فقد «ا،ب» القدرة على استخدام يده بشكل كامل، أي: الاستفادة منها في عمله بتصليح السيارات، بعد تعرضه لقذيفة هاون سقطت أثناء مروره في أحد شوارع دمشق الرئيسية، حيث شاء حظه العاثر أن يكون حيث اختارت السقوط، ليجد نفسه مغطى بالدماء وفاقداً القدرة على الإحساس بجسده الذي مزقته الشظايا..
حقوق بحاجة من يدعمها
بعد مرور حوالي الشهر من إصابته تمكن «ا،ب» من مغادرة المشفى إلى منزله، لكنه لم يكن قادراً على تحريك يده التي تمزقت أعصابها وتكسرت عظامها بسبب القذيفة، حتى بعد أن خضع لعدة عمليات جراحية انتهت بتركيب أسياخ وبراغي في يده المصابة.
إصابة «ا،ب» لم تقتصر على يده، بل كان هناك الكثير من الجراح التي تغطى بها جسده، وبقايا شظية اخترقت بطنه، إلا أنها لم تؤد، على حد قوله، إلى ضرر أو تعطل.
«ا،ب» دفع ما يزيد عن 1.5 مليون ليرة في رحلة علاجه، التي تضمنت عمليات جراحية عدة في يده المصابة، تلاها جلسات علاج فيزيائي لها، فضلاً عن الأدوية والمسكنات التي احتاجها إثر إصابته، إضافة لذلك كله تعطله عن عمله، والذي خسر نتيجته الكثير أيضاً.
وحاول «ا،ب» 37 عاماً، مراراً التقدم للحصول على تعويض عن إصابته، أو الحصول على رخصة لفتح «كشك» ليشكل مورداً له، بعدما بات استمراره في عمله الأساسي غير مجد بسبب الإصابة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل حسب «ا،ب» الذي أكد لـ (قاسيون): «إن لم يكن لك ظهر يسندك في دوائر الحكومة، فلا تأمل بالحصول على أبسط حقوقك».
إصابة نفسية مزمنة
الإصابة التي تعرض لها «ا،ب» لم تتوقف نتائجها عند الآثار الجسدية، بل أثرت سلباً على وضعه النفسي، حيث أوضح شقيقه: «نفسية (ا) باتت متحطمة وفقد الأمل في تحقيق أي شيء كان يحلم به، وتحديداً تكوين عائلة مثل غيره من البشر، حيث باتت إصابته عبئاً عليه وعلينا، لأنه لم يعد قادراً على العمل كالسابق، وأصبح يحتاج لمعاملة خاصة مراعاة لوضعه النفسي بعدها».
وأضاف شقيق «ا،ب»: «رأيت شقيقي يبكي مراراً، حتى بعد مرور وقت لا بأس به على الحادثة، ولم يعد الحديث عن إيجاد فتاة مناسبة للزواج منها حديثاً مستحباً من قبله، حيث يردد (من ستقبل بمعاق مثلي)».
اهتمام كلامي
رغم الاهتمام الدولي بالحرب في سورية والتهافت للتصريح بضرورة إنهاء معاناة الشعب فيها، لم تتمكن حتى اللحظة أية جهة دولية أو محلية سواء كانت حكومية أو أهلية من توثيق وإحصاء رقم صريح لعدد المتضررين من الصراع والمصابين بإعاقات أو تشوهات دائمة.
وكان آخر تقرير نشرت نتائجه حول آثار الحرب في سورية، صدر عن المركز السوري لبحوث السياسيات، ونشرته جريدة «الغارديان» البريطانية، حيث أظهر أن 1.9 مليون أصيبوا جراء الصراع، كما تراجع متوسط الأعمار المتوقع من 70 عاماً في 2010 إلى 55.4 عاماً في 2015.
الحكومة: لا نملك إحصائية دقيقة
وفي الجانب المحلي، اعترفت الحكومة نفسها في عدة مناسبات بغياب إحصاء دقيق أو تأشيري للمعوقين في البلاد، بما يساعد في وضع خارطة عمل ناجحة، في حين تشير الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للطب الشرعي الصادرة في 2015 إلى وجود مليون ونصف معاق ممن فقدوا أحد أعضائهم، لكن لم يتم نشر بيانات تفصيلية حول تلك الإحصائية.
وفي السياق ذاته، يبدو بوضوح قصر القوانين الراعية لحقوق المعاق في سورية، حيث كشفت مطالبات رسمية عدة بإعادة النظر في تصنيف الإعاقة، عن وجود حالات نتيجة الأزمة خارج التصنيف الوطني للإعاقة، بما يجعل أولئك المصابين غير مؤهلين قانونياً للحصول على مساعدات وإعانات من قبل الدولة.
5 مليون طفل بحاجة «عناية عاجلة»
أما بالنسبة للأطفال السوريين، فبينت آخر إحصائية صادرة عن مركز بحوث للدراسات نهاية عام 2014، أن عدد الأطفال الذين أصيبوا بشلل الأطفال بعد بداية الحرب هو 80 ألف طفل، بينما بلغ عدد الأطفال السوريين ممن هم بحاجة إلى العناية العاجلة 5 مليون طفل.
وبلغ عدد الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية جراء الحصار على بعض المدن السورية 10 آلاف طفل، بينما بلغ عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية وهم بحالة حرجة 1800 طفل.
