من المعروف أن المصرف المركزي يستخدم عدة أسعار للدولار لتعاملاته المختلفة، لكن سنركز في مقالتنا هذه على سعر وحيد، وهو الذي يراه الناس على شاشات شركات الصرافة، وهو السعر الرسمي الذي يحدده المصرف المركزي يومياً لعمليات بيع وشراء شركات الصرافة، والتي يتعامل معها الناس العاديون وكبار التجار والتي اكتظ أمامها الناس في الشهر الأخير منتظرين بيعهم الدولار بعد عاصفة ارتفاع الأخير.

سنتوقف عند محاولة تفسير ما جرى في السوق السوداء بعد بلوغها لذروتها بين أواخر نيسان وأوائل أيار الحالي لعدة أيام بسعر تراوح بين 310 -330 ليرة/$، بينما كان عند 260 ليرة/$ في أوائل نيسان، ثم عادت حالياً لينخفض في 5 أيار إلى ما بين 260 و255 ليرة تقريباً.

بالتوازي مع ذلك بلغ سعر صرف الدولار رسمياً للبيع في شركات الصرافة 264 ليرة بتاريخ 5/5، بينما كان عند 228 ليرة/$ في 31/3/2015 أي أن العاصفة التي جرت في السوق السوداء جعلت السعر الرسمي لشركات الصرافة يرتفع خلال شهر واحد فقط بمعدل 16%. إن ذلك أول المكاسب التي حققها قطاع الصرافة الرسمي من العاصفة التي أثارتها السوق السوداء خلال شهر واحد، ولكن السؤال مالذي كسبته السوق السوداء وكيف حصل كل ذلك؟


هل هي العادة ذاتها؟!

كان سعر الدولار في السوق السوداء في أول نيسان عند 260، ثم بلغ 310-330 في أواخر نيسان، فالعودة إلى حدود 260 في 6 أيار؟! أي أنه يبدو من الناحية الشكلية أنها لم تحقق الشيء الكثير طالما أن سعرها ارتفع مؤقتاً ثم عاد إلى مستوياته التي كان عليها قبل شهر، لكن ذلك غير دقيق، ولتفسير هذه العملية سنفترض أحد أمرين:
تقول الفرضية الأولى وهي الإشاعة التي رُوّجت بين الناس على أن المصرف المركزي سارع لضخ كميات كبرى من الدولار في السوق لصالح كبار التجار، ومنافذ البيع في عدة محافظات، وذلك تلبية للنقص الطبيعي لمعروض الدولار والذي قد يصطنعه بعض المضاربين أو التجار الذين يزيدون في كل مرة من مستويات طلبهم للدولار لأغراضهم المختلفة، أي أن ماحدث فعلاً هو كما أعلنه المصرف المركزي بشكل رسمي، فتدخل ببيع الدولار كما العادة قد يكون المركزي تأخر فيه بسبب نقص مخزونه من الدولارت فعاد إلى الضخ بعد حصوله على كميات كبيرة منها من دول صديقة.
قد تكون هذه الفرضية صحيحة، ولكن فيما لو صحت سيتبين أن هذه الكميات التي تنخفض قدرتنا على تجميعها، ونضطر لتأمينها من الأصدقاء، تذهب مرة أخرى لمصلحة كبار التجار والمضاربين، فالكثير من الناس العاديين الذي رابطوا عند شركات الصرافة والذي احتاجاو الدولار إما لاستبدال ما تبقى من مدخراتهم أو لحاجات السفر والعلاج والدراسة في الخارج، لم يستشعروا انفراجاً جدياً في عمليات البيع لهم. بكل الأحوال إن كانت هذه العاصفة جدية أي أن ارتفاع السعر جاء بسبب قلة المعروض من الدولار، في الوقت الذي لا يقدر المركزي على مواجهة هذا النقص من احتياطياته، ما اضطرنا للجوء إلى الأصدقاء، فإن ذلك يستدعي بحث آلية التدخل في هذه السوق التي تتمرد في كل مرة فنقوم بهدر دولاراتنا عليها دون أي طائل سوى تأثير بانخفاض مؤقت وحسب.


هل كان السعر وهمياً؟

أما الفرضية الثانية بحسب قاسيون فتقول: أن ارتفاعات سعر السوق السوداء كانت ارتفاعاتٍ وهمية طالما أنه لم يحصل عمليات بيع واضحة وكبرى في السوق عند هذه الأسعار، حيث اقتصرت عمليات الشراء على قيام الناس العاديين، وهم من صغار المدخرين، بالمسارعة لشراء أية كمية من الدولار حفظاً لما بقي معهم من مدخرات.
بناء على هذا الافتراض فإن الصعود الكبير لسعر السوق السوداء دفع الناس عملياً لشراء الدولار بأسعاره المتصاعدة من (260-330) المختلفة طيلة شهر كامل ما حقق أرباحاً هامة لبائعي الدولار. ثم سارع هؤلاء البائعين لدفع السعر الوهمي للانخفاض مما اضطر جزءاً كبيراً من الناس العاديين الذين اشترو الدولار بسعر مرتفع إلى إعادة بيعه لهؤلاء التجار، وذلك للتخفيف من خسائرهم. 
إن هذه الفرضية تفسر شيئاً من حركة السوق التي لم تشهد عمليات بيع كبرى للدولار، ظاهرياً على الأقل، حيث ظل المصرف المركزي متفرجاً عليها حتى اللحظة الأخيرة، ثم سارع للإعلان عن تدخله في الأسبوع الأخير من نيسان، دون أن يلحظ الناس عمليات بيع جدية. أي أن المركزي اكتفى بالتصريح بالتدخل دون تدخل فعلي، وذلك رداً على أسعار السوق السوداء الوهمية. وفيما لو صحت هذه الفرضية فإن المركزي هو المسؤول عن ترك السوق السوداء تتمرد وتعصف بحال الليرة، في الوقت الذي استطاع ضبطها حين أراد. لكن على ما يبدو أن النتيجة المتفق عليها والتي مررها المركزي والسوق السوداء والصرافون بعد هذه العاصفة الوهيمة هي رفع السعر الرسمي لشركات الصرافة من 228 ليرة/$ في أول نيسان الماضي إلى 264 ليرة/$ في 5 أيار الجاري.    

النيتجة واحدة!

وفقاً لكلتا الفرضيتين فإن السوق السوداء والمركزي وكبار الصرافين ضالعون بالنتيجة النهائية لهذه العملية، أي أنهم يتحملون خسارة الناس لقيمة عملتهم وقوتهم الشرائية وإنْ بشكل مؤقت، فهذه الخسارة تضاف إلى خسائر سابقة في قيمة الليرة، كما أن النتيجة النهائية رفعت سعر صرف شركات الصرافة إلى مستويات قياسية ثبتها المركزي بتسعيره الجديد للدولار.
 لقد وضّحت هذه العاصفة أن أي سعر تبلغه الليرة ارتفاعاً عن مستويات سابقة هو سعر وهمي لا يعبر عن قيمة الليرة الحقيقية، بل عن الهوامش التي تناور بها السوق السوداء ، كما كشفت عن قدرة المركزي على ضبط هذه العواصف الوهمية المضاربة فيما لو أراد، فما الداعي لتكرارها كل حين؟! طبعاً هذا لا يعني أننا موافقون على كيفية ضبط المركزي لهذه السوق لكن إمكانية الضبط موجودة على الأقل.

سيرياديلي نيوز


التعليقات