سيريا ديلي نيوز : إنجاز ممتاز أن يتفق المجتمعون بفيينا على ضرورة أن يكون الحكم علمانياً في سورية، ولكن هل من الممكن قبول توزيع جوائز على العلمانيين لأنهم علمانيون؟(الأكراد نموذجاً)

لم أفهم المغزى من السؤال كثيراً، لكن ربما علي القول إن الاتفاق في فيينا على علمنة الدولة السورية هو نجاح لكل شخص وقف مع الدولة السورية أو، على الأقل، رفض منطق ما يسمى بالثورة، منذ بداية الازمة.

التهديد الأساسي لأسلوب حياتنا ولتجربتنا منذ الاستقلال عن فرنسا، ومنذ بداية الأزمة، كانفي المحاولة الحثيثة لتغيير طبيعة الدولة من دولة لجميع مكوناتها إلى دولة أغلبية وأقليات، مبنية على الأعراق والمذاهب. لو تحقق هذا، فما كان سيحدث هو أن ليس كل مكونات الدولة سترى لها مصلحة في هذه الدولة، وبالتالي فسيجد الناس حلولاً أخرى ويفكر زيد ببناء دولة مستقلة هنا، يشعر فيها بكيانه وأهميته، ويتبعه عمرو هناك، وسيأتي حتماً من يزين لكليهما هكذا حلول ويدعم تطبيقها ويحميها من التهديد.

هذا في المبدأ، ولكن بالعودة إلى سؤالك، فهو يعكس مشكلة طويلة عريضة صادفتنا منذ بداية الأزمة ألا وهي مشكلة توزيع الجوائز. أي: من سيقال له عندما تضع الأزمة أوزارها: يعطيك العافية، لولاك راحت البلد.

هذه المشكلة متأصلة في تربيتنا وآلية تفكيرنا نحن السوريين، وقد أثرت على أداء الكثيرين وهمشت الكثيرين وزينت للكثيرين السير في طريق التهور.

من اجتهدوا وحاربواوضحوا وتحملوا شظف العيش وانعدام الأمن، والخوف على الحياة والمستقبل وسلامة من يحبون، هم من حافظوا على عقد البلد الاجتماعي، مما سيسمح بتطويره بدل تهديمه واستبداله بعقد جديد على الأغلب لن يحظى باتفاق الجميع، وهؤلاء هم من توزع لهم الجوائز.وأما العلمانيون، إن صح التعبير، فمن كان يرتجى لنا في نزاهته وعلمه وأدائه مصلحة، فأهلا ً به وسهلاً، وأما غيره فلهممنا خالص الشكر على تحيتهم لنا، وحسب.

 

سيريا ديلي نيوز : هل توافقني الرأي أستاذ عمار وقّاف أن استقلال الأكراد بحكم مدن وقرى في الشمال السوري هو نجاح جزئي للمؤامرة على سورية؟

بداية، أود القول إن الأكراد لا بد ومدركين أن مسألة استقلالهم وبناء دولة على أساس عرقي ستعني الكثير من المشاكل مع محيطهم، ولربما عنى هكذا استقلال مشاكل لا نهائية. لذا، فأنا ممن ينظرون لما يقومون به حالياً من إدارة ذاتية، ولا أقصد التخفيف من أهميته مطلقاً، على أنه محاولة منهم لاتخاذ موقف تفاوضي متقدم. يعني هذا أنهم يأخذون احتمال استعادة الدولة سيطرتها على كامل مناطقها بعين الاعتبار، ولكن يودون أن يثبتوا أمراً اليوم سيمكنهم من المقايضة غداً.

لقد سبق وشاركت في ورشة عمل جدية بحثت المسألة الكردية في جانب كبير منها، وكانت النقاشات شفافة وصريحة وغير استعراضية. من حيث المبدأ، فإن انطباعي كان وما يزال هو أن هؤلاء مثلهم مثل غيرهم من السوريين، لديهم ثقافة وهوية مختلفة عن الآخرين، إلا أنهم، وعلى وجه الخصوص، شعروا عبر عقود من الزمان أن هذه الثقافة والهوية قد تم قمعها أو عدم الاعتراف بأهميتها من قبل المكونات الأخرى، وهم مهتمون في المقام الأول أن يجدوا حيّزاً للعيش لا يشعرون فيه بأنهم مواطنون منالدرجة الثانية. (أقول هذا الكلام بفرض صدق ما تم ويتم طرحه من قبلهم.)

