تحدّث أحد التجار بصراحة مطلقة عن الأسباب التي تدفعهم لرفع أسعار بضاعتهم المخزنة في المستودعات، كلما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، كاشفاً أن ذلك يتم للحفاظ على رأس المال، بمعنى أن رأسمال التاجر هو البضاعة وليس المبلغ النقدي المتاجر فيه، موضحاً لصحيفة "الوطن" إنه لو كان رأسمال التاجر 100 صفيحة (تنكة) زيت فسوف يرفع السعر مع ارتفاع الدولار كي يتمكن من استيراد 100 صفيحة جديدة على السعر الجديد المربوط بالدولار.

 

التجار يرون ذلك من بديهيات المنطق التجاري، إلا أنه في الحقيقة فذلكة محاسبية لا أساس لها من الصحة في عالم المحاسبة والاقتصاد، وتضر بالمؤسسة أكثر من الضرر الناجم عن انخفاض رأس المال «السلعي»، والكلام هنا إستراتيجي وليس مرحلياً.

 

ومن المحاسبة المالية ننطلق، إذ يتم توصيف تغير أسلوب تقييم المخزون في الشركة بأنه تلاعب مالي، وذلك كونه يقدم بيانات غير حقيقية يتم توظيفها وفق غايات المتلاعب.

 

أما الأساليب المعتمدة في تقييم المخزون، في متعددة، لكن أكثرها شهرة أسلوب (الداخل أولاً- يخرج أولاً) ويطلق عليه اسم (FIFO)، حيث يتم بيع البضاعة التي تدخل أولاً، ثم الأحدث فالأحدث.. وهكذا.

 

هذا الأسلوب هو الأكثر انتشاراً في الأوساط التجارية، كونه يعكس القيمة الحقيقية لتكلفة البضاعة المباعة وبالتالي سعر البيع. وعليه تكون الأرباح حقيقية، بمعنى أنها تحافظ على سمعة الشركة في السوق.

 

وهناك أسلوب (الداخل أخيراً- يخرج أولاً) الذي يطلق عليه اسم (LIFO) حيث يقوم على أساس بيع البضاعة الحديثة التي تدخل المخازن أولاً، وهناك يكمن السر في العملية الجارية في أسواقنا التجارية، إذ يتم بيع البضاعة القديمة المخزونة بسعر البضاعة الجديدة التي سوف تدخل أخيراً إلى السوق، وهذا عمل استباقي، ينتج عنه مبالغة في تقييم المخازين.

 

من هنا نجد أن التجار ينتقلون بين أسلوب وآخر، مع ممارسة شاذة للأسلوب المعتمد في تقييم المخزون، وهنا صلب المشكلة، فهذا الشذوذ في التقييم يتيح شذوذاً في طبيعة الأرباح الناجمة عن العمل التجاري، وثم إساءة لسمعة الشركة في السوق.

 

فحينما نستخدم سعراً للدولار أعلى من الذي تم على أساسه التقييم سابقاً، ترتفع الأرباح، لأن ارتفاع السعر لم يترافق بارتفاع موازٍ ومساوٍ في التكاليف، لذا يسمى الربح الزائد ربحاً غير حقيقي، ويسميه البعض ربحاً غير اقتصادي، لأنه لم ينجم عن النشاط التشغيل الحقيقي للشركة أو المؤسسة.

 

ومنه سوف تتأثر صورة العمل التجاري لدى المتعاملين (الزبائن) ويصبح التعامل اليومي مع التاجر محكوماً باحتكار المادة أو عدم توفر بدائل، فيصبح الزبون مضطراً للشراء، لذا يلجأ إلى التقشف، كي يوازن بين إنفاقه ودخله. وعندما تتغير الشروط الحالية التي تحكم العمل التجاري والنشاط الاقتصادي سوف تبدأ المؤسسات المتلاعبة بخسارة زبائنها وثم تراجع حصتها من السوق، التي سوف تذهب للداخلين الجدد إلى العمل التجاري، والقدامى ممن لم يلجؤوا إلى التلاعب المالي لتعظيم أرباحهم بشكل مؤقت، وهنا تدخل المؤسسة في مرحلة التراجع من دورة هيكلتها بشكل مبكر وتنتهي بالإفلاس والخروج من السوق أو التحول إلى شركة أو مؤسسة غير قابلة على المنافسة.

 

إذاً تغيب الإدارة الإستراتيجية للعمل التجاري عن أسواقنا، وخاصة لدى تجار الأزمات والتجار الذين يعملون يوماً بيوم، دون تخطيط لمستقبل تجاري مهم في السوق، فيغامرون بسمعتهم تحت يافطات تخلو من العلمية ولا يمكن تفسيرها بغير الطمع وقلة الخبرة.

 

ونذكر بأن القانون لا يسمح بتغيير الأسعار بشكل غير مسوّغ، كما في حال رفع أسعار البضاعة المخزنة مع الدولار، علماً بأنها مشتراة على سعر دولار أقل، ويخالف التاجر الذي يقوم بهذا العمل بإحالته إلى القضاء كتاجر الجملة، على حين يمكن لتاجر المفرق أن يصالح على مخالفته بمبلغ 10 آلاف ليرة سورية.

 

وعلى ذلك يقوم عمل فرق التموين اليوم، لذا لم يصعب ردع المخالفين ضمن هذه المعطيات. وفي كل مرة يرتفع فيها الدولار، تلحقه الأسعار، فالقصور يطول المعنيين بالأمر وأساليب عملهم غير القادرة على ضبط السوق، إضافة إلى الفساد الذي يضرب أطنابه في السوق والعمل الرقابي. لذا تستمر عمليات التلاعب المالي في السوق، وتواصل التموين تصريحاتها الإعلامية الطنانة، دون أن يتغير شيء على أرض الواقع.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات