يعيد مؤتمر واقع الصناعات النسيجية، المعقود بتاريخ 7-10-2015 في الاتحاد العام لنقابات العمال، التأكيد على جذر مشاكل قطاع الصناعة العامة، وطرق الخروج منها، ويُظهر من جديد ذهاب الحكومة إلى زاوية ضيقة لاعتبار المشكلة إدارية بشكل رئيسي، وفي هذا تجاهل لحل مشاكل القطاع الكبرى..

يشكل قطاع الصناعات النسيجية نسبة 30% من عمل وزارة الصناعة قبل الأزمة، بينما أصبح يشكل خلالها نسبة 60% مع تراجع الصناعات الأخرى، وأهم أسباب زيادة مساهمته، نقطة القوة التي يمتلكها القطاع وهي توفر المادة الأولية، حيث على الرغم من تراجع إنتاج القطن في سورية، يتوفر الآن حوالي 20 ألف طن قطن غير محلوج، عدا الكميات الموجودة في شركات الغزل، وهي كميات تكفي حتى نهاية الشهر الرابع، بينما مع بداية تسليم الموسم الجديد فإن الكميات ستكفي لنهاية العام  بحسب تصريحات لوزير الصناعة كمال طعمة خلال المؤتمر.


القطن متوفر والخلل الهيكلي مستمر!

وعلى الرغم من ذلك فإن كميات كبيرة من القطن المحلوج، أو من الغزول، لا تجد تسويقاً جدياً لها، حيث يعاني القطاع من خلل هيكلي يمنع زيادة القيمة المضافة فيه إلى الحدود القصوى الممكنة، ويكمن في عدم تناسب طاقات الزراعة، والحلج والغزل، مع طاقات النسيج وصناعة اللباس، ما يؤدي إلى تراكم القطن المغزول، وعدم إنتاج النسيج بالمقدار ذاته، وقد تفاقم هذا الخلل مع الأزمة وتعرض قطاع النسيج إلى الكثير من الخسائر والدمار.
فبحسب الوزير وخلال دراسات تمت في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، تبين أن الكثير من التوصيات والتعليمات الصادرة سابقاً تكرس الفساد وتسمح ببيع الإنتاج الجديد وليس القديم فقط من الغزل عوضاً عن تشغيلها في النسيج، حيث تتكدس الغزول، ثم يتم الحديث عن ضرورة تصريفها بأي شكل كأمر واقع، بذرائع تراجع المواصفة، أو خطر الاحتراق، لتباع بأبخس الأثمان.


توسيع النسيج ينتظر التشاركية!

وكحل لمشكلة طاقات النسيج الضعيفة، تعيد الوزارة تأكيدها على التشاركية، وتحديداً مع عدم توفر التمويل الكافي لإعادة إحياء المعامل المدمرة، أو توسيع معامل النسيج القائمة. المفارقة أن الوزير يعلن بأن دعوة غرف الصناعة السورية، للتشاركية والاستثمار في قطاع النسيج العام اليوم لم تفلح حتى الآن، في تحصيل شراكة توسع إنتاج النسيج واللباس!.


انتهاء شراكة «التشغيل للغير»..

مستثمري القطاع الخاص لن يقدموا على إصلاح أو ترميم المعامل العامة المدمرة في الظروف الحالية، التي لا تتأمن فيها الشروط الرئيسية للإنتاج والربح، ولن يُقبل القطاع الخاص إلا على تشاركية مضمونة الربح من نوع التشاركية المطبق في قطاع النسيج خلال الأزمة، القائم على التشغيل للغير، حيث تم تشغيل المعامل العامة في حلج وغزل الأقطان التي اشتراها تجار، لتعود المنتجات لهم!.
وتتباين الآراء حول هذه الشراكة، التي يقول الوزير بأن بعض عقودها قد أنجز، وبعضها الآخر لم يُستكمل، كما أشارت جهات نقابية، وتصريحات وزارية سابقة إلى أن بعض الشركاء لم يستكمل دفع مستحقاته!.
بكل الأحوال يبدو أن الحكومة قد أدركت من التجربة الماضية، ضرورة أن تقوم بشراء القطن لصالحها وتشغله وتحصل على المنتجات، لا أن تعتمد على تشغيل القطن الذي جمعه التجار!.
وفي تصريح للوزير أشار إلى أن الحكومة ستقوم بالتعاقد فقط على نقل القطن مع شركات محددة، وبواقع تكلفة تبلغ 90 ألف ل.س على الطن، مقابل سعر مدفوع للفلاحين 140 ألف ل.س للطن من القطن.


الإدارات مُلامة أولاً!

يؤكد وزير الصناعة بأن الإدارات العاملة في منشآت قطاع الصناعات النسيجية تتحمل مسؤولية كبيرة، في عدم التكيف مع ظروف الأزمة، وفي نتائج تنفيذ الخطط التي بلغت 2% فقط في الوزارة، مشيراً إلى أن الإقالات العديدة التي أجراها أجدت نفعاً في تحسين عمل القطاع.
إلا أن مسؤولية سياسات الحكومة تسبق مسؤولية الإدارات التي لابد أن الكثير منها يُلام على ضعف المبادرة، بل والفساد والهدر في الكثير من الحالات، ولكن وصول أداء الوزارة إلى مستوى 2% فقط من الخطط الاستثمارية لمجمل منشآتها، يقتضي من الوزارة مزيداً من الموضوعية وتحمل المسؤولية، والبحث عن الأسباب العميقة، عوضاً عن تقاذف المسؤوليات. فمسؤولية الإدارات تبقى محدودة مقابل الإعاقات المتمثلة في جوانب رئيسية للعملية الإنتاجية، كالطاقة، والتمويل والتسهيلات لتأمين المستلزمات، والعمالة.