من حيث النتيجة، وكما أسلفت في جوابي على سؤالك الأول، فهم بحثوا ويبحثون في مسألة امتلاك جزء من القرار حول توزيع الموارد التي تنتجها مناطقهم، طبيعية كانت أم بشرية، بغية ضمان تنمية أفضل لمناطقهم (بفرض أن هكذا طريق سيؤدي لهكذا هدف)، أي أنهم يبحثون عن شكل أقل مركزية للدولة.

 إن سألتني رأيي، فأنا أتفق معهم في جزء من الكلام، وأختلف في جزء آخر منه. فمثلاً، أرى من الطبيعي، لا بل من واجب السلامة، أن نضمّن الإشارات الطرقية إرشادات باللغةالكردية في المناطق لا يتحدث أهلها الأكراد باللغة العربية مطلقاً (وهو مثال تم طرحه والتعاطي معه في ورشة العمل). هذا المثال أراه مطبقاً في بريطانيا، في ويلز واسكوتلاندة، ولا يشعر أحد بالتهديد من جراء تطبيقه على الرغم من أن كامل سكان ويلز واسكوتلاندة يتحدثون الإنكليزية بطلاقة. ولكن هل أنا مقتنع أن توزيع الموارد بهذا الشكل اللامركزي سيضمن تنمية للمناطق البعيدة عن المركز، كما يشتهي أصحاب هذا الطرح؟

هناك أسباب عدة تمنعني من هكذا اعتقاد، أو من التعاطي معه بشكل مطلق (أي أبيض أو أسود). أولها وأهمها أننا لا نعيش في جزيرة وليس بإمكاننا اتباع أسلوب سويسرا في الحياد والنأي عن النفس، وحولنا من التهديد والموارد والطمع في التدخل في أسلوب حياتنا ما يفيض عن طاقتنا لأجيال قادمة. لذا، فإن دولة مركزية قوية قادرة على حماية مكتسباتها، مهما قلت تلك المكتسبات، أفضل من دولة مفككة الأوصال قد تحقق تنمية سريعة هنا أو هناك ليأتيها فيما بعد تهديد لا تقوى على رده، فتخسر كل شيء.قد يقول قائل إن هذا ما حدث بالضبط في سوريا، وهي الدولة المركزية القوية، فأقول، هذا صحيح، ولكن ربما لو لم تكن الدولة قوية فلربما خضنا فيما نحن فيه الآن عشرات المرات. وثانيها موضوع رسم حدود اللامركزية على مقاس طوائف هنا وأعراق هناك، كما أسلفت .. إلخ. الموضوع هذا، باختصار، بحاجة لبحث جاد ومعمق على المستوى السوري، وليس الكردي فقط.

أعود، نهاية، لسؤالك عن المؤامرة.
أنا ممن يرون أن المؤامرة هي في جعلنا نعطي للجزء الضئيل الذي نختلف عليه أهمية أعلى بكثير من الجزء العملاق الذي لطالما اتفقنا وسنتفق عليه. وضمن هكذا فهم للمسألة، فلربما تجد أن نجاح المؤامرة ليس حكراً على مناطق الأكراد بل يمتد ليشمل ما هو بين الجار وجاره. نحن جميعاً معنيون بهذه المؤامرة، بكافة مكوناتنا. علينا ألا نجعل الأمر يسير على شاكلة: نحن وهم، أو إما نحن وإما هم، وقد بذلنا الكثير من الدم والموارد وعلينا بذل المزيد من الجهد والتفكير الهادئ والسليم والبناء أيضاً.

إن أثبتت قضية الأكراد أمراً، فإنما هو حاجتنا لتجديد العقد فيما بيننا يحترم اختلافنا ويرى فيه غنى، بدل أن يطمسه ويرى فيه تهديداً. فإن استطعنا توريث أولادنا هكذا عقد، فلربما منعنا عنهم الاكتواء بما عانيناه من نار.

