تحتاج التنظيمات الإرهابية إلى موارد للحفاظ على نشاطاتها وتطويرها، فلا يقتصر الأمر على تجنيد الرجال وجمع السلاح واستخدام التكنولوجيا لخدمة الغاية التي تسعى لتحقيقها، بل يتحتم عليها البحث عن مصادر تمويل لها. فقد تحوّل الإرهاب هذه الأيام إلى عملية مكلفة تحتاج إلى دول غنية لتقوم بتمويله, ومن هنا يصبح وجود بنية تحتية مالية فعالة أمراً جوهرياً بالنسبة للعمليات الإرهابية. فالتمويل فيما سبق كانت تقوم به الدول في معرض الحرب الباردة، لكن في نهاية القرن الماضي قامت المجموعات الإرهابية بالسعي وراء صيغ جديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي أدى إلى عولمة الإرهاب.

ومع تهاوي الحواجز الاقتصادية والمالية، قامت المجموعات المسلحة بنسج علاقات اقتصادية فيما بينها، واكتسبت طابعاً عابراً للدول والقوميات تمثل عمليات الابتزاز والخطف وتجارة المخدرات والتهريب والسرقة والاتجار بالآثار، والنفط أهم مصادر التمويل غير القانونية. من هنا نلاحظ وجود مجموعة كبيرة ومتنوعة من النشاطات التي تساهم في تدعيم اقتصاد الإرهاب. وتعتبر تجارة المخدرات فيما مضى قبل سيطرة المجموعات الإرهابية على حقول النفط في سورية والعراق جزءاً هاماً من البنية التحتية الاقتصادية للشبكات الإرهابية، حيث صارت الأموال التي توفرها تجارة المخدرات المصدر الرئيسي لتمويل العديد من المجموعات الإرهابية. وذكر تقرير "لقناة الميادين" الفضائية عن تجارة الحبوب المخدرة في سورية وتوزيعها على المجموعات الإرهابية، أنّ مجموع ما صرف في شراء تلك المادة بلغ حوالي الخمسة مليارات دولار أمريكي.

ويمثل تهريب السلاح مصدراً آخراً لتمويل المجموعات الإرهابية حيث تتحكم جهات محددة بسوق السلاح وتشرف دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على 80% من عمليات نقل الأسلحة. كما وصل الأمر بالمجموعات الإرهابية إلى حد استخدام الأموال الناتجة عن الاتجار بالبشر لتمويل الإرهاب.. مع الإشارة إلى أن الاتجار بالبشر يحتل المرتبة الثالثة عالمياً في قائمة النشاطات غير التقليدية، ويأتي مباشرة بعد الاتجار بالمخدرات. ولا تقتصر عمليات الاتجار بالبشر على مسألة تأمين تنقل الإرهابيين بين البلدان بل تتم الاستفادة من الأمر في توفير وثائق مزورة تؤخذ من الضحايا، وهو ما يقوم به تنظيم "داعش" في سورية والعراق ومن قبلهما "القاعدة" في الجزائر وكوسوفو واندونيسيا. فالاتجار بالبشر تحول إلى صناعة غير قانونية شهدت نمواً مستمراً خلال السنوات الماضية وتصل أرباحها إلى أرقام فلكية، ويندرج الخطف والابتزاز ضمن مجموعة آليات أخرى يتم اللجوء إليها لتمويل الأعمال الإرهابية، حيث يقوم الإرهابيون بخطف أشخاص ويطالبون عائلة الضحية أو حكومته أو المؤسسات التي ينتمي إليها ضحايا الخطف بدفع فدية بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو بهدف التأثير على الرأي العام. 

ويتم تحويل عائد هذه النشاطات الإرهابية عبر طرق موازية للنظام المالي التقليدي، ومن تلك الطرق نظام الحوالة على الرغم من عدم وجود الكثير من الأدلة التي تشير إلى استخدامها في تمويل الإرهاب. وتمثل الرسائل الشخصية (إرسال مبلغ مع شخص إلى شخص آخر) إحدى الطرق التقليدية لنقل الأموال وتقوم المجموعات الإرهابية بتجنيد أشخاص للقيام بهذه المهمة يتم انتقاؤهم من بين الأشخاص الذين لا يلفتون الانتباه، وهم يدركون ما الذي يمكن أن يحل بهم في حال حاولوا التلاعب.

وإزاء هذا الوضع لابد من طرح السؤال عن الإجراءات المفروضة لكشف وتجميد طرق تمويل المجموعات الارهابية؟

بعد هجمات الحادي عشر من أيلول تم تبني مجموعة من الإجراءات بهدف الحد قدر الإمكان من تمويل المجموعات الإرهابية بموجب قرار مجلس الأمن رقم /1373/ لعام 2001، الذي نص على تجميد الأموال العائدة للإرهابيين، ومنع كل شخص في أي بلد من تقديم معونة مالية، أو أي شكل آخر من أشكال الدعم المادي للإرهابيين، أو لمن يدعمونهم. كما صدر عن مجلس الأمن القرار رقم /1390/ لعام 2002، والذي أكد على ما جاء في القرار /1373/ ودعا الدول إلى تجميد أموال الإرهابيين دون تأخير، وكذلك القرار رقم /1456/ تاريخ 20/1/ 2003 الذي طالب الدول بالقيام عند الضرورة بملاحقة كل من يساهم في تمويل أو تنظيم أو دعم تنفيذ أعمال إرهابية، أو يقدم ملجأً آمناً لهم بما يخالف القانون الدولي وإحالتهم إلى العدالة.

 وفي هذا السياق، وبناء على ما تقدّم، يجب دون تأخير أن يتم تجميد الأموال وكل الموارد المالية والاقتصادية للأشخاص الذين يقترفون أفعالاً إرهابية في سورية وكل من يساهم في ذلك وتجميد أموال كل الأفراد أو المنظمات التي تعمل باسم المشاركين في أي فعل إرهابي؛ فمثلاً، لم يحدث أن قامت الولايات المتحدة (راعي الحرب على الإرهاب؟!) بالرغم من معرفتها التامة بهم كأفراد ومنظمات، بتجميد أي من أموال الإرهابيين أو المنظمات أو الدول التي ترعى نشاطاتهم وتسهّل أعمالهم الإرهابية.

بدوره، الاتحاد الأوروبي الذي أصدر بعد الحادي عشر من أيلول القرار رقم /2850/ لعام 2001 وهو بمثابة إجراء مكمل للوائح التعامل الإداري والقانوني المتعلقة بالمنظمات الإرهابية، لم يفعل شيئاً بخصوص المئات والآلاف من الإرهابيين من مواطنيه الذين عبروا إلى سورية وكأن الإنتربول الدولي ـ الذي شكل فريقاً خاصاً لمكافحة تمويل الارهاب ـ لم يسمع بـ"داعش" وأخواتها في سورية.

وفي النهاية، فإن كل حديث عن مكافحة الإرهاب يبقى حبراً على الورق ما لم يبدأ من تجفيف مصادر التمويل؛ فالحد من خطورة الأعمال الإرهابية والقدرة على السفر والحصول على المعدات اللازمة لتنفيذ الهجمات يقتضي التعاون الدولي الصادق والجاد.. ومن الضروري وضع استراتيجيات شاملة تسمح بمراقبة عمليات تمويل المجموعات الارهابية وقطع الطريق في وجهها من خلال اجراءات تسمح بتتبع مصادر الأموال وتحديد وجهتها، وممارسة الضغوط لفرض المزيد من الشفافية في القطاع المالي بهدف القدرة على كشف التحركات المالية المشبوهة.

سيرياديلي نيوز


التعليقات