يقوم التفسير اللغوي لمسمى الإصلاح على الإشارة الذاتية والداخلية بشكل أو بآخر إلى وجود درجة ما من الخلل والفساد تحتاج إلى علاج وتصحيح، مما ينطوي على إدانة خفية لنظم وأساليب الأداء والقيادة ويضخم إلى حد ما من مقاومة التغيير لدى القائمين على العمل العام.
وللقيام بعملية الإصلاح لابد من «الفهم.. والوصف.. والقرار» كي لا نطبق المثل الشائع ((أسمع عجيجاً ولا أرى طحيناً)) ولابد أن يكون منطلق الإصلاح داخلياً ونابع من الإرادة الذاتية للقائمين على العمل ورغبة حقيقية في تنفيذ عملية الإصلاح....
لكن للتذكير فإن مشروع الإصلاح الإداري انطلق من قرابة عقد من الزمن حتى أن إحدى الحكومات أطلقت على نفسها «حكومة الإصلاح الإداري »... ولكن دون استراتيجيات أو أهداف أو مشاريع وللأسف بدون معايير تقييم أداء..
في ظل ما تقدم وفي ضوء توجيهات السيد الرئيس الأخيرة أمام اجتماع الحكومة منذ أكثر من شهر والذي حدد بشكل واضح الأهداف ومعايير التقييم« رضا المواطن والرضا الوظيفي » وربطها بعنصر الزمن فإن مشروع الإصلاح الإداري تجاوز الرغبة الذاتية والداخلية للقائمين على الأعمال للقيام بما هو مفترض واجب لهم وأصبحنا أقرب إلى عملية تصحيح وربما تكون بأجهزة خارجية عن الجهات القائمة بالعمل.
فعمليات الإصلاح الإداري تهدف إلى إدخال تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة بما تكفل تحسين مستويات الأداء ورفع كفاءة النظم الإدارية القائمة من خلال تغيير المعتقدات والاتجاهات والقيم والبيئة التنظيمية وجعلها أكثر ملاءمة مع التطور التكنولوجي الحديث وتحديات السوق وتخفيض نسبة القلق المواطنين، وأحداث نقلة نوعية في تقديم الخدمات مع تقليص التكاليف وتحويل إدارة الخدمات من أسلوب البيروقراطية إلى الأسلوب التجاري أو الاقتصادي سواء عن طريق التخصيص أو عن طريق التشغيل الذاتي لخدماتها بإيجاد أساليب أكثر مرونة.
ومن الجدير بالذكر أن الحاجة إلى الإصلاح لا تنتهي أبدا وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة ولا تعني الحاجة إلى الإصلاح أن هناك حالات مرضية تستوجب العلاج وإنما تبقى الحاجة إلى التطوير باقية بقاء المنظمة أو الجهاز الإداري ككل.
ويمكن تحديد بعض معوقات تنفيذ الإصلاح الإداري:
غياب خطة وطنية منهجية لتحسين الخدمات للمواطن والإصلاح الإداري
تعقيدات قانونية وإدارية لا تسمح بتحسين الأداء
غياب الحافز المادي
عمالة فائضة ونقص في الكفاءات (التدريب والتأهيل)
تجارب مبعثرة لم تثمر بالشكل المطلوب
المنعكسات
ثقة مفقودة بين المواطن والإدارة العامة
هدر بالوقت والجهد والطاقة والبيئة والأموال
ازدياد الفساد بشكل كبير وانعكاساته بجميع المستويات
الأهداف
1- الاهتمام بالمواطن من خلال تبسيط إجراءات المعاملات المتعلقة به
2- العمل على تطبيق مبدأ النافذة الواحدة ومراكز خدمة المواطن في العديد من الجهات الخدمية
3- اقتراح تعديل التشريعات والقوانين القديمة بما ينسجم مع عملية الإصلاح الإداري
4- تعزيز اللامركزية في القرار من خلال إصدار العديد من التفويضات
5- الاهتمام بالاستثمار من خلال تفعيل دور الشراكة ما بين القطاع العام والخاص وتسهيل الإجراءات
الحلول
إصلاح إداري شامل بدعم ومتابعة من أعلى المستويات
نجاحات سريعة تعيد الأمل للمواطن وتظهر كيفية المعالجة الواقعية
تعزيز الثقة والولاء للعمل المؤسساتي
- رؤية حول الإصلاح الإداري وتطوير المؤسسات:
1-تحويل مفهوم السلطة إلى مفهوم الخدمة (مفهوم خدمة الزبون) في الإدارة الحكومية.
