عملت المصارف الخاصة خلال الأربع سنوات الماضية على تشديد شروط منح القروض لتضمن حقوقها كاملة بدلاً من إيقافها بشكل نهائي، بل يمكننا القول: إنها رفعت قيمة القروض الممنوحة، وهذا الإجراء الذي لم تستطِع المصارف العامة القيام به بسبب مخاوفها غير المنطقية يدلّ على ضعف نظرياتها الاقتصادية فيما يتعلق بأهمية التداول للعملة المحلية وتشغيلها خلال الأزمات.

نظرية
يرى بعض الفرقاء الذين يمتلكون أفكار الجدوى الاقتصادية، التي تعتمد على تخزين المال وحفظه في خزانات ذات أقفال عنيدة، أن على المصارف عدم منح القروض خلال الأزمة، محاولين إعطاء تبريرات غير واضحة أو مفهومة، عن مخاوف تتعلق بحقوق المصارف، وهذا ما جعلنا نتّجه إلى مصدر مسؤول في المصرف العقاري ليؤكد لنا أن إيرادات المصارف تعتمد على العمولات لقاء الخدمات التي يقدّمها المصرف والفوائد التي يحصل عليها من القروض، وأيضاً من فروق الفوائد المحتسبة على القروض وفوائد الإيداعات، إذ يشكل هذا الفرق ربحاً للمصرف.

فجوة
خسارة المصارف تكمن في الإيداعات الموجودة في المصارف لأنها تلزم المصرف بدفع الفوائد وبالتالي تؤدّي إلى زيادة أعبائه، وحسب المصدر فإن تنشيط القروض الممنوحة وجعلها أكثر من الإيداعات سيرمّم الخسائر التي يمكن أن يتعرّض لها المصرف في أوقات الأزمات، ويتابع المصدر: إن المصارف الخاصة تشدّد في حال فتح القروض ولكنها لا توقفها فهي بحاجة إلى الأرباح ولها حقوق من المساهمين.

ثقة
المصارف العامة تعمل تحت إشراف الأجهزة الرقابية عليها (وزارة المالية ومجلس النقد والتسليف)، وهذه الأجهزة هي التي ارتأت أن تتوقف مصارفنا عن منح جميع أنواع القروض، ويتابع المصدر: كان لذلك تأثير سلبي وسبّب خسارات كبيرة للبنك بسبب إيقاف القروض وفجوة بين الإيداعات والخدمات، مؤكداً أن مصارفنا العامة لم تفقد ثقة المواطنين وتمثل ذلك بنسبة إيداعاتهم، وعلى الرغم من الأزمة والسحوبات التي تتالت في بعض الفترات لم تهتزّ هذه الثقة، لكن إيقاف القروض سبّب فجوة بين الإيداعات والخدمات، وهو لم يكن حلاً مناسباً خلال الأزمة، فأبسط قواعد الاقتصاد هو تداول العملة لدعمها.

ضوابط
لا قيمة للمخاوف التي تعتري بعض الناس فيما يتعلق بمنح القروض إذا كانت وفق ضوابط وشروط محدّدة، حسب رأي الدكتورة سمر كنج في كلية الاقتصاد، إذا كانت هناك آليات وضوابط لمنح هذه القروض وفق الأنظمة وبما يتوافق مع الضوابط المحدّدة للمنح، وتضيف كنج: يجب العمل في هذه الظروف على رفع نسبة القروض الممنوحة بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي السائد، فالمبالغ التي كان يتم إقراضها سابقاً لم تعُد تلبّي حاجة الفرد، لذلك يجب دراسة رفع سقف قروض ذوي الدخل المحدود على عدد المستفيدين من هذه القروض.

مرحلة
وأضافت كنج: إن مرحلة إعادة الإعمار وتدوير حركة الإنتاج وتشغيل اليد العاملة تحتاج إلى قرار مهم لإعادة منح القروض بما يتناسب مع الواقع الحالي، وخاصة أن هناك العديد من المناطق التي بدأت تعود إلى حركتها الطبيعية وهي بحاجة إلى تقديم الدعم المادي لها من خلال هذه القروض وهنا لا يمكن التخوّف على حقوق المصرف لأنها موثوقة بالضمانات والتأمينات والرواتب.

دعم
إن وجود بعض المشكلات لقروض تم منحها سابقاً لا يمكن أن يعمّم على باقي عمليات الإقراض، ومن وجهة نظر كنج فإن حركة دعم المشاريع الكبيرة وترميمها وإعادة العاملين إليها، هي الخطوة الأكثر أهمية في هذه المرحلة لتدعم عمليات التسويق الكبيرة، ولتحقّق تشغيل اليد العاملة، وتنشيط الاقتصاد للمناطق التي تمت استعادتها، كما أن الأولوية في منح القروض يجب أن تتوجّه إلى المشاريع الكبيرة، وإلى ترميم المعامل التي دمّرت في معظم محافظاتنا كمعامل الأجبان والألبان، ومعامل المدن الصناعية.

آليات
إن الجدل المتكرر فيما يتعلق بالقروض يبدو قضية متعلقة بنظرياتنا المتضاربة التي لا تعتمد على “الخباز” أي على صاحب الخبرة، لذلك نرى أن خطواتنا المصرفية غير ثابتة أو مفعّلة على أرض الواقع، وتضيف كنج: إن عودة الحكومة إلى القروض رؤية صحيحة كنوع من المحدّدات لأنه من الضروري لأي قرار جديد أن تكون له ضوابط ومحدّدات والالتزام، ومن الضروري وضع آليات عمل للمصارف ووضع ضوابط لأصحاب المنشآت التشغيلية، فالمصارف لا تستطيع أن تعطيهم كل شيء بل هي تعطيهم جزءاً لدعم سيولتهم الموجودة.

أخيراً
لعل الأزمة التي مررنا بها جعلتنا أكثر قدرة على معرفة قيمة الليرة السورية وأهمية دعمها لمواجهة تحدّيات ليست أقل أهمية من التحدّيات التي أصحبنا نعيشها في معظم قطاعات مجتمعنا، بل على العكس تماماً تبدو الآن الحروب الاقتصادية والسياسية تحمل المستوى ذاته في عملية الخراب والدمار للمجتمع، ما يجعلنا نؤكد ضرورة دراسة خطواتنا الاقتصادية القادمة بما يتناسب مع عملية البناء القادمة.

سيرياديلي نيوز


التعليقات