تُعد المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر حجر الزاوية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لدورها الفاعل في توفير فرص عمل جديدة بتكلفة استثمارية منخفضة، وتعظيم حجم الاستثمار والقيمة المضافة للدخل الوطني، إضافة إلى مساهمتها مع المؤسسات الكبيرة في تحقيق التكامل بين الأنشطة الاقتصادية.

فعلى الرغم من صغر حجمها وملاءتها المالية المحدودة، إلا أنها تستقطب النسبة العظمى من العاملين بالقطاع الخاص في سورية.

واستناداً إلى النشرة الاقتصادية لـ”غرفة تجارة دمشق” في نيسان 2006، تشكل الشركات العائلية والصغيرة والمتوسطة نحو 90% من إجمالي المؤسسات الاقتصادية في سورية التي تعمل في القطاع الخاص، وتشغل نحو 65% من القوة العاملة، وتسهم بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتتميز بسهولة تأسيسها لعدم حاجتها إلى رأسمال كبير، وقدرتها على الإنتاج والعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية لأنها تشكل العمود الفقري لكل النشاطات الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية، فهي تصل إلى 80% بقطاعي التجارة والسياحة، و50% في قطاعي الزراعة والبناء، و30% بقطاع الصناعة، و20% في قطاع النقل والمواصلات.

وعلى الرغم من صدور عدد من المراسيم الاقتصادية والتصريحات المتكررة للحكومات السابقة خلال العقد الماضي، بدعم هذا القطاع الاقتصادي الهام واعتباره قطاعاً محورياً في الاقتصاد الوطني، إلا أن التطبيق كان مغايراً، فقد كان التركيز على دعم الشركات الكبيرة والقابضة وإهمال بقية القطاعات، وهيمنة هذه الشركات على الشركات العائلية والصغيرة والمتوسطة مسببة خسائر كبيرة لها.

وفي هذا السياق، تقول “غرفة تجارة حلب”: “الانفتاح الذي يشهده السوق السوري الذي جاء بلا ضوابط، يهدد العديد من المصانع والورش الصناعية الصغيرة”.

فأمسى وضع الصناعة الوطنية خطراً بعد أعوام من سياسات تحرير الأسواق وتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية التي ألحقت الضرر بصناعتنا، وأتت الأزمة وقضت على الرمق الأخير المتبقي منها.

صعوبات “بالجملة”

هناك جملة من العقبات والصعوبات التي تعترض عمل هذه المشروعات، تتمثل بتقليص دور الجهات المعنية بتنمية وتطوير هذا القطاع، سواء أكانت جهات حكومية أم غير حكومية، مما لا يحقق المساهمة المتوقعة منه كقطاع اقتصادي فعال وعنصر محفز لدفع عجلة التنمية في سورية.

إضافة إلى صعوبات إدارية وتنظيمية لعدم وجود جهة محددة تُعنى بتنظيم إدارة هذا القطاع، وغياب الإحصاءات والمسوح الواقعية اللازمة لرسم الخطط الاستراتيجية لهذا القطاع الاقتصادي، ووجود خلل في التوزع الجغرافي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتأخر بإدماج القطاع غير المنظم، وغياب آلية العمل المؤسساتي في إدارة هذا القطاع الحيوي، وغياب السياسات الموجهة لدعمها، وخاصة في مجال التحديث التكنولوجي.

كما أن هناك صعوبات تمويلية هي من أهم الصعوبات التي يعانيها هذا القطاع، وترسخت في الاقتصاد من خلال عزوف معظم المصارف العامة والخاصة عن الإقراض اللازم لهذه المشاريع، لأنها ترى أن هذا النوع من التمويل مخاطرة ولا يلائم سياسات التمويل لدى هذه المصارف، وهو ما يتطلب العمل مع المؤسسات التمويلية لإيجاد آليات تسهل عملية الإقراض وتعالج قدرة صغار المستثمرين على توفير الضمانات المطلوبة.

وعلى الرغم من إحداث صندوق لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال 5 مليارات ليرة سورية، لكن ثمة خلاف حول الجهة التي يجب أن يتبعها هذا الصندوق، أو التي ستشرف على عمل هذه المشاريع بين وزارات “الصناعة” و”الاقتصاد” و”الإدارة المحلية”.

ويضاف إلى ذلك الإجراءات الروتينية التي تستغرق وقتاً كبيراً لإنجازها، والتي تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل نتيجة الرسوم والضرائب المفروضة على الرهن والحجوز اللازمة للضمان، ومحدودية مجالات البحث العلمي ودراسات الجدوى اللازمة لإقامة هذه المشاريع.

