أصبح الحصول على مسكن في محافظة طرطوس يشبه المستحيلات بعد أن أصاب سوق العقارات الجنون، فالأسعار تجاوزت العقل ووصل سعر المتر المربع في بعض أحياء المدينة إلى /100/ ألف ليرة على الهيكل، أما الايجار فحدث ولا حرج فالشقة 90 متراً مربعاً بـ /30/ ألف ليرة إن وجدت وذلك بسبب وصول ما يزيد على /500/ ألف وافد إلى المحافظة.
في المقابل نجد حركة عمرانية كبيرة في مناطق المخالفات وقد نمت هذه الحركة في ظل الأزمة الحالية، وهذا ما يؤكد الحاجة الفعلية للمساكن في المحافظة، من هنا الجميع يتساءل: ما هي مسببات هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار العقارات وهل ارتفاع سعر مواد البناء هو السبب؟ و ما فائدة وجود اتحاد التعاون السكني من دون وجود أراض وما هو الواقع الحالي له، وما مصير السكن الشبابي الذي ما زال في غرفة الإنعاش وإلى متى سينتظر المكتتبون؟؟
ضيق المخطط التنظيمي
يؤكد المهندسون المختصون في شؤون البناء، ومنهم المهندس أسامة شدود، أن سبب جنون أسعار العقارات لا يقتصر على ارتفاع أسعار مواد البناء بل هناك العديد من العوامل التي ساهمت في هذا الارتفاع ومنها ضيق المخطط التنظيمي لمدينة طرطوس وقلة العرض (الأراضي) وعدم حل مشكلة مناطق المخالفات حتى اليوم (الرادار ووادي الشاطر) إضافة إلى ما أوجده القانون /26/ من مشكلات كبيرة لم يستطع حل معظمها رغم التعديلات التي تضمنها.
إجحاف بحق المالك
سبق لمجلس مدينة طرطوس أن قدم مذكرة حول القانون /26/ المعدل عن القانون /60/، ضمت المقترحات التالية لتجاوز الإجحاف الذي وقع على المالكين للأراضي المنفذ عليها القانون جاء فيها:
صدر القانون /60/ لعام /1979 / لحل مشكلة السكن في القطر ولتأمين مساكن لذوي الدخل المحدود بأسعار قليلة وتم الاستملاك بأسعار زهيدة تقل كثيراً عن السعر الرائج، ما حرم أصحاب الأراضي من الحصول على حقوقهم بالكامل وأعطيت حقوق مواطنين آخرين عن طريق الجمعيات السكنية مع الميزات الكثيرة التي أعطيت للجمعيات ومن الملاحظ أنه تم تنفيذ القانون /60/ وتعليماته التنفيذية بشكل مجحف نتج عنه توافر عدد كبير من الشقق السكنية الخالية ضمن أبنية مقامة على أراض مستملكة وفق أحكام القانون المذكور.
صدر القانون رقم /26/ لعام 2000 المعدل للقانون رقم 60 لعام 1979 ليوفر عدالة نسبية بين المواطن المالك والمواطن الذي سيحصل على منزل للسكن، فقد نص على السماح بتطبيق القانون رقم /9/ لعام 1974 على الأراضي الواقعة ضمن المخطط التنظيمي العام بتاريخ صدوره حيث أتاح للوحدة الإدارية تطبيق الباب الثاني من القانون رقم /9/ (التوزيع الإجباري) على المناطق التي ترغب بها وبعدها السماح للمالكين بإفراز عقاراتهم وفق أحكام الباب الأول من القانون رقم /9/ خلال ثلاث سنوات وأن الأراضي التي لم يطبق عليها الباب الثاني ولم تفرز من قبل المالك وفق الباب الأول تعد مناطق توسع.
إضافة إلى ذلك فقد نص القانون /26/ لعام 2000 على أن الأراضي التي تلحق بالمخطط التنظيمي العام تعد مناطق توسع.
وقد نص القانون 26 على أن مناطق التوسع تستملك وتنظم وتقسم وتوزع على الشكل الآتي:
تباع المقاسم التي تشكل 60% من القيمة التخمينية لمجموع المقاسم إلى القطاع العام والجمعيات السكنية حصراً.
تباع المقاسم إلى الأفراد الذين استملكت عقاراتهم.
حرمان المالك من المقاسم التجارية
وبدراسة تطبيق الاستملاك المذكور، كما بينت المذكرة المقدمة من مجلس مدينة طرطوس في عدة مناطق ضمن المدينة، تبين أن المالك سيحصل على مقاسم من أرضه تتراوح بين نسبة مساحة من 10% إلى 15 % فقط، إضافة إلى أن التعليمات الوزارية بينت طريقة التصرف بالمقاسم التجارية المحددة في المنطقة وفق المخطط التنظيمي المصدق (حيث تقوم ببيعها وفق الأسس المتبعة وقد حرم المالك الاساسي من البيع بطريقة بيعه المقاسم السكنية نفسها).
