انتهى ما يحصل في سوريا على اختلاف مسمياته بالنسبة لكل جانب، حرب كانت صراع أم أزمة عسكرية، ولكن أياً كان الذي حدث فسيترك حتماً خلفه آثار، وما حدث في سوريا ترك خلفه ظاهرة "التجار" الذين ارتبط اسمهم بالتسمية التي يروق لكل طرف إطلاقها (تجار أزمة، تجار حرب،...) ولكنهم تسمية التجار هي التي لم يختلف عليها طرفان.
التجارة بدأت مع الأحداث، لكن كانت بأشكال متعددة: تجارة أرواح أو أسلحة أو مناطق، وانتهاء النزاع العسكري أنهى معه الكثير من هذه التجارات، لكن بقي منه فلول "تُجار الاقتصاد"، والذين كانوا -على عكس لطافة تسميتهم- أحد جبهات الصراع الخفية، والأكثر "شيطنة" لما تَملّكته من وسائل متطورة استحضرتها لتدعم بها تجارتها، وتنهك معها العملة الوطنية.
رؤوس أموالهم التي نمت مع تصاعد الأحداث لم يرغبوا بأن تتقلص مع انخفاض وتيرتها، فلم تنتهِ هذا التجارة بعد لأن أصحابهم ممن عَلت أرصدتهم في ظل الفلتان الأمني الذي كان سائداً، عَملوا على الحفاظ عليها من بعد، باللعب على وتر الاقتصاد وتحريك العملة بالاتجاه الذي يناسبهم بطرق ملتوية، فسطوة المال أمّنت لهم سطوة إعلامية، لتُؤمن لهم هي الأخرى سطوة "التحكم بالرأي العام".
استخدام قوة الإعلام نقطة ذكاء تحسب لهم، لأن اللعب بالاقتصاد وتحريكه، يحتاج لتحريك كتلة مالية باتجاه معين، وتحريك هذه الكتلة تتطلب تحريك أصحابها، وبالتالي استخدام الإعلام لتحريكها هو "دهاء اقتصادي" استُخدم بإنشاء صفحات بجماهيرية عالية توجه ردة فعل الناس بسخط على مؤسسة، والرضا على غيرها، وهذا هو ما فعله كُثر من هؤلاء التجار، عن طريق صفحات عملت على بناء ثقة بالأخبار الواردة منها في معظم المجالات مما أعطاهم بالتالي ثقة بآرائهم.
صفحات تُدير سوق الأسهم، وأخرى تتحكم بمفاصل الاقتصاد وتفاصيله، وغيرها توجه الرأي العام ضد المؤسسات الحكومية وسياساتها، المشكلة هو أن اللعبة كانت على حساب العملة الوطنية، واستخدام الثقة التي بُنيت مع الجمهور تحت مسميات إعلامية أعطى للعبتهم الاقتصادية رداء الشريعة، وتلك الصفات والمسميات التي سبقت أسماءهم أبعدت عنهم شُبهات التلاعب واللعب بالعملة، ونظفت أيديهم من تهمة انهيار قيمتها والإساءة لها، مستغلين فرض مزيد من العقوبات أنهكت الاقتصاد،ما شكَّل أزمة موجعة جلعت من كل محاولات المؤسسات الحكومية للنهوض بالعملة تبدو بائسة ومن دون جدوى.
"الحرب لم تنتهِ.. الحرب الآن بدأت" حرب أعلتنها دمشق لمواجهتها العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من الخارج، لكن مع إدراك أن هذا يتطلب سداً اقتصادياً منيعاً في الداخل يمنع تهاوي العملة أكثر، فما قاله الرئيس السوري "بشار الأسد" في كلمته الأخيرة بأن "هناك صفحات تسيء لقيمة العملة الوطنية" يشير إلى أنه لم تعد المتاجرة بالعملةخفية، والحرب التي انتهت عسكرية وقضت على تجار كثر ليست عاجزة عنهم، والدقيقة الثلاثين من كلمة الرئيس الأخيرة تُنذر بقرب القضاء على "فلول الاقتصاد".
سيريا ديلي نيوز- خاص
2019-03-24 20:46:58