سيريا ديلي نيوز - الدكتور المهندس محمد غسَّان طيارة

بعد صدور القرار 2170 عن مجلس الأمن بتاريخ 15 آب 2014 بدأت تصريحات السياسيين الغربيين تتزايد صعوداً عن أهميته في مكافحة إرهاب داعش وجبهة النُصْرة ومشتقاتها من تنظيمات القاعدة الإرهابية التكفيرية, كما ظهرت تصريحات سياسية من محللين سياسيين يدورون في الفلك الصهيو ـــ اميركي يرحبون بالقرار كمكسب جديد وحقيقي لمكافحة الإرهاب, بينما نظر بعض المحللين السياسيين المعارضين للمشاريع الأميركية في الشرق الأوسط إلى القرار بحذر لعدم وضوح معايير ووسائل تنفيذه.

ولم يكن معظم أصحاب هذه التصريحات والتحاليل بعْدُ قد اطلعوا على القرار من وثائق مجلس الأمن مباشرة, فقد صدر القرار بتاريخ 15 آب ولكنه لم يظهر على موقع وثائق مجلس الأمن إلا مساء 18 آب.

بعد قراءتي نصوص القرار باللغتين العربية والإنكليزية يمكنني بثقة تأييد المحللين السياسيين الحذرين من الغموض الذي يكتنف تطبيق هذا القرار "التاريخي" موضحاً النقاط التالية:

ـــ إن قراءة القرار من قِبَل أي محلل سياسي حيادي سيعتبر أن صياغته متقدمة على طريق مكافحة الإرهاب لأن  الأشياء تُسمَّى فيه بمسمياتها وفيه يؤكد مجلس الأمن احترام سيادة العراق وسوريا وحرص المجتمع الدولي على تلك السيادة وعلى مكافحة الإرهاب بشكلٍ جدي وحازم وخاصة ما جاء في مقدمة القرار.

ـــ يستند القرار في مقدمته إلى 8 ثمانية قرارات صدرت ما بين سنة 1999 وسنة 2014 وفي متنه يستند إلى قرارٍ تاسعٍ وجميع هذه القرارات تستند إلى الفصل السابع وتنص على مكافحة الإرهاب وهذه القرارات تزيد في قوة القرار لأنه في مقدمته يؤكد عليها وهي داعمة له.

ـــ حتى يتسنى للمتابع تحديد الآلية لتنفيذ القرار "التاريخي" يجب دراسة ميثاق الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص الفصل السابع منه "البعبع" ومتابعة تجارب الدول في تطبيق هذا الفصل على حالات تتشابه مع نصوص القرار "التاريخي" وخاصة تصرفات الإدارة الأميركية في حالات مشابهة.

ـــ ينص القرار على ضرورة إبلاغ اللجنة التي تتابع تنفيذ هذا القرار بأي مخالفة تصدر عن أي جهة التي بدورها تقدم تقريرها لمجلس الأمن. ومن أعجب العجائب فإن جلالة هذه اللجنة تضم جميع أعضاء مجلس الأمن وينطبق على قراراتها ما ينطبق على القرارات التي تصدر عنه.

ـــ يتضح من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أن إي إجراء وفقه يبدأ بالإنذار باستخدام القوة. أي أن المقصود بصدور قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع هو توجيه إنذار لحل المشكلة بالطرق السلمية وعند تعذُّر ذلك يجب عرض الموضوع ثانية على مجلس الأمن لإقرار استخدام القوة وعندها تصبح جميع دول العالم مدعوة للمساهمة في المجهود الحربي لحل الموضوع عسكرياً وفق نصوص بنود الفصل السابع.

ومن هذا المفهوم تتضح الأسس الفعلية لتطبيق هذا القرار الذي يكون من خلال تقديم اي دولة أو منظمة دولية وثائقها عن الجهة سواء أكانت مجموعة أو منظمة أو افراد او دولة التي خرقت القرار "التاريخي" إلى اللجنة أو بشكلٍ مباشرٍ إلى مجلس الأمن الذي يقرر اتخاذ الإجراءات الواجبة, ومن حق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الاعتراض "الفيتو" على أي قرار تنفيذي وفق مصالحها, وعند استخدام الفيتو تصبح الوثائق من دون أي مضمون ويذهب سعي الدولة المتضررة لرفع الضرر عنها أدارج الرياح.

