سورية من البلدان القليلة في العالم، التي تتغير فيها السياسات الاقتصادية، والتوجهات العامة، والخطط التنموية، بتغيّر المسؤولين الاقتصاديين، على اختلاف مدارسهم وانتماءاتهم الفكرية والأكاديمية، وقناعاتهم الشخصية أحياناً. وإذا كان التغيير يحمل في طياته، الرغبة في اتباع نهج دون غيره، فإن كثرة التغيير لا تعد حالة صحية تماماً، ولا يمكن النظر إليها نظرة إيجابية، مادام هذا التغيير لايرتقي إلى طموحات الناس، ولايلبي رغباتهم، ويبقى في إطاره الضيق، والخانق، وغير المجدي، ويعكس حالة التخبط في التعيين.

ومع حكومة وائل الحلقي الثانية، تكون سورية غيرت خلال فترة وجيزة، منذ نيسان 2011 حتى الآن، أربعة وزراء اقتصاد هم على التوالي: نضال الشعار، محمد ظافر محبك، خضر أورفلي، وصولاً إلى همام الجزائري. يضاف إلى ذلك، الفترة التي أعيد فيها إحياء منصب النائب الاقتصادي، ثم إلغاؤه من جديد، فكانت تركة الليبرالي عبدالله الدردري، بيد الشيوعي قدري جميل، بينما هي الآن تركة بلا وريث، وحقيبة بلا مسؤول، ومنصب مهم شاغر. الاقتصاد بشكله القادم، أو بنهجه المنتظر على يد الجزائري، سيكون أمام توجه جديد، مختلف عن السابق، هكذا جرت العادة. والسؤال: بماذا يعدنا وزير الاقتصاد الجديد؟ وماذا في جعبته من توجهات وأفكار جديدة، تسهم في إنقاذ اقتصادنا الوطني؟ وهل يحمل الجزائري مشروعاً يختلف عما سبقه؟ هي أسئلة لابد منها، قبل أن تبدأ الحكومة الجديدة ممارسة مهامها، وصوغ بيانها الوزاري.

 تعيش سورية حرباً، وبالتالي هي بحاجة إلى وزير اقتصاد مناسب لمرحلة كهذه، فهل تتوفر في الجزائري (37 عاماً) مواصفات هذا الوزير؟ كما أن مرحلة التعافي المبكر، وإعادة الاعمار، مازالت مرحلة نتمنى ولوجها، والدنو منها، ولايمكن مواساة أنفسنا، أو إقناعها بأننا وصلنا إليها، رغم كل التصريحات الرسمية التي تؤكد التحضيرات والاستعدادات لها. ومازالت البلاد تعاني أزمة خانقة، وصراعاً مسلحاً، لم يتركا لاقتصادها فسحة أمل لينهض الآن، وأغلقا النوافذ الممكنة ليتجاوز حالة الركود الهائلة التي يعانيها. هذا المشهد العام للاقتصاد، دون تجاهل مؤشراته السلبية لجهة معدلات النمو، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة...الخ، هي تحديات كبيرة أمام الحكومة عامة، ووزير اقتصادها خاصة. وهذا يتطلب إطاراً نظرياً واضحاً للخروج من هذه الدوامة، لابد أن وزير الاقتصاد يتكفل به. ويمكن الاستناد في هذا المجال، وبشكل استباقي، إلى موقف الجزائري من الاقتصاد، على ورقة أعدها مطلع العام الجاري (نشرت (النور) تفاصيلها في العدد 615 تاريخ 18 شباط الماضي). إذ أعطى الجزائري أولية (لتعزيز الاقتصاد التنموي الإنتاجي)، وحدد دور القطاع الزراعي والصناعي في قاطرة النمو الاقتصادي بصفته (المحرك الرئيس) لإنتاج علاقات اجتماعية وثقافية جديدة يكون مرجعها العمل وقيمه. ويرجح الجزائري تجربة دول النمور الأسيوية على غيرها من التجارب، مقترحاً (مقاربة الدولة التنموية) المستندة إلى قدرة الدولة على تقديم الدعم المالي أو الصناعي أو الإنتاجي أو اللوجستي أو كل ذلك للشركات والأنشطة المستهدفة. الجزائري في ورقته المذكورة يؤيد بشدة اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يرى فيه (رداً منطقياً ومجتمعياً على اختلال الثنائية الناظمة للاقتصاد)، كما طالب بصياغة (تحالف اقتصادي جديد) مع المنتج، بإعطاء أولية المزايا للمزارع والمصنع. وركز الجزائري في مقاربته المقترحة آنذاك، على ضمان استمرارية تأمين الخدمات الأساسية، وخاصة منها الصحية والتعليم والسكن الملائم وحاجات الشرب والبنية التحتية الأساسية، للفئات الاجتماعية الفقيرة والعاملة بأجر.

هذه بعض ملامح أساسية لمواقف سابقة لوزير اقتصادنا، إلا أنها مقاربة، لم تنتج حراكاً فكرياً لجهة مناقشتها، وتفنيد نقاط ضعفها وقوتها، والإجابة عن تساؤل يتعلق بمدى إمكانية تطبيقها؟ ومدى مطابقتها لاحتياجات اقتصادنا المتهالك؟ تلك الأفكار التي قدمها الجزائري مذ كان رئيساً لهيئة التخطيط والتعاون الدولي، نعتقد أنه سيطرحها نموذجاً نظرياً يسعى لتطبيقه وهو يحمل حقيبة الاقتصاد والتجارة الخارجية. وكما هي العادة، وزير جديد، وتوجهات جديدة، ووقت إضافي لدراسة الملفات الحساسة.

 

سيرياديلي نيوز- النور


التعليقات