«مزق عناصر داعش، على أحد حواجزهم، دفتر الخدمة العسكرية الخاص بي. اضطررت، فور وصولي إلى محافظة الحسكة، إلى تسليم نفسي إلى أقرب مخفر شرطة، لكي يجري النظر في أمري». هذا ما يرويه شاب غامر بالسفر برّاً من دمشق إلى الحسكة، عبر محافظة الرقة، الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش». بينما تروي سيّدة هاربة، مع طفليها، من محافظة الرقة إلى دمشق، كيف مهر «داعش» دفتر العائلة، الخاص بها، بختم التنظيم، ما اضطرها إلى مراجعة دائرة النفوس العامّة، في العاصمة، لاستبداله بدفتر جديد. «احتار الموظفون في تحديد الصيغة القانونية لهذا الأمر، وانتهى بهم الرأي لاعتبار الدفتر تالفاً، فحددت المعاملة بصيغة بدل تالف»، تقول السيدة لـ«الأخبار».
الازدحام ليس غريباً في أروقة القصر العدلي في دمشق، غير أنّها في السنوات الأخيرة، تحوّلت لما يشبه خليّة نحل عملاقة، تضجّ بأعداد هائلة من القضاة والمحامين، ومئات الموكلين والمراجعين، كما أنّ الكمّ الكبير من القضايا ليس جديداً على قضاء العاصمة، ولكنّ نوعيّة القضايا وملابساتها اختلفت، بفعل ما أفرزته الحرب من تناقضات ومفارقات، ما عادت النصوص، القانونية والدستورية، قادرة على استيعابها، وبتّها وفقاً للآليات المألوفة.
في المحكمة الشرعية تحضر سيّدة لتثبيت زواجها من رجل، أظهرت السجلات أنّه تزوّج 5 مرّات قبلها، دون أن يطلّق أيّا من زوجاته، ما يعني أنها ستكون الزوجة الرقم 6. «هذا الزواج باطل قانوناً» يقول محامي السيّدة، في حديث لـ«الأخبار»، ويضيف شارحاً تعقيدات القضيّة، إنّ للسيّدة طفلا من زوجها «وفي حال عدم تثبيت الزواج، سيعد الطفل، وفقاً للقانون، لقيطاً». وبعد التشاور بين المحامي، وقاضي المحكمة الشرعيّة، جرى التوصّل إلى تثبيت الزواج مؤقتاً، لتسجيل الطفل، ومن ثمّ تجري مقاضاة الرّجل، لمخالفته قانون الأحوال الشخصيّة الذي يسمح للرجل بـ«الزواج بأربع نساء فقط». ويشرح المحامي كيفيّة التوصل إلى الحل، في ظلّ غياب نصّ قانونيّ صريح بهذا الشأن: «القانون لا يسمح بتثبيت الزوجة على خانة الرجل، إلا أن القاضي استفاد من الصلاحيات العرفية، الممنوحة لقضاة المحكمة الشرعية، التي تتضمن الاجتهاد والقياس، في مثل هذه الحالات، بحيث يجري تجنيب السيدة مغبّة احتيال الزوج عليها». غير أنّه، وبحسب إفادة أحد الشهود، تبيّن أن الطفل، موضوع القضيّة، هو الابن الرقم 37 في خانة والده، ويوضح المحامي: «القانون لا يمنع أن يكون عدد الأولاد بهذا النحو، ولكن علينا أن تستنتج فوراً بأن نساءً أخريات رُحن ضحية احتيال هذا الرجل، الذي استغل الفوضى الحاصلة في البلاد نتيجة الحرب».
