خلال السنوات الماضية أثبت نشاط إنتاج منتجات الدجاج /لحم وبيض/ مرونة كبيرة في مواجهة صدمات الأزمة الشديدة التي تعرض لها، سواء منها ما كان مباشراً ناجماً عن قيام المجموعات المسلحة بتخريب وتدمير منشآت تربية الدجاج جزئيا أو كلياً أو سرقة تجهيزاتها أو إخضاعها للحصار ومنع أصحابها من استثمارها، أو تهجير العاملين فيها. أو منع نقل مستلزمات الإنتاج والمنتجات من الأسواق للمداجن أو العكس. أو بشكل غير مباشر نتج عن تداعيات الأزمة وتأثيرها العميق على الاستثمارات الموظفة في القطاع وعلى سعر الصرف وتكاليف الإنتاج، وتوفر مستلزمات الإنتاج.
إلا أن إصرار العاملين في القطاع بمختلف مكوناته، على استمرار إمداد السوق بمنتجات الدجاج مدفوعين بتوجه حكومي حقيقي لدعم هذا القطاع باعتبار منتجاته مكوناً أساسياً من مكونات الأمن الغذائي، ورغم ما تعرضوا له من خسائر مالية جسيمة، كان عاملاً حاسماً في تحدي الضغوطات التي تعرض لها القطاع.
وليس الحال مقتصر فقط على الدواجن بل في بقية الثروة الحيوانية التي عانت الكثير وتراجع إنتاجها وحسب مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» فقد حققت سورية طوال السنوات التي سبقت الأزمة قفزات إنتاجية كبيرة على صعيد القطاع الزراعي بشقه الحيواني، ولاسيما أن تلك القفزات جاءت بسبب السياسات والإجراءات الناجحة التي انتهجتها الدولة على مدار سنوات مضت، وأدت إلى تحولات مهمة على صعيد الانتاج الحيواني وعزز ما تحقق من العوائد الاقتصادية موارد الخزينة من العملات الصعبة، لكن تدهورت إنتاجية الحيوانات ومرد ذلك إلى عدم تلقي هذه الثروة احتياجاتها الحقيقية من الغذاء والرعاية الكافية، واتسم القطاع بتخلف نظم الانتاج، إذ تقل حيازة 78% من مربي الأغنام عن 100 رأس وتقل حيازة 83% من مربي الأبقار عن 5 رؤوس بقر و71% من مداجن البياض طاقتها تتراوح بين 5-10 آلاف طير، وانه مثل هذه الطاقات الانتاجية لا ينتظر أن تحقق اقتصادية عالية من التربية.
وجاء حسب معطيات المركز أن الثروة الحيوانية تأثرت بشكل كبير بالأزمة وانعكس هذا التأثير بشكل ملحوظ على أعداد القطيع، إذ تشير التقديرات إلى أن الانخفاض يقدر بنسبة 30 % من أعداد الأبقار والماعز والأغنام و40% من أعداد الدواجن نظراً لتهريب الثروة الحيوانية إلى الدول المجأورة أو قتلها أو ذبحها بشكل عشوائي بسبب أرتفاع اسعار الاعلاف. وأدت الأزمة إلى تغيرات كبيرة في الإنتاج الحيواني فقد شهد إنتاج معظم المكونات تراجعاً كبيراً وصل إلى حدود خطيرة في بعض السنوات إذ تراجع انتاج لحم الدجاج والبيض تراجعاً بوسطي سنوي يقارب نحو( -3، 10 % و-2-8% على التوالي نظراً لارتفاع تكاليف إنتاجه وخروج قسم من منشآت الإنتاج خارج الخدمة. وأشارت البيانات الرسمية إلى انخفاض عدد منشآت الدواجن وتراجع في انتاج الاسماك أيضاً.
لا أحد يستطيع أن ينفي حجم ودور الدعم الحكومي لقطاع الدواجن أولاً حيث كانت البداية إعفاء العاملين في القطاع من ضريبة الدخل وضريبة الارباح الحقيقية لمدة خمس سنوات تلاها تمديد الإعفاء خمس سنوات إضافية، كما أن حزمة من مطالب العاملين في القطاع كانت موضع استجابة فورية من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، فضلاً عن مبادرات تولدت من الوزارة ذاتها إدراكاً منها للدور الريادي لقطاع الدواجن في بنية الاقتصاد الزراعي وبهدف المحافظة على ديمومة العملية الإنتاجية وتذليل جميع الصعوبات التي يعانيها هذا القطاع الاقتصادي الحيوي والمهم، حيث وافقت الحكومة على تكليف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، المؤسسة العامة للأعلاف، بتأمين مقنن علفي خاص بالدواجن حسب الحاجة التي تقدرها وزارة الزراعة للتدخل الإيجابي بالسوق لاستقرار الأسعار وبيعه للمربين بسعر التكلفة، وكذلك تكليف وزارة الكهرباء بتطبيق تعرفة استجرار الطاقة الكهربائية لمنشآت الدواجن وملحقاتها وفق التعرفة المفروضة على المشاريع الزراعية والتنسيق مع وزارة الزراعة بخصوص تحديد هذه المنشآت. وتكليف وزارة النفط والثروة المعدنية بتوجيه فروع شركة المحروقات في المحافظات بإعطاء الأولوية لتسليم منشآت قطاع الدواجن ومشاريعها من مادتي المازوت والغاز بالتنسيق مع المحافظين ومديري الزراعة في المحافظات وبيع المازوت لقطاع الدواجن بالسعر المدعوم حكومياً، والطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السماح بإدخال بيض التفريخ لأُمّات البيّاض بدون إجازة استيراد أسوة باستيراد صيصان أُمّات البياض والفروج والجدات، وتسهيل مرور البرادات المحملة بالصوص وبيض الفقس، والطلب أيضاً من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تسعير منتجات الدواجن حسب واقع أسعار تكاليف الإنتاج الحقيقية لهذه المنتجات وأجور النقل في الظروف الحالية وبما يحقق مصلحة المنتج والمستهلك، وتوجيه بإلغاء الـ 10 % نسبة تسليمات التصدير المفروضة على مصدري الدواجن. وتخفيض الرسوم المفروضة على تصديق المخططات الهندسية اللازمة لترخيص المداجن. وتمديد مدة تجديد الإشراف الفني لمنشآت الإنتاج الحيواني لسنتين بدلاً من سنة واحدة.
