من أبرز صور الحرب في سورية، الصور التي التقطت للأطفال سواءً في مناطق الصراع، أو مخيمات اللجوء، صور الحزن والألم، التي تعكس واقعاً مزريّاً يعيشه ملايين الأطفال السوريين، وذلك بعد أن تحول أكثر من 12 مليون سوري إلى نازح داخل سورية؛ أو لاجئ خارجها، حسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، نصفهم تقريبا من الأطفال.
من جانبها منظمة «اليونسيف» وفي بياناتٍ لها أكدت أن نحو 5.6 مليون طفل سوري في حاجة إلى المساعدات الإنسانية بمختلف صورها، ومن بينها مساعدات طبية ونفسية وأسرية، بالإضافة إلى أن نصف هؤلاء أصبحوا متسربين دراسياً، وفي مواجهة أهوال الحرب دون مساعدة، حتى من الدول لتي لعبت دوراً مهماً في الصراع وتأزمه.
هم أطفال سوريا الذين كانت قفزتهم نوعية بامتياز، قفزة من مقاعد الدراسة للتسول، من لعبٍ ومرحٍ وألعاب طفولية، لمسح زجاج السيارات، وبيع المحارم والعلك على إشارات المرور، من ضحكات عشوائية، لحملة أسلحة خلفها حقد المسؤولين... هم أطفال سوريا، الذين هربوا من موت الإرهاب ، ليموتوا جوعاً، وقهراً اجتماعياً على كاهل دولة أخرى قد لا تهتم لاحتياجاتهم ولا لاهتماماتهم.
فمع سنوات الحرب الخمس ازدادت مساحة العوز والفقر لدى العائلات السورية، مما اضطرها لعمالة أطفالهاوبحسب تقرير لمنظمة «أنقذوا الأطفال» التابعة للأمم المتحدة، هناك 2.7 مليون طفل يعملون لإعانة أسرهم..
ومن أرض الواقع حاولنا أن نتحدث للعديد من الأطفال الذين رمت الحرب بظلالها عليهم فدفعت بهم لكي يكبروا بسرعة، ويغادروا براءتهم التي باتت تنشغل بعالم الارهاب والموت والقصف والدمار فانخرطوا بعالم الكبار فباتت عباراتهم تقترب من الشعر الحزين مطعم بقوة الأرادة للاستمرار والعيش من أجل الغير .. فحياتهم بدأت تعلّمهم الكثير رغم غياب المدارس، دون أن يمنعهم ذلك من الحلم الدائم بالعودة إلى مدارسهم.
يقول طفل عندما أكبر ويصبح عندي أطفال لن أجبرهم على أن يعيشوا حياةً مثل حياتي، سأعمل على أن تكون حياتهم نظيفةً … عكس حياتي”!
هذا ما قاله الطفل خالد ( 11 عام) الذي يعمل بطريقة مختلفة عن الأطفال الباقيين فهو يعزف على آلته الموسيقية في حي البرامكة بدمشق ، إذ يقوم كل يوم بجلوس على طرف الرصيف واضعن أمامه آلته القديمة والتي قام بإصلاحها بطريقته الخاصة من أجل العزف وجمع المال لمساعدة أهله المهجرين نتيجة الوضع السيء في منطقتهم ، ويقارب دخل خالد الـ 1500 ليرة سورية يومياً (أقل من خمسة دولارات أميركي).
الحال ليس بالأفضل ..
ليس الحال أفضل بالنسبة لمحمد (14 سنة) من حي جوبر ، إذ اضطر لترك المدرسة ليذهب إلى العمل في ورشة تصليح وبيع إطارات السيارات يقول محمد
من لا يعمل ويدرس ليس وضعه بحال أفضل، فهو إما محروم من الأب أو الأم أو الاثنين معا، فهذا حال الأطفال الأربعة الذين تركتهم والدتهم وتزوجت بعد أن توفي والدهم جراء معارك “جوبر” ليعيشوا اليوم مع جدتهم العجوز .
قلمي قوتي ..
لم يبق لمحمود (عشر سنوات )من مدينة من ريف دمشق ، إلا أن يحمل معه قلمه أينما ارتحل، ليكتب به “اسمه على أي شيء يمكن الكتابة عليه، كذلك يكتب اسم أبي وأخي الذي أخذهم التيار ضمن الحرب القاسية .
القلم يغدو بالنسبة لمحمود وسيلة المقاومة الوحيدة كي لا ينسى القليل الذي تعلمه في المدرسة. بحمله إياه يحفظ حلمه بالعودة إلى المدرسة في محارة الروح،، إيمانا ً به أنه يوما سيعود لمدرسته التي يقول عنها “مشتاق لها جداً”.
من أجل أمي ..
في الوقت الذي يدافع محمود عن حلمه بالعودة للمدرسة يبدو أن الظروف القاسية لم تترك لبتول ذو الاثني وعشر ربيعا أن تفكر بالمدرسة إذ تقول: “لا وقت لدي للتعلم .. فنفقاتها مرتفعةٌ جداً قياساً بما أجنيه من عملي”.
لذا هي اختارت أن تبيع العلكة على أشارات المرور ، مستعيضا عن حلمها بأن تقدم لأمها بسمة ترتسم على وجهها الذي بدأت أثار الحرب تظهر عليه من حزن وآلم عسى تبعد عنها مرارة الحياة.
الحرب .
أما ميسون ذو أربع عشر من العمر ابتسمت وقالت سمعت من والدي أنه بفضل السلاح الروسي تم القضاء على داعش في منطقتنا ... ميسون تبيع علب المحارم أيضاً في منطقة البرامكة وهي مهجرة من قرى إدلب وهي تحلم بالعودة إلى قريتها وإلى منزلها وألعابها .. وهي تساعد أهلها لأن والدها عاطل عن العمل وهي أكبر أخوتها الذين غير قادرين على العمل .
الوزارة .. لا رقابة ولا متابعة
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كعادتها تقوم بدراسات نظرية لمتابعة الحالة ولكن دون تنفيذ النتائج المطلوبة على أرض الواقع بل نجدها موضوعة على الرفوف متروكة للزمن ليأكلها الغبار،وعندما سألنا الوزارة عن الموضوع كانت الأبواب مغلقة بوجههنا والاكتفاء الأزمة فرضت ظروف قاسية على جميع السوريين وخاصة الأطفال ونحن لم نستطيع القيام بإحصاءات دقيقة خلال الفترة الحالية ولكن نحاول مكافحة هذه الظاهرة من خلال البرنامج الموقع منذ عام 2008 مع منظمة العمل الدولية، وتضمن البرنامج دراسة أوضاع الأطفال في سوق العمل وإصدار قاعدة بيانات تبين أسوأ الأعمال وأخطرها لمنعهم من العمل فيها .
من جهة عكس ما تردده وزارة الشؤون الاجتماعية نلاحظ وجود أعداد كبيرة من الأطفال المشردين في الشارع خلال الفترة الراهنة و لا يوجد رقابة ولا متابعة ولم نسمع بما يدعى لجان الطواف من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سوى في الجرائد وعلى شاشات التلفاز.
هذاجزء صغير من قصص أطفال كثر يحاولون رسم البسمة على وجههم رغم قساوة الحرب وظلم القدر لهم ... تعلموا أن القوة والاستمرار لا تكون إلا بالإرداة والتصميم .. أطفال حرموا أبسط حقوقهم من اللعب والتعلم بسبب إرهاب قذر جرف معه ضمن التيار أجمل مراحل الحياة وهي الطفولة البريئة ...
سيرياديلي نيوز - نور ملحم
2015-12-05 21:15:14