرين: السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في وثائق الدبلوماسية الفرنسية. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
- محفوض، عقيل سعيد. خط الصدع في مدار ك وسياسات الأزمة السورية. بيروت: دار الفارابي، 2017.
- المعلم، وليد. سورية: 1916-1946. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2016.
- نصر، سيد ولي رضا. اللّفياثان الإسلامي: الإسلام وتشكيل سلطة الدولة. بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2016.
- يسين، السيد. شبكة الحضارة المعرفية: من المجتمع الواقعي إلى العالم الافتراضي. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 1، 2009.
الدراسات
- محفوض، عقيل سعيد. الحدث السوري: مقاربة تفكيكية. دراسة. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012.
- محفوض، عقيل سعيد. الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟. دراسة. دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016.
- محفوض، عقيل سعيد. العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية. مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018.
- محفوض، عقيل سعيد. ضفدع نيتشه: مقاربات معرفية وسياسية للأزمة السورية. دراسة. دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017.
المعاجم
- ابن فارس. معجم مقاييس اللغة. تحقيق: عبد السلام هارون. بيروت: دار الفكر، ج 2، 1979.
- ابن منظور. لسان العرب. بيروت: دار صادر، ط 3، 2003.
- الفيروز آبادي. معجم المحيط. بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، ط 8، 2005.
المواقع الإلكترونية
- محفوض، عقيل سعيد. "تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 17 أيلول/سبتمبر 2018. https://goo.gl/pTQCEV
- محفوض، عقيل سعيد. "مزاولة المستحيل! تحرير الكُرد من الرهَان على الأمريكي ومن الارتهان له"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. https://goo.gl/Xcb8TU
- محفوض، عقيل سعيد. "هل أتاك حديث الدستور؟"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 3 أيلول/سبتمبر 2018. https://goo.gl/4iU7oq
عقيل سعيد محفوض
- كاتب وأستاذ جامعي.
- تتركز اهتماماته العلمية حول المنطقة العربية وتركيا وإيران والكرد.
- عضو الهيئة العلمية في مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مِداد.
- يكتب تحليلات ومقالات رأي في عدد من المنابر الإعلامية والسياسية والبحثية.
- صدر له:
- كتب
- جدليات المجتمع والدولة في تركيا: المؤسسة العسكرية والسياسة العامة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2008).
- سورية وتركيا: الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009).
- السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية – التغيير، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
- تركيا والأكراد: كيف تتعامل تركيا مع المسألة الكردية؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
- تركيا والغرب: "المفاضلة" بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2013).
- الأكراد، اللغة، السياسة: دراسة في البنى اللغوية وسياسات الهوية، (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).
- خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017؛ بيروت: دار الفارابي، 2017).
- كورد نامه: في أسئلة السياسة والحداثة لدى الكرد (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018؛ بيروت: دار الفرقد، 2018).
- مخطوط
- الأمن في عصر الحداثة الفائقة: المفاهيم، الأبعاد، التحولات، (مخطوط تحت النشر).
- ليفياثان المشرق: حول نشوء "الدولة الوطنية" أو "دولة ما بعد الاستعمار" في سورية، مقاربات تفسيرية، (مخطوط).
- دراسات وأبحاث
- سورية وتركيا: "نقطة تحول" أم "رهان تاريخي"؟ (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
- الحدث السوري: مقاربة "تفكيكية"، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012). (إلكتروني).
- الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟ (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
- دروس الحرب: أولويات الأمن الوطني في سورية، مقاربة إطارية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
- صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016).
- مفهوم الأمن: مقاربة معرفية إطارية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2016).
- مراكز التفكير: المحددات، الكيفيات، التحديات، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
- القنفذ والثعلب: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
- العنف المقدس: في الأسس الثقافية لعنف الجماعات التكفيرية، (الرباط: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والدراسات، 2017).
- ضفدع نيتشه؟ مقاربات معرفية في قراءة الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
- حيث يسقط الظلّ! الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- عودة المسألة الشرقية تحولات السياسة والدولة في الشرق الأوسط، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- سُوريّة والكُرد: بين المُواجَهَة والحوار، أي أَجِندة مُمكِنَة؟، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- الجبهة الجنوبية: هل تسعى إسرائيل لتعديل اتفاق الفصل 1974؟،(دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- رايات بيضاء: حول سياسة المصالحات والتسويات في الأزمة السورية، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- استلابُ الكُرد: صورةُ مشروعِ "قوات سوريا الديمقراطيّة"، ولادتها وموتها!، (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2018).
- أوراق بحثية في مؤتمرات أو كتب جماعية
- "العرب في تركيا": محور تواصل أم تأزيم؟ بحث في مؤتمر العرب وتركيا نُشِرَ في كتاب جماعي (2012).
- سياسات إدارة الأزمة السورية: "الإدارة بالأزمة"؟ بحث في كتاب جماعي، (2013).