ومن خلال التوجه الى استملاك مناطق التوسع وفق القانون 60 المعدل بالقانون 26 وجدنا تذمراً شديداً من قبل المواطنين المالكين إضافة إلى عدم بيع عقاراتهم والعقارات التي كانت ضمن المخطط التنظيمي بتاريخ صدور القرار /26/ حيث إن التأخير في إدخال هذه العقارات كان لأسباب تعود للإدارة إضافة إلى حرمانهم من التخصص بالمقاسم التجارية التي تقع في عقاراتهم.
تعديل القانون /26 / ضرورة ملحة
يؤكد المهندس فوزي الشيخ ديب -مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة طرطوس انه يوجد توجيه من الجهات الوصائية لدراسة وتعديل القانون /26/ وتم تقديم العديد من الدراسات للتعديل ولكن للأسف –كما يقول- كلما أنجزت دراسة لتعديل هذا القانون الذي ظلم الكثير من المالكين تم إيقافها، لأنه كلما تغير وزير يلغي الدراسة المنجزة ويطالب بإعداد دراسة جديدة، وما زال الوضع على حاله حتى اليوم.. وأشار الشيخ ديب الى ضرورة انجاز التعديل وإصدار القانون الجديد قريباً على أن تقع المسؤولية مناصفة على الطرفين من هنا اقترح مجلس مدينة طرطوس في هذا المجال:
إلغاء القانون /60/ لعام 1979 والقانون رقم /26/ لعام 2000 مع توجيه الوحدات الإدارية إلى تطبيق الباب الثاني من القانون رقم /9/ لعام 1974 لما فيه من عدل بين المواطنين بخصوص تأمين مقاسم للجمعيات التعاونية السكنية تمكنهم من الشراء من القطاع الخاص.
وتعديل القانون رقم /26/ وذلك بتعديل نسبة المقاسم التي ستباع إلى القطاع العام والجمعيات التعاونية السكنية لتصبح كما يلي: تباع المقاسم التي تشكل قيمتها التخمينية 25% من القيمة التخمينية لجميع المقاسم إلى القطاع العام والجمعيات التعاونية السكنية، والمقاسم المتبقية تباع للأفراد الذين استملكت عقاراتهم كل بحسب نسبته، وأن تباع المقاسم التجارية الى المالكين الأساسيين كل بحسب نسبته، ولاسيما أن المقاسم التي ستباع إلى الجمعيات والقطاع العام هي لأجل السكن فقط .
مناطق المخالفات وحلول جزئية
نظم مجلس مدينة طرطوس /134/ ضبط بناء مخالف خلال العام الماضي، بينما بلغت عام 2013 حوالي /79/ ضبطاً وازدياد الضبوط العام الماضي يعود لعدم ضبط المخالفات خلال الأعوام السابقة، وحتى اليوم يجد العاملون في دائرة المخالفات صعوبة في مكافحة وضبط المخالفات وخاصة في مناطق المخالفات خارج التنظيم، وفي هذا المجال أكد الشيخ ديب عمل مجلس المدينة على وضع حلول جزئية في مناطق المخالفات كالترخيص على الشيوع. وهي على مسؤوليتنا الشخصية، كما قال، ريثما يتم تعديل القانون /26/ وفق شروط جديدة وهذا الحل مؤقت ولا يحل المشكلة لكن لجأنا لذلك ليكون البناء سليماً إنشائياً حيث تم التريث بجميع إجراءات تنفيذ التنظيم في مناطق التوسع الصادرة عامي 2006و2008 وذلك بناء على كتاب وزارة الادارة المحلية رقم /1298/ لعام 2011 الموجه الى مجلس مدينة طرطوس المتضمن التريث لحين انتهاء لجنة القرار /840/ق تاريخ 12/11/ 2011والتي مهمتها اعداد دراسة مشروع قانون خاص بتنفيذ التخطيط من خلال تعديل القانون 26/لعام 2000 الخاص بمناطق التوسع العمراني والقانون رقم 19/ لعام 1974 الخاص بتقسيم وتنظيم وعمران المدن ودمجها في قانون واحد يحقق العدالة للمواطنين وسرعة التنفيذ، وكتابها الموجه الى محافظ طرطوس تاريخ 29/11/2011 حول الموضوع نفسه.
قرار خاطئ
خلال العام الماضي وأثناء زيارة السيد وزير الاسكان الى محافظة طرطوس طالب مجلس المدينة وتجار البناء وأصحاب العقارات بالسماح بإضافة طابق خامس ضمن مدينة طرطوس، وقد قوبل هذا القرار بالإيجابية من قبل المستفيدين، أما الفنيون والمختصون فقد وجدوا هذا القرار غير مصيب وهو قرار خاطئ، وهذا ما أكده المهندس الشيخ ديب حيث قال: هذا الموضوع طرح منذ سنوات في مجلس المدينة وقد اعترضت عليه وخاصة ان الزيادة جاءت عشوائية في جميع أنحاء المدينة فزيادة طابق تعني زيادة عدد السكان /25/ %، وخاصة مناطق السكن الشعبي القديم، إذ إن خدماته غير كافية ولا تلبي الحاجة الفعلية (مدارس – مواقف سيارات – شوارع ضيقة...)
