ابن السوق لا يشيع سره حتى لأعز المقربين، هذا العرف هو الأشهر في عالم التجارة والاقتصاد على مساحة الأسواق، و"داري ع شمعتك لتقيد" هو الشعار الأساس في عالم الأعمال ليس خشية "العين" والحسد بقدر ما يخشى من المنافسة واقتناص الأفكار من جانب الأشخاص الذين رأسمالهم حاضر "ع الندهة".
تعتني الأسواق العالمية ذات السمعة الجيدة لناحية قوتها وقدرتها على الانتاج والترويج، بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى الدرجة التي تفرد لهذا النوع من الأعمال كتل تمويلية هائلة، والأقرب مثالاً كانت دبي التي كانت تطمح لتكون السوق رقم واحد عالمياً من خلال ذلك النوع من المشاريع الذي ربما، لا يملأ عين الكثيرين من الهادفين إلى جني أرباح، لكن التجار الكبار من أهل الخبرة يعرفون قيمة هذه الأعمال تماما لأثرها على الاقتصاد بشكل عام وعلى تجارتهم بشكل خاص.
حلم صغير جداً
المشروع الصغير يقوم على فكرة من أصحاب الدخل المحدود أو الطبقة المتوسطة، الطامحون لتكوين عمل خاص بهم يستغنون من خلاله عن فكرة المرتب الشهري الذي يجعل من احتياجاتهم اليومية تسير في مكان محدود يسبب الضائقة.
وأصبح من الشائع الاعتناء بتقديم الأفكار حول المشاريع الصغيرة بعد أن أثبتت جودتها في إراحة الاقتصاد، ويتم بيعها في الكثير من الأحيان بالإضافة إلى دراسة جدوى اقتصادية مرفقة مع الفكرة، في حال وجود رأسمال، أما في سوقنا المحلية، فقد قدمت بعض المصارف الحكومية قبل الأزمة التمويل لمثل تلك المشاريع على شكل قروض قبل أن تختفي، على الرغم من أن الحاجة تبدو ملحة أكثر في هذه الأوقات لأثرها في خلق فرص جديدة وتخفيف الثقل على القدرة الشرائية والمعاش الشهري وتنشيط الطلب على عرض السوق.
من دون التبحر كثيراً
ذلك الحلم الصغير، جداً، يعتمد على دراسة السوق وما هو الرائج كثيراً، وتحديد مكان البيع.
لقد حققت المشاريع الصغيرة وبغياب التمويل الحكومي عبر المصارف في هذه الأثناء، حضوراً بالغ الأهمية لجهة ظهور "تجار" على مستوى متواضع لكنه مؤثر وقادر على الوصول إلى نسبة عالية من الزبائن بالاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدم كوسيلة للترويج الإعلاني.
يعتبر السوق بحر متلاطم بالأسرار والخبرات ودهاليز جني الأرباح، ما يجعل الخوض في غماره أمر يتوقف على أصحاب "القلوب الحاضرة" اقتصادياً والممتلئة بالأفكار، لكن الداخلين في المشاريع الصغيرة يعتبرون من "المقايسين" أو أؤلئك الذين ليس لديهم الكثير ليخسروه، إلا الطموح، العامل الأول للنجاح في السوق وهو ما لدى الداخلين من باب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تقول إحدى صاحبات المشاريع الصغيرة والتي تقوم ببيع الملابس من خلال الدعاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذا النوع من التجارة لا يحتاج للتبحر كثيراً في السوق وخفاياه بل بما تيسر من رأس مال يمكن من شراء بضاعة مع الإلحاح على النشر والترويج لاكتساب زبائن، ومن ثم إدخار الأرباح والتي لا تكون عالية كما في المحال التجارية التي تصنف في دائرة المشاريع المتوسطة والكبيرة، لتضاف إلى رأس المال الأصيل الذي يتيح التوسع في التجارة والتحرك أكثر.
محلياً.. وأهلية بمحلية
تبيع تلك التاجرة الصغيرة في أي وقت خلال النهار مع خدمة توصيل الملابس المتنوعة إلى عدد من الشوارع الرئيسية في دمشق، وبعد الاتفاق مع الزبون عبر "فيسبوك" ليتم اختيار البضاعة ومن ثم التواصل يتم الاتفاق على السعر ومكان التسليم.
