لا يعكس الحديث الدائر عن هجرة السوريين – على مرارته – وعن المعاناة الحقيقية كلها، وبالأخص تأثيراتها على السوق والجانب الإقتصادي والإجتماعي عموماً.

ما يقارب الخمس سنوات من الاستنزاف الذي يعيشه السوريون. استنزاف للموارد المادية والبشرية إضافة إلى المدخرات. استنزاف بات يطرح سؤالاً على بال السوريين، من سيعمر البلد؟؟.

يلزمنا شاب للعمل

لطالما حمل فصل الصيف فرص عمل جيدة لعدد من الشباب، خاصة من هم في السن التي تتراوح بين السادسة عشر والعشرين عاماً. كما كان أصحاب المحال والمعامل يعتبرونها فسحة لدفع أجور أقل للعمال كون الطلب على العمل يكون أعلى.

 واجهات المحلات التجارية ومنذ أكثر من عامين باتت تمتلئ بإعلانات من نحو. يلزمنا شاب ذو خبرة. لكن وبحسب جميل شيخ الشباب. صاحب محل تجاري في منطقة القصاع. يقول: نحن نفتقد للشباب الذي كان يبحث عن عمل، وخاصة في فصل الصيف، فطلاب الجامعات والمرحلة الثانوية كانوا أبرز المتقدمين للعمل. لكننا في السنتين الأخيرتين بتنا نعاني من نقص في هذه الفئة، وبات الأطفال الصغار في السن الذين لا يسمح لهم عمرهم بالعمل كبائعين، هم أكثر فئة متقدمة للعمل.

جمال الخال. صاحب صالة ملابس أطفال، يقول: منذ سنتين لم يستقر في العمل لدي شاب أكثر من ثلاثة أشهر، ليسافر بعدها. مضيفاً أن من يتقدم للعمل لدينا هم إما أطفال لا يتجاوزن الخامسة عشر من أعمارهم أو رجال طاعنين في السن.  

الخوف 

ينتظر عدي سيارة السرفيس التي تنقل ركاباً في أخر رحلة لها إلى بلدة جرمانا كي يعود إلى منزله، يقول عدي: أعمل وسط عدم رضى أهلي وذلك بسبب خوفهم علي من التأخر في العمل. ويتابع عدي لا يوجد ما أخشاه في وسط المدينة، لكن الخوف من الخطف أو الإعتقال على الطريق هو ما يخشاه والدي، ويضيف عدي أنا طالب جامعي وأحتاج إلى مصروف إضافي، كما أني اختنقت من الجلوس في المنزل العام الماضي لأني أهلي رفضوا أن أعمل.

أبو برجس رجل ستيني بالعمر، يقول: لدي ثلاثة شباب بعمر الثامنة عشر والعشرين والواحدة والعشرين سنة، جميعهم يدرسون. وأنا أعمل في بيع الخردوات والأدوات الصحية. مضيفاً: لا أريد من أحدهم أن يعمل. فقد تم إيقاف أحد أبنائي أثناء عودته من العمل علماً أن الوقت لم يكن يتجاوز الساعة التاسعة مساء وبعد سبع ساعات تم الإفراج عنه. أنا لا أريد أن يتعرض أبنائي ونفسي إلى مثل هذا الموقف مرة ثانية.

الفتيات المعيلات

لا تخطئ عين رواد المقاهي في منطقة المرجة ومحيطها، الفتيات اللواتي يعملن على خدمة الزبائن في المطاعم والمقاهي. أبو ماجد صاحب مقهى في محيط منطقة المرجة، يقول: لم يعد يتقدم شباب للعمل لدينا كما في السابق، حيث كان يتقدم الشباب الذين يدرسون في الجامعات للعمل لدينا طيلة مدة دراستهم. مما كان يضمن استقرار وتأمين دخل ثابت لهم، حتى ولو كان الدخل قليلاً، ونحن لم نكن بحاجة إلى تعليم الشباب الجدد على طريقة العمل كل شهرين أو ثلاثة. لكن الشباب اليوم لا يستمرون في العمل أكثر من شهرين أو ثلاثة ثم يسافرون، حيث يخشون من خدمة العلم أو من الاعتقالات والخطف والقتل. لذلك بتنا نعتمد على الفتيات في الخدمة لدينا رغم التحديات التي تواجهنا من الخشية عليهن، خوفاً من تعرضهن للتحرش، كما أن معظم الفتيات العاملات لدينا هن طالبات جامعيات، يقمن في السكن الجامعي، ولا يمكنهن البقاء لوقت متأخر.

