يواجه السوريون أزمتهم الاقتصادية الخانقة، بما تبقى لديهم من مخزون ثري وكبير من العزّة، يقفون صامدين بكرامتهم، وصامتين عن فقرهم. ولم يكونوا بحاجة ليذكِّرهم معاون وزير التجارة الداخلية عماد الأصيل (بفقرهم) الذي لم يصل إلى مرحلة (الجوع)، إذ إنهم يدركون تماماً، واقع حيواتهم البائسة، وأن الحكومة تغمض عينيها، عن سوء الوضع المعيشي المزري، الذي وصلت إليه شرائح واسعة من المجتمع السوري.

يوجد في سورية جوع، ويُرى بالعين المجردة، هذه حقيقة مريرة لا نريد قولها، ونتجنب الخوض فيها، انطلاقاً من موقف مسبق. هل وجود ملف ضخم كالإغاثة، هو ترف اقتصادي؟ هل انتشار عشرات الجمعيات الخيرية، التي تقف خلفها جهات دينية، لتقديم المواد الغذائية والإنسانية، هو نوع من العمل الأهلي أم لمواجهة مشكلة الجوع المخيفة التي تهدد آلاف الأسر المُهجرة من بيوتها؟ بماذا نفسر وجود مئات مراكز الإقامة المؤقتة؟ يخطىء من يظن أن النسبة العالية من الإشغال الفندقي بدمشق هو نتيجة للعمل السياحي، ويخطىء من يظن أن القاطنين في فنادق دمشق، يشبهون أولئك السوريين القاطنين بفنادق بيروت. هذه مجرد مؤشرات عابرة، ورصد لواقع الجوع السوري. نعم الجوع بنكهته المحلية، الذي يختفي خلف الانتشار الواسع للتسول، وزواج القاصرات، والتسرب المدرسي، وعمالة الأطفال، وغيرها من المؤشرات ذات الصلة. كنا نظن سابقاً أن البلاد لن تقف على حافة الفقر، لسببين رئيسيين، الأول يتعلق بوجود ملايين الأطنان من القمح، أي أن توفر مادة الخبز لن يكون معضلة. والثاني منظومة القيم الاجتماعية الموجودة الرافضة لمبدأ الفقر أساساً، والقائمة على تقديم المساعدات المستورة. الآن تغير الواقع، وذهبت أدراج الرياح، أسباب تعذر دخول الفقر إلى مجتمعنا، فاعترفنا مرغمين به ـ أي الفقر ـ وانطلقنا للأمام بأنه لايوجد جوع لدينا.

المسافة بين الجوع والفقر، ليست بعيدة، فالعيش بأقل من دولار يومياً، كمعيار للفقر، تفصله عن الجوع خطوة، أو إجراء واحد لانضمام  أفراد جدد إلى قافلة الجوعى، من الصعب انتشالهم من فقرهم، لكن من السهولة دفعهم إلى تكتل الجوعى. وما ذكره المركز السوري لبحوث السياسات، قبل فترة وجيزة، عن وجود 75 بالمئة من السوريين فقراء، وأن 50 بالمئة منهم يعيشون في فقر مدقع، كان ناقوس الخطر الأول، الذي قُرِع، لمواجهة تداعيات وآثار الصراع المسلح، الدامي، الذي تشهده البلاد. ولم تتجرأ الجهات الحكومية المعنية، وتعلن مؤشرات تعبر عن الواقع، وتضع النقاط على حروفها الحقيقية، فظلَّ الميدان الاقتصادي عرضة لتغيرات مختلفة.

 تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ليس همّاً حكومياً، ولايعدُّ أولية في عملها، هذا واقع حقيقي لا تريد الحكومة الخوض فيه، تجنباً لما يسمى نكء الجراح. هل تنتظر الحكومة أن يصل الناس إلى مرحلة الجوع، لتتحرك، وتتخذ موقفاً ما؟ لابد من التذكير، أن هجرة آلاف الأسر السورية أواخر العقد الماضي، من ريف الجزيرة، كان خوفاً من الجوع، وهرباً من تمادي الفقر والفاقة، وتحولهما إلى وحش يهدد القيم الأخلاقية، ومنظومة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة. قرى بأكملها، آنذاك، غدت خاوية من سكانها، الذين أسسوا أول تغريبة سورية في الألفية الثالثة، دون أن يكترث بهم أحد، أو تشعر بمأساتهم جهة تخفف من وطأة معاناتهم. جاء هذا في وقت، كان معدل النمو يتراوح بين 6 إلى 7 بالمئة سنوياً، وفقاعة العقارات تكتسح الاقتصاد، ونمّو القطاع الخدمي على حساب القطاعات الإنتاجية يفوق التصور، بينما الحكومة وقتذاك، تجاهلت عن عمد، أو بلا دراية، مخاطر ذلك النزوح القسري، حين لم يكن سوري واحد يموت نتيجة الجوع، لأن سعر ربطة الخبز كان أقل من الوصول إلى هذا الخط الرفيع الذي يفصل الفقر عن الجوع.

ليست الجرأة الآن، بنفي وجود جوع، أو الإقرار بوجود فقر، بات هذا تحصيل حاصل، تغريدة عادية أمام هول المشكلات الاقتصادية الضاغطة.

 الجرأة الحقيقية،بحسب جريدة النور  والشفافية المنتظرة، هي أن يخرج مسؤول حكومي، ويقول: هؤلاء السوريون، من أبناء شعبنا، هم جوعى، وتلكم هي نسبتهم، وها هي ذي الأسباب.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات