في نهايات العام 2013، بدأت تنتقل للعلن أسماء كبار أصحاب القروض المتعثرين، حيث نشرتها وسائل الإعلام نقلاً عن (جهات مختصة)، المتعثرين المعلنة أسماؤهم وديونهم في حينها، شكلوا رقم 10% فقط، من الرقم الفعلي لمجموع القروض المتعثرة والذي حصلت عليه قاسيون منتصف العام 2013 وقد بلغ: 233,9 مليار ل.س، نسبة 14% منها للمصارف العامة أي 32,6 مليار ل.س تقريباً.
منذ فتح هذا الملف، وحتى اليوم، أي بعد عامين أو أكثر، لم تقطع تسوية القروض المتعثرة، خطوات جدية، حيث تم تسليم ملف التسوية لمصرف سورية المركزي، الذي طالب المصارف العامة بتزويده بقوائم الأسماء والأرقام، وتزويده بمقترحات للتسوية، وانتهى الأمر إلى قانون جديد لتسوية القروض المتعثرة صدر عن وزارة المالية ووافق عليه مجلس الوزراء.
جاءت ردود الفعل سلبية من مسؤولين مصرفيين في المصارف العامة، وفق ما ورد في تصريحاتهم للإعلام المحلي، ليروا بأن القانون الجديد غير كاف والقديم أفضل منه، وليكونوا بالتالي غير متفائلين بتسوية جدية للقروض المتعثرة.
مراسيم وقوانين تمديد هل تفلح؟!
تسوية القروض المتعثرة، بدأت خلال الأزمة مع مرسوم خاص بالمتعثرين في قطاع السياحة، وتم تمديده، والمرسوم الآخر لتسوية القروض المتعثرة في المصارف العامة، فقد صدر في عام 2014، وتمديده وتعديله تم في القانون الجديد.
جوهر مجمل عمليات التحفيز للتسوية تقوم على تقسيط دفعات الدين المستحقة، وعلى دفعات حسن النية من المقترضين، وعلى الإعفاء من فوائد وغرامات التأخير وغيرها من التسهيلات التي لم تأت بنتائج جدية حتى الآن، باستثناء ما أعلنه المصرف العقاري السوري، عن استعادة ما يقارب مليارين ليرة سورية، منذ بداية العام 2015، ومبلغ أقل منها في مصرف التسليف الشعبي بلغ 365 مليون ل.س، وهو الذي يقرض بشكل رئيسي محدودي الدخل.
بالمقابل بلغ الرقم الوحيد المتداول حول إجمالي القروض المتعثرة لدى (العقاري) 7,8 مليار ل.س في منتصف العام 2013.
فهل ستفلح هذه الجولة الجديدة من التسهيلات والتحفيزات، وتحديداً أنه بعد عام 2013، لم يتم اتخاذ أي إجراءات سوى إجراءات منع السفر، بحق جزء من المقترضين الممتنعين أو غير القادرين على السداد، بالإضافة إلى وضع اليد على ضمانات عقارية، وفي حالة المصرف العقاري يبلغ عددها ثلاثة ضمانات فقط، بقيمة 69,5 مليون ل.س فقط، وهذا المبلغ يعادل اليوم قيمة عقار سكني في مدينة دمشق!.
نستطيع التقدير، بأن جزءاً كبيراً من عمليات التسوية لن تتم بغض النظر عن تفاصيل التسهيلات، والقوانين، وتحديداً أن عدداً هاماً من القروض المتعثرة، وفق معلوماتنا، لم تسدد منها أي دفعة، أو توقف كبار المقترضين عن السداد قبل الأزمة، أو في مراحلها الأولى، أي قبل منتصف عام 2011، في المرحلة التي شهدت خروج الكثير من رؤوس الأموال في سورية، وسحب الودائع من المصارف، أي المرحلة التي أبدى فيها كبار أصحاب رؤوس الأموال، تخوفاً وانسحاباً سريعاً وكبيراً.
تباطؤ ومماطلة في الإجراءات..
ووفق المعلومات من أحد المصارف العامة العاملة في سورية، فقد بلغ عدد المقترضين المتعثرين والملاحقين قضائياً لمصلحة المصرف 6426 مقترضاً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بينما عدد المقترضين المتعثرين عن تسديد الأقساط في فروع المصرف المختلفة بحدود 50 ألف مقترض، أي أن نسبة 12% فقط من القروض المتعثرة، تنتقل للقضاء، والباقي قيد المماطلة.
حيث تشير المعلومات إلى أن تباطؤاً كبيراً في الإجراءات يشوب عملية إحالة ملفات المقترضين إلى القضاء، ومن ثم البت بها، بالشكل الذي يسرّع استعادة المال العام المطلوب.
وفي مبررات التباطؤ، تأتي مسألة الكادر القانوني في المصرف، وأداء المحامين المتعاقدين، وعدم إمكانية الوصول إلى المنشآت العقارية في كثير من المناطق غير الآمنة، وتوقف دوائر التنفيذ في الكثير من المناطق، بالتالي صعوبات اتخاذ إجراءات تنفيذية بحق المقترضين، كوضع اليد على العقار على سبيل المثال.
مع العلم أن الإجراءات حتى اليوم، تشمل الممتنعين عن السداد قبل الأزمة فقط!