ـــ يمنع المجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأميركية إصدار أي قرار يتعارض مع مصالحها وهي تحمي صهيونيتها ولا تسمح الإضرار بعملائها فهي كالذئب المعتدي والمتحفز لضرب كل من تسوله نفسه الوقوف في

وجهه ولن تسمح لمجلس الأمن باتخاذ أي قرار يضر بمصالحها بعد صدور قرار الإنذار وفي الوقت ذاته فهي غير مستعد للانتظار حتى يصدر قرار جديد عن مجلس الأمن يسمح  باستخدام القوة العسكرية عندما يتعلق الموضوع بمصالحها. ومن ضمن المجتمع الدولي نجد قيادات دول تقبع تحت أقدام الذئب الأميركي الذي يحميها تارة وتارة أخرى يوجه إليها ضربات قوية تصل إلى حد قتل بعضاً منها, وهي غير قادرة حتى على نصب هاماتها بسبب إصابتها بترقق عظام عمودهم الفقري. وخير مثالٍ على ذلك نزع السلطة من الحمدين في قطر.

ـــ لقد بدأ مجتمع دولي جديد يتبلور يحترم المواثيق الدولية ويطالب بتطبيقها بنصوصها وروحها ولكن مشكلته هي  شدة احترامه لتلك المواثيق التي يدوس عليها المجتمع الدولي الآخر بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.

وللدلالة على الآلية التي يتبعها المجتمع الدولي الذي يدور في فلك واشنطن نبين الآتي:

ـــ أول سيناريو نفذته واشنطن كان في اجتياح أفغانستان بحجة تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك, تنفيذاً للقرار 1297 لسنة 1999 الصادر تحت البند السابع والموجه إلى طالبان تطالبه بتسليم أسامة بن لادن لمحاكمته وذلك قبل تفجير برجي التجارة العالمية والقرار 1373 لسنة 2001 بعد تفجير البرجين. وجاء اجتياح الأميركيون لأفغانستان بعد تفجير البرجين ولكن من دون صدور أي قرار تنفيذي للقرار 1297 أو للقرار 1373 ومن دون موافقة مجلس الأمن.

ـــ اعتقلت الإدارة الأميركية مجموعة من المتهمين بالتخطيط لتفجير البرجين وغيرهم من المنضوين تحت تنظيم القاعدة وسجنتهم في مُعْتقل غوانتانامو ولكنها وحتى هذه اللحظة لم تُجْرِ واشنطن أي محاكمة لأي منهم بل على العكس فقد أعادت الإدارة الأميركية بعضهم إلى دولهم وخرَّجت لنا في العراق وسوريا الإرهابي أبو بكر البغدادي بدرجة أميراً لداعش.

ـــ صدر في التاريخ الحديث قرارٌ تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بتحريم وجود اسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام حسين في العراق وبعد تلفيق الأدلة عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق طلبت الإدارة الأميركية من مجلس الأمن التصدي عسكرياً لإجبار صدام حسين على تدمير أسلحته المفترضة ومعاقبته وعلى الرغم من عدم قناعة عدد من الدول ومن بينها فرنسا بالأدلة الأميركية وبدون انتظار صدور قرار عن مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة نفذت الإدارة الأميركية عدوانها على العراق, وحتى قبل انتهاء أعمال بعثة منظمة الطاقة النووية من التفتيش عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق, وشاركها فيه بعض دول الذئاب مثل بريطانيا كما شاركت قيادات الدول المصابة بداء ترقق العظام أمثال غربان دول الخليج.

ـــ السيناريو الجديد كان بصدور قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع المتضمن تحديد منطقة حظر جوي فوق الأراضي الليبية, ولكن ذئاب المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا ومعهم دول ترقق العظام غربان الخليج قاموا بتوجيه ضربات تدميرية إلى ليبيا ضاربين عرض الحائط بمضمون القرار ومن دون انتظار صدور قرار تنفيذي يخولهم بالحل العسكري الذي أدى إلى تدمير ليبيا ونهب ثرواتها. وستمضي سنوات قبل أن يتمكن الشعب الليبي من تجميع رفات دولته وإعادة دورة الحياة إليها.

وكنتيجة لتنفيذ القرار 2170 فمن الطبيعي أن تتقدم الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق بوثائقهم عن تورط تركيا والسعودية وقطر، وبالحد الأدنى, في تمويل الإرهابيين بالسلاح والمال وتقْديم لهم المساعدات

اللوجستية والإيواء وكل ما يلزم لاستمرار أعمالهم الإرهابية...

