سنوات من الحرب عاشها السوريون بكل ما تحمله من مآسي حاولوا من خلالها أن يتكيفوا مع الوضع الراهن، ومارسوا أنواع الفن كافة وارتادوا المقاهي، وعلى الرغم من تردي الأحوال الاقتصادية، إلا أن الإصرار على الحياة كان سيد الموقف، ومن أجل ذلك نشأت بعض المقاهي الشعبية التي تتلاءم وذوي الدخل المحدود، عملت على تغطية بعضاً من حاجات المواطنين في الترفيه عن أنفسهم، بسعر يناسبهم، في حين وجد قسم آخر أن الهدف الذي تأسست من أجله تلك المقاهي لم تتوافق مع غاياتها، وكانت مطالب المواطنين في جهة والأسعار في جهة أخرى..

كما هو معلوم، يعكس المقهى الشعبي تغيرات المجتمع بشكل عام، إذ بات الشبان والنساء يرتادونه، وحاول أن يحافظ على مكانته التاريخية في دمشق أمام اجتياح المقاهي الحديثة أرصفة المدن الكبرى، وفي أربعينات القرن الماضي، كان يتميز عن الآخر بالشخصيات السياسية والثقافية البارزة التي كانت ترتاده، ومنه ترتسم الملامح العامة للمقهى، وكان رواده ينقسمون من خلاله إلى قطاعات فكرية وسياسية، أما اليوم، فقد تغيرت الأمور، وبدأ الشباب الراغبون في إعادة العمل الترفيهي في المؤسسات المقهى، بعدما كان وقفاً على كبار السن؛ حيث لم يكن الشباب يجرؤون على دخول المقهى بسبب وجود كبار الشخصيات التي كانت تنظر إليهم بازدراء.

اليوم، مع غزو الفئات العمرية الشابة التي استهوتها عادة تدخين النرجيلة الشائع في المقاهي منذ سنوات قليلة مضت، يبدو أن المقاهي سمة الشباب لا الفئات العمرية الشابة أو المثقفة، حيث سابقاً لم يكن يدخن النرجيلة من كان عمره دون الخمسين، أما اليوم فأصبحت عادة اجتماعية مقبولة حتى بين النساء، ربما هذا أحد الأسباب المهمة التي دفعت الكثيرين للتفكير بعمل المقاهي بشكل عام نظراً لوجود فئات عمرية مختلفة من الممكن أن تزورها.

بسبب الأحداث التي تعيشها البلاد وخروج كثير من المعامل والورشات عن العمل، زادت نسبة البطالة بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى ارتياد عدد كبير من الشباب المقهى بسبب البطالة المرتفعة، وهي ظاهرة لم تكن ملموسة في الماضي، في مرحلة ما قبل الأزمة، يضاف لها ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس التي برزت منذ سنتين، وهنا لا بد من الحديث عن أحد الأوجه السيئة للمقاهي الشعبية، والتي نظراً لسعرها الرخيص نسبياً، فإنها أصبحت تضم أعداداً لا بأس بها من فئات عمرية مختلفة، ولا يهم سواء كانوا طلاباً أو عاطلين عن العمل؛ حيث يمكن لشاب في الخامسة عشر من العمر أن يدخن النرجيلة ويقضي خمس ساعات أو أكثر في مقهى شعبي دون أن يمنعه أحد.

الواضح، أن سبب ارتياد العديد من الشباب المقاهي الشعبية يعود إلى سعرها الرخيص وسط موجة الغلاء التي تشهدها البلاد، ومع هذا، تعمد الحافظة بين كل فترة وأخرى إلى تنظيم الأمر، عبر وضع مجموعة من الضوابط لعملها، سواء ناحية تطبيق معايير السلامة والصحة البيئية، والشروط الصحية، أو حتى عبر تطبيق نظام أسعار موحد لها، ومع هذا، وعبر استطلاع بسيط، يمكن ملاحظة أن أصحاب تلك المقاهي عمدوا إلى إجراء ما يلزم وحسب أهواءهم، ليكون قرار المحافظة تحصيل حاصل لا أهمية له في الإطار العام فرفع السعر سبق القرار بأشواط.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات