خمس سنوات من الحرب قطعت على سوريا وشعبها، ولا يزال السوريون يرتشفون يوما بعد يوم جرعات الأسى والقهر والحرمان تحول دون نهوضهم في تطوير معيشتهم وسبلها. وهاهي الحرب تشق طريق عامها السادس وقد أصبح كل جديد نهار من الكفاح النفسي والجسدي عند المواطن السوري هو عادة لا تتجزأ من يومياته، في الوقت الذي هو من المفروض أن يكبر فيه جيل كامل من الأطفال على أمال وأحلام وطموحات يبنيها إلا أنهم يستيقظون كل يوم على حمامات دماء و مشاهد العنف و بعضهم يستيقظ ليواجه واقع أليم من الحرمان المستدام. و وسط جهودنا نحن الكبار ومحاولتنا  لحجب أطفالنا ونأيهم عن هذا الواقع القبيح وتوفير الطمأنينة لهم، إلا أننا لم ولن نتمكن من إلغاء هذا الواقع لطالما أنهم يحتكون به ويلامسونه ويكبرون في كنفه. وجميع ما ذكر هو ترتيب ضروري وأساسي من مسؤوليات الآباء اتجاه أطفالهم ولكن ماذا عن الأطفال الذين فقدوا  محور ومركز الطمأنينة والملجأ والراحة لديهم( الوالدين، بيوتهم، أصدقائهم، مدارسهم..الخ )؟.كثيرا من الأطفال السوريين كانت لهم لحظات مفصلية غيرت مسار حياتهم إلى الأبد في وقت مبكر جدا لأعمارهم وحاجاتهم فسلبتهم أبسط حقوقهم في أن يعيشوا ويكبروا بشكل سليم و سوي وسط الحب والطمأنينة بين ذويهم و أصدقائهم. صحيح أن شبح الحرب لا يعرف أعمار ولا أجناس، غير أن الضرر النفسي والجسدي الذي تسببت به الحرب لأطفالنا كانت كارثة حقيقية في حق مجتمع كامل وجيل له دور أساسي في بناء هذا المجتمع وتطويره. فبالرغم من المساعي الكثيرة التي قام بها أفراد المجتمع من مبادرات وجمعيات وفرق خيرية لتقديم يد العون إلى الأطفال المتضررين، إلا أن الأدوار الحقيقية للمؤسسات و الأعلام الحكومي لازال يغض بصره عن تلك المشكلة الحقيقية للأطفال السوريين، أو كأنه يتناسى تسليط الضوء على الصور الداخلية المضمورة في نفوس هؤلاء الأطفال المتضررين و توجيه كاميرات وأقلام البعض إلى الصورة العامة المؤقتة عندما يبتسم الطفل ويفرح بتلقيه هدية أو مساعدة مادية. إن المشكلة الحقيقية للطفل السوري وحلها، لا يزالا يعرضان بطريقة منتقصة و غير مكتملة، فخلق جو من الفرح وقضاء وقت بالتسلية وممارسة الهوايات مع الأطفال المتضررين وتقديم المعونات لهم هي جزء صغير من حل مشكلة تعد أكبر وأضخم حجما من أن يحملها جسد صغير ورقيق وعقل بريء وحالم. وهذا بالضبط ما كان محط اهتمام أحد الفرق التطوعية "صبايا العطاء"، فلم يكتفين صبايا الفريق بتقديم الماديات الخيرية للأطفال المتضررين، وإنما أيضا قرروا ملامسة الألم الحقيقي المضمور داخل كل طفل بشكل مباشر وتحريره إلى العدم واستبداله بمخيلة أجمل تليق بحقوقهم الطفولية. فارتقى أعضاء الفريق بتخصيص زيارات دورية لقائمة من الأطفال الذين واجهو العنف وتضرروا نفسيا بمرافقة أخصائية نفسية واجتماعية لهم في جميع جولاتهم الفردية والجماعية لتكون مساعيهم أكثر من ان تقتصر على حلول مؤقتة وإنما