- الشرق الأوسط بعد 100 عام على الحرب العالمية الأولى: من "المسألة الشرقية" إلى "الدولة الفاشلة"، هل هناك سايكس-بيكو جديد؟ (مؤتمر بيروت 19 -22 شباط/فبراير، 2015).
- من المظلومية إلى الفعل: تحديات فواعل المقاومة في عالم ما بعد الأحدية الغربية، في مؤتمر: (غرب آسيا في عالم ما بعد الأحادية الغربية: تحديات المرحلة الانتقالية، بيروت، 7 أيلول/سبتمبر 2017).
- في ثقافة الكراهية: الظاهرة الدينية، الحرب، التوحش، (المؤتمر الدولي الأول لحوار الأديان، بيروت، 12-13 أيلول/سبتمبر 2017).
- العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، (مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018).
- إعادة التفكير بالدولة في حالات ما بعد الحرب: قراءة في ضوء الأزمة السورية، (المؤتمر الثقافي السوري، دمشق، 16-17 كانون الأول/ديسمبر 2018).
[1] عقيل سعيد محفوض، خط الصدع في مدار ك وسياسات الأزمة السورية (بيروت: دار الفارابي، 2017).
[2] عقيل سعيد محفوض، الحدث السوري: مقاربة تفكيكية، دراسة (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
[3] أدت الحرب العالمية الأولى إلى تشكيل العالم دولتياً وحداثياً، بسرعة كبيرة، حطمت إمبراطوريات وأقامت دولاً وحدوداً سياسية ونظاماً دولياً، إلخ، ثم إن الحرب العالمية الثانية عززت ما كان من نتائج الحرب الأولى، وزادت في ترسيخ فكرة الدولة ونظام الدولة والنظام العالمي، إلخ، إذ أدت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مثلاً إلى دخول الحداثة السياسية والتشكيل الدولتي في المنطقة العربية والشرق الأوسط، كما أدت إقامة "إسرائيل" إلى حالة حرب أو مواجهة وعدم استقرار دائمة في المنطقة، وكذلك فعلت الحروب العربية-العربية، والعربية-الإيرانية، والتركية-الكردية وغيرها، بالإضافة إلى الصراعات داخل كل دولة من دول المنطقة.
[4] بيير بورديو، عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس، ترجمة: نصير مروة (بيروت: المركز العربي للأبحاث والدراسات، 2016)، ص 18.
[5] عبد الله العروي، مفهوم الدولة (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1984).
[6] برتران بادي، الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي، ترجمة: لطيف فرج (القاهرة: دار العالم الثالث، 1996).
[7] عقيل سعيد محفوض، ضفدع نيتشه: مقاربات معرفية وسياسية للأزمة السورية، دراسة (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017).
[8] عقيل سعيد محفوض، خط الصدع في مدار ك وسياسات الأزمة السورية، مرجع سابق.
[9] نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، ترجمة: أمجد حسين (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2010)، وعبد الله العروي، مفهوم الدولة، مرجع سابق. وللمزيد حول المركزية الغربية انظر مثلاً: عبد الله إبراهيم، المركزية الغربية: إشكالية التكون والتمركز حول الذات (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات، ط 2، 2002).
[10] بيير بورديو، عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس، مرجع سابق.
[11] انظر مثلاً: نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية: السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، مرجع سابق، مواضع مختلفة.
[12] ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار صادر، ط 3، 2003).
[13] الفيروز آبادي، معجم المحيط (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، ط 8، 2005).
[14] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون (بيروت: دار الفكر، ج 2، 1979)، ص 314.
[15] انظر مثلاً: عبد الله العروي، مفهوم الدولة، مرجع سابق؛ وبرتران بادي، السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام، ترجمة: لطيف فرج (بيروت: مدارك للأبحاث والنشر، 2017).
[16] برتران بادي، الدولة المستوردة: تغريب النظام السياسي، مرجع سابق.
[17] تكاد الفكرة حول أن الدولة من صنع الاستعمار أن تكون مستقرة في الخطاب السياسي والإعلامي والتربوي والثقافي وخطاب الأحزاب السياسية.
[18] نزيه الأيوبي، العرب ومشكلة الدولة (بيروت: دار الساقي، 1992).
[19] في مفهوم الملة، انظر مثلاً: ميثم الجنابي، علم الملل والنحل: تقاليد المقالات والأحكام في ثقافة الإسلام (قبرص: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، 1994).
[20] عقيل سعيد محفوض، العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، (مؤتمر الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية، دمشق، 20-21 كانون الثاني/يناير 2018).
[21] حول "الخرائط السورية الأولى"، انظر مثلاً: عقيل سعيد محفوض، الخرائط المتوازية: كيف رسمت الحدود في الشرق الأوسط؟، دراسة (دمشق: مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2016)؛ وحول ديفيد فرومكين، سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط الحديث، 1914-1922، ترجمة: أسعد إلياس (بيروت: دار الريس، 1992).
