لعبة الحظ أو القدر أحيانا تكون بمثابة ضربة العمر تأتي مرة واحدة ., ولكن أخلاقنا وطبيعتنا وتربيتنا هي التي تحدد اتجاهها , وتحصد نتائجها الايجابية التي ستكون بمثابة بصمة مميزة لأسم وهوية وسمعة تتراكم مع الزمن ..هذا هو أنت أيها السوري .. نعم أنت وبكل فخر ستبقى مهما حاولوا هنا أو هناك أو في أي زمان ومكان تشويه سمعتك أو نسبك فهذا إيذاء شخصي ولا يعني التعميم .. السوري أثبت ومازال يثبت انه الافضل والاقوى وصاحب الامتيازات بكل زمان ومكان .. أنت نعم أنت.. أرفع لك القبعة أيها السوري ..
كل هذا وأكثر تتابعونه من خلال الجزء 26 من سلسلة في حضن الشيطان للكاتب القدير يعقوب مراد وحصرياً على سيريا ديلي نيوز . / الناشر
في حضن الشيطان ـ 26
وغادرت في اليوم الثاني عائداً إلى السويد لأجد أمامي مفاجأة لم أتوقعها أبداً !!
مفاجأة وضعتني في حيرة قاتلة ..
توقفت عن الحديث وتأملت الثلاثة أمامي , وقلت :
ـ يكفي ذلك أم يجب أن أكمل ..!؟
قالت فيفي : بل نتمنى أن تكمل .. ماذا كانت المفاجأة ..!؟
قلت : بعد عودتي بأيام قليلة , أكتشفت بأن المبلغ الذي قبضته من بنك سويسرا أكبر بكثير من المبلغ الذي أودعته في البنك .. وبعد أن أعدت حساباتي أكثر من مرة تأكدت بأن ثمة خطأ قد حصل ولكن كيف لا أعرف ...!؟
سألني الكسندر :
ـ وماذا فعلت ..!؟
ـ بعد مرور أكثر من أسبوع تحدثت مع زوجتي بكل التفاصيل التي حدثت فكان جوابها مباشرة أن أعيد الاتصال بالبنك .. فوعدتها بذلك ., ولكني أنشغلت وكدت أنسى فعلاً , ولكن زوجتي عادت تسألني ان كنت أتصلت بالبنك ..
فقلت لها : حقيقة أنشغلت ونسيت .. فطلبت مني رقم تلفون البنك فناولتها كرت باسم مدير البنك ورقم هاتفه .. وحاولت الاتصال به أكثر من مرة ولكن للاسف كان التلفون يرن ويرن بدون مجيب .. وعادت الاتصال في اليوم الثاني والثالث بدون أي نتيجة ثم بحثت بالانترنيت عن اسم البنك وحصلت على ارقام أخرى وعاودت الاتصال بالبنك وطلبت ان تتحدث مع مدير البنك .. ولكن للاسف كان في اجتماع هام فتركت زوجتي أسمها ورقم تلفونها مع السكرتيرة وطلبت منها أن تعطيه لمسيو جان بول , وشددت على ضرورة أن يتصل بنا ..
ولم يمض ساعة من الزمن حتى كان جان بول يتصل ويتحدث مع زوجتي بلهفة من يريد أن يتحدث كل شي قبل أن يفصل الخط , وكانت زوجتي تسمع وتحكي ثم أختلط الكلام بالدموت , وأنا أحاول أن أفهم السبب , وهي تشير لي أن أنتظر .. اعطته عنواننا , وأرقام تلفوني بالشغل والبيت والموبايل وأغلقت السماعة ..
نظرت إلي والدموع تتلألأ في عينيها ثم حضنتني بقوة وبعد أن هدأت أخبرتني بأن ثمة خطأ قد حدث حين أخذت جزء من المبلغ المودع وقبل أن ينزل على الحاسوب عدت وطالبت بكامل المبلغ وفعلا هو وقع على امر ان يصرف لك كامل المبلغ من رئاسة القسم وتم صرف لك المبلغ كاملاً وهكذا اصبح لديك المبلغ زائد المبلغ الاول الذي قبضته ...
وغادرت البنك بعد تمزيق العقد بحيث لم يبق اي اثبات كما كان متفق عليه .. وحين اكتشف البنك الغلط .. وجهت لمدير البنك في بادئ الأمر تهمة سوء تصرف وأهمال والبحث عنك واعادة المال الى البنك , ولكن بعد التدقيق وعدم وجود أي أثبات يدل على اسمك وعنوانك خاصة أن كل ماتذكره هو أن الاسم عربي والعنوان الذي تذكره كان دمشق ـ شارع بغداد .
