خروج كتلة نقدية كبيرة من إيرادات الدولة من قائمة دخل الموازنة وتحديداً العائدة من النفط والسياحة، وتضرّر مصادر الضرائب التقليدية، كان يفترض أن يدفعا وزارة المالية وهيئة الضرائب إلى البحث عن منافذ ضريبية جديدة حتى لو كانت صغيرة، وأشارت هيئة الضرائب والرسوم إلى أنها رفعت لرئاسة الوزراء عدة اقتراحات لصناعة ضرائب جديدة تلائم الأزمة، حسب مدير عام الهيئة عبد الكريم عباس الحسين، حيث تحصّل من كبار ومتوسطي وصغار المكلّفين، وبيّن الحسين أن رئاسة الحكومة لم توافق عليها جميعها، متعذّرة بالقدرة الشرائية المتدنية وبمراعاة الظروف الاجتماعية التي تمرّ بها جميع فئات المجتمع، وهنا كشف الحسين عن صناعة وزارة المالية رسوماً إضافية في مطارح لا تزال تنتظر موافقة الحكومة.

الدولار المعفى

ولهذا لم يجد مدير التشريع الضريبي في الهيئة علي عكر مانعاً يحول دون دعوة الحكومة إلى فرض ضرائب على تجار الدولار الذين يصنّفون في فئتين: الأولى: تموّل وارداتها بالقطع الأجنبي ولا تستورد، والثانية تموّل وتستورد فعلياً، ويضيف في تصريح : إن على وزارة المالية تحصيلها مباشرة من الصناعيين والتجار الذين سُمح لهم باستيراد المازوت والمشتقات النفطية الأخرى.

وأوصى عكر بفرض رسوم وضرائب على أصحاب الأكشاك والبسطات المنتشرة على الأرصفة، والتي باتت تشكل نتيجة الأزمة وتداعياتها الاقتصادية نحو 30% من مساحة الأسواق المحلية، ويستند مدير التشريع الضريبي في تأييده لهذه الفكرة إلى قيام وزارة الإدارة المحلية بفرض رسوم على هذه النشاطات يعود ريعها لمصلحة المحافظات، وعليه بالإمكان إذاً فرض رسوم لمصلحة الخزينة العامة للدولة، على اعتبار أن فرض جهة حكومية “معنية” رسوماً على ما يسمّى “اقتصاد الظل” هو اعتراف رسمي بنشاطاتها ما يستدعي معاملتها ضريبياً كباقي الفعاليات الاقتصادية النظامية.

ويشير اقتصاديون اليوم إلى أن القطاع الاقتصادي غير الرسمي زادت نسبته خلال سنوات الأزمة بشكل كبير، ووفقاً للتقديرات غير الرسمية فإن نسبته ارتفعت من نحو 40% قبل الأزمة إلى أكثر من 60% في الوقت الحاضر، وهذا يعني أن 60% تقريباً من النشاط الاقتصادي السوري لا يخضع لأي نوع من الضريبة.

مفرزات الأزمة

جانب آخر ضريبي في غاية الأهمية، من وجهة نظر مدير التشريع الضريبي، يتمثل في زيادة حجم الضريبة على نشاطات دفعت بها الأزمة إلى الواجهة مثل مبيعات الأغذية والمواد الأساسية الاستهلاكية، بحيث ترفع قيمة الضريبة على مبيعاتها، كنسبة وتناسب على حجم الأرباح الخيالية التي يتقاضاها التجار بجميع حلقاتهم، وأكد أن نظام الفوترة الذي تعتزم الحكومة تطبيقه في وقت قريب جداً، كفيل بتحصيل ضريبي جيد، لأنه سيكون إلزامياً، وبالتالي سيكشف مكاسب كبيرة جداً.

إمكانية الخروج بتشريع ضريبي جديد يتناسب مع الظروف الاقتصادية الراهنة في ظل قائمين حالياً على وزارة المالية يعانون من ضعف واضح في اتخاذ القرارات الجريئة أو أي إجراء ضريبي يتعارض مع مصالح أصحاب النفوذ ومَن في حكمهم (كبار التجار والصناعيين)، وهذا من وجهة نظر رئيس قسم المحاسبة في جامعة دمشق الدكتور عصام نعمة قريط، ما يحول دون تعديل التشريعات الضريبية وتطويرها باتجاه العدالة وتحصيل حقوق الخزينة العامة، وقال لـ”البعث”: إن محاباة هذه الفئة الأكثر إفادة من الأزمة باتت مكشوفة، والدليل عدم فرض رسم أو ضريبة ولو واحدة على نشاطاتهم الاقتصادية، تتناسب مع الأرباح الخيالية التي يجنونها، وكل ما اجتهدت به الوزارة زيادة نسب الرسوم والضرائب المعمول بها سابقاً، لأنها عاجزة عن تخطّي الخط الأحمر المرسوم لها من الكبار، على حدّ تعبير رئيس قسم المحاسبة.

تشريعات قديمة

وعلى عكس التوقعات، فقد كان على المشرّع السوري خلال سنوات الأزمة أن يتجه إلى إصلاح النظام الضريبي، من خلال تعديل قانون ضريبة الدخل رقم /24/ تاريخ 2003، الذي ألغى بموجبه القانون رقم 85 تاريخ 21/5/ 1949 والعديد من التشريعات المرتبطة به، وأبقى القانون على أسلوب التحقق والتحصيل الضريبي كما كان في ظل القانون السابق، إذ يفترض لحظ بعض التعديلات مثل إعادة ضرائب ورسوم قديمة مناسبة للظروف الحالية، واللافت أنه تم إجراء تعديل وحيد تمثل بإعادة فرض ضريبة الآلات رغم أن جدواها الاقتصادية تعدّ قائمة، ومقابل ذلك لجأت وزارة المالية مؤخراً إلى رفع معدّلات الضرائب والرسوم المباشرة على المستهلك صاحب الدخل المحدود، فأربكت بذلك الإجراءات الضريبية وجعلتها أكثر تعقيداً، بدلاً من تسهيلها على الفئات الأقل أجراً وزيادتها على الأكثر ربحية، وقبل الأزمة عدّ تعديل قانون ضريبة الدخل جزءاً من الإصلاح الضريبي وخطوة نوعية على طريق التطوير الضريبي، لكنه اليوم لم يعُد كافياً لتجسيد العدالة الضريبية، ومواكبة تداعيات الأزمة ومتغيّراتها الاقتصادية الكثيرة.

 

سيريا ديلي نيوز -البعث


التعليقات