ومع مرور حوالي عام ونصف العام على تلك الأرقام واستمرار الصراع، بات من المؤكد أن تلك الأرقام ازدادت، إن لم تتضاعف بسبب احتدام المعارك في عدة مناطق في الآونة الأخيرة وثقتها عدة تقارير أكدت أن أطفالاً ونساءً كانوا من ضمن ضحاياها.
واستناداً لعدة تقارير، فقد تنوعت الإعاقات الناتجة عن الحرب في البلاد، بين شلل رباعي ونصفي، وإعاقة دائمة نتيجة الإصابة بالرصاص، أو شظية قذيفة دبابة أو هاون أو صاروخ، استقرت في منطقة حساسة من العمود الفقري، أو الدماغ.
كما أكدت بعض الجهات في عام 2014، أن معظم إصابات الانفجارات والعبوات الناسفة الموثقة، كانت ضمن الناحية الوجهية بنسبة ٥٠٪، أما الأطراف فإنها بنسبة ٣٠٪، في حين تصاب بقية أنحاء الجسم بنسبة ٢٠٪.
وأكد التقرير أيضاً، أن معظم إصابات الطلق الناري المباشر والقنص تكون ضمن الصدر والبطن بنسبة ٥٠٪، أما الأطراف فتكون بنسبة ٤٠٪، والناحية الوجهية الرأسية بنسبة ١٠٪.
ثمن الطرف الصناعي
يصل لمليون ليرة!
وبالحديث عمن فقد أحد أطرافه، يبدو الحصول على بديل صناعي أشبه بالحلم لكثير من السوريين، حيث تتراوح تكلفة الحصول على طرف صناعي بين 500-1200 دولار، بحسب جودة الطرف الصناعي، وتتم معظم حالات الحصول على طرف صناعي عن طريق جمعيات خيرية، بينما تقل الحالات التي قد تحصل على طرف صناعي بشكل مجاني من الدولة، حيث يوجد مركز وحيد لتركيب الأطراف الصناعية هو مشفى «حاميش» في دمشق، في حين قد تقدم منظمات وحملات إغاثية عربية أو دولية المساعدة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، لكنها لا تفي بالغرض إطلاقاً، حسب تقارير إعلامية.
أما حول التشوهات الخلقية لحديثي الولادة، فقالت آخر إحصائية صادرة عن الدولة السورية، أن عدد إعاقات الولادة المكتشفة التي تم رصدها بين أعوام 2010-2014 بلغ نحو 3830 إعاقة بأنواعها المختلفة، توزعت على المحافظات السورية المختلفة، منها 2896 إعاقة تتعلق بالوزن والطول و430 خلع ورك و85 تشوهات في الجهاز الحركي و42 آفة حسية بصرية و220 حالة تأخر في المشي و150 إعاقة عقلية.
ولم يذكر التقرير السنوي لبرنامج الطفل السليم الصادر عن وزارة الصحة سبب تلك الحالات، مؤكداً أنها تشمل حالات من مختلف المحافظات السورية، كون مشفى الأطفال في دمشق هو المشفى الوحيد المتخصص.
آلاف التشوهات الخلقية المرصودة!
ومن جانبه، رصد مشفى الأطفال الجامعي بدمشق حالات تشوه خلقية تتجاوز الـ 6430 حالة خلال خمس سنوات ماضية، شملت 1330 حالة تشوه في الجهاز الهضمي و1820 حالة تشوهات قلبية وقد بلغ عدد التشوهات العظمية 1600 حالة والعصبية نحو 1060 على حين بلغ عدد حالات التشوه في الأعضاء التناسلية نحو 442 حالة.
كما أشارت بيانات المشفى إلى أن أعلى نسبة تشوه كانت خلال عام 2011 إذ استقبل المشفى نحو 1435 حالة بمختلف أنواعها بينما سجل عام 2013 أدنى نسبة في التشوهات بـ1140 حالة.
كما بين تقرير مماثل عن مشفى التوليد الجامعي بدمشق أن 62 طفلاً ولد في المشفى خلال خمس السنوات الماضية لديهم تشوهات خلقية بشتى الأنواع تمت إحالتها إلى مشفى الأطفال بدمشق للمعالجة.
برنامج وطني للإعاقة ضرورة ملحة
والحال كذلك، فقد بات من الضروري أن يكون هناك برنامج وطني يعنى بأوضاع المعاقين بشكل عام، والمصابين بنتيجة الحرب والأزمة بشكل خاص، وذلك لكثرة أعداد هؤلاء خلال السنين الماضية، وذلك بالتعاون بين الجهات الحكومية الرسمية ذات الصلة مع المنظمات والهيئات الدولية المعنية، بالإضافة إلى الجمعيات والهيئات المحلية الخاصة، وذلك من أجل:
الرصد الإحصائي العام الدقيق، بالإضافة إلى الرصد الإحصائي الخاص لكل حالة من حالات الإعاقة مع التوصيف العلمي والقانوني الدقيق لكل منها.
توفير إمكانات المعالجة الممكنة والميسرة، وخاصة للفقراء من عموم المواطنين باعتبار أن النسبة الغالبة من الإعاقات كانت بين صفوف هؤلاء، وخاصة خلال أعوام الحرب والأزمة.
تعديل بعض القوانين والتعليمات الخاصة بهذه الشريحة من أجل إعادة تأهيلها ودمجها بالحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وغيرها من المهام التي من الواجب القيام بها بأسرع وقت، كون هذا الملف من الملفات الهامة على المستوى الآني والمستقبلي.
سيريا ديلي نيوز
2016-08-22 21:10:41