غالباً ما يكون هؤلاء التجار من الموظفين أو العاملين، والذين يستعينون بهذه المشاريع الصغيرة لدعم دخلهم الذي يعتبر ضئيلاً جداً مقارنة بالأسعار الرائجة ومتطلبات الحياة اليومية، ويعملون على مبدأ "الشغل بالمطقطق حتى يجيك الكبير".
حققت هذه التجارة حضوراً لافتاً كما تبين أعداد الصفحات التي تروج لمختلف البضائع على "فيسبوك"، وفيما تمكن العاملون فيها من دعم دخلهم الضئيل، فإنهم اكتسبوا زبائن كما تظهر أرقام المتابعين الذين يتطلبون بتوالي، بضائع وأنواع أخرى من المعروضات كلما اقتضت الحاجة.
وبالإضافة إلى كون التجار في هذا المجال من ذوي الدخل البسيط، فإن الزبائن أيضاً هم من ذوي الدخل البسيط الذين يوفرون بدورهم مصاريف التسوق، والحصول على بضاعة أرخص مما هو معروض في السوق بنسبة 20% على الأقل، تؤكد هنادي تاجرة الملابس التي سبق ذكرها، ليصبح التاجر والزبون "أهلية بمحلية".
تحدي انقراض التمويل
قبل الأزمة، كانت المشاريع الصغيرة والمتوسطة تنهمك بتوجهها تمويلياً إلى الزراعة، ومن ثم إلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولم تكن تهتم كثيراً بالمجال التجاري.
اختفى التمويل بفعل الأحداث، لكن المشاريع الصغيرة تحدت انقراض التمويل القادم من المصارف الحكومية واستمرت لكن في المجال التجاري، حيث انتعشت في الآونة الأخيرة هذه المشاريع فيما لم تختف بشكل كامل في الزراعة التي ما زالت تقاوم فيها لتدخل السوق من أي باب، كتربية الدواجن وانتاج البيض على مستويات محدودة وليست واسعة، حيث يجري احتضان هذه المشاريع بناء على المعارف في المداجن الكبيرة، أما في الصناعة فيبدو دور المشاريع الصغيرة غير واضح نظراً لتضرر هذا القطاع بشكل بالغ.
جدارة
أول العام الجاري صدر المرسوم الجمهوري بإحداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتم اتباع الهيئة لوزارة الاقتصاد، حيث أكدت هذه المشاريع جدارتها في السوق المحلية، وألح الاقتصاد بطلبه لهذا النوع من المشاريع لدعم الوتيرة الاقتصادية بشكل عام، من حيث الانتاجية وتطوير المدخولية لدعم القدرة الشرائية وتخفيف وطأة الأزمة المعيشية من خلال فتح أعمال جديدة ممكنة لأؤلئك، الغير حائزين على رؤوس أموال.
الأثقل اقتصادياً
ما ينبغي التركيز عليه من جانب وزارة الاقتصاد لتفعيل تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، يأتي من الثقل الاقتصادي الذي تمثله تلك المشاريع، إضافة إلى عدم التأثير على الجهود الفردية من خلال تشريعات محتملة في حال أثبتت قدرتها على المنافسة في السوق.
ويعتبر دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة هاماً للغاية في تطوير الاقتصاد، بسبب التحفير على العمل الحر والتكيف السريع لعوامل العرض والطلب التي تتغير دورياً في السوق، و"امتصاص" العمالة وتحويلها إلى الدائرة الانتاجية ما يخفف وطأة عتبة محدودية الدخل واهتزاز قدراته.
كما تؤدي تلك المشاريع لاستجابة سريعة في عملية الإنتاج السريع، فتسهم بشكل بارز في قطاعات الأعمال المختلفة.
وفيما يختلف توصيف المشاريع الصغيرة والمتوسطة من سوق لآخر على المستوى الدولي، حيث يخضع ذلك لاختلاف الإمكانيات والظروف الاقتصادية والاجتماعية، والصناعات الحرفية التقليدية القائمة، والكثافة السكانية، وتوفر القوى العاملة وقدراتها، ومستوى الأجور فإن السوق المحلية تبدو بحسب أغلب المواصفات بيئة خصبة لتلك المشاريع من جهة، وعطشى أيضاً لها.
سيريا ديلي نيوز
2016-10-24 23:43:43