ثمّة ارتكاسات تعرّضت لها المؤسسة العامة السورية للتأمين أثرت في مسارات عملها ومخرجاته، إذ عانت المؤسسة ولفترات طويلة من التجميد وعدم التجديد في كوادرها، إضافة إلى نقل إدارتها إلى حمص وإبعادها عن مركز سوق التأمين في عام (2007)، ورفدها بكوادر غير متخصصة من الدوائر الإدارية الأخرى في الدولة، ما ساهم في تهميش دورها في سوق التأمين السوري، وتراجع أعمالها وحصّتها من السوق التأمينية السورية، يضاف إلى ذلك العقوبات الخارجية التي طالت المؤسسة، ما جعل عملية إعادة التأمين من المعوقات الأساسية لعملها.

ثم أتى مشروع التأمين الصحي وأسند إلى المؤسسة في عام 2010، ولم يكن يتوفر لدى المؤسسة الكادر والثقافة والتقنية اللازمة لإدارة هذا المشروع، فأوكلت عملها إلى شركات إدارة النفقات الطبية التي تتمتع بتطور تقني، ليقتصر عمل المؤسسة خلال سنوات على توقيع عقود التأمين مع الجهات المؤمّن لها، ودفع المطالبات التي ترد إليها من شركات إدارة النفقات الطبية دون القدرة على التدقيق الشامل ومراقبة أداء الشركات بشكل حثيث، وكانت النتيجة ظهور دور شركات الإدارة إلى العلن، وتغييب دور المؤسسة، ما ساهم بالنتيجة في نشر الثقافة لدى المؤمّن لهم بأن شركة الإدارة هي شركة التأمين، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المؤسسة.

إدراك الخلافات

ونتيجة للعدد الموكل إلى المؤسسة لتأمينه صحياً، عملت المؤسسة على إشراك ست شركات لإدارة النفقات الطبية ما ساهم في تعدّد إجراءات القبول والرفض لمطالبات مزوّدي الخدمة، وعدم توحيد الإجراءات المتبعة والشخصنة في إدارة المطالبات، وتعدّد النظم الإلكترونية المشغّلة في هذه الشركات، وتعدّد الشبكات الطبية حيث كان لكل شركة شبكتها الطبية الخاصة من مشافٍ وأطباء وصيدليات ومخابر ما جعل المؤمّن له في بحث دائم عن مزوّد الخدمة المتعاقد مع شركة الإدارة التي تدير بوليصته. وفي هذا السياق يبيّن مدير عام المؤسسة الدكتور ياسر المشعل أن المؤسسة أدركت في عام 2014 هذه الاختلافات في شركات الإدارة فعملت على توحيد الشبكة الطبية من خلال البوابة الإلكترونية الموحّدة، وإلغاء مفهوم شركة الإدارة من خلال البطاقات الجديدة التي لا تحمل إلا اسم المؤسسة، وعملت على وضع نظام إدارة موحّد للمطالبات الإلكترونية وإقرار آلية الدفع خلال شهر واحد لمزوّد الخدمة.

مخاوف فقدان الدور

لكن إيجابية هذه المشاريع لم تكتمل بعد، نظراً لعدم تعاون شركات الإدارة خوفاً من فقدانها دورها المحوري في إدارة العملية التأمينية آنذاك، حيث كانت المؤسسة بحاجة إلى أخذ مشروع التأمين الصحي بيدها ومراقبته ومراقبة أطراف العملية التأمينية من خلال نظام شامل يفوق بقدرته نظم شركات الإدارة ويعزز من مكانتها في إدارة المشروع ويسمح لها بإدارة شركات النفقات الطبية وليس العكس، وهو ما لجأت إليه المؤسسة بداية عام 2015، حيث عملت على تطوير نظام معلوماتي تحت مسمى “شمس” لتجاوز المعوقات التي تصادف أطراف العملية التأمينية، وقد تم العمل به ابتداءً من 1/1/2015، وذلك ضمن مساعيها لإعادة الدور الحقيقي لشركات الإدارة وتخفيف نسب الاقتطاعات والأجور الإدارية التي تتقاضاها تماشياً مع الدور الموكل إليها والرقابة على أدائها وسرعة استجابتها لمتطلبات العملية التأمينية.

