استعرض رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني ليون زكي تذبذب سعر صرف الليرة السورية في سوق العملات  منذ بداية الأزمة التي تعصف بالبلاد إلى الآن، وعزا هبوط قيمتها بشكل متوالية حسابية باستثناء بعض الهزات التي ألمت بها إلى تطورات الأزمة وانعكاساتها على الأرض وطول أمدها، وأكد أن سعر الصرف الحالي دون 300 ليرة للدولار الواحد مقبول جداً في ظل دخول الأزمة عامها الخامس واشتداد أوار تداعياتها الميدانية أخيراً.

 

وربط زكي، في دراسة اقتصادية لموقع "شام برس"، قوة الليرة بمؤشرات اقتصادية واجتماعية وبأجندة خارجية أججتها المضاربة ونجحت السياسة النقدية في بداية عهدها باحتواء تداعياتها على استقرار سوق الصرف إلا أنه مع استمرار نزيف الأزمة اقتصادياً عجزت عن الإمساك بلجامها.

وأوضح زكي بأن قيمة الليرة السورية تأثرت بتقلبات الأزمة ميدانياً وسياسياً "بما يفوق تأثير القطاعات الاقتصادية المختلفة ومجمل المؤشرات الاقتصادية الكلية المرتبطة بسوق صرف العملات بدليل أن الطفرة الكبيرة في هبوط سعر صرف الليرة واكبت استعدادات الإدارة الأمريكية في آب 2013 لتوجيه ضربة عسكرية لسورية حيث ناهز سعرها 325 ليرة للدولار الواحد وهو رقم قياسي ما لبث أن هبط سريعاً بعد الاتفاق حول الملف الكيماوي السوري ثم ليعاود الصعود خلال نيسان 2015 ليصل إلى عتبة 300 ليرة".

وقال: "تلعب المؤشرات الاقتصادية دوراً مهماً في تحديد القيمة السوقية لليرة وأهمها ارتفاع البطالة وتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي والاستثمارات والمستوى المعيشي للمواطنين، كما فرض تراجع حظوظ فرص السلام لصالح الاتكال على الحسم العسكري وسيلة وحيدة لإنهاء الصراع بالإضافة على غياب أي بريق أمل للانفراج أو الحل في المدى المنظور دوراً كبيراً في إقناع غالبية القادرين على الادخار بتحويله أموالهم إلى عملة صعبة لا تهتز بمفاعيل الأزمة المحلية الميدانية والسياسية والاجتماعية". 

 

وبين ليون زكي بأن أسعار صرف القطع الأجنبي استقرت قبيل الأزمة "حيث راوح سعر صرف الدولار بين 46.98 و47.10 ليرة في الفترة الممتدة بين نهاية كانون الأول 2010 إلى مطلع حزيران  2011، ومرد ذلك إلى توازن العرض والطلب وتحسن النشاط الاقتصادي. أما احتفاظ سعر صرف الدولار أمام الليرة بين 50 و57 ليرة منذ بداية الأزمة وحتى نهاية 2011 فسببه التحويلات الخارجية وقدرة الاقتصاد على التصدير وعدم تأثر قطاعي الصناعة والسياحة بشكل واضح بخلاف عام 2012 الذي وصل فيه سعر الدولار فيه إلى 108 ليرة في شباط و2013 عندما زاد السعر 200 بالمئة مقارنة ببداية الأزمة وتسجيله 150 ليرة في أيار. ولم يرتفع السعر الرسمي للصرف سوى من 47.13 ليرة بداية آذار 2011 إلى 93.11 ليرة في نيسان 2013 ثم واصل ارتفاعه بسرعة ليصل في النشرة الصادر عن المصرف المركزي في 27 نيسان 2015 إلى 260.21 ليرة كسعر وسطي للمصارف و260.70 ليرة كسعر وسطي لمؤسسات الصرافة بينما تجاوز سعر السوق الموازية 300 ليرة للدولار الواحد".

 

وأشار زكي إلى الهبوط الأول لقيمة الليرة من 46.98 ليرة للدولار الواحد في كانون الثاني 2011 إلى 181.43  ليرة في تشرين الأول 2014 "رافق ظهور النتائج المباشرة للعقوبات الخارجية الأوربية والأمريكية والعربية على الاقتصاد السوري وهجرة رؤوس الأموال إلى مناطق أكثر أمناً وخصوصاً إلى لبنان والأردن ومصر. بينما أثرت عوامل ميدانية وطول عمر الأزمة وتراكم الضغوطات على الاقتصاد حتى نهاية تموز 2015 على الانخفاض الثاني لقيمة الليرة التي وصلت إلى عتبة 300 ليرة للدولار الأمريكي الواحد والذي كان يعادل تحويله 2.19 ليرة منذ اعتماده سنة 1947 حتى عام 1961".