السؤال: استنادا لتصرفات واشنطن في أفغانستان والعراق وليبيا هل ستسمح واشنطن باتخاذ قرار جديد في مجلس

الأمن يسمح باللجوء إلى الحل العسكري ضد أي دولة من تلك الدول تنفيذا للقرار 2170؟.

الجواب واضح فإن واشنطن لن تقبل بذلك وسوف تستخدم حق النقض وسترفض وثائق الإدانة المقدمة من سورية

والعراق ولن تسمح بإدانة دولٍ تحت سيطرتها وهكذا نكون قد عدنا إلى نقطة الصفر وكأن هذا القرار "التاريخي" لا وجود له وذلك من وجهة نظر المجتمع الدولي من الذئاب.

ـــ لهذا نؤكد على استحالة وضع آلية تنفيذ تتناسب مع الصياغة الجميلة لهذا القرار ومستنداته إذا كانت تتعارض مع مصالح واشنطن يضاف إلى ذلك وجود بعض مواد القرار التي تحتمل تفسيرات متعددة وفق المنظور الأميركي إلى مصالحها في الشرق الأوسط. نبين فيما يلي بعضها:

ـــ عند استكشاف طريقة تعامل واشنطن مع القرارات الدولية يجب أن نعود إلى تفسيرها لمضمون القرار 242 الخاص باحتلال إسرائيل للأراضي العربية في الضفة الغربية والقدس الشريف والجولان فقد نسيت كامل مضمون القرار وتمسكت بحرفي ال التعريف, فجميع مواد القرارين 242 و 338 تتعلق بمنع احتلال أراضي الغير بالقوة وضرورة انسحاب إسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران ومع ذلك بقيت واشنطن تُصِر على أن إسرائيل ليست مضطرة للانسحاب من جميع أراضي الجولان وغيرها من أراضي الضفة الغربية وجنوب لبنان. لقد استخدمت واشنطن حرفين للمماطلة في تحرير جميع الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران 1967 ومن هذه التجربة يجب أن نعود إلى نصوص القرار "التاريخي", وقبل ذلك أؤد التأكيد على عدم رغبتي في التنجيم والتكهن وليس لدي رغبة في سرد تفصيل بنود وفقرات القرار "التاريخي" ومستنداته وسأكتفي بما يلي:

ـــ إن العودة إلى القرار "التاريخي" 2170 والقرارات التي استند إليها تؤدي إلى زيادة التأكيد على شيطنة واشنطن كل قرار جيد يصْدر عن مجلس الأمن ولا اعتقد إن زيادة التأكيد ضرورية لنا في سورية عملاً بالمثال القائل: لا يُلْدغ المؤمن من الجحر مرتين.  

ـــ القراءة الهادئة للفقرات 18 المكونة للمقدمة بتمعُّن وبشكلٍ متكامل لن يسْمح لواشنطن عرقلة تطبيق القرار "التاريخي" ولكن إذا دخلنا في اللعبة الأميركية فستجد واشنطن عدداً لا بأس به من العبارات ضمن فقرات المقدمة (عبارة مجتزأة من فقرة وليس فقرة كاملة) التي ستسخرها واشنطن ظلماً وعدواناً للاستفادة منها وفي قلب أهداف القرار وتوجيهه ضد سورية وضد العراق. إن العبارات المجتزأة تفيد رجال السوء في واشنطن.

ـــ يتضمن القرار 24 بنداً متكاملة وهي جيدة ولكن اللعبة الأميركية ستجد فيها أيضاً عبارات تسمح لها استغلالها لعرقلة تنفيذ ذلك القرار.

ـــ من دراسة مندرجات القرار بالتفصيل علينا أن نشدد حذرنا ونزيد من عزائمنا ضد واشنطن فهي ليست مع مكافحة الإرهاب حتى يدق أبوابها أو أبواب ربيبتها إسرائيل ولا يهمها حتى تصدُّع الأبواب الأوربية أو أبواب غربان الخليج أمام الإرهاب بل على العكس فهي ستستفيد من هذا الإرهاب لزيادة سيطرتها على أوربا وعلى منابع النفط عند غربان الخليج.

ـــ يمكن لكل دارس العودة إلى نصوص القرار والقرارات التي أكد عليها على موقع وثائق مجلس الأمن.

syriadailynews


التعليقات