هناك أيضاً صعوبات استثمارية وبحثية تتعلق بجذب الاستثمارات لهذا القطاع الذي يبدأ من تعقيد البيئة التشريعية، مروراً بضعف بيئة الاستثمار ومحفزاته الجاذبة، كالمحفزات الضريبية وغياب أدلة مدروسة عن أهم الفرص الاستثمارية المتاحة للمستثمرين حول هذا القطاع، وكذلك غياب نظام ضريبي يشجع على الاستثمار.

بين التطوير والتنظيم

يجب أن نميز في سورية بين مسألتين: مسألة تطوير وتنظيم وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر، وبين تنظيم القطاع غير المنظم الذي يضم عدداً من هذه الفعاليات الاقتصادية، والذي يشكل نحو 35 – 40% من إجمالي المساهمة في النشاط الاقتصادي، حسب “المكتب المركزي للإحصاء”.

هاتان المسألتان مرتبطتان، لأن جزءاً هاماً من هذه الشركات هو في القطاع غير المنظم، على الرغم مما يوفره تنظيم هذا القطاع على الدولة من موارد ضريبية وما يحققه تأمين العاملين فيه من استقرار نفسي واجتماعي واقتصادي، علماً أننا لا ننكر ما يوفره من فرص عمل في الوقت الحالي ودوره في تخفيف عبء البطالة.

مع مراعاة أن هذه الظاهرة موجودة في كل دول العالم ولكن بنسب مختلفة، فيجب السعي لتنظيم هذا القطاع وتقديم التشجيع على التحول والانضمام للتنظيم من خلال الإعفاءات الضريبية وتسهيل إجراءات الترخيص، إضافة إلى تعاون الجهات المعنية والوزارات وتعاون القطاع الأهلي.

ضرورة حتمية

إن تأكيد دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر أمر ضروري، لأننا نحتاج إلى أكثر من 300 ألف فرصة عمل سنوياً، في الوقت الذي لا يمكن للقطاع العام أن يستوعب أكثر من 77 ألف (وفق إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حول عدد الوافدين إلى سوق العمل في 2012).

ولذا فإن تشجيع القطاع الخاص على استقبال العمالة الجديدة أصبح ضرورة حتمية في ظل إعلان الموازنات السنوية عدم قدرتها على استيعاب هذا الحجم، وكان الإعلان مصحوباً بتجيير الحكومات السابقة توليد فرص العمل للقطاع الخاص، منسحبة من مسؤوليتها الاجتماعية ودورها الأساسي في ذلك، فما كان من القطاع الخاص إلا أن أعلن عدم استعداده للقيام بدور الحكومة، وبالتالي عدم استقبال جميع الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

فيجب ألا نتوجه للحصول على هذه الفرص باتجاه القطاع العام فقط، بل السعي للبحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، ولكن هذا يلزمه رعاية حكومية وإرشاد ودعم إداري واقتصادي.

دعم لابد منه

إن دعم القطاع الصناعي اليوم وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضرورة حتمية وذلك نظراً لما يمتلكه القطاع الصناعي من قدرات وإمكانات تؤهله لمساهمة كبيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وإعطائه مزيداً من الاهتمام لتنفيذ متطلبات البنية التحتية مع تبني سياسات وإجراءات تدعم وتطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي بحكم طبيعتها وعددها تستوعب القدر الأكبر من العمالة.

والتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة، من الصناعات التحويلية والزراعية التي تتناسب مع متطلبات الأسواق للتصدير، ومنحها مزايا تشجيعية ودعمها بدلاً من الصناعات الاستهلاكية، والعمل على رفع معدلات نمو إنتاجية العمل.

تصريحات.. ولكن!

دأبت الحكومة مؤخراً بالتأكيد على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأهميتها في دعم الاقتصاد، بدورها بيّنت “غرفة صناعة دمشق وريفها” أنها ستركز نشاطها على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لأنها “هي من ستنهض بالصناعة الوطنية، كما أن هذا النوع من الصناعات يوفر فرص عمل أكبر للشباب السوري”، كذلك أعلنت “وزارة الاقتصاد”، ووزير العمل، حسن حجازي، إذ أكد أهميتها في تشكيل العناقيد الصناعية.

ولكن كثرة التصريحات وغياب جهة محددة تُعنى بهذه المشاريع انعكس سلباً عليها في السابق، وسيستمر الوضع على حاله إذا استمر التخبط الحكومي والذي يدفع الاقتصاد الوطني ضريبته النهائية، فالصناعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن تحتضنها الحكومة، وبعد أن تصبح كبيرة وقوية وفاعلة في المجتمع، يتم التخلي عن دعمها.

هل ستشهد المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر دعماً حقيقاً أم سنكتفي بـ”الشعارات” والوعود مرة أخرى.. سؤال برسم المعنين عن القطاع الصناعي في سورية.

سيرياديلي نيوز


التعليقات