يتساوى ما فعلته الحرب الحالية، بالاقتصاد الوطني، مع ما فعله الفساد. الحرب والفساد عنوانان عريضان، ووسيلتان غير شرعيتان لتدمير الاقتصادات، هما صناعتان معولمتان لشرعنة الدمار، والفقر. هكذا دفع الاقتصاد السوري الثمن مرتين، وابتلع الدواء المر مرتين. في المرة الأولى أتى الفساد المتجذر على مقدرات هذا الاقتصاد، ونخر كل قطاعاته، وحوّلها إلى قطاعات مُتعبة، وفاشلة، وخاسرة، وبمعنى أدق مُخسّرة، تعمل بلا أهداف، ومنتجاتها بلا قيمة مضافة، ولا تحقق التنافسية. لم تعد الصناعة، بسبب الفساد، جناحاً تنموياً حقيقياً، أو قاطرة النمو التي لا غنى عنها، لمعالجة أعمق مشكلات الاقتصاد وعلى رأسها البطالة. وكذا الزراعة التي تحولت إلى قطاع متهالك، بلا آفاق، يعيش على الدعم، ولايستفيد من الميزات التنافسية التي يملكها، وفشلت خطط المكننة، والري الحديث في نقله إلى قطاع رابح ومتطور، يقي العاملين فيه شر السؤال، والوقوف الدائم في جادة الخسارة. لم يتمكن فلاح من العيش بفضل منتجاته، وفشلت الزراعة في الحفاظ على المزارعين وحياتهم الكريمة. لنتذكر أنه في عامي 2008 و2009 أصبح كبار الملاك والمزارعين السوريين فقراء، إذ عصف الجفاف بحياتهم، وبدّد كل ما كانوا يملكونه، لكن الضربة القاضية آنذاك أتت من الحكومة، وفريقها الاقتصادي، وكل الأجهزة التي تركت فلاحاً ولد بأرضه، وتربى بين حبات ترابها، وأكل من خيراتها، تركته يعيش متسولاً وفقيراً في المدن، بلا مساعدة. هذا كان سياسة ممنهجة لتفريغ الريف السوري من قاطنيه، و لا يتناسب مع طروح مهمة تعالج قضية الحد من ترييف المدن. قيل في هذه القضية الكثير، ولم يجد سؤال من قبيل لماذا هجر سكان الريف الشمالي قراهم، أجوبة مقنعة؟ الفساد الذي أتى على الزراعة السورية، جعل الثروة الحيوانية عبئاً، سورية من الدول القلية في العالم التي تطلق على حيواناتها لقب ثروة، لأنها فعلاً ثروة، بأغنام عواسها، وماعزها، وأبقارها، وقطاع الدواجن المتنامي. هل ثروة كهذه التي تملكها سورية، لا يمكن أن تلعب دوراً في التنمية؟ تضع الحكومة برامج لتحسين أوضاع المربين، والأسر العاملة في هذا المجال، بينما الدول التي لا تملك مثل هذه الثروة يعيش العاملون في هذا القطاع في بحبوحة اقتصادية. أليس الفساد هو المتهم الأول والأخير الذي جعل من الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، قطاعاً ينظر إليه بعين العطف؟ ألا يعد تصدير القطن دون الاستفادة من الحلقات التصنيعية المختلفة فساداً بامتياز؟ ماذا يعني أنه بعد عقود طويلة تتجاوز الثلاثة، من تحقيق البلاد فائض الإنتاج، والاكتفاء الذاتي، تبشّرنا الجهات الحكومية بنية جادة لإقامة معمل عصائر، سواء للبندورة أو للحمضيات؟ هل القائل إن البندورة السورية وكذا البرتقال، هي منتجات مخصصة للمائدة وليس للعصائر، كان يقول الحقيقة، أم يتهرب من إمكانية معالجة وضع هذين المنتجين التسويقي؟ أليس من المعيب جداً إدخال أصناف لا يمكن الاستفادة منها؟ هذا مافعله الفساد في قطاع الزراعة، وأكثر من ذلك، إذ لم تتمكن شركة زراعية من النهوض على قدميها، وظل الاستثمار في الأرض والثروة الحيوانية بلا طائل، ولا أحد يقدم عليه، وكل المحفزات والتسهيلات لم تشجع المستثمرين للاستفادة من المزايا الممنوحة.
بالمسطرة ذاتها يمكن القياس على ما فعلته الحرب الطاحنة باقتصادنا، وهي المرة الثانية التي نسدد فيها فاتورة ليست لنا. فالخسائر الهائلة الناجمة عن هذه الحرب، ولتكن التقديرات التي وضعتها الأسكوا قبل فترة، معياراً، بأن سورية تحتاج إلى أكثر من 300 مليار دولار لإعادة بنائها، هذا سيناريو بسيط، وتقديرات أولية لحجم الكارثة. الحزن على ما دمرته الحرب، لا يعفي إطلاقاً من محاسبة مَن ألحقوا الضرر بالمنشآت الصناعية، ومن أحرقوها أو دمروها أو سرقوها. كما لا يبرر من دفع اليد العاملة الخبيرة والمؤهلة والمدربة والتي أنفق عليها مليارات الليرات لتتعلم وتتدرب وتتقن مهنتها بجدارة، وفجأة وجدت نفسها بلا عمل، وبلا حماية، فتلقفتها الدول الأخرى تحت مسمى اللجوء.
الحرب الطاحنة، بددت كل البحوث في المجال الزراعي، والتطور المنتظر في هذا المضمار. هذه الحرب ضيعت الأصناف المميزة لقطعان الثروة الحيوانية في سورية. المشكلة لا يمكن مقاربتها في خسائر، أو فوات أرباح فقط على أهميتها، لكن في الحقيقة هناك ما هو أعمق، ويتعلق بتهريب السلالات، والقضاء على كل ما يميزها في سورية، هذه هي التداعيات التي سنتحدث عنها عقب توقف النيران العشوائية التي تطول السوريين.
وبحسب جريدة النور فأن الحرب والفساد، سحقا الاقتصاد السوري، جعلا منه أثراً بعد عين، وإذا كان الفساد أول صناعة معولمة في التاريخ المعاصر، فإن الحرب هي ثاني هذه الصناعات، وأكثر المتضررين منهما سورية اقتصاداً وشعباً. فكل البرامج والمحاولات الاصلاحية لم تحدّ من انتشار الفساد، فيما تتسع مروحة الحرب في سورية، ويحصد الناس الريح، ويدفعون ثمناً لا يمكن تعويضه. فسادنا كان قوياً، وعصياً على المعالجة لعدم توفر الإرادة، فهل تكون حربنا كذلك؟
سيرياديلي نيوز
2015-07-15 08:10:40