يتصف قطاع الكهرباء في سورية بعدم الاستقرار في معظم الفترات، وتخيم آثاره السلبية، على عملية الإنتاج، لتلقي بظلامها على الإنتاج الاقتصادي، ومعيشة المواطن، شأنها في ذلك شأن جميع الأزمات. 

ووفقاً لموقع "الاقتصادي" الذي نشر أمس تقريراً عن آثار قطع الكهرباء على المواطنين وصغار الكسبة في سورية أوضح الخبير الاقتصادي، والمدرس في كلية الاقتصاد عابد فضلية، في تصريحه للموقع آثار أزمة الكهرباء على الأنشطة الاقتصادية قائلاً: "جميع القطاعات تضررت من قلة إنتاج وتوزيع الكهرباء".

مبيناً أن الضرر الأول الذي لحق بالكهرباء المنزلية، "سلوكي ونفسي ومعنوي"، ويؤثر على مستوى معيشة الناس، لكن القسم الآخر، المتعلق بالأنشطة الاقتصادية، يسبب أضراراً موجعة للاقتصاد، خاصة بعد تحول أغلب الأنشطة الاقتصادية إلى الكهرباء، بعد فقدان باقي الموارد.

وأكد فضلية، أن الكثير من الصناعيين والتجار بحاجة لربط أوقاتهم الإنتاجية مع أوقات تقنين الكهرباء، وهو ما قلص ساعات العمل، لدى الكثير من الورشات والمصانع، فبدلاً من العمل لثمانية ساعات باليوم، يكون لساعة أو ساعتين، أو ربما أقل.

وبحسب الموقع نوه فضيلة أن الانقطاع الطويل الذي نعيشه، يتحكم بشكل كبير في الأنشطة الاقتصادية وصيرورتها، وبرامجها، كما يتحكم بطرق التأثير على إدارة الانتاج، وادارة الخدمات، وقال: "هذا الواقع ساهم في تغيير السلوك الإنتاجي، لدى العامل البسيط، وحتى المعامل الكبرى، سواء التي تمتلك مولدات أو لا تمتلك".

وذكر الموقع في تقريره أن دراسة أعدها المكتب التنفيذي للاتحاد المهني لنقابات عمال الغزل والنسيج، بيّنت أثر انقطاع الكهرباء، على إنتاج قطاع القطن، والغزل، والنسيج، حيث بلغت الإنتاجية خلال العام الماضي،17  بالمئة فقط من المخطط له، وبلغت قيمة الإنتاج الجاهز المخطط له في قطاع الغزل والنسيج 47.3 مليارات ليرة خلال 2014، ووصل الإنتاج الفعلي، لنحو 8.15 مليار ليرة.

وأوضحت الدراسة، أن قيمة التوقيفات سببت خسارة 33.3 مليارات ليرة، وعزت أسباب التوقف لانقطاع التيار الكهربائي 12.7 مليارات ليرة، ولغياب عمال الإنتاج قرابة 8.6 مليارات ليرة، ولعدم توافر المادة الأولية (القطن) أكثر من 12 مليار ليرة.

في الشأن الاقتصادي

من جهته بيّن علي، وهو صاحب معمل نسيج في حي المزة بدمشق، تأثير الكهرباء على عمله قائلاً: "في فترة سابقة، كان التقنين مقبولاً، يمكن للمعمل أن يحتمل تكاليفه، أما الآن زادت ساعات التقنين، لدرجة نضطر للعمل 6 ساعات على المولدة، مقابل ساعتين يتواجد فيها التيار الكهربائي".

مؤكداً تراجع إنتاج معمله بشكل ملحوظ، بنسبة تصل لنحو 45 بالمئة، ورافق ذلك زيادة تكاليف الإنتاج، بينما انخفضت الأرباح بنسبة عالية، وكان لزيادة تكاليف الكهرباء أثر على نقص الإنتاج، ومن هنا قال: "ندفع شهرياً قرابة 50 ألف ليرة سورية، فاتورة للكهرباء، رغم حالات الانقطاع المتكررة، بينما كانت سابقاً 17 ألف ليرة سورية"، أما عن المولدة، أضاف علي: "تكلف أضعاف فاتورة الكهرباء، بين غيار زيت، وإصلاح أعطال، وتوفير مازوت، حيث ندفع شهرياً قرابة 80 ألف تكاليف مولدة".