جمانة طالبة جامعية سنة ثالثة حقوق: تقول لم أسافر إلى مدينتي الأصلية منذ سنة كاملة، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف السفر وخطورة الطريق. تتابع جمانة أنا أعمل كنادلة في أحدى المقاهي حيث أتمكن من تأمين مصروفي الذي كان يرسله لي والدي لكن الظروف الأمنية تجعل وصول المصروف صعباً وقد يتأخر لأكثر من شهرين.

هناء سيدة لم تبلغ الثلاثين من عمرها، أرملة وأم لطفلين. تقول: أعمل في معمل للحياكة من أجل تأمين مصروفي ومصروف أبنائي الذين توفي والدهم ولم يترك لي ولهم أي دخل ثابت أو تقاعد. وتتابع في البداية كان أصحاب العمل يفضلون الشباب لكنهم باتوا الآن يرغبون بتعيين الفتيات لأنهن لا يتدربن على العمل ثم يسافرن كما بات يفعل معظم الشبان. وتضيف هناء: سأقوم بأي عمل مهما كان شاقاً في سبيل أن أؤمن قوت أطفالي.

المعيل الوحيد

لا يمنع أبو سعيد عمره السبعيني من العمل ككاشير في محل للف الساندويش، ويقول: سافر أبنائي للعمل في لبنان، وكانوا يرسلون لي ولوالدتهم مبالغ من المال تساعدنا على الحياة المعيشية. لكن الوضع في لبنان لم يعد كما كان من قبل حيث باتوا يعانون من قلة بالعمل وتضيق  أصحاب العمل والسلطات اللبنانية على عملهم. لذلك باتوا يخففون من المصروف الذي كانوا يرسلونه إلى أن قطعوا المصروف نهائياً. مما اضطرني إلى البحث عن العمل، فعملت في نقل الأغراض لكن عمري لم يعد يساعدني على الإستمرار في هذا العمل لأنه متعب.

متطوع

رشقات من الرصاص يملأ صوتها بيوت الحي الصغير. الاحتمالات وراء هذه الرشقات هما احتمالان لا ثالث لهما: فإما يطلقها أحدهم فرحاً وابتهاجاً بعرس أحدهم أو أنها تهنئة باستشهاد أحد الشباب. واليوم هي تهنئة لأم محمد على استشهاد ابنها المقاتل على جبهة حرستا. محمد هو الشهيد العريس كما تناديه والدته، التي لم تتوقف عن البكاء ولوم نفسها. حيث طاوعت أم محمد ابنها البكر بعد جهد كبير منه أن يتطوع في صفوف اللجان الشعبية. بعد أن تقدم للامتحان الشهادة الإعدادية، وكان يخشى أن لا ينجح. لكن المفاجأة أن محمد نال الشهادة الإعدادية وبمجموع أهله للدخول إلى الثانوية العامة. لكنه لم يتخلّ عن تطوعه حيث أمن التطوع دخلاً للأسرة بمقدار سبعة عشر ألف ليرة سورية. وهذا المبلغ كان كافياً للأسرة التي فقدت معيلها ونزحت من منزلها وتقيم في محل تجاري. محمد وأخوته عملوا في سوق للخضار، لكن صغر سنهم عرضهم للاستغلال من قبل أصحاب المحال الذين كانوا يحرمونهم من أجرهم بحجة أنهم لم يؤدون أعمالهم بشكل جيد.

أين العمال

هل على السوريين الانتظار طويلاً حتى يتم «القضاء على الإرهاب» نهائياً وحتى يتمكنوا من العمل في بلادهم بأمان؟؟.

 أم أن حلاَ إسعافياً، يجب اتخاذه من قبل الجهات المختصة، حتى يتم إيقاف نزيف الشباب السوري نحو أوروبا، التي تفتح ذراعيها للشباب من الفئات العمرية الثانية، مرحبة بالدماء الجديدة التي سيضخها الشباب السوري المهاجر والراغب بالاستقرار والعمل في أسواقها ومعاملها.

حلولاً عديدة يطرحها الشباب من أجل البقاء في البلد والعدول عن السفر، لكن الحل الأول الذي يجب اتخاذه بنظر السوريين هو: العمل على الحل السياسي للأزمة السورية التي ما أن يتم البدء الملموس به حتى تتوقف  الهجرة، لا بل عودة الكثيرين منهم إلى البلاد.

قاسيون

سيريا ديلي نيوز


التعليقات