مخصصات وزارة تكفي معمل!

فعندما تكون مخصصات موازنة وزارة الصناعة للعام القادم كما قبلها، لا تتعدى 6,3 مليار ل.س، غير كافية لحاجات معمل واحد، بحسب تعبير الوزير، فإن عمليات تأمين المستلزمات بالشكل الكافي لن تتم، وبالتالي فإن تصحيح الخلل الهيكلي المتمثل بضعف طاقات النسيج سيغدو بعيداً جداً، وتحديداً إذا ما بقيت الحكومة تنتظر تجاوب القطاع الخاص، والموارد المالية لديه عبر دعوات التشاركية المتكررة لحل مشاكل الصناعة العامة!.
وقد أشار النقابي رياض الشحف رئيس نقابة الغزل والنسيج في السويداء إلى أن تحميل الإدارات المسؤولية، يتطلب ليس الإقالة فقط، بل المحاسبة للمقصرين، فلماذا لم تتم المحاسبة؟ مشيراً إلى مشاكل التمويل الكامنة في عدم كفاية  التمويل اللازم من صندوق الدين العام في الظروف الحالية!.


هذه حدود الكهرباء!

أما بالنسبة للطاقة، فإن عدم تأمين حلول لتوفير الطاقة الكهربائية للمعامل، تتحمل المسؤولية أكبر في تعطيل الإنتاج، وتوقفه؟!
وبينما طالب النقابيون بإيجاد حلول استثنائية للطاقة، أو بتخفيض كلفها، بعد أن تم رفع سعر الكيلو واط الصناعي، أنهى الوزير سريعاً نقاش النقابيين والإدارات لمشاكل الطاقة، معلناً أن طاقات وزارة الكهرباء محدودة ولا يمكن أن نطلب منها أكثر من ذلك! ومشيراً إلى أنه على الإدارات أن تجد الحلول الجزئية لهذه المشكلة..


«تحرير» من التجار والبيروقراطية

فكيف تجد الإدارات حلولاً، هل تشتري المحولات؟ أم تؤمن المحروقات لها؟ وكيف يتم ذلك في وسط المخصصات الضئيلة من جهة، وفي ظل المعيقات البيروقراطية التي لا تسمح لمعامل القطاع العام، وإداراتها أن تقوم بعمليات الشراء المباشر، لتؤمن حاجاتها، وتلزمها بالعروض والمناقصات عبر التجار، سواء للشراء الداخلي أو الخارجي؟!.
وعطفاً على هذا أشارت النقابية أنس مسوتي رئيسة نقابة الغزل والنسيج بحلب، إلى حجم المعيقات البيروقراطية، والصعوبات الإدارية ودورها في إعاقة العمليات الإنتاجية. حيث دعت إلى ضرورة تأمين تسهيلات مالية للمنشآت، وتبسيط إجراءات الاستيراد للشركات، حيث أن المقارنة بين مرونة القطاع الخاص في تأمين قطع التبديل أو أي مستلزم إنتاجي، وبين صلاحيات إدارات الشركات العامة، وصعوبات عمليات الشراء الداخلي أو الخارجي، وانتظار العروض والمناقصات، وعدم توفر التمويل أو القطع الأجنبي أو المرونة للشراء المباشر، حيث يظهر حجم التأخير والعرقلة، الذي يكون ثمنه تعطل الإنتاج.


بالقطع الأجنبي.. أم بالليرة؟!

أتت من المؤتمر دعوات إلى إعادة النظر في طريقة تسعير القطن والغزل، حيث أن التسعير بالقطع الأجنبي الذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم، والقائم على اختيار سعر بورصة دولية دون غيرها، يفتح على التساؤل، ألا ينبغي تغيير طريقة التسعير اليوم، مع توقف التصدير تقريباً، والسعي نحو التسعير بالليرة، طالما أن مجمل التكاليف محلية، والسوق محلية؟!

نقل القطن 90 ل.س للشركات الناقلة وأقل من ذلك للفلاح!

أعلن وزير الصناعة في مؤتمر الصناعات النسيجية، بأن الوزارة تعاقدت مع شركات لنقل القطن، ليدفع للشركات الناقلة 90 ألف ل.س على نقل الطن من القطن، بينما يدفع للفلاحين 140 ألف ل.س على طن القطن المزروع،  أي أن المدفوع لشركات النقل الخاصة يبلغ: 39% من التكلفة الإجمالية. وأكثر من 60% مما سيدفع للمزارعين!.
 مع الإشارة إلى أنه يُسمح للفلاحين بإيصال قطنهم بشكل مستقل، حيث ستدفع الحكومة للفلاح سعر كغ القطن 140 ل.س، ومع سعر النقل من الحسكة تصبح التكلفة 200 ل.س، ومن الرقة 149 ل.س. أي أن تعويض النقل للفلاح يبلغ 60 ل.س لنقل الفلاح لكغ القطن من الحسكة، و9 ليرات فقط لنقله من الرقة!. فلماذا يُقدم للشركات 90 ل.س لنقل الكغ، مقابل تعويض النقل البسيط للفلاح؟!

سيرياديلي نيوز


التعليقات