استئصال المشكلة أفضل من تغطيتها..، بهذه العبارة لخّص رئيس اتحاد غرف التجارة غسان قلاع واقع الحال بين الجمارك والتجار، وعلى ما يبدو أنها ليست مشكلة واحدة بل متعدّدة، وليست أيضاً فقط مع الجمارك بل مع الثلاثية الحكومية الاقتصاد والمالية والمركزي، ويبقى الأهم في القضية المواطن الواقع بين سندان هذه الجهة ومطرقة تلك..، وتحديداً لناحية جنون الأسعار التي طارت بطيران سعر صرف الدولار من أيّ عقال..!.
نتيجة لذلك السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى ينعكس الخلل في العلاقة بين تلك الأطراف سلباً وتأثيراً قاسياً في الواقع المعيشي للمواطنين وتأمين الاحتياجات الأساسية من سلع ومنتجات، وخاصة أن توفر تلك المواد مرتبط بعدد من القضايا الخلافية العميقة وتبادل الاتهامات المباشرة وغير المباشرة ولو بظاهر دبلوماسي، فتمويل المستوردات مشكلة بحدّ ذاته وكذلك آليات وإجراءات إجازاتها ومخلّصوها وموظفوها وغير ذلك من الظاهر والمخفي في لعبة القط والفأر لمضاربي الليرة بالدولار..، ومع ذلك لا حل سواء يريحنا ويطمئن الجيوب والنفوس نتيجة للسجال المستمر الذي يكاد “يطير” بالمتبقّي من المال والعقول وحتى الآمال..!!؟.
تشاؤل..
ونظراً للأهمية الكبيرة للجمارك كذراع وبوابة أمان وائتمان للاقتصاد في مطلق دولة، يبقى التفاؤل بالتوصل إلى الحلول قائماً من خلال القانون الجديد للجمارك الذي سيتم إصداره قريباً، بعد أن تمّت دراسته بالتعاون مع غرفة التجارة حسبما أعلنت عنه الجمارك، حيث ينص في أحد مضامينه “على أن كل تاجر لديه بضاعة مخالفة أو مشبوهة عليه أن يذهب ويصرّح عنها ويدفع غرامة معقولة يأخذ على أساسها صك براءة”.
لكن أول مؤشر على أن تفاؤلنا مهدّد بالتلاشي، يتمثل بردّ القلاع على سؤالنا حول حقيقة اطلاع غرفة التجارة على النسخة النهائية من مشروع القانون العتيد، إذ أكد قائلاً: إن غرفة التجارة لم تطلع على القانون (رغم أن الجمارك قالت بمشاركة الغرفة فيه)، وأضاف متهكّماً: يمكن أنه عندما يتم إنجازه سيطلعوننا عليه..!، فماذا يمكن أن نفهم من ذلك..؟!.
اعتراف.. ولكن
بل إن الغرفة بيّنت على لسان رئيسها أن التاجر لا شك أن لديه سلسلة من المشكلات التي تبدأ من الحصول على الإجازة وتمويلها ومن ثم تخليصها..، وأنه ربما تقع بعض المسؤولية عليه وتحديداً على الذي يلجأ إلى شركات الشحن التي تقوم بتزيين المشكلات وتغطيتها بغطاء لامع ولكنها لا تمنعها من الظهور (أي المشكلات) في وقت ما. ولعل هذا التوصيف المبسّط، الذي لا يعكس احتدام المناقشة بين التجار والجمارك في الندوة التي عقدت مؤخراً بينهما، هو ما دعا القلاع إلى التمني على الإدارة الجمركية الوقوف إلى جانب التجار ومساعدتهم للوصول إلى الحلول النافعة، مشدّداً على أن استئصال المشكلة أفضل من تغطيتها.
تطنيش أم ماذا..!؟
وحين تعلن الغرفة عما يشوب ملف المخلصين الجمركيين من غموض، ندرك لماذا يقابل طلب إدارة الغرفة من الجمارك بوجوب تزويدها بقوائم المخلّصين المرخَّصين، والإشارة إلى أسماء المستقيمين منهم، بالتطنيش، ولعل هذا ما جعل مصدراً تجارياً وازناً -عند سؤالنا له عن استجابة الجمارك لمطلب الغرفة- يتهكّم بالقول: يبدو أن “الشغلة” صعبة، وأن هذا الأمر من اختصاص نقابة المخلصين، وأكثر من هذا وصف المخلِّصين بـ”عملاء جمركيين”!.
تطنيش لا يمكن تبريره وتفسيره يثير الكثير من الريبة، لتفتح الأخيرة المجال واسعاً لتساؤلات مشكّكة يقضي الردّ عليها العلانية والشفافية في الأجوبة لتبيان حقيقة الوضع القائم، وخاصة بعد أن افتقدنا القدرة على تحديد من نصدّق مع احتكار 4 شركات عبر استيلائها على التخليص والاستيراد واتهامها بتجاوزات لم تعُد مقبولة حسبما أعلن رئيس اتحاد غرف التجارة نفسه..!؟.
كان ولا يزال..
نشدّد على أن الموضوع يقتضي، بعد أن اعترفت الإدارة الجمركية بزيادة إيراداتها بالفعل (حين سأل أحد التجار ممثلها الذي تحفّظ على ذكر الأرقام الجديدة) بعد أن شدّدت إجراءاتها، معترفة أنه قبل التشديد كانت هناك جهات كثيرة فاسدة تتقاسم الإيرادات خارجياً كالكشاف والضابطات وغيرهما. أما نحن فنقول إنه كان ولا يزال.
