تبلورت الآن وبشكل شبه تام الاصطفافات الحقيقية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، إزاء المهمة الخاصة التي تشغل الكون والمعنونة بـ”محاربة الإرهاب”، ولعل التطوّرات المتسارعة للظاهرة وإسقاطاتها الثقيلة على الأرض، هي ما أفضى إلى حالة الفرز شبه المطلق، ما بين داعم ومناهض لمنظومات “مصاصي الدماء”، بعد كشف الأقنعة عن واجهات المتنكرين مسايرة لعواطف رأي عام جمعي أممي.
وإن اختلطت دوافع المواقف، بقديمها وجديدها، بين المبدئي والثابت على طريقة الدولة السورية، أو المعدَّل على قاعدة الخوف والهلع وفق الأدبيات الأوروبية والأمريكية المستحدثة عنوةً، أو حتى المخاتِل كما عوّدنا هواة إطلاق إشارات الانعطاف يساراً ومن ثم الانحراف يميناً، يبقى ثمّة توافق تتسع دائرته اليوم بشأن ضرورة مواجهة خطر الإرهاب، الذي يتوعّد البشرية، فعلاً وليس مجرد قول.
اصطفافات وتوافقات تضع الوافدين الجدد إلى قائمة مناهضي المنظمات الإرهابية على محك من شأن العلاقة التقليدية مع قوى دعم وتعزيز ما أعلنوا مناهضته أن تنتجه، ولعله محك صعب لن يرحم الكثير من الحكومات أمام شعوبها والتزاماتها المعلنة.
من هنا نجد أنفسنا كما كل متابع للتفاصيل، أمام إلحاح تساؤلات لا بد من إيضاحات بشأنها، تتعلق بالموقف الأممي من ثلاث إحداثيات بثلاث قرائن اتهام قوامها “كيانات” تعلن، عبر تأويلات مواقفها، الإصرار على دعم الإرهاب بلا تردد: أولها “الائتلاف” الذي قاطع لقاءات موسكو وبمواقف وتشكيكات مسبقة تجاه كل ما يمكن أن يجري فوق الطاولات -غير طاولات الوجبات الدسمة في ردهات الاستضافة المشروطة، وثانيها: “المحور الإخواني”، بقطبيه التركي والقطري، وهو المحور الذي ينازع إرهاصات الفناء، بما يفسّر نوبات هستيريا أردوغان المنهك إلى حد تلف الأعصاب، وثمة أدلة على هذياناته يرصدها شعبه، ليس أقلها إفصاحه عن سعيه علناً للتملص من سلطة القانون وتحييد أسس الدولة بمفهومها الدستوري، وثالث هذه الكيانات: الكيان الصهيوني الذي بات الحليف الاستراتيجي رقم واحد للإرهاب –وهذه ليست مفاجأة– وبإثباتات سلوكية وميدانية وإعلامية، وربما لم يضف الحاخام “نير بن آرتس”، أمس، جديداً على الصورة المرتسمة في أذهاننا نحن أبناء منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد الملفوحين بنيران الإرهاب الصهيوني على مدار سبعة عقود متوالية من الزمن، وفي أحدث بوح لافت لحاخام، عندما أعلن أن “تنظيم القاعدة وداعش خير من يدافع عن إسرائيل ويقف في وجه الدول والأمم التي تسعى للسيطرة على أراضيها المقدسة”، وهو اعتراف صارخ، من حاخام عارف كفاية بأعراف وأصول الفكر الصهيوني بأبعاده الإيديولوجية والتلمودية، ولا نعتقد أن أحداً في هذا العالم عليه أن ينتظر أدلة أكثر وضوحاً من الاعتراف على لسان من لا رادّ لكلامه في عرف أتباعه!!.
بالفعل لم يعد من أسئلة وظنون ونبوءات يمكن أن يسألها عاقل حول حقائق الجماعات والتنظيمات الإرهابية، فاللعب بات معلناً بما لا يترك مجالاً للاستفاضة في الاستفسارات.
لذا سنعود لنكرر السؤال ذاته عن موقف المنظمات الدولية والهيئات الأممية من كيانات أعلنت التحالف مع الشيطان في المواجهة مع الشعوب ومصائرها وأمنها وحضاراتها..
ولعل طرح هكذا سؤال لم يعد من مهامنا نحن الذين عافت أنفسنا الثقة بمن نسأل، بل المهمة باتت من اختصاص شعوب أوروبا وأمريكا، التي لقنتها حكوماتها مفردات التعاطف مع كل شياطين الكون، وحسبها أن تحظى الآن بإجابات شافية قابلة للإسقاط على الأرض، بما أن مكافحة الإرهاب فعلاً باتت الماء الذي سيكذّب حتى “الغطّاسين الحاذقين”

سيريا ديلي نيوز - البعث - ناظم عيد


التعليقات