طويلة الأمد أيضا أملين في إصلاح أو الحد من الأضرار نفسية لدى أطفال مجتمعهم. أحد القصص التي استوقفتني والتي تشبه كثيرا من أوجاع أطفالنا هي قصة روتها الطفلة" زينة" ذي ال14 عاما لمؤسسة الفريق "علياء عزام خيربك" فقالت:( كنا في المنزل عندما أقتحم الإرهابيون منزلنا قتلوا أبي أمامنا واعتقلوا أخي وأخذوه بعيدا ثم قاموا بخطفنا أنا وأمي وأخي الصغير كان عمره آنذاك أشهر، ولأن أمي كانت تبكي أبنها البكر، أخي، باستمرار وتسألهم عنه، فقد قاموا بقتلها هي أيضا أمامي، التزمت الصمت خوفا منهم واحتضنت اخي الصغير الوحيد المتبقي لي، حتى حررنا الجيش الحمد لله، أخي الآن كبر وبدأ ينطق كلماته الأولى وهو يناديني الآن ماما لأنه يظن إنني أمه وأنا أكملت دراستي ولم أتوقف فأتممت شهادة الإعدادية هذه السنة).و عندما تحدثت مع الأخصائية النفسية للمجموعة "رزان بيطار" والتي تابعت حالة زينة وغيرها من الأطفال قالت:( إن حالة زينة مشابهة للكثير من الأطفال والأسر التي زرناها، فردود الفعل الذي يصدر عن الطفل نتيجة فعل حدث هو مهم جدا كما حدث مع زينة بإصرارها على ألا تتوقف وتيأس، ولكن قسم كبير منهم أذا ما تعمقنا بنفسيتهم وجدنا أنهم يعانون من أضرار نفسية قد تتفاقم لتؤدي إلى أمراض نفسية مزمنة في المستقبل كالخوف الذي يؤدي إلى تشكيل وساوس قهرية وأنواع من الفوبيا، والعزلة والعدوانية التي يسببهما الحرمان وعدم الشعور بالطمأنينة والانتماء والانتقاص، ناهيك عن تبعيات تلك الأضرار كالأرق الدائم، والتلعثم في الكلام، ضيق التنفس، قلة الشهية.. الخ. جميعها أضرار نفسية جدية تلحقها أضرار جسدية حقيقية). كانت تلك قراءات بسيطة ومختصرة نقلتها أنا عن الفريق والذي يعتبر مجهود فردي ضمن مجموعة، ومشكورة هي جهودهم وخوفهم على أبناء وطنهم لمحاولتهم معالجة تلك الأضرار. ولكن هذا لم يسكت عقلي في التساؤل أكثر بل والإصرار على السؤال،  متى ستستيقظ المساعي الجماعية الجدية والحقيقية من غفوتها عن تلبية حاجة الطفل السوري والتي باتت تتخطى الطعام والشراب والملبس؟. متى سيكون الإعلان عن المخططات المستقبلية الجدية من قبل منظمات حقوق الطفل وغيرها من المؤسسات و المرفقة بجداول زمنية تعنى بحال الطفل السوري المتضرر؟. أين هو دور المرشدات والمرشدون النفسيين في المدارس السورية، والى متى سيبقون مهمشين؟. متى ستولي حكومتنا الأهمية تجاه مسؤوليتها في توفير دور العلاج النفسي للأطفال المتضررين في الحرب؟. وإن كان جميع ما ذكر قد غدا وليد ومطروح، أين دور الأعلام في إيصال صوت تلك المشاريع المطروحة و مناقشتها وتوضيح الصورة للمواطن السوري بشأن أبناء وطنهم السوريين؟.

وأخيرا تبقى هذه التساؤلات هي حول وجول لا ينتهي في عقول جميع المواطنين السوريين في قضية إنقاذ الأطفال السوريين والذين تعلق جميع أمالنا عليهم بمستقبل واعد لبناء سوريا جديدة ومشرقة.

سيرياديلي نيوز - خاص - زهور بيطار


التعليقات