إذاً هناك وضع شاذ لا يخبّئ نفسه يحكم علاقة التاجر بالجمارك مروراً بالعلاقة مع المخلّص والموظف الجمركي، فحسب طرح وتوضيح التجار أغلب المشكلات التي أظهرتها المناقشات الطويلة، تكمن في اختيار المخلص الجمركي المناسب والأمين، علماً أن إدارة الغرفة كانت طلبت من مديرية الجمارك أن تقوم بإعداد قائمة بأسماء المخلصين الجمركيين المرخّص لهم..، لأنه عندما تقع مخالفة يحاسب التاجر وهو من يدفع الغرامات على الرغم من أن الأوراق والبيانات كلّها قدّمت بالتعاون مع المخلّص..، وعليه يتساءل التجار: ما الحلّ وكيف سيكشف المخلّص السيّئ من الجيد، ولماذا لا يتم توزيع المخالفة بين المخلّص والتاجر والموظف الذي يوقع الأوراق مع علمه أنها خاطئة، ولماذا لا تتم محاسبته..!؟، وبدورنا نسأل الأسئلة نفسها..؟.
تنصّل من..
ردّ إدارة الجمارك على ما تقدّم أنه بالنسبة للمخلصين، عندما يقدّم التاجر ورقة تثبت تعاونه مع المخلّص وتعطيه الصلاحية لتخليص بضائعه فهنا لا تستطيع مديرية الجمارك التدخل في عمل التاجر، ولا يحق لها أن تختار له المخلّص، فهو من اختاره في النهاية، لكن الإدارة بالمقابل تقرّ بوجود بعض المخلّصين السيئين..!، وأنه ربما لا يستطيع التاجر الكشف عنهم بسهولة..!، وليت ردّ الإدارة يتوقّف عند هذا الحدّ، بل ترمي الكرة في ملعب التاجر بتحميله مسؤولية عمله في البحث عن الأمين الذي سيخلّص له بضاعته بالشكل الصحيح..!، وليس هذا فحسب بل تتنصّل الجمارك من مهمة معاقبة المخلّص لأن أسلوب العقاب استناداً إلى ادعائها لا يُبنى على أحاسيس شخصية..، فإن لم توجد الأوراق التي تدين هذا المخلّص فلا تستطيع فعل شيء..، أما في حال وجود ثبوتيات تدينه فهناك نظام عقوبات ولجان تأديبية وإقليمية تحاسبه بعقوبات تبدأ من إيقاف العمل وتنتهي بالشطب النهائي من المهنة.. أما إذا كانت الإدانة بتهمة التهريب فتتم معاقبته كأيّ مهرّب آخر.
وبخصوص الموظفين الجمركيين أكدت الجمارك أن هناك أيضاً نظام عقوبات ويتم الكشف دوماً عن الكثير ومعاقبتهم ولكن لا يُنشر ذلك بشكل عام بل يُنشر فقط على موقع المديرية أو بشكل داخلي..!؟.
لا نُحسد عليه..
وضع لا يُحسد عليه أحد، يفاقمه ما يجري بلعبة الصرف للدولار والجمود المفاجئ المحيّر الذي انتشر في سوق القطع الأجنبي، والذي أرجعت مصادر “المصرف المركزي” سببه الحقيقي إلى قيام شركات الصرافة بجمع مبالغ كبيرة جداً بالليرة السورية من كبار التجار على أن يتم بيعهم الدولار غداً بسعر قريب من ٤٥٠ ليرة للدولار. ولفتت المصادر إلى أن المركزي فرض عليهم تسليم الليرة السورية لشراء الدولار بسعر 460 يوم الخميس الماضي، أي بيع آجل كما يقال في مصطلحات الأسواق المالية، ما أجبر التجار على تسييل القطع لديهم لترميم أمورهم المالية فاتبعوا كعادتهم طرقاً ملتوية ورفعوا سعر الصرف على الشاشات ليحققوا مرابح ترضي جشعهم، إلا أنهم لا يشترون فعلياً بهذه الأسعار الوهمية المنشورة. وأشارت المصادر إلى أهمية مراعاة المنطق والعقل في تبنّي هذه الأسعار الوهمية، ولاسيما أن المركزي سيطرح كمية كبيرة جداً من القطع بسعر ٤٥٠ ليرة للدولار يوم غدٍ.
بأيّ منطق..!؟
وبـ”المنطق والعقل” الذي أصبح الكل يتحدّث ويطالب الآخر به، نخلص إلى أنه لا منطق ولا عقل فيما نشهده بعد أن أوصلنا الآنفان أي العقل والمنطق إلى سعر صرف ناهز الخمسمئة ليرة سورية للدولار الواحد، فأي عقل ومنطق هذا..!؟.
لعل ما كشفه رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية المهندس فارس الشهابي من أن أسعار الصرف في سورية لن تتحسّن أبداً إذا استمرّ القرار الاقتصادي لدى المسؤولين بتفضيل “الجباية على الرعاية” و”التحصيل على التشغيل”، يلخّص المشهد الذي سيأتي يوم نكون فيه شهوداً (نأمل ألاّ نكون شهود زور..) عليه أمام محكمة المواطن والوطن.
سيريا ديلي نيوز
2016-03-23 22:10:42