فقد وجهت له تهمة تدبير زبون وهمي والاستيلاء على مال البنك .. لهذا لم يك يصدق ان التلفون من السويد وأننا نقيم بالسويد وكان يبكي ويتوسل بأن مستقبله المهني وسمعته مهددة وقد يحكم عليه بالسجن ..
كانت زوجتي تحدثني وهي تبكي حين رن التلفون وكان هو , وقال لي :
ـ عزيزي أريد أن أقول لك , وأن تسمعني مباشرة , وأن تفهم أن سمعتي وسمعة عائلتي ومستقبلي بين يديك ..
قاطعته قائلاً : مسيو جان .. أتمنى أن تتذكر اننا نحن من أتصل بك , وهذا يعني أن لدينا الرغبة الاكيدة أن نعيد الحق لصاحبه.. لهذا أريدك أن تتفضل بزيارتي للسويد مصطحباً معك الحسابات النهائية , وقيمة المبلغ الذي يجب أن أعيده لكم وأنا تحت أمرك ..
قاطعني : لا أستطيع ذلك ياسيدي .. وأتمنى أن تتفهم موقفي .. أنا متهم بتلفيق زبون وهمي .. ولو غادرت سويسرا الى السويد وأعدت المبلغ سيفهم بأني أعدت المبلغ الذي سرقته بعد أن أفتضح أمري .. وأنت تعرف أن ذلك غير صحيح ... بل أنت الوحيد الذي يعرف ذلك .. والحل الوحيد أن تأتي للبنك وتروي لاعضاء مجلس ادارة البنك ماحدث وتعيد المال ...
وبعد إلحاحه وعدته بأني سأكون قبل نهاية الشهر ..
فصمت ثم قال : ياسيدي أرجوك لاتقتلني ,, أن لم تأت خلال هذا الاسبوع سيحكم علي في بداية الاسبوع القادم ...
ووجدت نفسي في حيرة .. فأنا بدأت مشروعاً جديداً وملتزم بمواعيد ولاأستطيع السفر بالوقت الحاضر ولكن رغم ذلك وعدته خيراً , وأغلقت سماعة الهاتف وتحدثنا طويلا أنا وزوجتي حول الخير والشر وقيمة الانسان بأعماله وليس بماله .. وفي الصباح تحدثت مع شريكي اللبناني س . ع .. فشجعني على الذهاب فوراً وفي اليوم الثاني وجدت لي مكاناً بالطائرة المتوجه الى جنيف الساعة السادسة مساء ...
جنيف ليلة 17 نيسان 1993
وصلت جنيف حوالي الساعة الثامنة مساء., وتوجهت مباشرة بتاكسي المطار الى فندق لو ..... فاستقبلني صديقي مدير الفندق شربت معه القهوة ثم صعدت لغرفتي وغفوت قليلاً ثم استيقظت على رنين تلفون الغرفة , وكان كالعادة مدير الفندق وقال لي : أمامك ساعة ياصديقي وسنلتقي بالصالون لنسهر سوية ونسمع صديقتك المطربة السورية / س . ا / ..
وهذا ماحدث تناولنا العشاء وسهرنا واستمتعنا بالرقص الشرقي وصوت السوري الاصيل وفي نهاية السهرة سألتني :
ـ ماالذي جاء بك بسرعة الى جنيف ..!؟
قلت ضاحكاً : أشتقت إليك ., وشعرت بالحنين لصوتك فجئت مباشرة ..
وأدركت بأني أمزح , وعادت تسألني فقلت لها :
ـ اليوم 17 نيسان وهو عيد الجلاء في سوريا فجئت أحتفل معك بهذه المناسبة السعيدة .. وشهقت فرحأ ونادت هاني : سنكمل الاحتفال في هيلتون اوتيل .. وفعلا خرجنا نحن الثلاثة وتناولنا الحلويات ورقصنا وسهرنا وفي طريق العودة .. عادت مرة ثالثة تسألني عن سبب عودي لجنيف فأخبرتها بكل ماجرى ..
تأملتني مستغربة : هل ستعيد المبلغ ..!
قلت : نعم
قالت : هل تعلم بانك تستطيع بهذا المبلغ أن تشتري بيتاً كبيراً في دمشق ..!؟
قلت : نعم أعرف ذلك ..