ويقول المهندس عبد الرحمن قرنفلة المختص في الإنتاج الحيواني: ساهم في دعم الإنتاج السماح لمربي الدواجن باستيراد كسبة فول الصويا أوالذرة الصفراء العلفية من الدول المجاورة والاكتفاء بالكشف الحسي فقط من قبل اللجان المختصة وفقاً للطاقة الانتاجية للمدجنة. وتمت الموافقة والسماح لمستوردي الأعلاف بالاستيراد بأسمائهم مباشرة من دون الرجوع إلى المؤسسة العامة للأعلاف (إلغاء حصر استيراد الأعلاف بالمؤسسة حالياً) وتمديد وقف ضريبة الضميمة المفروضة على استيراد الذرة والشعير العلفيين ومن ثم إلغائها نهائياً. كما كان للتشجيع المباشر من قبل السيد وزير الزراعة للمربين للعودة إلى حلقات الإنتاج دور مهم في دعم حركة عجلة الإنتاج.
ومن جانب آخر قامت الحكومة بدعم وتطوير القدرات الانتاجية للقطاع العام العامل في إنتاج الدواجن من خلال توسيع الطاقات الإنتاجية لبعض المنشآت وتزويدها بالتقنيات الحديثة لرفع قدراتها الإنتاجية وزيادة نسبة مساهمتها في إجمالي الإنتاج للبلاد.
لقد كان للإجراءات الحكومية مترافقة بالانتصارات التي حققها جيشنا العربي السوري في تحرير كثير من مناطق الإنتاج، تأثير كبير في عودة أعداد مهمة من المداجن إلى الإنتاج والمساهمة في إمداد السوق بمنتجات الدجاج، وقد ساهم ذلك في إحداث زيادات انتاجية كبيرة وخاصة في مجال بيض المائدة بدأت تظهر مع بداية العام الجاري ما أدى إلى زيادة حجم العرض على حجم الطلب في ظل غياب حركة التصدير ما تسبب في حدوث انهيار تدريجي حاد في أسعار المبيع وضرر كبير للمربين، وقد أدركت وزارة الزراعة خطورة ذلك على مجمل العملية الإنتاجية وكان لمتابعة وزير الزراعة شخصياً الدور المهم في دفع الحكومة لتوجيه «السورية للتجارة» للتدخل وشراء فائض إنتاج المربين من البيض وتوسيع دائرة تسويقه والحد من خسائر المربين.
وعن أسعار السلع الزراعية عموماً وسعر مادة بيض المائدة يقول الخبير قرنفلة: يقصد بالسعر العادل السعر الذي ينال رضا أطراف التبادل في السوق بحيث يغطي تكاليف الإنتاج ومعدل ربح عادي، ناتج عن حرية منافسة مشروعة بدون اتفاق أو تواطؤ بين فئات المنتجين أو البائعين أو فئات المشترين. والسعر العادل للسلع يعد حماية للمستهلك والمنتج من الانفلات غير المبرر للأسعار ويضمن ضبط الأسواق التي يعاني من تشوهاتها جميع المواطنين. ومن المنطق تحديد تكلفة إنتاج أي سلعة وتحديد هوامش ربح لكافة العاملين في السلسلة التسويقية للسلعة وعدم تجاوزه وبما يحقق استمرار تدفق السلعة إلى السوق وتوفرها بسعر يسمح للمستهلك بشرائها، ولعل الاضطراب المفاجئ بسعر كثير من السلع والمنتجات الزراعية يرتبط بخلفيات تعوزها البراءة لأنها تخلق فوضى في السوق تحقق مصلحة فئات محددة من العاملين في سلاسل التسويق ما يقتضي توفر مرجعية وطنية لتحديد السعر.