فعلى سبيل المثال، حوالي 30 قرضاً متعثراً في المصرف العام المعني، توقف مقترضوها عن السداد من تاريخ 1997 وأقصاها بتاريخ 2010، وهؤلاء أقصى إجراء طالهم حتى الآن، هو بيع العقار الضامن في المزاد العلني لأربعة مقترضين فقط، والباقي يتراوح بين إشارات الحجز، وتوقف التنفيذ بسبب الظروف الأمنية لمنطقة العقار أو فرع المصرف المقرض وغيرها من المبررات.
قروض للمتعثرين
المصرف المركزي، صنف قروض قطاع الأعمال المتعثر، في مذكرة له بتاريخ 12-8-2013، إلى صنفين، الأول متوقف نتيجة الظروف الأمنية وظروف الأزمة، ويمكن أن تؤدي التسوية والتسهيلات إلى نتيجة معهم، والآخر هو المقترضون الذين لا يرغبون بالسداد عمداً، رغم توفر القدرة الجزئية أو الكلية، حصلوا على قروض كبيرة، وتوقفوا عن السداد منذ عام 2011 وبعضهم قبل ذلك، كما أن جزءاً منهم لم يحافظ أو يسعى لاستمرار عمله في سورية بل سارع إلى إخراج منشآته وأمواله إلى خارج البلاد وبينما استمرت أعماله في الخارج ويمتنع عن سداد التزامات القروض المأخوذة من المصارف السورية العامة أو الخاصة بحسب مذكرة المركزي..
ومع ذلك فإن القوانين والمراسيم المتعلقة بالتسويات، لم تشمل هؤلاء بإجراءات خاصة، تضمن استرداد المال العام المنهوب عملياً.
التصنيف يجب أن يشمل أيضاً، قروض الفساد المتعثرة وتحديداً القروض الاستثمارية الكبرى منها، حيث أن ما تم طرحه في عام 2013، حول تحميل (موظفين مصرفيين) مسؤولية وجود ضمانات وهمية، لا يجب أن يمر بتحميل الموظفين للمسؤولية، بل من المفترض أن ينتقل ليطال المسؤولين عن مرور قروض كبرى، بضمانات وهمية، أي عملياً مقترضين كبار دون وجود مشاريع فعلية، وبالتالي عملية (نهب ونصب) مباشرة للمال العام من مدخرات السوريين في المصارف ، حيث أن القطاع المصرفي العام شهد إقالات لإدارات عامة خلال الأزمة، وشهد تبديلات طبيعية، إلا أنه لم يشهد أي محاسبة وتحميل مسؤوليات، كما في كل مجالات (مكافحة الفساد) الأخرى!.
فالبيانات المرتبطة بكبار المقترضين، وتحديداً للمشاريع السياحية، والمولات التجارية، حصلت على نسبة هامة من القروض، وهؤلاء هم الأقل سداداً حتى في المرحلة التي سبقت الأزمة، حيث بلغ عدد قروض التصنيف السياحي الممنوحة من المصرف (100) منهم 4 فقط، قاموا بإجراء الجدولة نتيجة مراسيم التسوية الصادرة والمتتالية.
قروض اليورو.. نصفها للسياحة!
كما أن الكثير من التساؤلات توضع بالدرجة الأولى، على القروض الممنوحة للقطاع الخاص، من قروض بنك الاستثمار الأوروبي، التي كان من المفترض أن تكون قروضاً تنموية، والتي بلغت نسبة الإقراض السياحي منها نسبة 52%.
حيث أن قروضاً من المصرف العام المعني، قدمت باليورو لـ 30 مقترضاً بقيمة تتجاوز 32,695 مليون يورو، حصلوا عليها في فترات ممتدة بين عامي: 2005-2010 ، ثم امتنعوا عن السداد. بعضهم توقف عن الدفع منذ عام 2008 بعد عام من أخذه القرض، وبعضهم في عامي 2009- 2010 أي قبل الأزمة، ومعظمهم مع بداياتها في الشهر الخامس من عام 2011 ليستثنى منهم مقترض وحيد امتنع عن السداد في الشهر الخامس من عام 2012.
هؤلاء لم يحاكم أي منهم حتى الآن، وجزء هام منهم موجود في البلاد بحسب المعلومات، ومجمل الإجراءات تراوحت بين الإخطار، والحجز التنفيذي، أو إشارة بالحجز التنفيذي، مع 3 حالات فقط وضع يد على العقار الضامن، وبمجملها أقل من قيمة القرض اليوم، وحالة واحدة لمنع السفر، بينما الكثير من الحالات لم يتخذ أي إجراء بشأنها.
قد تحقق القوانين الجديدة للتسوية، فرصة لبعض الصناعيين الجديين والراغبين باستعادة نشاطهم الاقتصادي، رغم العرقلات التي لا تقتصر على ظروف الحرب، بل على إدارة الحكومة، ومدى تجاوبها بحسب الصناعيين أنفسهم.
إلا أن هؤلاء قلة، بينما أكثرية المقترضين المتعثرين، هم من رجال المال والأعمال الممتنعين عن السداد والمستفيدين من المماطلة والتأجيل، التي قد تحمي أموالهم من استحقاق حجزها، ونقل ملكيتها للمال العام.
وفي هذا التأخير في المحاكمات، والإجراءات بذرائع غير جدية، وغير عملية، تسجل الحكومة موقفاً جديداً واضحاً، تتجنب فيه جمع الموارد العامة من ممتلكات الأثرياء، حتى لو كانت مقترضة من المال العام! بينما تجتهد في جرأتها على المخصصات المتناقصة للإنفاق العام على الخبز والتدفئة والطاقة والأجور.
سيرياديلي نيوز
2015-11-10 13:28:15