خاص - سيريا ديلي نيوز

 

في هذا الزمن العربي الرديء الحالك الظلمة, يجب أن نتذكر ونذكر بالأيام المجيدة المتمثلة بالثورة الجزائرية                عام 1956,والتي مهدت لها ثورة 23 يوليو (تموز) في مصر عام 1952, وتلاها تأميم قناة السويس 1956م, وقيام الجمهورية العريبة المتحدة,  بين سورية ومصر عام 1958م.

لقد هزت أحداث الثورة الجزائرية العالم بأسره في ظروف غير مواتية, لم تشهدها أية ثورة أخرى في العالم عندما نهض الشعب الجزائري في غرة شهر تشرين الثاني 1954م من تحت ركام الفقر والظلم والتنكيل والتدمير الذي فرضه عليه الاستعمار الفرنسي منذ قرن وربع قرن, ليعلنها ثورة حتى النصر, إذ قام ألف من الرجال الجزائريين, في 64 مدينة وقرية جزائرية, وفي آن واحد, ولم يكن في أيديهم إلا بنادق الصيد, باطلاق النار على القوات الفرنسية, باعثين إنذار لفرنسا, بأن الأمر ليس انتفاضة آنية أو محلية, بل ثورة مسلحة عامة. في ذلك اليوم قد قرعت طلقات البنادق آذان اليهود الفرنسيين في الجزائر, فراحوا يلمون متاعهم للرحيل, طالبين النجاة. وهكذا بدأت ملحمة العزة والمجد التي ضحت بمليون ونصف المليون شهيد, لنيل الحرية التي انتزعها الشعب الأبي انتزاعاً من الطغاة الفرنسيين, عام 1962م في اتفاقات ايفيان, بين الجزائر الحرة ذات السيادة, والدولة الفرنسية, ممثلة بالجنرال ديغول الذي زار الجزائر, بعد مذابح عام 1945م التي اقترفها الفرنسيون, مهدداً متوعداً, قد جاء الى ايفيان, حاني الظهر وخرج منها بعد توقيعه على الاتفاقيات, طالباً الشعب الفرنسي –نساءاً و رجالاً- مساعدته, ليس في مقاتلة الجزائريين , بل في تخليص فرنسا من الورطة الاستعمارية في الجزائر, وفي مواجهته لغلاة العنصريين من الفرنسيين, الذين لا يريدون الاعتراف بالأمر الواقع, ويهددون بالانقلاب على ديغول, واحتلال باريس بواسطة المظليين القادمين من الجزائر, ولبى الشعب الفرنسي نداء ديغول, وسدت مدارج الطائرات في فرنسا, لصد أولئك الذين ركبوا رؤوسهم, عن الهبوط فيها. وهكذا قلبت الثورة الجزائرية الموازين, تمكن الشعب الجزائري من فرض إرادته في الحياة الحرة الكريمة.

تلك الثورة العظيمة, يجب أن ياخذ العرب منها الدروس والعبر, لتشابه الأوضاع, بين ما كانت عليه الجزائر آنذاك, وما كان عليه الوضع في فلسطين:

كان على أرض الجزائر ما يقرب من مليون من المستوطنين الفرنسيين, الذين جلبهم الاستعمار الفرنسي اليها, لاحتلال اخصب الأراضي و أفضل المواقع, يضاف إليها نحو (200)الفا من اليهود المتفرنسين, يقوم على حراستهم نحو نصف مليون جندي فرنسي مسلحين بأسلحة حلف الشمال الأطلنطي, مع (100) ألف من المستوطنين الذين سلحوا للقيام بدورهم في قتل الشعب الجزائري.