وعد هذا القرار قراراً اجتماعياً سياسياً وليس قراراً فنياً تنظيمياً، وكان أولى أن يطبق في الأحياء الجديدة ذات الشوارع العريضة.
بانتظار تأمين الأراضي
رئيس الاتحاد التعاوني السكني في طرطوس محمود خالد يتحدث عن شجون التعاون السكني وعدم تأمين الأراضي، فخطته في المحافظة 12% لم تؤمن الأراضي اللازمة له ولو بالسعر الرائج وليس بالسعر التجاري، فإلى متى سينتظر المكتتبون؟! وهنا لا بد من أن نذكر أن التعاون السكني هو من بنى جزءاً كبيراً من المحافظة فبلغ عدد المستفيدين في المحافظة /155/ جمعية سكنية واصطيافية تضم حوالي /57/ ألف عضو منهم /11070/عضواً مستفيداً و/3262/ عضواً متخصصاً و/4005/ مكتتبين إضافة إلى /38567/ عضواً مدخراً من أجل الحصول على مسكن، وحتى اليوم مازال الاتحاد ينتظر تأمين الأراضي للجمعيات السكنية.
وخلال مؤتمر نقابة المهندسين في طرطوس بتاريخ 17/2/ 2015 صرح المحافظ صفوان أبو سعدى لدى السؤال عن مصير الأراضي للجمعيات بأن زمن توزيع الاراضي على الجمعيات بقروش ولّى، وعلى الجمعيات أن تشتري من الخاص وهذا ما انعكس سلبا على بعض رؤساء الجمعيات عند سماعهم هذا التصريح، وبدؤوا يفكرون جدياً بحل جمعياتهم وسيلجؤون الى سحب ادخاراتهم من المصرف العقاري والتي تقدر بمئات الملايين من الليرات ، ورأوا أن تعديل القانون /26/ سيحل مشكلة الأراضي للجميع، هذا ما يأمله الجميع وبانتظار القانون الجديد المعدل له.
السكن الشبابي يحتاج إنعاشاً
أما المكتتبون على السكن الشبابي فمازالت مشكلتهم عالقة ولم تجد طريقها إلى الحل حتى اليوم ولم يوزع أي مسكن حتى لمكتتبي عام 2005 والاعتراضات المقدمة من قبل سكان «أبو عفصة» مازالت قائمة وتعرقل انطلاق المشروع البالغة مساحتها /20/ هكتاراً، علماً بأن وزارة الإسكان طلبت منذ مدة البحث عن أراض بديلة عن منطقة «أبو عفصة» في اراضي املاك الدولة كما أفادنا مصدر في محافظة طرطوس وقد تم البحث جدياً ولكن المساحة التي وجدت لا تتجاوز /17/ دونماً في منطقة حصين البحر وهي غير كافية ولا تحل المشكلة وتم إعلام الوزارة بذلك وما زال الموضوع عالقاً حتى اليوم والحل السكن المناطقي.
وفي هذا المجال ذكر المهندس معمر أحمد مدير فرع إسكان طرطوس أن مشروع السكن الشبابي- المنطقة الأولى الفئة /أ/ منجز على الهيكل وقيد الإكساء وسيبدأ تخصيصها العام الجاري 2015، أما الفئة ب فهي قيد الانجاز على الهيكل.. أما مشروع «أبو عفصة» فلم نتمكن من الدخول اليه بسبب اعتراضات اصحاب الأراضي المستملكة وتوجد صعوبات تواجه المرحلة الاولى من المشروع وهي ارتفاع الأسعار وقلة أو فقدان بعض مواد البناء المتعاقد عليها وصعوبة تأمين اليد العاملة.
أخيراً
ما زال الانتظار سيد الموقف و مجلس المدينة وقع في حالة حرج أمام المواطن الذي يعده بصدور القانون الجديد المعدل للقانون /26/ في كل مراجعة، بل فقد مصداقيته أمامه.. وهنا نتساءل: هل تنجز دراسة شافية وافية لتعديل القانون /26/ تأخذ بالحسبان مقترحات مجلس المدينة ويصبح هذا القانون نافذاً وأمراً واقعاً في القريب العاجل وإذا تم ذلك فسيحل الكثير من مشكلات السكن العالقة ضمن المخطط التنظيمي وفي مناطق المخالفات فلننتظر؟.
سيريا ديلي نيوز- تشرين
2015-04-06 00:06:07