نقلت إحدى الصحف المحلية مؤخراً عن أحد أكاديميي جامعة دمشق، حديثه عن قيام مجموعات من التجار بأخذ قروض من المصارف وتحويلها من العملة الوطنية إلى دولار ثم الهروب خارج البلاد. ويأتي ما نقلته الصحيفة في سياق حديثها عن وجود 650 شركة سورية متعثرة عن سداد ديونها.

وفيما لو صحت تلك الأحاديث، فسنكون أمام مستوى جديد من المشاكل المرتبطة بالسياسة النقدية وعمل مصرف سورية المركزي والحكومة مجتمعين في مجال القطاع المالي والمصرفي، والتي حذرت قاسيون مراراً منها، وأبرزها  ما يلي:
إن ما تحدثت عنه قاسيون في أعداد سابقة حول دور لكبار الفاسدين بعملية تحويل أرباحهم إلى دولار وتهريبها للخارج هو أمر تؤكده مصادر أخرى مقربة من الدوائر الرسمية. ولكن الأخطر في العملية هو ليس عملية تهريب الأرباح وحسب، بل إن هذه العملية تطورت إلى تهريب رساميل، ما يعني ضرب إدخارات السوريين المتراكمة في المصارف السورية، والتي ستكون ضرورية في عملية إعادة الإعمار، ولا سيما أن هذه الأموال المتراكمة جُمعت بعرق السوريين الكادحين، وإن كانت على شكل ودائع مصرفية تعود لمختلف المودعين من كبارهم إلى صغارهم.
 تعتبر عمليات الإقراض التي تتم في المصارف السورية، وملف القروض المتعثرة، والذي فتحت قاسيون ملفاتها مرات عدة، مدخلاً خطيراً للنهب والفساد الكبير، ومطرحاً لاستنزاف الثروات الوطنية المتراكمة خلال عقود، وعليه ينبغي التساؤل مجدداً لماذا تتساهل المصارف السورية بإعطاء قروض كيفما كان في ظل الأزمة، وتحديداً لتجار لا يملكون الملاءة المالية، في الوقت الذي كان من الممكن أن تدعم هذه الأموال مشاريع حكومية مضمونة السداد والتنفيذ؟! زد على ذلك استمرار السياسات النقدية بالالتزام بحرية حركة رؤوس الأموال ما يسمح بخروج مثل هذه الأموال دون أي رقابة تذكر وتحت أعين الجميع، وهو ما حذرت منه قاسيون مراراً.
إتضح أن جزءاً هاماً من عمليات المضاربة على الليرة السورية، والتي تقوم عبر زيادة مستوى الطلب على الدولار في السوق السورية ما يؤدي إلى ارتفاع سعره، تتم عبر قيام رساميل بتحويل أموالها للدولار بسلاسة، وذلك لتأمين مستقبلها اللاحق، ولكن هذه المرة ليس من نشاطها وأرباحها، بل من خلال السيطرة على الودائع المصرفية بالاقتراض المشروع، وإن مثل هذه العمليات تفسر جزءاً هاماً من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء مؤخراً، والتي تتواطأ بشكل أو بآخر مع طالبي الدولار من كبار المقترضين، وهو أيضا ما لفتت إليه قاسيون النظر في ملفاتها الأخيرة عن أسباب ارتفاع سعر الدولار.
إن هذه الآليات المختلفة في القطاع المصرفي والمالي المتمثلة بحرية التحويل إلى الدولار، والاقتراض بسلاسة، وتصدير الأموال بشكل شرعي خارج البلاد، هي آليات تصر عليها السياسات النقدية وتشرعنها سياسات الحكومة الاقتصادية، وهي الأدوات ذاتها التي تحارب الليرة، وتخسر السوريين المزيد من الثروات التي من الممكن أن تغير واقعهم الحالي المرير ومستقبلهم اللاحق.

سيرياديلي نيوز


التعليقات