هي واحدة من قضايا مشابهة، كثرت في الآونة الأخيرة، وخاصّة مع تمزيق المسلّحين، في بعض المناطق، الأوراق الثبوتية للمواطنين، بسبب صلتهم بالدولة السوريّة، بحسب ما يقول المحامي منار إدريس، المطّلع على تفاصيل القضيّة المذكورة، الذي أضاف: «في الأشهر الأخيرة كثرت القضايا من هذا النوع، وخصوصاً تلك المتصلة بالمحكمة الشرعية، كما تكاثرت القضايا الناجمة عن فقدان عدد كبير من الناس أوراقهم الثبوتية، نتيجة النزوح السريع من بعض المناطق فور اشتعالها، أو نتيجة التنقل بين العديد من المناطق، أو السفر إلى الخارج. يضاف إلى ذلك، أن عدد الذكور، المفقودين والموقوفين والمخطوفين والفارين خارج البلاد، يتزايد على نحو خطير». وكثيراً ما تصل الأمهات إلى المحكمة لتسجيل أبنائهن، بغياب الأب، ودون وجود الأوراق الثبوتية اللازمة، «عندئذ يغدو من الضروري على المحكمة تسهيل الأمر، كي لا يعد الأطفال لقطاء، وليتمكنوا من الحصول على أوراق تثبت شخصيّاتهم، وتخوّلهم دخول المدارس، وإكمال حياتهم على نحو طبيعي»، يقول إدريس.
يذكر أنّ المسائل القانونية التقليدية، كتثبيت الزواج، أو تسجيل الأطفال، أو الحصول على دفتر العائلة، كان المواطنون في السابق، ولا سيما في المناطق الريفية، والمناطق النائية، يستغرقون وقتاً طويلاً قبل المبادرة لإنجازها، لكن الأمر بات إشكالياً مع تمدّد الحرب على مساحات واسعة من البلاد. وفي حديثه مع «الأخبار» يشرح القاضي حسن حمزة، واقع الأمر بالقول: «معظم الزيجات في الريف تبدأ بما يسمّى كتب الكتاب، أي العقد العرفي لدى شيخ أو إمام مسجد. وغالباً ما يتأخر الزوجان في تثبيت الزواج أمام المحكمة لسنوات، كما يتأخر تسجيل الأطفال، في السجلات العامة، حتى يبلغوا السادسة من العمر، سن دخول المدرسة. هذا الأمر لم يكن، سابقاً، يسبّب إشكالات كبيرة تمسّ الحياة الشرعية. أما في المرحلة الراهنة، فيحدث أن يغيب الزوج قبل أن يثبت زواجه، كأن يكون مفقوداً أو مخطوفاً أو فاراً. وقد تطلب الزوجة الطلاق من المحكمة، وهذا الأمر يكون إشكالياً، من وجهة نظر المحكمة، التي لا بدّ لها من أن تأخذ الطرف الآخر (الزوج) بعين الاعتبار». ولا شكّ في أنّ المشكلة تزداد تعقيداً بوجود أولاد لهؤلاء النسوة. من وجهة نظر المحكمة الشرعية، فإن أكثر الحالات إشكالية، هي بتّ أمر النساء اللواتي جرى تزويجهن عنوة من المسلّحين، في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية. وهذه الحالات، برغم ندرتها في المحاكم، فإن النقاش محتدم حول آلية معالجتها. وحول ذلك يروي محام متخصّص في القضايا الشرعية، فضّل عدم ذكر اسمه لـ«الأخبار» حكاية سيدتين كانتا مخطوفتين لدى مسلّحي «داعش» في محافظة الرّقة، وجرى تزويجهما عنوة لمسلّحين من التنظيم، غير أنّ السيدتين تمكنتا، لاحقاً، من الفرار والوصول إلى دمشق، وإحداهما حامل في شهورها الأخيرة: «رأى معظم القضاة الشرعيين أن هذا الزواج باطل، من الناحية الشرعية – القانونية، والقياسية أيضاً. وبالتالي سيجري تصنيفهن كمجني عليهن بفعل الاغتصاب، فيما تقول آراء أخرى إنه ينبغي اعتبارهن مطلّقات لردّ الاعتبار إليهن من الناحية الاجتماعية»، يقول المحامي، بينما الجدال حول المسألة لا يزال دائراً.
سيريا ديلي نيوز -ليث الخطيب - الأخبار اللبنانية
2015-06-27 08:56:10