أما الشعب الجزائري فلم يكن يزد عدده على ثمانية ملايين و نصف المليون نسمة, مبعثرين في مساحة تزيد على مليوني كيلو متر مربع من الأراضي الفقيرة والصحراوية, وقد رأى الشهاد كيف يكافح الانسان في تلك الأراضي الصحراوية وكيف يواجه العواصف الرملية التي تغطي في كل مرة, جزءاً من بضع مئات الأمتار, هي كل ملكيته, إذ عليه أن يعود إلى كشفه من جديد, ليمكنه زرع شيء, لا يسمن ولايغني من جوع, وفي مثل تلك الأراضي من الأرياف, وفي الأحياء المسامة قصبات في المدن, يعيش الفقر والجوع معاً جنباً إلى جنب.

ومع ذلك فإن قصف المدن والقرى الجزائرية وما يرافقه من تدمير وفظائع, كان شاملا. حتى الأطفال, وها هو والي مدينة سطيف, الفرنسي, يصطاد صبيا جزائريا بالقتل, لا لذنب, بل لانه كان يرفع العلم الوطني للجزائر, في احتفالات شعبية عام 1945م, وسرعان ما تحول هذا الحدث إلى مذابح, ذهب ضحيتها خمس وأربعون ألف جزائري.

لم تقم ثورة الجزائر الكبرى إلا بعد مخاض عسير وتضحيات جسام, بلغ فيها حداً اقتنع معه الشعب, بعدم حصول البلاد على استقلالها من فرنسا, بالوسائل السلمية, أو باصلاحات مزعومة, تحت شعار "الجزائر فرنسية, وستبقى فرنسي إلى الأبد", تماماً مثلما يزعم الإسرائيليون اليوم "أن فلسطين أرضهم" يدعمهم الشعار الأميركي العشين "اسرائيل وجدت لتبقى".

تلك الذكريات الشديدة الألم, لم ينساها الشعب الجزائري, كما لم ينس المحافظة على الهوية العربية الإسلامية للجزائر, مما الهب مشاعر الأمتين العربية والإسلامية, اللتين بذلتا لها الغالي والرخيص, دون هوادة أو ضعف. حتى النصر.

 

 

ولقد كان أهم عوامل نجاح الثورة ما يلي؟

أولاً:- إقامة جبهة تحرير وطني واحدة, انضوت تحتها جميع الأحزاب و الفئات العاملة في الميدان السياسي و الكفاحي, طواعية دون تردد أما القلة التي حاولت أن تعمل منفصلة عن الجبهة, فقد أودت بها قوى الشعب الجارفة, و أن الألف رجل الذين نهضوا وأطلقوا النار من بنادق الصيد, وقد تحول إلى جيش تحرير فعلي, بما انضم إليه من عشرات الألوف, الذين تقاطروا على الجبهة, طالبين الانخراط في جيش التحرير الوطني.

ثانياً: - مشاركة المرأة الجزائرية, من فتيات وأمهات, ومعظمهم من ثكالى الاستعمار الفرنسي, مشاركة فعالة في جميع الميادين و اتخذت مثلا لهن جميلة بوحيرد.

ثالثاً: - دعم العالمين العربي والإسلامي للثورة بالمال والسلاح, وهذا ما كان يطلبه الجزائريون من أشقائهم, لم يطالبوا الرجال, إذ قالوا لدينا الرجال, و يكفينا المال والسلاح,.

أضف الى ذلك, ما كان يغنمه جيش التحرير من أسلحة الفرنسيين. وكان ذا أهمية كبيرة توفير ملاذ آمن لقادة الجبهة, حتى من قبل أن تشكل الجبهة رسمياً, و تعطي الأوامر بإشعال نار الثورة, في غرة تشرين الثاني 1954 وهم: حسن آيت أحمد, و أحمد بن بلا, ومحمد خضير.. وقد وفرت لهم الملاذ الآمن ثورة يوليو (تموز) في مصر عام 1952.