قال هاني : غريبة هذه الدنيا .. هناك من يخطط ويغامر ويقتحم البنك ليسرق مالاً وقد ينجح , وقد لاينجح .., وهناك من يأتيه المال من البنك بسهولة , وليس هناك اثبات أو دليل ومع ذلك يعيده من تلقاء نفسه ..
ثم وقف على ناصية الشارع , وصرخ بأعلى صوته : بحبك أيها السوري .. ماأروعك .. وعانقني .
التفت الي صديقتي المطربة وقالت : ياإلهي .. كلما تعرفت اليك اكثر كلما وجدت نفسي أحترمك أكثر وأكثر .. أنت رجل تعرف كيف تفرض احترامك .. هاقد مرت سنوات طويلة على صداقتنا كنت حين أسافر للقاهرة أوصيك بأمي فكنت لها كأبنها البار .. وكنت لاولادي بمثابة الاخ الكبير, وكنت بالنسبة لي صحفياً وفناناً وكاتباً وصديقاً وأخاً , وهاأنا الان أتشرف بك في سويسرا .. أشكرك لانك أتحت لي فرصة أن أرى بعيني لأول مرة صديقاً مصرياً يقف في وسط الشارع , ويصرخ : بحبك أيها السوري .. ماأروعك .. يكفيني هذا .. شكراً أيها الرائع ..
في الصباح اتجهت للبنك , فاستقبلتني سيدة افريقية الملامح , وطلبت مني أن نذهب سوية الى زوريخ حين مقر ادارة البنك ..وفهمت بأن المسيو جان بول ينتظرنا هناك .. استقلينا القطار وفي الطريق حدثتني عن المصاب الذي اصاب جان بول من جراء هذه القصة , وعند سعادتها حين عرفت بان الزبون رجل عربي قرر أن يعيد المبلغ فهذا يزيد من رصيد العرب ورصيدها لانها من أصول مغربية ..ووصلنا , ودخلنا مبنى ضخم .. فتح الباب فوجدت طاولة طويلة يقف حولها مجموعة من الرجال والسيدات ..
استقبلني جان بول وطلب مني أن أقدم نفسي وأشرح للسادة أعضاء مجلس الادارة ملابسات ماحصل , وفعلا شرحت لهم كما حدث تماماً ..ووضعت الشنطة على الطاولة وفتحتها وقلت لهم : هذه نقودكم أعيدها لكم مع الاعتذار ..
نهضت سيدة تجاوزت الستين من عمرها وفتحت خزنة وقدمت لي مجموعة هدايا .. أذكر منها صورة بالابيض والاسود تمثل مدينة جنيف في القرن السابع عشر, وبطاقة البنك الذهبية , وبطاقة عضوية شرف بالبنك , وشكرتني .
ثم تحدث جان بول , وقال : وأنا أيضاً أشكرك جداً , وأتمنى أن تسمح لي أن أتكفل بدفع نفقات قدومك واقامتك في سويسرا من مالي الخاص , ثم فتح علبة حمراء بداخلها فرنك ذهب سويسري وقال : هذا الذهب للمرأة الذهب زوجتك .. المرأة التي سمعت صوتها لأول مرة فأدخلت الفرح لقلبي والأمل لحياتي وشعرت بانسانيتها من خلال بكائها ..أرجوك أن تبلغها تحياتي وهذه بطاقتي الخاصة أقدمها لك لاقول مرة ثانية شكراً .. وتذكر دائماً أن لديك صديق في جنيف .. فردت رئيسة مجلس الادارة : ونحن نعتذر لاننا خسرنا زبوناً مثلك بسبب قوانين البنك ولكن بانضمامك الان كعضو يحمل البطاقة الذهبية هذا يعني بأن البنك أبوابه مفتوحة لك في أي نشاط تراه مناسباً ..
وسلمت عليهم واحداً واحداً ..وقبل أن أغادر طلب مني مسيو جان بول أن أرافقه لتناول الغداء مع عائلته في بيته .. فوافقت ..
حين دخلت بيتهم وجدت زوجته تهرع الي تعانقني وهي تردد : شكراً .. شكراً وهي تعرفني على بناتها كلودين ومارلين ..