وعليه طلب من وزارة الكهرباء في حكومة النظام الأخذ بعين الاعتبار ساعات التقنين، وعمل الورشات الصناعية، والمعامل داخل المدينة، وتأثير ذلك على الاقتصاد، حيث يمكن أن يركزوا ساعات التقنين، في فترات تختلف عن أوقات الذروة في المعامل.

وبعيداً عن الورشات والمعامل، وعلى مستوى محلات الأطعمة والأغذية، عانت هي الأخرى من ظلام انقطاع الكهرباء، ليس في الإنارة فحسب، بل في التبريد.

وشهدت الكثير من الأسواق، خسائر كبيرة في الأطعمة، وفساد كميات منها، بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وضعف تبريد الثلاجات، وكان سوق باب سريجة المعروف ببيعه للحوم أحد الأسواق التي عانت من هذا الأمر، وخير مثال على ذلك أبو العبد، صاحب ملحمة في سوق باب سريجة، والذي فسد لديه ما لا يقل عن عشرين كيلو لحمة، سعرها نحو 80 ألف ليرة سورية.

كما طالت أزمة الكهرباء، صناعة الأجبان والألبان، ملحقة بها خسائر كبيرة، سواء في الإنتاج، أو في الطلب، وهذا ما عبر عنه محمد الضميري، صاحب متجر أجبان وألبان في المزة، قائلاً: "اقتصر استهلاك اللبن والجبنة على المنازل التي تملك مولدة"، مؤكداً أنه لا يوجد متجر صغير لصناعة الألبان والأجبان، لم يفسد عنده كميات منها، خاصة مع موجات الحر التي شهدتها سورية سابقاً، والتي أثرت بشكل سلبي على المواد الغذائية، وزادت معها ساعات التقنين.

وانتقلت عدوى خسائر الإنتاج، بسبب أزمة الكهرباء لقطاعات خدمية أخرى، من صالات الأفراح، إلى المطاعم، والمقاهي، وورشات النجارة وحتى المصابغ والحلاقين، وغيرها من الخدمات التي تعتبر الكهرباء عصبها في العمل.

في المنازل

وضمن الشأن المنزلي، بيّن تحقيق "الاقتصادي" أن انقطاع الكهرباء سبب أضراراً كبيرة في الأجهزة الكهربائية المنزلية، التي عانت من أعطال وعجز، نتيجة طول فترات التقنين، في وقت سابق من العام.

ويعرف عن السوريين بحفظ مونتهم من الخضار الموسمية في الثلاجات، لتكفيهم طوال العام، لكن انقطاع الكهرباء الطويل، أفسد الكثير من الأطعمة، نتيجة انعدام التبريد، "واقتصر دور الثلاجة أو البراد المنزلي على عزل الأطعمة عن الهواء فقط" حسبما تؤكد فلك، إحدى المتضررات من الانقطاع الطويل للكهرباء.

مضيفةً: "اضطررت لرمي ما لا يقل عن العشرة كيلو خضار وأغذية، كنت أحفظها في الثلاجة كمونة لبقية العام، منها بزالية وفول ولحمة، وأرضي شوكي، نتيجة انقطاع الكهرباء ليومين متواصلين في أحد المرات، وخسرت نحو 80 ألف ليرة".

الجدير بالذكر أن الأضرار غير المباشرة، التي ضربت عصب الاقتصاد الوطني في سورية، نتيجة أزمة الكهرباء، بلغت 1500 مليار ليرة سورية، منذ بداية الحرب في سورية، وفق ما أعلنه مصدر من وزارة الكهرباء في حكومة النظام في يونيو/حزيران الماضي.

سيرياديلي نيوز


التعليقات