ومن المعروف أن تحديد السعر العادل من مسؤولية السلطات المسؤولة عن التسعير ووضع السياسة السعرية.. وعليها ان تستعين بأصحاب الخبرات من أهل السوق والمنتجين وتدرس تكاليف الإنتاج والخدمات التالية له من نقل وخزن وتسويق وكذلك تدرس الاسعار التاريخية للسلعة وأسعار السلع البديلة ومستوى القدرة الشرائية وحجم الطلب وكل المتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي يمكن أن تساعد في تحديد السعر العادل للسلعة التي يراد تسعيرها. نظراً لأن السعر العادل له آثار إيجابية على التنمية الاقتصادية للبلد وعلى تعزيز فرص الاستثمار وعلى القوة الشرائية للعملة الوطنية ويؤدي السعر وظائف مهمة كموجه لتوزيع الموارد الاقتصادية بين مختلف الأنشطة وكأداة مهمة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب وبالتالي فإن الأسعار تستخدم كمؤشر مهم لتحديد تكاليف الفرص الاستثمارية وتقييم العوائد.
ومن المطلوب تنمية مهارات الكادر المسؤول عن وضع وإدارة التسعير بالمستوى الذي يجعله قادراً على وضع سياسة سعرية تخدم بشكل مباشر استراتيجية التنمية. وهذا سيكون له أثر على الاقتصاد الوطني بمختلف مكوناته، ففي حال اعتمدت معايير مناسبة في ضبط السوق ستتأثر جميع القطاعات الاقتصادية إيجاباً ويجب على السلطة المسؤولة عن التسعير عدم تحديد السعر أو توحيده إلا مع تعويض البائع المتضرر.
وللسياسة السعرية أهداف قد تتجاوز مصلحة المستهلك المباشرة ومنها تشجيع الإنتاج المحلي من خلال الحماية الجمركية وإنتاج سلع مهمة لتحقيق جوانب الأمن الغذائي وتستخدم السياسة السعرية لتوجيه الانتاج وترشيد الاستهلاك وإعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة والسياسة السعرية جزء مهم من السياسة الاقتصادية للدولة
تدخل إيجابي يحمي المنتج والمستهلك
تعتبر حماية المنتج من الخسائر الخطوة الاكثر أهمية في حماية المستهلك من فورات ارتفاع الأسعار، حيث يؤدي استقرار العملية الإنتاجية إلى استقرار أسعار المبيع للمستهلك والمساهمة بحدوث تنافس يقود إلى خفض تلك الأسعار، ويضيف قرنفلة: ومن هنا كان للتدخل الذي قامت به السورية للتجارة تنفيذا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء تأثير فوري على تحريك أسعار بيع البيض في الأسواق حيث ارتفع سعر مبيع الطبق /30 بيضة/ في أسواق الجملة من 650 ليرة إلى1010 ليرات تقريباً خلال ثمانية أيام من بدء «السورية للتجارة» بالتدخل واستجرار فائض انتاج المربين. وهو سعر مقبول نسبيا ويوقف مسلسل الخسائر التي لحقت بالعاملين في قطاع انتاج بيض المائدة .
يقول مربي الدجاج البياض محمد رضا جمعة: أعمل في مهنة انتاج بيض المائدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً حيث تابعت عمل والدي في هذه المهنة، ومن خلال تجربتي الطويلة تأكد لي أن الدولة تعتبر الضامن الوحيد والراعي الأساسي لمهنتنا، حيث يتأثر قطاعنا بحدة بالإجراءات الحكومية. ورغم عدم حصولنا على أي دعم مالي مباشر أسوة بمنتجي عدد من المحاصيل الزراعية، ولم يتم تشميل صادراتنا بمظلة دعم الصادرات الزراعية السورية، إلا أن الحكومة ساهمت بشكل أو بآخر بدعم القطاع من خلال سياسات متعددة ومنها الإعفاء من الضرائب وتأمين حماية للقطاع من المنتجات المستوردة، وكان للخطوة الأخيرة بتوجيه مؤسسات التدخل الإيجابي لامتصاص فائض انتاجنا من البيض دور ايجابي في الحد من الخسائر التي تعرضنا لها نتيجة انخفاض سعر مبيع البيض لمادون التكلفة.
ومن جانبه أكد المربي عبد العزيز جندل أنه يعمل من وقت طويل في انتاج بيض المائدة ويذكر أن القطاع تعرض لكثير من الصعوبات والمشاكل وخاصة خلال سنوات الأزمة التي كان تأثيرها كبيرا جدا على تشغيل المداجن، ويرى السيد جندل أن تدخل الحكومة ضروري لاستمرار عمل القطاع الذي يوفر البيض ولحم الدجاج للمستهلكين.
اما المربي معتز العيسى فيقول : نشكر الحكومة ووزارة الزراعة و«السورية للتجارة» على تدخلهم بامتصاص فائض انتاجنا من البيض ما ساهم بتحسن اسعار البيض في السوق وجنبنا المزيد من الخسائر واعتبر العيسى أن الحكومة تمثل رب الأسرة بالنسبة للمنتجين والمواطنين وبقدر رعايتها لهم ينتعش الإنتاج ويتحسن الاقتصاد.
المصدر تشرين
سيريا ديلي نيوز
2017-08-10 09:27:35