انخفض سعر صرف الليرة السورية إلى أدنى مستوى له خلال العام الجاري، بعد أن كسر الدولار الأميركي مستوى 210 ليرات سورية، في تعاملات السوق السوداء مع نهاية الأسبوع الماضي.

 

هذا الانخفاض المفاجئ وغير المبرر استمر حتى الأمس، بفعل استمرار عمليات المضاربة في الاتجاه الصاعد للدولار، إذ يتم شراء الدولار (بيع الليرة) في السوق السوداء، بهدف إعادة بيع الدولار (شراء الليرة) بسعر أعلى، من أجل جني الأرباح الناجمة عن الفرق بين السعرين، علماً بأن الطلب التجاري لتمويل إجازات الاستيراد التي لا يمولها المصرف المركزي مضبوط من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التي تتريث في منح بعض الموافقات، لذا فالطلب بقصد المضاربة هو من يحرك السوق اليوم، مهما كان ضعيفاً، لأنه مربوط بشبكة إلكترونية تروج للأسعار المرتفعة، وتحدد أوقات الخروج من السوق والبيع عند المستويات المطلوبة. على الأقل هذا من وجهة نظري بعد مسح السوق والعوامل المؤثرة فيها.

هذا وتعاملت بعض الأوساط الاقتصادية مع هذا الانخفاض في سعر الصرف بطرح مبادرة لتصريف الدولار بعنوان (عز ليرتك بتعمر بلدك)، حيث وجهت من خلال هذه المبادرة دعوة من مجموعة رجال أعمال للمساهمة في دعم الليرة السورية «الصامدة في وجه كل المحاولات الشرسة لتدميرها وتدمير الاقتصاد السوري»، ويكون هذا الدعم بالتوجه إلى المصرف المركزي لتصريف أي مبلغ من الدولارات إلى الليرة السورية، وذلك يوم غد (الإثنين) الساعة 12 ظهراً في المصرف المركزي بدمشق، ولمن يرغب يمكنه المشاركة من المحافظات.

علماً أن المطلوب اليوم وقبل أي يوم آخر؛ التوجه بحزم إلى معاقل السوق السوداء لدكها بالقانون، وتحصين الاقتصاد من مفاعيلها، والمواطن من تداعياتها، فإن أي قرار أو إجراء لا يتعامل مع السوق السوداء بشكل مباشر لن ينجح في ضبط السوق وتحصين الليرة من المضاربات، ولعل خير مثال على ذلك القرار الأخير الذي ألغى المصرف المركزي بموجبه منح التسهيلات الائتمانية لقاء تأمينات بالقطع الأجنبي، والذي رأى فيه بعض الاقتصاديين منعاً للمضاربة بأموال المصارف، ونظر الكثير إليه بعين التفاؤل بأنه سوف يحسن سعر صرف الليرة في أيام، متجاهلين قيمة تلك التسهيلات الممنوحة ومدى أثرها على السوق السوداء.

 

2014.. الذاكرة القريبة

مع تجاوز الدولار الأميركي مستوى 210 ليرات سورية على بعد أيام من أعياد الميلاد رأس السنة، يسجل أعلى قمة له في 2014، علماً بأنه بقي دون مستوى 200 ليرة لأكثر من 11 شهراً، وخلافاً لحالة الطقس، كان الصيف بارداً في سوق الصرف، وحاراً في الشتاء.

وعند مستوى 210 ليرات يكتسب الدولار نحو 65 ليرة سورية في عام، حيث افتتحت السوق العام الجاري عند 145 ليرة للدولار، وبهذا الوضع تكون الليرة قد انخفضت بحدود 31% أمام الدولار، وذلك من مستوى 0.69 سنتاً في بداية العام إلى 0.48 سنتاً تقريباً في بداية الأسبوع الثالث من كانون الأول.

علماً بأن الليرة خلال العام الجاري تميزت بفترات تماسك طويلة، لم يتم استثمارها بالطريقة المثلى من الجهات المختصة، لتعزيز ودعم التماسك وتحويله إلى استقرار نسبي لليرة (تحرك ضمن هامش ضيق ارتفاعاً وانخفاضاً)، ونذكر بأن الأشهر الثلاثة الأولى شهدت تحركات حذرة بين مستوى 145 و165 ليرة للدولار، وعندما لم تتحرك الجهات المعنية بالشكل المطلوب، كان أعلى ارتفاع في 13 نيسان عندما سجل الدولار 179 ليرة، وبشكل خاطف وسريع، إذ ارتفع الدولار من 167 إلى 180 في 4 أيام، لينخفض مجدداً وفي 4 أيام أيضاً إلى 164 ليرة سورية، تم خلالها جني أرباح بحدود 15- 35 ليرة على كل دولار حسب سعر الشراء والبيع، لمن دخل السوق وخرج منها بالاتجاه الصحيح، أي البيع بسعر أعلى من الشراء، أما من دخل بعكس الاتجاه واشترى عند فوق 167 ليرة، فقد مني بخسارة.

