في ظل الظروف القاسية التي تمر بها سوريا وشعبها، لم يكتفي شبح الموت من حصد أرواح شبابنا في عمر الزهور، ولم يكتفي بعد من تقديم أكفان عرسان وعرائس سوريا لأمهاتهم المفجوعة. بل وزاد على ذلك شبح الذعر واللا أمان عند الكثيرين من الناس تحت غياب واضح للضمائر واللا إنسانية، وخاصة حين يفقد الناس الأمل والطمأنينة من منقذيهم كالأطباء؟. فهل يدفع ثمن ذلك طفلة تعاني، دون ذنب، من ارتفاع في الحرارة؟. نعم، تدفع الثمن تلك الطفلة حين تتوجه بها أمها المذعورة ليلا إلى أحد المستشفيات الخاصة، فتحقن الطفلة بدواء سبق استخدامه مغلف بلاصق ملفوف بطريقة عشوائية، من قبل إحدى الجزارات المناوبين. لتستيقظ الطفلة في اليوم التالي على ألم أخطر وأشد من أن تتحمله طفلة تبلغ من العمر تامين فقط، النتيجة ورم وانتفاخ كبيرين مكان الحقنة مرافق لالتهابات وتقيح حادين سببهم( جرثومة) متواجدة في خافض الحرارة الذي حقنت به سابقا. وأما حالة الطفلة ذات الثلاث أعوام، كانت أبلغ أهمية من سابقتها. والتي أدخلت إلى المستشفى لاستئصال( اللوز) فتسببت جرعة البنج الزائدة بتشنج حاد في القصبات الهوائية أدت إلى وفاة الطفلة. وما أسهل مقولة "الخطأ الطبي.. قد يحدث". هذا صحيح في حال فصلنا تماما بين المضاعفات الطبية والمشاكل التي هي فوق قدرة تحكم الطبيب والتي لا يمكن توقع حدوثها. بعكس تماما حالة الطفلتين السابقتين بالذكر، وغيرهما الكثيرين، فالأولى حقنت بدواء مفتوح وغير مراع لإجراءات الصحة والسلامة في حفظه لإعادة استخدامه، ولا أظن أن ذلك قد يخفى عن طبيبة تقوم بواجبها مع كامل وعيها بأبسط إجراءات السلامة والمعايير المفروضة عليها كطبيبة. ومن ناحية أخرى، حالة الطفلة الثانية لم تكن تخفى عن الطبيب المشرف على عمليتها، لعلمه أن الطفلة في الأساس تعاني حساسية مفرطة والتهابات صدرية، والعلم عند أهل الطب، فهل يجوز إخضاع طفلة للعملية دون مراعاة وضعها الصحي مسبقا للتعامل مع الجراحة بشكل سليم؟؟. تلك كانت حالتين من فائض شكاوي وقصص سمعت بها مؤخرا واستوقفتني جميعها لتضع خطوط عريضة تحت عنوان الإهمال والاستهتار بأرواح الناس ومشاعرها. ووسط جهود وعمل وزارة الصحة على الحد من تلك الظواهر، فإن المعايير والقوانين التي تفرضها على القطاعات الطبية هي واضحة جملة وتفصيلا، تماما كما الناحية القانونية حول الخطأ الطبي. فمن جمل تعريف القانون للأخطاء الطبية وسبب حدوثها :"... إن إهمال مراقبة الطبيب لمعاونيه في التدخل، ومسؤوليته عن أعمالهم وأخطائهم متى كانوا تحت رقابته، وفي جميع الأحوال يراعى في تقرير الخطأ الطبي الظروف الخارجية التي وجد فيها الطبيب. " ولكن في الإطار التطبيقي والواقعي للأسف، يبدو أنه بعض الأطباء هم نفسهم، بحاجة إلى من يراقبهم ليتحملوا مسؤولية أعمالهم وأخطائهم أولا، قبل أن يفعلوا ذلك مع معاونيهم. واستنادا على ذلك، فإن سوء الإدارة في بعض المستشفيات، والتي تعد بدورها الرقيب الأول على طاقمها الطبي، هو أحد أهم المسببات لوقوع الأخطاء الطبية. لما يتسببه التسيب في الإدارة من إهمال، نقص في اللوازم الطبية، أفتقار النظافة في الأدوات، أو الضوابط للمعايير الطبية المترتبة على الأطباء القائمين على عملهم،أو حتى سوء تنظيم الجداول الزمنية للحالات المستعجلة والأولوية في التراتبية. فمن خلال حديثي مع أحد الأطباء، أكد لي موثقا بأنه يوجد العديد من الحالات الصحية التي تم تأخيرها بسبب سوء تقدير الطبيب للحالة، أو جهله بكيفية التعامل مع الحالة المرضية، مما أدى إلى حالات شلل للبعض مثلا، أو ضرورة بتر أحد الأطراف الآخرين، علما بأن حالتهم كان من الممكن الحد من الوصول إلى تلك المراحل الخطيرة لو تم التعامل معها بسرعة أكثر. وبحسب قانون مزاولة مهنة الطب في سوريا واحتواء القانون المدني السوري وفق أحكام المادة 164 والتي تنص على:"كل خطأ سبب ضررا للغير، يلزم من ارتكبه التعويض". غير أنه بالرغم من ذلك، فإن القضاء يشترط وجود دليل على حدوث الخطأ، وهذا غالبا ما لا يستطيع ذوي الضحايا أن يقدموه إما لعدم معرفتهم بالأمور الطبية الدقيقة، أو لعدم تعاون الجهة التي تم وقوع الخطأ فيها ومن قبلها. وأيضا، قانونيا، الطبيب لا يسأل جنائيا ولا مدنيا إلا أذا خالف القواعد الفنية؛ أي أنه لا يسأل عن عدم مهارته أو جهله بالطرق أو عدم الاستعداد، لكنه يسأل عن الخطأ الفادح والإهمال المفرط. عفوا!!! وكيف سيقع الطبيب بالخطأ الفادح الذي سيسأل عنه أخيرا، لولا ارتكابه لجميع ما ذكر، والذي لا يسأل عنه بالأصل؟؟؟. أضف إلى ذلك أن المحاكم تعتمد في هذه الحالات تحديد معيار المسؤولية الطبية بناءا على تقرير لجنة الخبرة واللتي في بعض الأحيان تتعاطف مع زملائها بالمهنة (الطبيب)، و قد تخلق له الأعذار لتجنبه المحاكمة، فيصدر الحكم بناءا على هذا التقرير. وأخيرا، أنا أقصي في قولي هذا الكثيرين من الأطباء والطبيبات الذين يعملون بصحوة تامة من الضمير والشرف الأخلاقي والمهني الذي تتطلبه مهنة سامية كمهنة الطب. وأخص بالذكر المستشفيات وطاقمها الطبية الذين يرتدون ثوب الطب الأبيض النفي ليدنسوه بانحطاطهم الإنساني قبل المهني ويشترون بأرواح البشر ومشاعرهم تجارة رخيصة كنفوسهم. فهل من محاسب أو رقيب؟؟؟.

سيريا ديلي نيوز - خاص - زهور بيطار


التعليقات