لطالما كانت البيانات الكبيرة محصورة ضمن مجال عمل الحكومات، فمن البيانات الإحصائية التي تغطي كل سكان البلد إلى إحصائيات الاقتصاد والتجارة، وحتى المشاريع الاستراتيجية الكبيرة والأبحاث.
وتضطلع الحكومات دوماً بإدارة مجموعات ضخمة من البيانات، التي تتولد من الحاجة لها في أنشطة التخطيط واتخاذ القرار.
واليوم، مع تطوير تقنيات جديدة فإن القيمة المحتملة للبيانات تضخمت بشكل كبير، فهناك التطور الذي شهده قطاع تخزين البيانات والتحليل في الوقت الراهن، ومعالجة البيانات في الذاكرة، وأدوات التحليل التي تسمح بإجراء تحليل أسرع وأكثر تعقيداً لتمكن المستخدمين من استخلاص نتائج عميقة من البيانات فيما تزيد حلول أجهزة الالتقاط، والاتصال، وإنترنت الأشياء من حجم وتنوع البيانات الكبيرة التي يمكن جمعها، وفق موقع “أربيان بيزنس”.
وعليه، أصبح لدى أكبر 500 شركة في العالم منصب جديد مستحدث وهو منصب رئيس البيانات chief data officer (CDO)، الذي انضم إلى طاقم الإدارة العليا من القياديين في الشركات، مثل رئيس المالية ورئيس التقنية، والرئيس التنفيذي، كي يتولى مسؤولية حوكمة المعلومات والاستفادة منها عبر معالجتها واستخلاص الفوائد منها وغير ذلك.
وينفصل منصب رئيس البيانات عن منصب رئيس تقنية المعلومات، فهو المشرف على كل بيانات الشركة، كما يعد مسؤولاً عن استخدام وتنظيم البيانات كأحد موارد الشركة.
وأفادت شركة “فاست كومباني”، أن أصحاب هذا المنصب يجب أن يتمتعوا بمهارات قيادة وابتكار وقدرات تحليل، وأن يكون على دراية بأهداف الشركة مع نظرة اقتصادية، وخبرة إحصائية، وكفاءة بعلوم الكمبيوتر، إضافة للشغف باتخاذ القرارات بناءً على المعطيات التي تقدمها البيانات.
ويحتاج صاحب المنصب أن يملك رؤية شاملة للشركة، ويسعى لتحقيق توازن بين المعطيات العملانية، ويجب أن تقاس مساهمة صاحب هذا المنصب بالنظر إلى نتائج ملموسة وواضحة، تكون ثمرة للاستثمار في توظيف هذا الكادر مع تقديمها لخلاصات تُبنى عليها القرارت، فضلاً عن تقديم عمليات تحسن الأداء العملياتي في الشركات.
وسبب الاهتمام بالبيانات، هو أنها أصبحت أقل كلفة في جمع وتخزين وتحليل المعلومات، فضلاً عن استخدام مصادر جديدة للبيانات، وأجهزة الالتقاط، والكاميرات، والأجهزة الجوالة بإدارة عمليات الشركات والحياة الخاصة، ما يوّلد حجماً غير مسبوق من المعلومات.
وتصمم حلول تحليل البيانات اليوم للتعاطي مع حجم هائل من البيانات في أنساق متنوعة، وبافتراض توفر ميزة الدقة في البيانات أي الجودة والتاريخ المناسب، فستكون الحلول قادرة على استخلاص القيمة من هذه المعلومات لدعم اتخاذ القرارات.
وقال مدير إدارة المعلومات وتحليلها في شركة “ساس” الشرق الأوسط يجيت كرباج: “بدايةً هناك ضخامة في البيانات الكبيرة، ما يعني الحاجة لحل مجدٍ اقتصادياً في جمعها وتخزينها على اختلاق أنساقها، والتي تتبدل أسرع من أي وقت مضى، فأنظمة قواعد البيانات التقليدية لا تناسب هذا الهدف من جانب الكلفة”.
ودخلت حلول تحليل البيانات الكبيرة في قطاعات متنوعة مثل حركة المرور، والنقل، والقطاع الصحي، وتطبيق القانون، وجمع الرسوم، وكشف الاحتيال وغيرها.
ويرى مدير منصة التقنية في “أكستنشر” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أصف جافيد، أن حلول تحليل البيانات الكبيرة أصبحت جزءاً حيوياً من التحول الرقمي للحكومة، وتزود المشاريع بنتائج عملية ذات أهمية كبيرة.
ويعتقد غالبية المستخدمين (89%) أن البيانات الكبيرة ستحدث ثورة في طريقة إنجاز العمل بذات الطريقة التي أدتها الإنترنت، وخلال الأعوام الخمس القادمة يرى المستخدمون أن البيانات الكبيرة سيكون لها أكبر دور في علاقة الزبائن (63%)، وفي تطوير المنتج (58%) وتغيير العمليات.
وتعد المهارات إحدى أصعب عقبات التبني الناجح لتحليل البيانات، وبيّن جو تابادينا من “غارتنر”، أن حكومات الخليج في الطليعة من جانب التزامها بتحليل البيانات، لكنها تتأخر في نشر هذه الحلول، وهناك فرصة لهذه الدول للقفز إلى الجيل الأحدث من تقنية تحليل البيانات، لكن يبقى عقبات مثل المهارات والخبرات.
وأضاف “في دول الخليج لا أرى فعلاً ذات المستوى في تبني تحليل البيانات، ولم يكن هناك خلال العشرين عاماً الماضية ذات المستوى من انتشار هذه التقنية، ولذلك فلا نتوصل لمرحلة البيانات الكبيرة على مراحل تطور تدريجي، وفي مناطق أخرى نشاهد أن الحكومات والقطاع الخاص يعملان مع حلول ذكاء الشركات وأدوات التحليل التقليدية منذ التسعينيات على الأقل، ولذلك كان لدينا وقت كافٍ لتجريب تقنيات مختلفة للتعلم، وتوليد نضج كافٍ للشركات هناك للانتقال إلى مشاريع معقدة”.
هناك نقص عالمي في أصحاب المواهب بمجال البيانات الكبيرة، ولكن رغم وجود مبادرات من شركات التقنية الكبيرة، إلا أن تحديد أفضل المهارات والعلوم المطلوبة لعلماء البيانات لا يزال قيد الكشف، والتبني الناجح للتحليل هو أمر يستدعي تحولاً في الثقافة بقدر الحاجة لتبني مهارات وأدوات جديدة.
من جهته، يرى راجيف لالواني، في شركة “ديلويت” الشرق الأوسط، أن وضع البيانات في صميم الشركة والتعامل معها على أنها أصول استناداً إلى أن البيانات، هي العملة الجديدة كما وصفها “المنتدى الاقتصادي العالمي”، يستدعي رؤية قوية وإشراف على البيانات وهو الأمر الذي يؤدي لبروز منصب رئيس البيانات وتطوير أقسام البيانات.
وأخيراً، على الحكومات الاستعداد للتغيير مع ما تبشر به البيانات من تحفيز للمؤسسات للتصرف والعمل إزاء الحاجة إليها، فالبيانات تمكن من اتخاذ القرارات المدروسة، وتحسن تجربة الزبون، وتدفع بكفاءات التشغيل إلى مستويات متقدمة.
 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات