لقد خلقت عمليات تكرير النفط العشوائية في مناطق الصراع والتي سيطر عليها المسلحين أزمة بيئية حقيقية انعكست على جميع المكونات البيئية لتظهر أثارها على الصحة البشرية وعلى مدى

عشرات السنيين إن لم يمتد ذلك لأبعد مما نتصور.

إن عمليات التكرير البدائي أو العشوائي للنفط تتم من خلال الحرق باستخدام الحراقات والتقطير البسيط والتي تعتمد على إشعال رأس البئر ومن ثم رفع النفط المتدفق دون مراعاة لأي فهم أو وعي

للمعنى والبعد البيئي الناتج عن انبعاث المواد السامة وخروجها إلى الأوساط البيئية. إن هذه الآليات العشوائية تتم بعيدا عن تقنيات الحفاظ على موارد الطاقة وديمومتها حيث تتعطل هذه الآبار بعد

فترة زمنية قصيرة وتخرج من الاستثمار بسبب تشكل الفراغات في الطبقات الأرضية نتيجة عدم ضخ الماء أو الغاز فيها تعويضا عن النفط المسحوب وبذلك تصبح هذه الأراضي ضعيفة وتتخلخل

الطبقات الأرضية مما يجعل هذه المناطق عرضة للزلازل على المدى البعيد.

تبدأ عملية تلوث البيئة نتيجة هذه النشاطات العشوائية من انبعاث المواد السامة والغازات الضارة كأول وثاني أكسيد الكربون وأكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين وأكاسيد الآزوت والعديد من

المركبات الهيدروكربونية والأدخنة الناتجة عن احتراق الأملاح المحتواة في المياه المرافقة و نضيف لما سبق التلوث بالعناصر المشعة مثل الرادون والراديوم والعديد من العناصر المشعة ذات

العمر الإشعاعي الكبير والذي قد يصل إلى مئات السنين. جميع تلك الانبعاثات تساهم في تلوث الهواء المحيط والتي تنتشر وفق اتجاه وسرعة الرياح مسببة انتشارا واسعا للمولوثات والتي بدورها

ستسقط على التربة والنباتات وتصل إلى مجاري المياه مما يعني تلوثا واسع الانتشار.

إن انتقال المواد السامة والمشعة إلى التربة يعني انتقالها إلى المياه الجوفية والسطحية على حد سواء ويؤدي ذلك الى خروج الكثير من المساحات عن إمكانية الاستخدام وتصبح مصدرا للتلوث

وخروج كثير من مصادر المياه عن الخدمة سواء للشرب أو الزراعة بسبب تلوثها كيميائيا وإشعاعيا مما يعني نقصا في الموارد الطبيعية حيث أن تعرض النباتات والحيوانات لجرعات من الإشعاع

في تلك المناطق المصابة بالتلوث يعمل على تشكل طفرات جينية غير مرغوبة لدى الأنواع والأجناس للنباتات والحيوانات وقد تؤدي لاختفاء أنواع وظهور أنواع أخرى غير مرغوبة يصعب تلافيها

مستقبلا.

إن استمرار الحرق والتكرير العشوائي لآبار النفط تسبب كارثة بيئية حقيقية تؤثر على جميع الموارد الطبيعية في البلاد وتعمل على استنفاذ مصادر الطاقة وهدرها عشوائيا مما ينذر بكارثة

اقتصادية مضاعفة الأثر حيث تضاف هذه الأخيرة إلى تكلفة الإصحاح البيئي وتأهيل المناطق المتضررة. وأشارت الدراسات إلى أن قيمة النفط المهدور والأضرار الناتجة عن تفجير خطوط النفط

تجاوزت بكثير النفط المستفاد منه.

لا تبالي الجماعات المسلحة عند قيامها بهذه العمليات العشوائية بصحة الناس ولا تعي أن مياه الأنهار والمياه الجوفية هي من أهم مصادر مياه الشرب والتي يجب على الجميع تجنب تلويثها وأن

التكرير العشوائي للنفط يؤدي إلى انتقال كم كبير من الملوثات إلى الأنهار و التي بدورها تنتقل إلى المياه الجوفية والتي بعد ذلك تصل لجميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان عن طريق السلسلة

الغذائية.

لذلك فالكارثة الأكبر والأكثر خطورة هي ماتتعرض له الصحة البشرية عند تلقيها لهذه المواد الهيدروكربونية والاروماتية وسخام الاحتراق وهباب الفحم وامتصاص جرعات إشعاعية عالية من كل

من أشعة ألفا وبيتا وجاما وماتسببه من إصابات سرطانية, تسممات, طفح جلدي وطفرات قد ترافق سكان المنطقة لعقود. وأن البقاء لفترة زمنية معرضا للانبعاثات الضارة وبشكل متواصل يزيد من

الإصابات في الجهاز التنفسي والهضمي و المناعي ويحفز لظهور العيوب الخلقية ويؤدي إلى الخمول, ضعف الذاكرة والمناعة وجميع تلك الآثار صحية هي تكلفة إضافية تضاف على فاتورة التلوث

والتدهور البيئي في المناطق التي تعرضت للتكرير العشوائي والاستخدام الظالم لآبار النفط.

تعمل وزارة الدولة لشؤون البيئة وعدد من الجهات المعنية على رصد الواقع الحالي لمثل هذه الآثار البيئية ومتابعة ما يؤول إليه الوضع البيئي في تلك المناطق وتعمل على وضع خطط لتاهيل

المناطق التي تلوثت و الحث على إيجاد مصادر بديلة للطاقة والمياه والعمل على إيجاد حلول لتأهيل المناطق الملوثة كيميائيا وإشعاعيا.

تحث وزارة البيئة وتوجه بوصلة البحث العلمي في المراحل الحالية والمستقبل القريب نحو دراسات وأبحاث تأهيل الترب الملوثة كيميائيا أو إشعاعيا عن طريق البحث عن نباتات أو كائنات دقيقة

تعمل على استهلاك المواد الملوثة وسحبها من التربة وإيجاد الحلول البديلة لإعادة التربة لمواصفات زراعية أو صناعية ايجابية, تعمل نحو الاستمرار بالمراقبة ومعرفة درجات التدهور ومدى

نجاح الحلول المقترحة والمطبقة والعمل على توثيق الأنواع الحيوانية والنباتية التي تعيش في تلك المناطق لحمايتها من التعرض للطفرات والتغيرات الجينية والتي قد تنتقل لعدة أجيال وقد نكون

غير مرغوبة , حث الجهات المعنية على التخفيف من الضغط السكاني في تلك المناطق من خلال نشر الوعي البيئي ورفع الحس والقدرات في مراقبة البيئة المحيطة لدى السكان ومراقبة انعكاسات

مظاهر التلوث على خفض الآثار الصحية لها.

سيريا ديلي نيوز - سانا


التعليقات