2-تحويل منطق التركيز على الإجراءات والروتين إلى منطق التركيز على النتائج.
3-التحول من مفهوم البرامج العامة الفضفاضة إلى برامج محددة وخاضعة للقياس.
4-التحول من نمط الموازنة الحكومية الحالية، موازنة اعتمادات ونفقات إلى موازنة للبرامج والأداء والمشاريع القابلة للقياس.
5-سيادة وتطبيق القانون هي الكفيل والضامن لتفعيل عملية الإصلاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي. (محاربة الفساد وإصلاح القضاء واستقلاليته وتفعيل دور الاعلام).
ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من البرامج:
البرنامج الأول: إصلاح وتحديث الهياكل التنظيمية للإدارة الحكومية
الأهداف:
زيادة فعالية الإدارة الحكومية.
تقليص حجم الإدارة الحكومية.
تقريب الإدارة من المواطنين (الوصول بالخدمات الحكومية إلى أقصى المواقع الجغرافية داخل الدولة.
الإجراءات:
تركيز الإدارة الحكومية المركزية على المهام الإستراتيجية (المنظم/المشغل)
تعزيز منهجيات إدارية حديثة (التفويض والتنسيق والمتابعة....)
تعزيز نهج التشاركية ونقل بعض الأنشطة الحكومية إلى فاعلين آخرين (منظمات اجتماعية ومؤسسات غير حكومية)
تعزيز نهج اللامركزية واللاتركيز إداري من خلال توزيع الصلاحيات.
استحداث هياكل إدارية تجعل مخرجاتها الفعلية قابلة للقياس مقارنة مع النتائج المستهدفة.
إلغاء الهياكل الإدارية التي لا تحقق قيمة إضافية في العملية الإدارية.
التركيز على الهياكل التنسيقية (بيووزرارية) لضمان حسن تنفيذ السياسات الحكومية.
البرنامج الثاني: تحسين عملية رسم السياسات ووضع النظم وآلية صنع القرار وتنفيذه
الأهداف:
تفرغ الإدارات المركزية لصنع القرار والانشغال بالسياسات العامة العليا ومتابعة تنفيذها ومدى وملاءمتها للمتطلبات التنموية، وتخفيف الضغط عنها في الأمور الإدارية البسيطة والروتينية، وتبسيط الإجراءات مما يحقق سرعة في إنجاز المعاملات ورضا المتعامل مع الإدارة.
الإجراءات:
الاقتصاد في التشريع بمعنى (شرع أقل ولكن شرع بشكل أفضل).
تعزيز القدرة الاستباقية للإدارة الحكومية بهدف مواجهة التحديات القصيرة الأجل
تحسين إجراءات العمل البيووزارية بجعلها أكثر انسجاماً بهدف تنفيذ السياسات.
تطوير القدرات والخبرات بهدف تحسين اتخاذ القرارات وتجنب الوقوع في أخطاء تقنية والدخول في منازعات.
تعزيز الوظائف الإحصائية والدراسات.
إعادة النظر في آليات التقييم والرقابة (وضع نظم للرصد والتقييم)
تعزيز منظومة وآليات ومعايير المساءلة (الداخلية والخارجية)
تعزيز المشاركة في اتخاذ القرار (مواطنين، منظمات المجتمع الأهلي، قطاع خاص)
توسيع قاعدة اتخاذ القرار
البرنامج الثالث: تحسين علاقة الإدارة الحكومية بمتلقي الخدمات (مواطنين ... مستثمرين)
الأهداف:
وضع المواطن في قلب اهتمام الإدارة الحكومية والاستجابة لحاجاته.
إدارة حكومية رافعة للاقتصاد.
جودة الخدمات الحكومية.
تبسيط الإجراءات.
تخفيض تكلفة العمل الحكومي
الإجراءات:
1. التوسع في نظام "النافذة الواحدة" لتقديم الخدمات الحكومية.
2. ابتكار أنظمة أخرى تسهل وتجذب المستثمرين.
3. الانتقال من الإدارة الورقية إلى الإدارة الإلكترونية (الجانب الإداري والجانب الفني)
4. وضع آليات فعالة لمعالجة الشكاوى والمنازعات (تعزيز مجلس الدولة -تحسين الإدارة العدلية..)
5. ضمان احترام حجية الأحكام القضائية بمواجهة الإدارة.
6. تبسيط النظام الضريبي.
7. تحسين استقبال المواطنين في الإدارات الحكومية.
8. تحسين الاتصال بين الإدارة الحكومية ومتلقي الخدمات الحكومية.
9. إجراء تحقيقات واستطلاعات رأي حول نوعية الخدمات الحكومية ورضا العملاء.
