متجاوزاً مسرح عملياته التقليدية، استل المصرف المركزي إيمانه بـ«الارتفاع الوهمي للدولار»، تمهيداً لتغيير قواعد اشتباكه المعهودة في حرب النقد، شادا الرحال إلى بيروت ليشتري ما تختزنه من ليرات، عله يتمكن من ضغط موارد المضاربين هناك.
لا خلاف حول أهمية الجبهة البيروتية، لكن خطوة المركزي تبدو منقوصة قياساً إلى المعلومات المتزايدة عن نشاط اكتنازي منظم لليرة تشهده بعض مدن الشمال الشرقي المنفصلة بريا عن الجغرافية السورية، وقد يكون لهذا الأمر أبعاده الخطرة.
ففي القامشلي «مثلا»، تشير المعلومات المتوافرة إلى أن الأيام الماضية شهدت نشاطا ملحوظا لبعض تجار العملة ممن يشترون الدولار بأسعار تقل 7% عنه في دمشق!.. هذا الأمر يوحي للكثيرين بأنه فعل إيجابي سيسهم في تكريس استقرار نسبي لسوق القطع، إلا أن الكتلة المتوالدة عن هذا الفعل، تثير الريبة جدياً حول عملية اكتناز تسعى إليه أطراف ما للاستحواذ على كميات كبيرة من الليرة!!.. وفي الواقع، فما شهدته المنطقة من بيع لليرة، يدلل على أن ما تشكل منها حتى الآن ليس بالكتلة السهلة.
في هذه البيئة المعقدة، قد تتحول معركة المركزي البيروتية إلى ما يشبه كباش عبثي مع قانون الأواني المستطرقة، ذلك أن الليرات التي سيغرفها من تلك السوق لسكبها في سورية، لن تلبث أن تمتصها القامشلي «وغيرها» كأرض واطئة، هذا إن لم تكن قد فعلتها سلفاً، ولينتصب بذلك تهديد جديد في لعبة قط وفأر مستمرة!.
الأحمق وحده سيرى في الربح مغزى لما يباع من الليرات هناك.. التجار يربحون؟: نعم.. لكن من يقف في آخر سلسلة الشراء، يرى في فرق السعر الذي يخسره ثمناً بخساً لقاء ما ترسخه الكتلة النقدية التي أمسكها من قدرة على الإضرار بالاقتصاد السوري في هجمة مضاربة نقدية مدروسة زمانياً ومكانياً، وفي الواقع، فقد تكون اللعبة أبشع من ذلك، إذ إن المصرف المركزي الذي سيشتري ليرات بيروت بسعر دولار عال، لاقاه هؤلاء عبر شرائها محليا بسعر مواز أو يكاد.. وحصاده الوحيد ها هنا: استنزاف مرير آخر لاحتياطياته من القطع؟!.
في التوقعات، قد يكون المركزي أفرط في التركيز على نصف الكأس الملآن: ارتفاع الدولار يتيح استجرار ليرات أكثر بدولارات أقل.. لكن المؤكد أن انضمام جبهة الشمال إلى معركته ذهب -سلفا- بأرباحه المتوقعة في الجنوب.. وما بقي له سوى محاولته التأكد من حجم الكتلة التي ولدت هناك؟.. ومن يقف وراءها؟.. ولأي غرض ستستخدم؟

سيريا ديلي نيوز - الوطن


التعليقات