بعدما شهد قطاع الأدوية، في سوريا، ازدهاراً ملحوظاً قبل بدء الحرب، فإنّه اليوم يعاني تراجعاً كبيراً. ومع الحديث عن اليرقان والقمل والجرب، التي أضيف إليها أخيراً، عودة الحصبة وأنفلونزا الخنازير، فإن اللقاحات والأدوية المضادة للالتهابات، باتت أكثر ما يبحث عنه، ويطلبه المواطن السوري
الاختراقات التي سببتها الحرب في الواقع الصحي المتميز الذي كانت تعيشه سوريا من انتشار لأمراض كانت البلاد خالية منها، لعقود من الزمن، واتساع نطاق الإصابة بالالتهابات نتيجة التلوّث، وضعف إجراءات السلامة، أحدثت تغيراً في طبيعة الأدوية التي بات السوريون يبحثون عنها، أو يشترونها من الصيدليات. إذ يوضح موزّع الأدوية باسل بسام أن «الطلب زاد أخيراً على أدوية الالتهاب، الخاصة بمعالجة أمراض الجهاز التنفسي، كذلك زاد السؤال عن أدوية السعال المصنوعة من الأعشاب، مع استمرار الطلب ذاته على أدوية الضغط والسكري».
ويوضح الصيدلاني عبد اللطيف الخضر أن «الأصناف المطلوبة تختلف من فصل لآخر، ففي الشتاء يكثر الطلب على أدوية الالتهاب واحتقان البلعوم، وفي الصيف يكثر الطلب على أدوية معالجة التهاب الأمعاء، بسبب انتشار هذه الأمراض، نظراً إلى ارتفاع درجات الحرارة، وعدم تنظيف الفواكه والخضر كفاية». ويبيّن الخضر في حديثه لـ«الأخبار»، أنّ هذه «الطلبات هي ذاتها قبل الأزمة، لكنها ازدادت حالياً، تحت ضغط الكثافة السكانية، وانتشار العدوى أكثر بين الناس». ويستشهد بمرض اليرقان الذي أصاب بعض السوريين أخيراً، وسبّب زيادة الطلب على الأدوية المضادة للالتهاب، وعلى اللقاحات المخصصة لهذا المرض. ومع أنّ اللقاحات كانت توزع عادة مجاناً عبر مراكز وزارة الصحة، «دفعت زيادة الطلب على لقاح اليرقان، وعدم توافره في المراكز الصحية بعض الصيادلة إلى التعاقد مع شركات معينة لتوفيرها عبر لبنان، ومنحها لمرضاهم، بطريقة شخصية، لأن وجود مثل هذه الأصناف في الصيدلية يعرض صاحبها للمخالفة».
العقوبات الاقتصادية على سوريا سببت فقدان الكثير من الأصناف الدوائية
وبعيداً عن اليرقان والالتهابات، فإن عودة بعض الأمراض للظهور، كالقمل والجرب، إضافة إلى الفطور والأكزيما، كان لها أثرها المباشر في تركيبة طلب السوريين على الدواء. وبحسب الدكتور طلال العجلاني، أمين سرّ نقابة الصيادلة، واستناداً إلى عمله ومتابعته للأمراض، فقد تبين «ازدياد انتشار الأمراض التي يسهل انتقالها بالاختلاط، وذلك بسبب ازدياد أعداد الناس بشكل كبير، وتجمّعهم في مناطق محصورة، ونزوح المواطنين، من مختلف المحافظات والقرى، إضافة إلى تغيّر شروط المعيشة، وقلّة النظافة». ويلفت إلى أنه «إضافة إلى الأزمات الجلدية والتنفسية هذه، فقد كثرت، أخيراً، الاضطرابات النفسية، وخاصة عند الأطفال، بسبب ما تعرضوا له من ضغوط كبيرة خلال الحرب، ومشاهداتهم لمناظر الرعب، أو معايشتهم لظروف صعبة، الأمر الذي زاد الطلب على المهدئات ومضادات الاكتئاب».
وعن غياب بعض الأصناف من السوق، يرى الخضر أنّ الفترة الحالية أفضل من السابق بسبب عودة العديد من معامل الأدوية للإنتاج، ولو جزئياً، دون أن يلغي ذلك تخوفه من إمكانية توقفها ثانية، نتيجة «ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وانخفاض الأسعار، ما يجعل هامش ربحهم، وكذلك ربح الصيدلاني، منخفضاً جداً»، فيما يشير الموزّع إلى أنه «في بعض الأحيان تُفقد أصناف معينة من السوق، لشركات معينة، لكن ذلك يقابله أيضاً عودة لبعض الأصناف، بعد انقطاع متباين المدة والأسباب».
صعوبة في الاستيراد
العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، التي كان الغرب يروجها تحت شعار أنها «تستهدف الحكومة السورية فقط»، سببت مباشرة فقدان الكثير من الأصناف الدوائية، ولا سيما تلك المخصصة لمعالجة الأمراض المزمنة، التي كانت تقدّمها وزارة الصحة مجاناً للمرضى.
وبحسب العجلاني، من بين الأصناف المفقودة حالياً أحد أدوية زرع الكلية، وهو دواء يوزّع مجاناً من قبل الوزارة، ويتعذّر تأمينه حالياً، بسبب ظروف الحصار على سوريا، مؤكداً أن «الحصول على الدواء، أو مواده الأولية، بات من الأمور الصعبة، إذ رغم ادعاء الجهات الأوروبية أن العقوبات لا تشمل الأدوية، لكن التطبيق العملي يبّين عكس ذلك، فمن العسير توفير وسيلة لنقل البضائع إلى سوريا، رغم أنها كانت تأتي عبر مطار دمشق الدولي، أما اليوم فهي بحاجة لدول وسيطة. ومن العسير أيضاً تحويل الأموال للخارج، وأحياناً تستغرق هذه العملية أكثر من شهر، ما يؤثر بدوره على وصول الأدوية». كذلك إن تقلب سعر صرف الدولار، وغياب أماكن التخزين المناسبة، خلقا صعوبات لدى مستوردي الأدوية، وهذا ما دفعهم إلى تقليل حجم هذه المستوردات.
وتأتي الحاجة للاستيراد الدوائي نتيجة ظروف البلاد الحالية، وتوقف العديد من مصانع الأدوية عن العمل، ووفقاً لما يقوله نقيب الصيادلة، الدكتور محمود حسن الحسن، لـ«الأخبار» فإن المنتج المحلي «كان يغطي، قبل الأزمة، ما نسبته 92% من حاجة السوق، ومع تطور الأزمة، واستهداف القطاع الدوائي، تراجعت النسبة»، ليكون التوجه نحو الاستيراد هو البديل «رغم صعوبة ذلك المتأتية من العقوبات الاقتصادية والحرب، وهو ما سبّب، أحياناً، غياب بعض الأصناف عن السوق المحلية، لا فقدانها، إذ لا يمكن القول عن دواء إنه مفقود إلا إذا غابت جميع الأسماء التجارية المتعلقة بزمرة دوائية، وهو أمر لم يحدث، إلا قليلاً، مع بعض أدوية القلب، واليوم مع أحد أمراض الكلى». ويرى الدكتور الحسن أن الطلبات تختلف من محافظة لأخرى، وهو أمر مرتبط بتوافر الاختصاصات الطبية، فحاجة دمشق للأدوية أكبر من باقي المحافظات، بسبب وجود أكبر المستشفيات فيها، التي تعالج جميع الأمراض.
سيرياديلي نيوز
2015-06-07 23:22:11