10. تسهيل الدخول إلى المعلومات الإدارية (تعزيزاً للشفافية).
11. الإسراع نحو تطبيق الحكومة الالكترونية
12. الاهتمام بالإرشاد الإداري من خلال المنشورات على المستوى الحكومي الكلي وعلى المستوى القطاعي.
تطبيق مفهوم خدمة الزبون:
يحتاج مفهوم الخدمة المدنية أو الخدمات العامة التي تقدمها الدوائر إلى إعادة تقييم والى السهر على نشر هذا المفهوم بين موظفي وعاملي هذه المؤسسات ومن أهم هذه المفاهيم مفهوم خدمة الزبائن وهو في حالة الدوائر الحكومية المراجعون.
خدمة الزبائن هي إحدى استراتجيات الإدارة التي تركز على تحقيق توقعات الزبون وهي تستند إلى أن المؤسسة أو المنظمة تحقق أهدافها بفعالية وكفاءة من خلال تحقيق رضا العميل. تشير خدمة العملاء إلى مجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز مستوى رضا العملاء أي الإحساس أن الخدمة أو المنتج نال رضا العميل وبتعريف أدق هي العملية التي يتم من خلالها تلبية احتياجات وتوقعات العملاء من خلال تقديم خدمة ذات نوعية جودة عالية ينتج عنها رضا الزبون.
وعند تطبيق مفهوم خدمة الزبائن في الخدمة العامة يتم تصميم الإجراءات والعمليات بطريقة تحقق رضا الزبون فمثلا إذ كانت توقعات المراجعين الحصول على المعلومات
عندها يجب التركيز على تسهيل الحصول على المعلومات المطلوبة وتستفيد خدمة الزبائن في الخدمات العامة من عدد من المفاهيم التي بدا تطبيقها في مؤسسات الأعمال الخاصة في مجال (التسويق والخدمة والجودة وأخيرا اللوجستية) فتستفيد من التسويق بمعرفة حاجات المراجع أو ما يتوقعه كما تستفيد من مفهوم الخدمة التي يقسم تعريفها إلى ثلاث عناصر:
o جوهر الخدمة حيث يمكن أن يكون الالتزام بالقانون.
o العنصر المادي للخدمة ممكن أن يكون مثلا الحصول على ترخيص.
o تعزيز الخدمة فيأتي من مهارات التواصل وتوفير المعلومات أو سرعة التجاوب أو حل المشكلات أما اللوجستية فإنها تركز على مراجعة العمليات لتطويرها والإبقاء على ما يضيف قيمة للخدمة.
في أي نظام خدمة عامة يتبنى خدمة الزبائن يجب على الموظف خدمة عملائه بشفافية وعدالة وسرعة ولباقة وعدم التمييز والتقيد بأعلى درجات الحرفية والمهنية والحياد بهدف كسب رضاهم عن مستوى الخدمات المقدمة
إن إدارتنا العامة وضمن التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي بحاجة لتبني مفهوم خدمة الزبائن وهو ما سيحقق أحد أهم أهداف أي إصلاح إداري.
البرامج:
يمكن إقامة برامج تعليمية وتدريبية للموظفين الذين يقدمون خدمات للمواطنين يتم تدريبهم على كيفية التعامل وتقديم الخدمات للمراجعين بأفضل صورة.
البرنامج الرابع: عقلنة إدارة الأموال العامة
الأهداف:
o تخفيض تكلفة العمل الحكومي.
o التركيز على تحقيق الأهداف وليس حجم الإنفاق.
الإجراءات:
- إعطاء صلاحيات وآلية للتصرف بالأمور المالية خارج نطاق المركزية مع الرقابة المناسبة
- إعداد التقارير المالية الدورية وإجراء التدقيق المالي لهذه التقارير، ونشرها.
- وضع ضوابط داعمة لصلاحيات آمري الصرف بما يضمن صرف الأموال العامة للأهداف المخصصة لها
- إعادة النظر في أنظمة عقود الشراء (نظام العقود).
- إعادة النظر في تكلفة المرافق العامة من حيث المجانية التي لا مبرر لها.
- ضغط أو ضبط الإنفاق الحكومي: الأبنية الحكومية، السيارات، تكاليف الاستقبال والمهمات الخارجية غير الضرورية.
البرنامج الخامس: تنمية الموارد البشرية
الأهداف:
- جعل إدارة الموارد البشرية محور أساسي في عمل كل إدارة حكومية.
- تعزيز الكفاءة المهنية للعاملين في الإدارة الحكومية.