لكن أحداث الثورة الجزائرية, قد أيقظت وجدان أحرار العام, ودول عدم الانحياز وتردد صداها بين أقصى الغرب وأقصى الشرق, وظهر جلياً ــــــــ في مؤتمر باندونغ عام 1952م الذي حضره عبدالناصر  ونهرو وتيتو, وتلاهما مؤتمر بريوني, وفي أثرهما تولا أولئك القادة نقل القضية الجزائرية إلى منابر الأمم المتحدة, علماً بأن الولايات المتحدة الدولة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية نكثت بوعودها بإنصاف الشعب الجزائري, عندها كانوا يستخدمون المغرب العربي قاعدة وجسراً للانقضاض منه على جنوبي أوروبا, وهذا ديدنهم في خيانة بني الإنسان.

رابعاً: - حددت الثورة أهدافها, بكل وضوح في منشور موجه إلى الشعب الجزائري, وإلى الشعب الفرنسي.

فأما ما كان موجهاً إلى الشعب الجزائري, فقد تضمن ما يلي:

  1. الهدف: الاستقلال الوطني بإقامة دولة جزائرية ذات سيادة, ونظام ديموقراطي اشتراكي في دائرة المبادئ الإسلامية.
  2. التطهير السياسي, في الميدان الداخلي, والقضاء قضاءً مبرماً على جميع أشكال الاحتيال والانجرار وراء سياسة الصلاحات المزعومة التي هي سبب تقهقرنا في الماضي, ومتابعة الكفاح المسلح.
  3. تدويل القضية الجزائرية, أي نقلها إلى أوساط الهيئات الدولية, في الميدان الخارجي وتحقيق وحدة الشمال الأفريقي (المغرب العربي), في نطاقها الطبيعي, الذي هو النطاق العربي الإسلامي.

وهكذا ففي الوقت الذي كانت فيه جبهة التحرير تمسك البندقية بيدها, تركت الباب مفتوحاً أمام فرنسا, للتراجع عن سياستها العدوانية, قدمت الى الجانب الفرنسي, في منشور إعلان الثورة نفسه, مقترحات يمكن على أساسها التفاهم والتفاوض, حقناً للدماء, وهذه هي:

  1. التفاهم والتفاوض, مع الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري, على أساس الاعتراف بالسيادة الجزائرية الموحدة     التي لا تتجزأ.
  2. إيجاد جو من الثقة: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين, ورفع جميع التدابير الاستثنائية, والتوقف عن ملاحقة       قوات المقاومة.

الاعتراف باشخصية الجزائرية, في تصريح رسمي, ينسخ جميع القوانين, التي عدت الجزائر أرض فرنسية, بالرغم من التاريخ والجغرافية, واللغة والدين, وتقاليد الشعب الجزائري

وفي مقابل ذلك تتعهد الجبهة بما يلي:

  1. ضمان المصالح الفرنسية الثقافية والاقتصادية التي تقوم على أساس شريفة.
  2. يكون للفرنسيين المقيمين في الجزائر , الخيار, بين جنيستهم الفرنسية الأصلية, التي يعاملون بها كأجانب حسب القوانين المعمول بها عالمياً, و بين الجنيسة الجزائرية وعندئذ تكون لهم الحقوق والواجبات التي للجزائريين.
  3. تحدد العلاقات بين فرنسا والجزائر بمفاوضات بين الدولتين, على قدم المساواة والاحترام المتبادل.

مما تقدم تبين بوضوح كيف شقت الثورة الجزائرية طريقها المستقيم  أظهرت عزيمتها التي لا تقهر على نيل حريتها, واضطرت الجنرال ديغول, الذي ذهب إلى الجزائر, بعد مذابح عام 1945م, مهددا متوعدا, اضطرته للتوقيع على اتفاقيات ايفيان عام 1962م, التي اعترفت فيها فرنسا باستقلال الجزائر.

 

ديرعطية  25/11/2014                                                                                   مصطفى الحاج ابراهيم

                                                                                                        عضو مجلس أمناء

                                                                                                      جامعة القلمون الخاصة

سيريا ديلي نيوز


التعليقات