بعد ذلك التاريخ دخلت الليرة في مرحلة جديدة من التماسك الحذر، ولفترة أطول من السابقة، إذ انحصرت التعاملات في السوق السوداء بين 165 و175 ليرة سورية حتى نهاية شهر آب، وهذا ما أعطى فرصة للجهات المعنية للتدخل وضبط إيقاع السوق السوداء على مدى 18 أسبوعاً، لكن أحداً لم يحرك ساكنا، علماً بأن التساؤلات خلال تلك الفترة كانت تدور حول أسباب تماسك الليرة رغم صعوبة الأوضاع والعوامل المؤثرة في السوق، ولكن لم يقتنع أحد أيضاً بأن السوق تقودها المضاربات، فتحرك بهذا الاتجاه.

أول عملية جس نبض للسوق كانت في 30 آب عندما ارتفاع الدولار بشكل مفاجئ إلى 180 ليرة، ثم عاد إلى 175 ليرة في أيام، وكانت حركة سريعة وخاطفة لجني الأرباح، ولكن طالما تجاوبت السوق مع هذا الاتجاه، تم تحفيز موجة صعود جديدة للدولار، في أيام قليلة سادها الكثير من الإشاعات، ترافقت مع تسلل المسلحين إلى حي الدخانية الدمشقي، فارتفع الدولار لمستوى جديد في 14 أيلول مقترباً من 200 ليرة سورية، ثم انخفض إلى 187 ليرة في يومين، ليعاود الارتفاع مجدداً إلى 200 ليرة، ثم انخفض بعد يومين إلى 198 ليرة، ليدخل في استقرار نسبي بين 189 و193 ليرة حتى بدايات شهر تشرين الثاني.

وعاد الدولار ليدخل موجة ارتفاع جديدة رغم صدور الكثير من الأرقام والبيانات الاقتصادية الايجابية وتصريحات وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بأن الاقتصاد السوري للمرة الأولى خلال الأزمة سوف يحقق نمواً إيجابياً مقارنة مع 2013، إلا أن صوت المضاربين كان الأقوى، فارتفع الدولار إلى 208 ليرات في 18 تشرين الثاني، ثم انخفض بشكل حاد إلى 196 ليرة خلال يومين من التعاملات، ليدخل الدولار بعدها بتقلبات بين 198 و207 ليرات بقصد جني الأرباح، ليكسر هذا المستوى مرتفعاً فوق مستوى 210 ليرات، ليقترب من 212 ليرة سورية حتى الأمس.

هكذا تحركت الليرة أمام الدولار في تعاملات السوق السوداء خلال العام الذي تفصلنا بضعة أيام على نهايته، رغم جلسات التدخل العديدة التي عقدها المصرف المركزي بهدف التدخل في السوق لضبط سعر الصرف، ورغم التصريحات الرسمية التي توعدت تجار ومضاربي السوق السوداء والمتلاعبين في سوق الصرف، ورغم القرارات التي روج لها بأنها العصا السحرية التي ستحل المشكلات كافة، ورغم الحديث في أكثر من مرة عن إجراءات جديدة ونوعية لضبط سعر الصرف، فالأسعار في السوق كانت ومازالت تقول لنا عكس كل ذلك، ربما لأن المشكلة في واد والمعنيين في واد آخر، وربما تحتاج إجراءاتهم وقتاً أطول، علماً بأن الأسعار في الأسواق السورية كانت تتلقف خبر ارتفاع الدولار في لحظة واحدة لترتفع وتتحوط، متجاهلة أخبار الاستقرار والانخفاض، لذا يبرز أثر التقلب في سوق الصرف بشكل لئيم على قدرة المواطن الشرائية.

 

أسعار لا تنسى

لا يمكننا أن ننسى تلك المستويات القياسية لانخفاض الليرة أمام العملات الأجنبية وبشكل رئيسي الدولار، والتي لم تشهدها في وقت سابق لهذه الحرب الشرسة، إذ سجل الدولار سعر 100 ليرة سورية للمرة الأولى في 7 آذار 2012 وتجاوز الـ100 ليرة في 20 كانون الأول 2012، وتجاوز الـ150 ليرة للمرة الأولى في 17 أيار 2013، وتجاوز الـ200 ليرو للمرة الأولى في 17 حزيران 2013 وكسر مستوى 300 ليرة للمرة الأولى والأخيرة يوم الإثنين 9 تموز 2013.

ومن الجدير ذكره بأن الدولار سجل سعرا فوق الـ50 ليرة للمرة الأولى خلال الحرب في بداية تموز 2011.

 

Syriadailynews - Alwatan

سيريا ديلي نيوز


التعليقات