تحتفل جمعية العلوم الاقتصادية السورية بمرور خمسين عاماً على تأسيسها الذي كان بتاريخ 22 تموز 1965 باحتفالية علمية تقام يوم الخميس 10 أيلول في قاعة مركز المؤتمرات بجامعة دمشق (رضا سعيد سابقاً) تتضمن تقديم أوراق عمل وحواراً حول عدد من القضايا الاقتصادية الراهنة.

شكلت جمعية العلوم الاقتصادية السورية خلال نصف القرن الماضي ظاهرة تقافية واجتماعية متميزة في المجتمع السوري، وقدمت نموذجاً ناجحاً لدور ومهام الجمعيات العلمية الأهلية في المشاركة والالتزام. فقد تناولت طيلة الفترة الماضية كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي تواجه المجتمع السوري بموضوعية موصوفة بعيدة عن التملق والمزايدة أو النقد من أجل النقد، إذ كانت تمارس دوراً مسؤولاً في طرح المشاكل وانتقاد الممارسات السلبية وتقدم الحلول البديلة ليس هذا وحسب بل كانت تعلن دوماً للجهات المعنية استعدادها للتعاون معها في وضع مقترحاتها موضع التنفيذ.

حققت جمعية العلوم الاقتصادية نقلة نوعية مميزة في الثامن من تشرين الثاني 1980 عندما أطلقت ندوة الثلاثاء الاقتصادية السنوية التي حركت المجتمع الأهلي في سورية من حالة الركود التي يعيش فيها، وشجعت جهات أخرى عديدة على التحرك في هذا الاتجاه وكانت مأثرتها الكبرى في تحويل الشأن الاقتصادي إلى شأن جماهيري عام غير محصور بمكاتب الجهات الحكومية أو المختصين، وإتاحة الفرصة أمام كل مهتم بهذه القضايا لممارسة حقه وواجبه في مناقشتها وتقييمها والمطالبة بما يراه مناسباً، والحوار حول كل هذه الأمور بين مختلف الآراء والاتجاهات بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن. وهو ماكان وراء ذلك الإقبال الكبير على حضور ندوة الثلاثاء الاقتصادية السنوية والمناقشات الغنية والواسعة فيها والتي كانت من أهم الأحداث الثقافية في البلاد التي ساهمت في تقديم الرأي والنصيحة لمتخذي القرار الاقتصادي من أجل تحسين العمل وتجاوز السلبيات، وحتى التحذير منها قبل الوقوع فيها. وكانت الجمعية تقوم بتزويد الجهات المعنية بكل الدراسات والمحاضرات التي تعدها وخلاصة المناقشات والنتائج التي تتوصل إليها وترسلها إلى المسؤولين المعنيين علهم يستفيدون منها.

لم ينحصر نشاط جمعية العلوم الاقتصادية السورية بندوة الثلاثاء الاقتصادية،على الرغم من أهميتها ودورها كما بينّا، بل كانت هناك ندوات وفعاليات اقتصادية أخرى نظّمتها الجمعية بمناسبات عديدة حول قضايا اقتصادية هامة. وعندما حالت الأزمة الحالية التي تعيشها سورية منذ عام 2011 من متابعة فعالية ندوة الثلاثاء الاقتصادية استعاضت الجمعية عن ذلك بحلقات نقاشية متخصصة عقدتها في مقرها المتواضع عام 2014 حول أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية بمشاركة عدد من المختصين والمسؤولين وقدمت خلاصتها كالعادة إلى الجهات المعنية.

مأثرة أخرى تسجل لجمعية العلوم الاقتصادية السورية في مسيرة نصف القرن الأول من حياتها فضلاً عن أنها تضم أفضل الكفاءات والخبرات الوطنية في مختلف المجالات الاقتصادية التي كان لها دورها المميز في حياة سورية الاقتصادية خلال السنوات الخمسين الماضية من خلال المواقع التي شغلتها والأدوار التي أدتها، فإنها أيضاً عكست التنوع الفكري والتعددي في المجتمع وفي الاقتصاد، فكانت مجالس إدارتها تجسيداً واضحاً لهذا التوجه، ولم يكن التباين الفكري والعقائدي بين أعضائها في أي يوم عائقاً أمام عمل الجمعية والتزامها بقضايا التنمية ومصالح غالبية الشعب من عمال وفلاحين وصغار الكسبة ومختلف أطياف البرجوازية الوطنية، بل كان في الواقع والممارسة سبباً هاماً في نجاح الجمعية واستمرارها وكان التزامها بتمثيل مختلف التوجهات والمدارس الاقتصادية والاجتماعية الوطنية هو الأساس والخلفية والبوصلة في اختيار أعضاء مجلس الإدارة وفي عملهم.

لم ينحصر عمل الجمعية في الإطار القطري المحلي وقضاياه، على الرغم من أهميتها وضرورتها، وحسب، بل كان لها دور أساسي في تأسيس اتحاد الاقتصاديين العرب عام 1965 والمشاركة الفعالة في مختلف نشاطاته وفعالياته سواء في تناول العديد من القضايا المتعلقة بالتعاون والتكامل الاقتصادي العربي أو من خلال تنظيمها ثلاث مؤتمرات اقتصادية عربية كبيرة بدمشق في الأعوام 1971و 1979 و2002 تناولت مختلف القضايا الاقتصادية العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك.

لم تخل مسيرة جمعية العلوم الاقتصادية السورية خلال الخمسين عاماً الماضية من المشاكل والمتاعب والمضايقات من أكثر من جهة ومن أكثر من مسؤول خاصة من أولئك الذين يعانون مرض ضيق سعة الصدر وعدم القبول بالرأي الآخر بل حتى سماعه، لكن موضوعية الجمعية في تناول المواضيع التي كانت تطرحها وبعد نظر القلة النادرة ممن كانت تصلهم انزعاجات واقتراحات ذوي الصدور الضيقة والنظرة المحدودة كانت تصد تلك المحاولات.

لكن المؤسف أن جمعية بحجم جمعية العلوم الاقتصادية السورية ودورها ومنجزاتها وطيلة خمسين عاماً من العطاء والالتزام بقضايا الوطن والمواطن ما تزال تعمل حتى الآن في قبو مستأجر تحت الأرض لاتزيد مساحته عن خمسين متراُ مربعاً ولا يرى الضوء ولا الشمس، في وقت تتمتع جمعيات ومؤسسات أخرى لم تقم بجزء يسير مما قامت وتقوم به جمعية العلوم الاقتصادية السورية بمقرات مميزة ومزايا عديدة..

والسؤال هو: هل المطلوب من جمعية العلوم الاقتصادية السورية أن تتخلى عن موضوعيتها والتزامها لترضي وتساير هذا المسؤول أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك لتحصل على المقر المناسب أو الدعم المطلوب؟ السؤال ليس موجهاً لمجلس إدارة الجمعية أو أعضائها أو لجمهورها لأن الجواب معروف.. لكن السؤال موجه للجهات المعنية التي يفترض أن تثبت أنها فعلاً تبحث عن الرأي الفني المختص والموضوعي للمساعدة في تجاوز المحنة التي تواجهها بلادنا والمشاكل التي نجمت عنها في أقرب وقت وأنجع أسلوب وأقل تكلفة.

جريدة النور

سيريا ديلي نيوز


التعليقات