 

وأكد بأن قصة صعود وهبوط أسهم الليرة لا تخفى على كل المتعاملين مع سوق الصرف "بما فيهم أصحاب المدخرات الصغيرة والمتوسطة الذين يدركون أن أجندة سياسية خارجية وحرباً إعلامية شرسة تستعر لخفض قيمة الليرة ويقعون فريسة في شراك المضاربين الذين يثيرون هواجس فقدان المدخرات لقيمتها فيسعى مالكوها لتحويلها إلى دولار بأسعار صرف وهمية مع كل تقدم ميداني للمسلحين في أي منطقة وخصوصاً في محيط المدن الكبيرة ثم يعمد المضاربون الذين يجيدون العزف على الوتر النفسي إلى جني المكاسب في فترات بيع محددة".

 

ولفت رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني إلى أن مصرف سورية المركزي تصدى لإشاعات استنزاف القطع الأجنبي في بداية الأزمة "وتمكن من مواجهة أزمة سوق الصرف ومن ضبط المضاربة على الليرة نسبياً من خلال عمليات ضخ ملايين الدولارات عبر شركات الصرافة إلا أنه عجز لاحقاً وفق إمكاناته المحدودة وطريقة تدخله من الحفاظ على استقرار سعر الصرف جراء سعيه عبر الأسعار الرسمية إلى اللحاق بأسعار السوق السوداء من دون القدرة على خفضها".

 

ونوه إلى أن تصريحات حاكم المركزي المتناقضة عن احتياطي القطع الأجنبي وقرارات السماح للأفراد من غير التجار والصناعيين بشراء 10 آلاف دولار بالسعر الرسمي في وقت مبكر من الأزمة ثم اعتماد طريقة مجحفة ومتبدلة لتمويل المستوردات بعدئذ "شكلت عوامل ضغط على عدم استقرار سوق الصرف من حيث لا يدري المركزي والذي اعتمد على التجريب في اتخاذ قراراته وفرض إجراءاته".

 

وأضاف ليون زكي: "يكفي للدلالة على ضغط العوامل الاقتصادية على الليرة السورية بسبب الأزمة، الإشارة إلى أن السياحة السورية التي كانت تشكل أكثر من 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة تراجعت بشكل كبير جداً منذ بداية الأزمة وتراجعت الصادرات السورية حتى 97 بالمئة عام 2012 بتوقف صادرات النفط وتراجع صادرات القطاع الخاص الذي توقفت الآلاف من معامله عدا عن التراجع الكبير في تحويلات المغتربين وتوقف الاستثمارات الأجنبية في القطاعات كافة".

 

وزاد زكي: "وفي المحصلة، انعكس تراجع سعر الصرف لليرة بشكل كبير على النشاط الاقتصادي الذي انكمش بتراجع معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي لتوقف قطاعات صناعية عديدة ارتفعت تكاليف إنتاجها برفع تعرفة الكهرباء وسعر المحروقات وارتفاع السلع والخدمات بشكل غير متوقع في السوق المحلية كصدى لارتفاع مكوناتها الصناعية المستوردة, فتضاعف معدل التضخم وتراجعت القيمة الشرائية لليرة فتراجع الاستيراد والإنتاج المحلي الذي غدا غير قادر على تسعير سلعه باستمرار صعود أسعار الصرف".

وخلص إلى أن لجوء المصرف المركزي إلى معالجة تدهور العملة السورية بالاقتراض من المصارف المحلية المودعة لديه والعلاج بالتضخم عبر طباعة المزيد من العملة من دون أن يأتي ذلك انعكاساً للعمل الاقتصادي "سيؤدي بالعملة الوطنية إلى مزيد من الانخفاضات التي لا يمكن التنبؤ بها مع استمرار اشتعال الأزمة وزيادة حدتها وفي ظل عدم المقدرة على إيجاد الحلول والبدائل لأن تقلب سعر صرف الليرة مرتبط بعمر الأزمة وتطوراتها"، لكنه تدارك بالقول: "لا زال سعر صرف الليرة السورية مقبول جداً مقارنة بالليرة اللبنانية التي انخفض سعرها 5 آلاف ضعف عندما تجاوز عتبة 3 آلاف ليرة للدولار الواحد والذي كان يعادل 3 ليرات قبل الحرب الأهلية التي عاشها الشقيق الجار بينما لم ينخفض سعر الليرة السورية أكثر من 6 أضعاف على الرغم من الحرب الضارية التي لا يمكن مقارنتها بالحرب الأهلية اللبنانية وفق كل المعايير والمقاييس".

 

سيرياديلي نيوز


التعليقات