[22] إيمانويل والرشتين، "البزوغ والزوال المستقبلي للنظام الرأسمالي: مفاهيم للتحليل المقارن"، في: ج. تيمونز روبرتس وإيمي هايت، من الحداثة إلى الدولة: رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغيير الاجتماعي، ترجمة: سمر الشيشكلي (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، 310، 2004).
[23] برتراند بادي، سوسيولوجيا الدولة، ترجمة: جوزيف عبد الله وجورج أبو صالح (بيروت: مركز الإنماء القومي، [د.ت])، ص 89.
[24] المرجع السابق، ص 90.
[25] غسان سلامة، المجتمع والدولة في المشرق العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1987)، ص 59.
[26] عقيل سعيد محفوض، العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، مرجع سابق.
[27] تحدث السوريون عن خرائط أولى لدولتهم المنشودة منذ بدايات القرن العشرين، وتم التعبير عن مطالب قومية وكيانية أو دولتية فيما عرف بالمؤتمر العربي الأول في باريس 1913، وثمة وثائق كثيرة لجمعيات ومنتديات ومنابر ثقافية تتحدث في مسألة الحكم والدولة قبيل الانهيار العثماني ونهاية المسألة الشرقية. وكانت لدى السوريين رؤى خاصة بهم حول الحكم والدولة، منفصلة نسبياً عن السلطنة العثمانية، وقد ظهرت جزئياً مثلاً في مداولات النخب والفواعل الثقافية والسياسية السورية مع الشريف حسين قبل مراسلات الأخير مع مكماهون، ثم مداولات مؤتمر الصلح في باريس 1919، إلخ.
[28] حسن الأمين، سراب الاستقلال في بلاد الشام: 1918-1920 (بيروت: دار الريس للكتب والنشر، ط 1، 1998)، ص 291. وقد وقعت معركة ميسلون يوم (24 تموز/يوليو 1920)، وفي يوم (25 تموز/يوليو) كان الجنرال "غوابييه" يتجول في شوارع دمشق على رأس جنوده فاتحاً مزهواً، وقد "استُقبِلَ بالإقبال والتحشد والتدافع، بل بما هو أفظع من ذلك، إذ تقدم أبو شكري الطباع وزمرته وفكّوا حصاني المركبة وربطوا أنفسهم مكانها وجرّوا العربة المركوبة بغورو ..."، انظر: حسن الأمين، غارات على بلاد الشام (دمشق: دار قتيبة، ط 1، 2000)، ص 232-234.
[29] حسن الأمين، سراب الاستقلال في بلاد الشام، مرجع سابق.
[30] رشيد رضا، رحلات إلى سورية 1908-1920، تحرير: زهير ظاظا (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، 2001)، ص 301.
[31] نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، مرجع سابق.
[32] انظر مثلاً: وجيه كوثراني، بلاد الشام في مطلع القرن العشرين: السكان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصهيوني: قراءة في وثائق الدبلوماسية الفرنسية (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ومسعود ضاهر، مشكلات بناء الدولة الحديثة في الوطن العربي، (نيقوسيا-قبرص: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، 1994)، ص 15-30، ومواضع مختلفة.
[33] انظر مثلاً: وليد المعلم، سورية: 1916-1946 (دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2016)؛ كمال ديب، تاريخ سورية المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011 (بيروت: دار النهار، 2011).
[34] انظر: محمد جمال باروت، التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية: أسئلة وإشكاليات التحول من البدونة إلى العمران الحضري (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).
[35] برتران بادي وماري كلود-سموتس، انقلاب العالم: سوسيولوجيا المسرح الدولي، ترجمة: سوزان خليل (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006)، وإيمانويل كاستلز، سلطة الاتصال، ترجمة: محمد حرفوش (القاهرة: المشروع القومي للترجمة، 2014)؛ والسيد يسين، شبكة الحضارة المعرفية: من المجتمع الواقعي إلى العالم الافتراضي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 1، 2009).
[36] نزيه الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، مرجع سابق.
[37] سيد ولي رضا نصر، اللّفياثان الإسلامي: الإسلام وتشكيل سلطة الدولة (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2016).
[38] عقيل سعيد محفوض، "تحديات ماثلة: حول المسارات والإكراهات الرئيسة في الأزمة السورية"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 17 أيلول/سبتمبر 2018. https://goo.gl/pTQCEV
[39] عقيل سعيد محفوض، مزاولة المستحيل! تحرير الكُرد من الرهَان على الأمريكي ومن الارتهان له، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. https://goo.gl/Xcb8TU
[40] عقيل سعيد محفوض، "هل أتاك حديث الدستور؟"، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 3 أيلول/سبتمبر 2018. https://goo.gl/4iU7oq
[41] المرجع السابق.
[42] عقيل سعيد محفوض، العبور إلى الهوية: في الاستجابة الممكنة لتحديات ما بعد الحرب في سورية، مرجع سابق.
[43] عقيل سعيد محفوض، "هل أتاك حديث الدستور؟"، مرجع سابق.
[44] بيير بورديو، عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس، مرجع سابق، ص 300.
سيريا ديلي نيوز - مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"
2019-04-01 11:52:06