- تنمية القدرة على الابتكار في الممارسات الإدارية.
- تحسين نوعية الخدمة الحكومية.
- تمكين الموظفين كمنهجية للاستدامة
الإجراءات:
1. وضع نظام أساسي للوظيفة العامة يستجيب لمتطلبات الإدارة الحديثة المنشودة.
2. إنشاء بنية (هيئة، وزارة..) للوظيفة العامة لإدارة الموارد البشرية على المستوى الوطني
3. تطوير أنظمة التعاقد الوظيفي.
4. إصلاح نظام الرواتب وتطوير سياسات تحفيزية بما يضمن تحسين الأداء والخدمات.
5. اعتماد نظم أكثر تحفيزية للتقييم وللترقية.
6. الإسراع بإصدار قانون المراتب الوظيفية.
7. تطوير واعتماد أساليب أكثر شفافية وعدالة وفعالية في اختيار القيادات الإدارية.
8. اعتماد أسلوب الحركية في شغل الوظائف الإدارية العليا.
9. تعزيز المسؤولية
10. توزيع ممارسة السلطة (التفويض).
11.التوسع في برامج التأهيل والتدريب المستمر على كافة المستويات وفق متطلبات تنفيذ السياسات
الحكومية، وخصوصاً التدريب على إدارة الاقتصاد.
12. ربط المسار الوظيفي بالمسار التدريبي.
13.توسيع قاعدة اتخاذ القرار.
بالنسبة لتمكين الموظفين كمنهجية للاستدامة يمكن من خلال:
التأهيل:
(لتدريب ضمن خطة واضحة، استكمال الدراسة، المشاركة في المؤتمرات والندوات، المشاركة في لجان وفرق عمل، توفير المراجع والدوريات. )
التفويض:
(إعـداد تعليمات ودليل تفويض الصلاحيات، تفويض الإشرافيين في المواقع المختلفة للمؤسسة، تفويض الموظفين ذوي العلاقة مع الجمهور، توفير المعلومات، المتابعة المستمرة لأداء من تم تفويضهم.)
التقدير:
(استحداث جائزة أفضل موظف، قياس رضا الموظفين، نظام تقييم المرؤوسين لرؤسائهم، نظام الشكاوى والاقتراحات، نظام الحوافز المرتبط بتقييم الأداء)
البرنامج السادس: ترسيخ قيم النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد
الأهداف:
• ترسيخ مبادئ المرفق العام (الحيادية، المهنية، النزاهة، المساواة، المسؤولية، الفاعلية..)
• تعزيز مبادئ دولة القانون.
• مكافحة الفساد.
الإجراءات
• تفعيل وتعزيز المشروعية على التصرفات الإدارة (مجلس الدولة، أجهزة الرقابة)
• تعزيز مستوى الشفافية وخصوصاً عند استخدام السلطة التقديرية (تسبيب القرارات)
• تعزيز مستوى المساءلة.
• تعزيز قدرات القضاء.
• نظام الإعلان عن الذمة المالية على مستوى كبار الموظفين.
فيما يخص مكافحة الفساد:
يشكل الفساد تحدياً رئسياً لإصلاح الاقتصاد والإدارة والقضاء وعقبة أمامهما ويفسر انتشاره الكثير من مشاكل الاقتصاد والإدارة وأخطر مظاهره هو نشره إلى الفئات الدنيا من الموظفين ليساهم بالتمويه على الفساد الكبير.
لذا نقترح تشكيل لجنة نزاهة فاعلة لمكافحة الفساد في كل وزارة على أن تتبع للجهاز المركزي للرقابة المالية كي تتابع وتدقق الملفات والموازنة وأي خلل ممكن أن يطرأ وخصوصا التحقيق في شكاوى الفساد المتعلقة بالوزارة التي تتبع لها.
نحن نحتاج إلى إدارة عامة حكيمة ومسؤولة وتتمتع بالشفافية وتتقبل المساءلة، وتحمي وتصون المال العام وتكسب ثقة الناس وتعاملهم باحترام واهتمام ولديها رؤية ومنهاج عمل يأخذ بعين الاعتبار بأنه لم يعد مقبولاً ولا مجدياً حصر الإصلاح الإداري في عناصر مثل تبسيط الإجراءات أو تقديم الخدمات في إطار الحكومة الإلكترونية أو تدريب وتأهيل الموارد البشرية الوطنية، بل يجب أن تتناول جميع تلك العناصر في إطار تلك الرؤية أو الخطة.
خريج المعهد الوطني للادارة العامة
بشار مروان الأشقر
سيريا ديلي نيوز
2017-07-12 23:09:19