تحكّم وسيطرة

لقد ساعد نظام “شمس” المؤسسة على لعب الدور القيادي بعملية التأمين الصحي ومكّنها أيضاً من مراقبة أداء كل الأطراف واتخاذ القرار بناءً على معلومات دقيقة وحديثة، وتوفير الخدمة الصحية للمؤمّن له بسهولة بناءً على معايير الجودة، وتسهيل عمل مزوّدي الخدمة، وتسريع عمليات التدقيق والتسديد، وتوفير منظومة كاملة للتحكم والسيطرة على جميع مفاصل أداء التأمين الصحي، وتخفيض الكلفة وزيادة الفعالية من خلال تحديث طرق سير العمل وأتمتتها، إضافة إلى تحسين جودة الخدمة من خلال القدرة على متابعة وتقييم عمل شركات الإدارة والشبكة الطبية بالاعتماد على قاعدة البيانات المركزية، وبالتالي ستكون المؤسسة في صلب العملية التأمينية وقادرة على مراقبة أطراف العملية التأمينية بشكل كامل ودقيق وآني.

شخصنة

لم يخفِ تقرير المؤسسة –الذي حصلت “البعث” على نسخة منه– أن ضعف المؤسسة في سنوات سابقة ساهم في تعاظم دور هذه الشركات وفرضها لشروطها على مقدّم الخدمة والمغالاة بالمطالبات، بالإضافة إلى شخصنة الموافقات الطبية ما صرفها عن الدور الموكل إليها وهو حلقة الوصل بين المؤمّن له ومزوّد الخدمة وتنظيم العمليات والإجراءات الطبية. وهنا يبيّن المشعل أن هذه الشركات تتولى التعاقد نيابةً عن شركات التأمين مع شبكة من مقدمي الخدمة الطبية، حيث توفر لهم البنية الإلكترونية اللازمة لتطبيق آلية التعاقد المطلوبة، كما تتولى استلام الفواتير الطبية من مزوّدي الخدمة وتدقيقها ثم تحويلها إلى المؤسسة ليتم بناءً عليه وبعد التأكد من صحة الفواتير صرف الفواتير لشركة الإدارة وبدورها تصرف إلى مزود الخدمة، بالإضافة إلى معالجة استفسارات المؤمّن لهم على أرقام خدمة الزبائن، أي هي شركات لإدارة المطالبات تتقاضى بموجب ذلك نسبة من أقساط التأمين أو مبلغاً مقطوعاً محدّداً عن كل مؤمّن له في المحفظة التأمينية.

اضطلاع

ويؤكد المشعل أن المؤسسة اضطلعت بدورها الرقابي رغم كل المعوقات والممانعات من جميع شركات الإدارة، واستطاعت المؤسسة قيادة العملية التأمينية اليوم بكفاءة من خلال المتابعة الحثيثة والآنية لعمل شركات الإدارة ولأداء مزوّدي الخدمة بالإضافة إلى تفعيل حلقة التواصل مع المؤمّن لهم ومزودي الخدمة، مشيراً إلى أنه تم إلغاء الدور المتقدم لشركات الإدارة بشكل عملياتي –ليس فقط من خلال البطاقات الجديدة التي لا تحمل إلا اسم المؤسسة- حيث يتم في المؤسسة تسعير وإنتاج العقد وإصدار جميع بيانات الاكتتاب من أرقام تأمينية وغيرها بالإضافة إلى ملاحق الحذف والإضافة والتغطيات والاستثناءات وجميع المعلومات المتعلقة بالعقد، إلى جانب بيانات الوصفات المزمنة ومعالجة الشكاوى وتعطى هذه البيانات إلى شركات الإدارة لتخديم العقد طبياً، وبهذا الشكل تكون المؤسسة قد أعادت شركات الإدارة إلى وظيفتها الأساسية وهي تخديم العقد طبياً حيث ينحصر دورها اليوم في إعطاء الموافقات لمزودي الخدمة بناء على شروط العقد الواردة من المؤسسة وتجميع هذه المطالبات في كتلة شهرية يتم إرسالها إلى المؤسسة التي تقوم بالتدقيق بناء على المطابقة مع تقرير المطالبات الصادر عن نظام شمس، لتقوم شركات الإدارة بالدفع لمزود الخدمة ويقوم نظام شمس بالمراقبة على الدفع لمزودي الخدمة بشكل آني، مشيراً إلى أنه في المرحلة القادمة سيتم الدفع من خلال المؤسسة ولن يكون على شركة الإدارة سوى دراسة المطالبة طبياً أي إعطاء الموافقة فقط ويتولّى نظام شمس باقي عمليات التدقيق والمتابعة والدفع.

التعليقات