تعددت الآراء حول المؤتمر الذي عقد في فيينا يوم الجمعة 30 تشرين الأول بخصوص الأزمة السورية والذي شارك فيه 17 دولة وقد تقاسمت الآراء في الشارع السوري منهم من أنتقد البنود التي صدرت عن مؤتمر فيينا /1/ ومنهم من أنتقد المؤتمر والبعض أعجبته البنود , موقع سيريا ديلي نيوز الذي يواكب وينفرد دائما بنقل صورة واقعية لكل الأحداث كان له هذا الحوار المتميز مع الأستاذ عمار وقّاف المقيم في بريطانيا والمعروف بنشاطه في وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات العالمية بهدف شرح وجهة نظر السوريين الذين لم يعتقدوا أن النزول للشارع سيؤدي لتحقيق تغيير نحو الأفضل

سيريا ديلي نيوز : اتفق الجميع في فيينا على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، ولكن في نفس الوقت نرى صمتاً روسياً على موضوع "استقلال الأكراد" في الشمال السوري وآخرها بضم تل أبيض ...ماذا يعني ذلك؟

لا يوجد "حالياً" ما يدعو دول العالم لأن تعتقد بإمكانية "استقلال الأكراد". الجميع يعلم أن هناك عوائق كثيرة تقف دون ذلك.

خلاصة الوضع الحالي أن هناك تصورات يطرحها الأكراد، وتصقلها وتدعمها دول،كالولايات المتحدة، وتتفهمها دول أخرى، وتلحظ هذه التصورات اعترافاً سورياً مستقبلياً بالثقافة الكردية كمكوّن وطني، مع حديث حول شكل أقل مركزية للحكم، ليس يختص بالأكراد فقط بالضرورة وإنما يشكل أساساً للحكم في سوريا ككل، مستقبلاً. يعني هذا الشكل الأقل مركزية للحكم صلاحيات أوسع لأبناء المناطق السورية، فيما يتعلق بالتخطيط واتخاذ القرار وجمع الموارد والقدرة على استثمار جزء معين من الموارد بهدف الوصول لتنمية أفضل (كما يعتقد أصحاب الطرح)، مقارنة بالشكل المركزي للحكم حالياً في سوريا.

هذا في العموم، وأما فيمايختص بالسؤال، فالروس يأخذون الاحتمالات المستقبلية بعين الاعتبار، كغيرهم من الدول، ومنها مثلاً إمكانية إيجاد كيان كردي الهوية في شمال العراق واستقلاله بشكل نهائي، ومدى تأثير ذلك على محيطه الكردي والدول الأربعة المحيطة به، ومنها سوريا. وهم لديهم مصلحة دائمة في الانفتاح على الجميع، بغية ضمان أكبر قدر من التأثير في الأحداث، بما يخدم مصالحهم.

وحدة الأراضي السورية هو أمر نقرره نحن، وعلينا أن نقرره بشكل ذو معنى وليس بالشكل فقط. فبالنسبة للمثال الذي طرحه سؤالك، فإن جميع الدول تنظر حالياً للمكوّن الكردي في سوريا على أنه مكوّن مرشح للتماسك، ويسير باتجاه أهداف محددة فيما يتعلق بهويته وثقافته. وتنظر الولايات المتحدة على وجه الخصوص لهذا المكوّن كحجر زاوية للحفاظ على تأثير بعيد المدى لها في سوريا والدول المجاورة، ولذا فهي تدعم تطلعاته وتغذيها وتوحي له بإمكانية الحماية وتمده بالخبرات والموارد، على الرغم من تعارض سياستها هذه مع المصالح المعلنة للدولة التركية، أحد حلفائها الأساسيين في المنطقة، والتي تشعر بخطر يتهدد وحدة أراضيها من جراء نمو التطلعات القومية الكردية.

فيما يتعلق بنا نحن السوريين، فإن علينا أن نقرر جملة أشياء لها صلة بهذه المسألة، قبل الحديث عن وحدة الأراضي بشكل اعتباطي. أولها، فيما لو كان من مصلحتنا العمل ضمن شكل أقل مركزية، وفيما لو كان من مصلحتنا فعلاً رسم حدود هكذا لامركزية على مقاس مناطق ذات أغلبيات ثقافية أو مذهبية أو عرقية معينة، مما قد يكرس الحدود بين الناس، وفيما لو كان بالإمكان الوصول إلى أطر تضمن لنا مصالحنا العليا دون منطق الغلبة أو المواجهة الدموية. وعلينا أيضاً أن نقرر مدى ارتياحنا للتعاطي مع ثقافاتنا المختلفة، وفيما لو كنا نود تربية أبنائنا على النظر إليها كتهديد لثقافتهم أم كـأفق مختلف، ربما علينا تشجيعهم على استكشافه وإغناء تجربتهم وفهمهم للحياة من خلاله.

