لطالما شكَّل تأمين المسكن هاجساً حقيقياً أرّق حياة الفقراء ومتوسطي الدّخل, لدرجةٍ باتَ فيها امتلاكُ غرفةٍ بمساحةٍ صغيرة حُلماً صعبَ المنال بسبب ارتفاع أسعار العقاراتِ الكبير, لكنَّ هذا الهاجس أصبح خلال الأحداث الراهنة ضرباً من المستحيل, مُكمِّلةً بذلك مسلسلَ الهموم المعيشيّةِ المُتتالية في ظلّ استغلال تجّار العقارات ومالكيها حاجتهُ الماسّة لمأوى يحويه عبرَ زيادةِ أسعارِ البيوت بشكلٍ لا منطقيّ, لاسيّما الإيجار لدرجةٍ وصلت فيهِ أسعار الإيجارات في مناطق السكن العشوائي مثلاً إلى 30 ألفاً تقريباً أيّ أنها ارتفعت بنسبٍ تتراوح بين 50 إلى150 % . أزمة جشع !! لا ننكر هنا تداعيات الأزمة الاقتصاديّة التي عصفت بالبلد وتأثيرها السلبي الكبيرعلى هذا السوق, لكنّ جشع البعض ممّن يمتلكونَ المكاتب العقاريّة أو مالكي العقارات دفعهم لتعليقِ أخطائهم وطمعهم الغير مُبرّر على شمّاعة الحرب والأزمة ..! المواطن هو الحلقة الأضعف .. في دمشق .. ومع ازديادِ عددِ المُهجّرين الّذين غادروا محافظاتهم هرباً من شبح الحرب, ازدادت الاسعار بشكلٍ رهيب حتّى أنّه وصلَ إيجار الغرفتين إلى 15 ألفاً ومافوق ..! وهذا ماسبّب مُعاناة مُضاعفة لهؤلاء, فقد اصبحت هذه التكلفة وكأنها ثمن فاتورة الأمان الذي التجؤوا ليعيشوا فيه . قمنا بدورنا بالتقصّي عن هذه الحالة في إحدى ضواحي دمشق بحثاً عن إجاباتٍ وحلولٍ لهذا الواقع .. جولات ميدانيّة .. و في سياقِ جولاتٍ عدّة قُمنا بها , التقينا خلالها العديد من أصحاب المكاتب العقارية و بعض ملّاكي البيوت ومُهجّرين قدموا إلى هذه المناطق . أحد أصحاب هذه المكاتب قال : أقرّ بأنَّ هناك ارتفاعاً غير مسبوق بأسعار البيوت والإيجارات لكنّ ظروف المعيشة أصبحت صعبة علينا أيضاً, و استطرد قائلاً : لولا قبول المُستأجرين بـأسعار كـهذه لما بقينا نؤجّرعلى اساسها .! وأشار إلى أنّه حالياً لا يوجد شقق للإيجار لدى أغلبيّة المكاتب العقاريّة، وفي حال توفّرها فإنّه يتم تأجيرها في غضونِ أيّام، مع شروطِ دفعِ عدّة أشهر سلفاً، إضافة إلى مبلغ تأمين أيضاً. و تقول (و.ح) وهي مُهجّرة و أمّ لطفلين : لم يشفع لي نزوحي بتخفيض مبلغ الإيجار لبيت لا يستحقّ المبلغ المدفوع البالغ 25 ألف ليرة, إلا أنَّ صاحب البيت استغلّ حاجتي إلى مسكن يأويني وعائلتي للمطالبة بسعرٍ خيالي لا نملكه لكننا اضطررنا للرّضوخ لهذا الواقع الصعب فهو أرحم من نزوحنا إلى الحدائق أو مراكز الإيواء . أمّا (م ,م ) وهو مالك عقار قال : لم يعد أحد يلتزم بسعر مُحدّد بالنّسبة لهذه المنطقة العشوائيّة , ولم يعدْ هناك التزام أخلاقي حتّى تجاه الناس, وتابع : أملك منزلاً كبيراً نسبةً للبيوت الّتي يتمّ تأجيرها في المنطقة لكنّي لم أسمح لنفسي بأن استغلّ أخوتنا الّذين عانوا الأمرّين في هذه الحرب, وبقيَ أجار المنزل ب 8000 ليرة سوريّة كما كان قبل بداية الأزمة . (ز. ف) من سُكّان المنطقة : أقطن هنا منذ عشر سنوات بإيجار كان 5000 ليرة , لكن مع بداية الأزمة بدأ مالك البيت بزيادة الإيجارغير مبالٍ بوضعنا الماديّ السيئ , حتّى أصبح أجار المنزل 15000 ليرة سورية . قدّمَ كلّ ما ذُكرناه تلخيصاً عن حالِ سوق العقارات الّذي ضاهى بأسعاره أرقاماً حلّقت فوق مستوى التوقّعات, لكنّها كانت نتيجةً متوقّعة بسبب وجود أصحاب النّفوس الضّعيفة من ملّاكين وأصحاب مكاتب عقارية ومسؤولين في دوائر رسميّة لا يهمّهم سوى مكاسبهم المادية حتى لو كانت على حساب المواطن المحتاج. هذا الانفلات لم يكنْ إلا نتيجةَ "غضِّ نظرٍ حكومي" و غياب دورِ المعنيّين عن هذا الواقع, ونتساءل هنا .. لماذا لم يُكلّف أحد نفسه بأقتراح أيّة حلول لهذا الواقع كــ تشكيل لجانٍ تُعنى بحلّ واقع السّكن هذا و تخصيص مكاتب لدراسة اوضاع المناطق و تحديد أسعار الإيجارات بحسب كُلّ منطقة وبحسب مواصفات بيت, علّنا بهذه السّبل نكون مع من ظلمتهم الحرب بدلاً من أن نكون عليهم , و إلى حين معالجة هذا الواقع, لسان حالنا سيبقى يستصرخ الضمائر : بــ أن أرحموا من في الأرض .. يرحمكم من في السّماء ..!!

سيرياديلي نيوز - رهام علي


التعليقات