 

سيريا ديلي نيوز : اتفق المجتمعون في فيينا على ضروررة وقف إطلاق النار في سورية تحت إشراف الأمم المتحدة...هل من برنامج زمني رسمي يُدخل هذه التوصية حيّز التنفيذ؟ ومن هي الجهات التي ستضمن وقف إطلاق النار؟

الفكرة الأساسية في وقف إطلاق النار هنا، على ما يبدو،هي أن السوريين المعارضين للدولة، والذين قدموا الغالي والرخيص في سبيل إسقاطها، لا بد وأنهم يتساءلون الآن عن جدوى الاستمرار في التضحية بعدما تبين أن الدولة لن تسقط قريباً. سيعني هذا أن كثيراً من المسلحين السوريين قد يجنحوا للسلم، إن توفرت شروط معينة، وسيكون خضوعهم للتجييش والاستغلال من قبل الدول الإقليمية أقل احتمالاً.

المسألة هنا تتعلق في نزع فتيل الحماية والدعم الذي توحي به هذه الدول إليهم، أولاً، ومن ثم الاتفاق معهم على أوضاعهم ودورهم المستقبلي، مع ضمانات معينة. يعني هذا أنهم ، أي المسلحين السوريين الذين لا يرون جدوى في استمرار القتال، هم من سيضمن وقف إطلاق النار.

هذا الكلام نظري، بالطبع، إذ أن الكثير من المصالح الشخصية واقتصاد أمراء الحرب ستشكل بالضرورة تحدياتتمنع من تشكيل حالة جامعة من العقلنة، بسهولة، ولكنه يمكن أن يشكل أساساً للحل الأولي المنشود، ويبنى عليه شيئاً فشيئاً ضمن منطقة بعد أخرى وفصيل مسلح بعد آخر، على أن يستكمل الحل لاحقاً مع محاربة فلول التطرف الديني الأعمى وأشكاله المختلفة على هذه الأرض.

 

سيريا ديلي نيوز : ثمة غموض يكتنف بيان اجتماع فيينا، مما يبرر اتفاق المجتمعين على جلسة أخرى بعد أسبوعين...فماذا سيبحثون بعد أسبوعين طالما أن بيانهم كافي ووافي؟

 

لا أعتقد أن هناك غموضاً ما، إلا أننا نتحدث عن ملامح اتفاق ما زالت بنوده بين أخذ ورد وتشذيب وتعديل منذ بيان جنيف في حزيران من العام 2012. سيقتضي الحال اجتماعات عدة يعود فيها المجتمعون إلى دولهم ليتشاوروا ويتفكروا ويحاوروا حلفائهم، ومن ثم يعودون للاجتماع ثانية.

إن سألتني رأيي، فأنا متفائل لأن عملية فيينا على ما يبدو، وخلافاً لمسار جنيف، لا تتحدث عن إعادة إطلاق العمل السياسي في سوريا من الصفر، أي البناء فوق أنقاض دولة مهدمة، كما هي كان التوجه سابقاً في بيان جنيف،وإنما هناك حديث الآن عن الاستفادة من أطر الدولة السورية الحالية للسير في خطوات الحل، وإن اختلفت التوقيتات قليلاً.

في المحصلة، فأنا ممن يرون أن اتفاق فيينا يبتعد عن روح بيان جنيف ويقترب قليلاً من تصور الدولة السورية لإنهاء الأزمة والذي طرحه السيد رئيس الجمهورية  في كانون الثاني من العام 2013، في دار الأوبرا. وعلينا أن نعلم أن تغيير التوجه هذا ليس عبارة عن مكرمة من الدول الإقليمية والعالمية، والتي أعلنت مؤخراً أنها مهتمة بضمان عدم انهيار الدولة ومؤسساتهاكما حصل في العراق وليبيا. إن علينا أن نعي جيداً أن ما حصل هو أننا نحن من فرض عدم انهيار هذه الدولة والمؤسسات بصبرنا على ريح عاتية وبذلنا الغالي قبل الرخيص، وما حصل هو أن الآخرين قد اضطروا لقبول هذا التماسك كحقيقة لا يمكن الهرب منها وعليهم التعاطي معها.

إن علينا عملاً كثيراً كي نورث أبناءنا مقومات وطن بإمكانهم العيش فيه بكرامة، ولكن ما يدعو للتفاؤل ليس بقليل، ويمكننا البناء عليه بسهولة.

  

 

سيرياديلي نيوز - حوار سليمان أمين


التعليقات