يعني، ولعل هذا مثال شفاف ذو دلالة، إن كان أحد المكونات السورية لا مشكلة لديه في شرب الكحول أو أكل لحم الخنزير (بفرض عدم الإسراف وأذية الناس، طبعاً)، فهل سيعتبر مكوّن آخر هكذا أسلوب في الحياة تهديداً له أم اختلافاً ثقافياً عليه أن يحترمه أو لعله يستطلع أفكاره ومعانيه؟ طبعاً، هذا أبسط مثال يمكن أن يطرح، وتستطيع القياس على ذلك في يتعلق بمكوّن آخر اعتاد لآلاف السنين أن يتحدث بلغة أخرى وأن يحتفل بمناسبات مختلفة ويحتفي بشعراء آخرين ويطرب لأغانٍ لا نفهمها... الخ. فهل سنجد في هذا تهديداً لنا أم سنتعاطى معه بهدوء، طالما أن لا أذية واضحة لنا يتعمدها هذا المكوّن، أم سنعتبره مصدراً للغنى ونقوم باستكشافه أكثر؟

استقلال الأكراد، برأيي، مسألة ظاهرية باطنها الاختيار بين التعاطي مع الآخر بشكل بناء أو قمعه والتغلب عليه ضمن منطق قياس الأغلبية والأقلية حسب الأعراق والمذاهب. فإذا مارس العرب هذا المنطق مع الأكراد، فهل باستطاعتنا إنكار ممارستهم لنفس المنطق مع الأقليات العربية والآشورية والكلدانية ... الخ، والتي تعيش في مناطق يرى فيها الأكراد أنهم أغلبية، في حال أتت الرياح الدولية كما تشتهي سفنهم؟

 

سيريا ديلي نيوز : كيف تبحث دول عضوة في الأمم المتحدة مصير رئيس دولة؟

القضية ليست في البحث في مصير رئيس دولة بقدر ما هي في تثبيت لنفوذ صرفت هذه الدول جزءاً من مواردها على اقتناصه. تشعر هذه الدول أن لها نفوذاً لدى أقسام معينة من الشعب السوري لن يكون باستطاعتها الحفاظ عليه على المدى الطويل إن لم تحقق ما وعدتهم به من البداية، ودفعتهم للمغامرة بكل ما يملكون في سبيله.

سبب صمود الدولة السورية حرجاً بالغاً لهذه الدول، لأن واقع الحال يقول إن من صدق هذه الوعودقد تضرر بأكثر بكثير من الذي لم يصدقها. وأن من اختار التهور طريقاً للتغيير، قد اضطر للاستماتة والرهان بكل شيء يملكه في سبيله، بعد أن اتضح أن لا كامل ولا حتى نصف الشعب السوري سيختار هكذا طريق مريبة. لذا، فإن هذه الدول التي أطلقت وعوداً مضطرة لتجاوز الكثير من الأعراف والقواعد الناظمة لعمل الدول، كي تحقق ما عجزت عنه بعد بذل كل ما تستطيع.

هذه الدول بحاجة أيضاً لكي تتصرف فيما بينها على أنها صاحبة مصلحة وأنها إنما ترعى مصالح قسم من الشعب السوري، كي يتم اعتبارها فعلاً صاحبة مصلحة وتدعى إلى طاولة النقاش. يعني هذا أن طرح دولة مثل تركيا أو السعودية مسألة رئاسة الجمهورية العربية السورية،  مثلاً، يوحي بأنها صاحبة مصلحة في شكل الحل وبأنها قادرة على عرقلة هكذا حل إن لم يتم الاستجابة لمتطلباتها ومتطلبات من تدعي أنها تمثل من السوريين.

بطبيعة الحال، ما حدث مؤخراً من مبادرة عسكرية للجيش السوري مدعوماً بقوات جوية روسية، وهو ما أوضح للجميع أن مسألة سقوط الدولة السورية ليست بمتناول اليد، قد أفقد هكذا دول كثيراً من قدرتها الصورية في أعين من صدقها من السوريين. يفسر هذا التصريحات المتشنجة حول نية هذه الدولة أو تلك شن حرب على سوريا إن لم تتم تنحية الرئيس.

 

سيريا ديلي نيوز: أية نسبة مئوية تعطيها لمؤسسات الدولة بعد فيينا1؟ وذلك بخصوص ارتباط تلك المؤسسات بالشعب السوري وتمثيله؟

من يحدد نسب الارتباط والتمثيل هذه هو نحن، وليس جنيف أو فيينا. الأمر ببساطة يتعلق بقبولنا بما يتم رسمه كلياً أو جزئياً مع احتفاظنا بقدرتنا على تعديله، أو عدم قبولنا له بالمطلق، وما هي الخيارات المتاحة أمامنا في الحالات الثلاث.
على سبيل المثال، فإن نتج عن العملية السياسية الإقليمية حكومة وحدة وطنية موسعة من حيث المبدأ، كإطاريسمح ببدء فترة زمنية معينة يعاد فيها ترتيب بيتنا الداخلي ضمن عملية شفافة ومواقيت معينة، فلا شيء يجبرنا على قبول التعاطي مع هكذا حكومة إن لم نقتنع بأشخاصها وأهدافها. وإن نتج عن هذه العملية في فيينا أو جنيف انتخابات نيابية مبكرة، مثلاً، فلا شيء يجبرنا على الإطلاق أن ننتخب من نعلم أنه كذب ملء شدقيه طوال الوقتوجر من سمعه إلى المذلة وخراب البيت، ورهن نفسه ومن صدقه من السوريين لجماعات ودول مصالحها مغايرة كلياً لمصالحنا.

يعني هذا الأمر أن إقرار إطار حل سياسي ما، يسمح برفع الدول الإقليمية والدولية عنا قليلاً، شيء،ونجاحه بتحقيق الأهداف التي كانت في ذهن من أقره شيء آخر. وإن لدينا الكثير من القدرة، نحن أصحاب البيت، على تشذيب أي إطار يتم الاتفاق عليه بين الدول الإقليمية والدولية فنُخرجَ منه إطاراً يناسبنا بشكل أفضل.

المهم في المسألة كيفية تفاعلنا نحن مع المؤسسات، وتطوير فهمنا لمعنى التمثيل، وبناء قدرتنا على تشكيل أطر تسمح لنا بنقل رأينا والتأثير فيما يحدث، ووضع هكذا مؤسسات في موضع المساءلة متى اقتضى الأمر.

سيرياديلي نيوز - حوار سليمان أمين


التعليقات