تناولنا الغداء والفواكه وشربنا الشاي وأنا أداعب بناته الصغار .. وشكرته وهممت بالرحيل .. استوقفتني زوجته وسألتني :
ـ لماذا أعدت المال ..!؟
ـ هل تعلم بأنني قطعت الامل ..!؟
وبدأت أجهز نفسي لفقدان زوجي لوظيفته أو لحياته معنا , وكنت أنظر كل مساء لبناتي وأنا أتساءل : غداً عندما يكبرون هل سيصدقون أن والدهم مختلس ..؟
وكان هذا يؤلمني جداً ., ولم يك أمامي إلا الصلاة وأشعال الشموع وتعرفت على صديقة زوجي المغربية التي رافقتك بالقطار الى زرويخ فقدمت لي قطعة نحاس مكتوب عليها : يارب لا أسألك رد القضاء ولكن أسالك اللطف فيه ..
ولكن حين أخبرني زوجي بتلفون زوجتك واستعدادك للمجئ الى هنا لاعادة المبلغ لم أصدق للوهلة الاولى , خاصة مانسمعه عن العرب , ومشاكلهم التي لاتنتهي حتى في اوربا أعذرني لصراحتي , ولكن فيما بعد تأكدت أن هناك انسان يشبهنا , وأن الصلاة والشموع كانت في عيني زوجتك الدموع التي انهمرت .. ويبقى لدي فضول أعرف: لماذا أعدت المال ..!
تأملتها , وتمنيت أن أحضنها , ولكني أكتفيت بالقول :
ـ سيدتي .. أنت تحدثت عن الصلاة والشموع , وأستشهدت بقول : اللهم لاأسالك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه .. وهذا يعني بأنك قريبة من الله ., وأن الله يسكن روحك فلا تخافي .. زوجك قال لي بأنه لم ينام منذ اسبوعين فهل أحتفظ بمال ليس مالي , وأطعم به أولادي ويبقى ضميري يؤنبني طيلة حياتي ..
سأقول لك لماذا ..!؟
نحن في سوريا مسيحيين واسلام تعلمنا أن الدين لله , وأن الدين الحقيقي هو معاملة لانسان لأخيه الانسان, وسأعطيك مثلاً : لو كان ضميري مرتاح وتعرضت لحادث سيارة ., أو تعرض ابني لمرض ما , أو تعرضت عائلتي لاي مصاب سأقول هذه مشيئة الله , ولكن لو كنت أحتفظت بمال ليس مالي , وحدث معي آي شي مما ذكرت سأبقى أقول : حدث ذلك لاني ظلمت فلان , وفلان أنظلم بسببي , وسيبقى ضميري يعذبني طيلة حياتي .. وتذكري دائماً أن الانسان يحصد مما يزرع , وأنا أريد دائماً أن أزرع جيداً ..
قالت : بارك الله فيك .. هل تعلم بأن زوجي لم ينم منذ أسبوعين ..!؟
ضحكت , وقلت : المظلوم والظالم لايناموا ياسيدتي ..
زوجك لم يستطيع النوم أسبوعين لاحساسه بالظلم الذي وقع عليه , وأنا كظالم سيبقى ضميري يعذبني دائماً ولن أنام طيلة عمري لو لم أعيد المال ..
حضنتي بقوة , "وهذا ماكنت أتمناه من اللحظة الاولى " وتأملتني بابتسامة فرح وقالت : شكراً .. أشعر بالسعادة بمعرفتك , وأتمنى أن تتذكرنا دائماً ...
خرجت عائداً إلى جنيف , وأنا ألعن كل من ساهم في تشويه صورة الشرقي في بلاد العالم , وفي جنيف حزنت حين فوجئت بحريق قد شب في غرفة المطربة جاء على كل ثيابها وأمتعتها , ودعتها وودعت مدير الفندق هاني , وعدت الى السويد ..
واستمرت علاقتي بمسيو جان بول , وتعاونت مع البنك في عدة صفقات تجارية ناجحة وتعمقت علاقتنا العائلة في الاعياد والمناسبات وأصبحنا أصدقاء مقربين جداً حتى كان ذلك الحادث المشؤوم الذي لن أنساه أبداً .
وللحديث تتمة
تنويه : في حضن الشيطان ./ بحث وتحقيق وأحداث حقيقية تم كتابتها في صيف 2013
ـــــــــــ . يعقوب مراد . ـــــــــــــ
يمكنكم قراءة سلسلة "في حضن الشيطان" من البداية على الرابط التالي: يعقوبيات مغترب
سيريا ديلي نيوز
2014-09-04 09:45:02
خالد بن هشام