لعل آخر الأمراض التي طفحت على جسم قطاعنا  العقاري هو الركود التضخمي، وهو مزيج بين الركود: (فائض بالعرض مقابل نقص بالطلب) والتضخم: (الزيادة بالطلب الكلي عن العرض الكلي) ما أدّى إلى الارتفاع المستمر بالأسعار مقابل انخفاض القوة الشرائية، هذا نظرياً ومن حيث الظاهر، أما عملياً فإن أسعار العقارات وحسب سعر الصرف انخفضت بنسبة تتراوح بين 40 – 50%، فسعر الشقة الذي كان 1.5 مليون ليرة في ريف دمشق عام 2010 –على سبيل المثال– كان يعادل الـ30 ألف دولار تقريباً عندما كان سعر الصرف بحدود الـ50 ليرة، أما سعرها الحالي فيتراوح بين 4.5 – 5 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل الـ15 ألف دولار بسعر صرف نحو 325 ليرة، وبالتالي فإن سعرها انخفض إلى نحو 50%..! ما أدّى بالنتيجة إلى إحداث خلل بسيرورة السوق وأسعاره..!.
خلط الأوراق
ما سبق هو عرض سريع لأسعار العقارات التي خرجت منذ عقود –وفق مصادر حكومية مطلعة لـ”البعث”- من حسابات الوقاية المطلوبة لضمان صحة سيرورتها الطبيعية، فأُتخمت بأمراض استشرت في أواصرها (احتكارات – سمسرة غير شرعية – ارتفاع خيالي بالأسعار – مضاربات. .الخ) فتمرّدت بذلك على معظم القوانين والأعراف السوقية، وكل ذلك بسبب الغياب الواضح لدور الدولة في ضبط توازنها واستقرار أسعارها، وجاءت الأزمة لتخلط أوراق السوق مع ازدياد أعداد المستأجرين في المناطق الآمنة وانعكاس ذلك على بدلات الإيجار التي لا تتناسب ولا بأي شكل من الأشكال مع القدرة الشرائية من جهة، وعلى ارتفاع أسعار الشقق نتيجة الطلب أيضاً من المهجّرين ذوي الملاءة المالية مقارنة مع نظرائهم من المستأجرين.
على وجه السرعة
وبيّنت المصادر أن ما سبق يستدعي من الحكومة حالياً وبالسرعة الفورية إعطاء جرعة علاج من العيار الثقيل لهذه السوق، علّها تصلح –ولو نسبياً- حال قطاعنا العقاري الذي أفسده تجار وسماسرة نجحوا بجنوحه خارج حدود المنطق الاقتصادي وتسخيره لمآربهم المادية البحتة، واصفة وصفة علاجية يمكن أن تقدّمها الحكومة من شأنها أن تساهم في استشفاء هذا القطاع إلى حد كبير، تتمثل بضرورة زيادة العرض إما عن طريق التدخل المباشر وطرح مشاريع عقارية جديدة بغية ألا يبقى العرض محصوراً بيد التجار وأصحاب العقارات، وذلك عن طريق شركات مدعومة منها ما يحقق المنافسة الشريفة ويضبط الأسعار، إضافة إلى فرض ضرائب متزايدة على ملاك العقارات وخاصة غير المسكونة وفق نظام الشرائح، وهذه تعتبر وسيلة ضغط لتحريك السوق، إلى جانب تفعيل التمويل السكني بحيث يتناسب مع تركيبة وخصوصية طبقات المجتمع السوري، وخاصة أن القطاع العقاري يتجه نحو تحويل البيت إلى سلعة فاخرة أي أنه سيصبح من يشتري بيتاً مثله مثل من يشتري سيارة “فيراري” الفاخرة.
وختمت مصادرنا بالقول: لابد من تدخل الدولة لأن اليد الخفية في السوق يجب ألا تترك وحدها لأنها لا تسعى لمصلحة المجتمع وهذا ما أثبتته التجربة، ويجب أن يكون هذا التدخل فعّالاً وحقيقياً بحيث يفعّل الطلب وينشّطه ويزيد من المعروض.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات