سيريا ديلي نيوز
لعل أفضل ما يمكن أن أفتتح به هذه المقالة تعبيرا عن وحدة مصير الشعبين في العراق و سورية هو ما قاله الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري حين قال : قالوا )دِمَشْقُ ( و( بَغْدادٌ) فقلتُ هما .... فَجْرٌ على الغَدِ مِن أَمْسَيْهِما انْبَثَقا ما تَعْجَبونَ؟ أَمِنْ مَهْدَيْنِ قد جُمِعا .... أَم تَوْأَمَيْنِ على عَهْدَيْهِما اتَّفَقا أَم صامِدَيْنِ يَرُبَّانِ المَصيرَ مَعاً .... حُبَّاً ويَقْتَسِمانِ الأَمْنَ والفَرَقا لذلك كانت هذه البقعة الجغرافية من العالم هدفا للغزاة و المستعمرين أعداء الحضارة و أعداء الإنسانية عبر التاريخ .
عراق الأعراق الذي يتحدث سكانه الكثير من اللغات إضافة إلى اللغة العربية و هي اللغة الأم لغالبية سكان هذا القطر الشقيق حيث تعتبر اللغة الرسمية أضيف إليها اللغة الكردية كلغة رسمية بحسب الدستور العراقي الجديد ويتحدث العربية كلغة أم حوالي 85% من العراقيين ويتحدث اللغة الكردية كلغة أم حوالي 8 % .
وتعد اللغة التركمانية هي اللغة الثالثة من ناحية استخدامها كلغة أم في العراق،كما أن الآرامية الشرقية مستخدمة أيضا من قبل بعض السكان المسيحيين أتباع كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة المشرق القديمة والكلدانية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الكاثوليكية إضافة إلى اللغة الأرمنية المستخدمة لدى الأقلية الأرمنية.
العراق يشكل منفرداً الجزء الشرقي للبيئة الجغرافية والتاريخية المسمى الهلال الخصيب , و الهلال الخصيب مصطلح جغرافي أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد على حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام. هذه المنطقة كانت شاهدة لحضارات عالمية، وأهمها العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي حتى ابتداء الممالك والمدن في جنوب الرافدين وشمال جزيرة الفرات العراقية وغرب الشام. يستخدم هذا المصطلح عادة في الدراسات الأثرية، إلا أن له استخدام سياسي أيضاً، حيث استخدمه أنطون سعادة منطلقاً من التداخل الثقافي في هذه المنطقة الجغرافية عبر التاريخ ليبرهن على وجود "أمة" واحدة تجمع سكان هذه البيئة الجغرافية وأسس لذلك الحزب السوري القومي الاجتماعي، ونادى بوحدة الهلال الخصيب تحت اسم سوريا الكبرى.
يغطي الهلال الخصيب حاليًا الدول التي مزقتها اتفاقية سايكس بيكو وهي: العراق , سورية , الأردن , فلسطين , لبنان و هناك كتّاب كثيرون خلطوا بين سورية وآشور، وأطلقوا تسمية سوريين، على سكان المنطقة الممتدة من بابل حتى خليج الاسكندرونة، ومنه حتى البحر الأسود. وكان «سترابون» من أوائل من وضع سورية ضمن حدودها الطبيعية، عندما ذكر أنها تمتد من كيليكية وجبال الأمانوس ( ويقصد جبال طوروس الداخلية، أو أنتي طوروس) حتى مصر، وقد قسَّمها إلى كوماجين شمال حلب وسلوقية ( منطقة أنطاكية) وسورية المجوفة (أي سورية الوسطى)، وفينيقية على الساحل.
هذا التحديد لسورية، مطابق للتحديد الذي عرفه العرب لبلاد الشام نفسها، عندما ذكروا أن حد الشام الأول، من ملطيه (عند نهايات طوروس الداخلية) إلى العريش، وعرضه الأقصى المعمور من منبج ( عند الفرات، الذي كان يعد أحد حدود سورية أو بلاد الشام) إلى طرسوس , أي أن هذا التحديد يعني الرقعة الممتدة من نهر الفرات إلى غربي كيليكية. كذلك ذكر المقدسي في كتابه: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ( أن إقليم الشام يمتد من تخوم مصر إلى بلد الروم. ويقع هذا الإقليم بين بحر الروم (البحر المتوسط) وبادية العرب، وتتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب) . هذا ولم يتغير مدلول الحدود الطبيعية لسورية، حتى لدى الأوروبيين المستعمرين في العصور الحديثة، وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانوا على وعي كامل بالوحدة الإقليمية لسورية الطبيعية، سواء في المصورات التي كانوا ينشرونها في كتبهم، أو في التقارير التي كانوا يرفعونها عن أوضاع تلك البلاد، وعن أهمية موقعها الجغرافي والاقتصادي في ميدان العلاقات الدولية والتجارة الخارجية. وتلك المصورات، والتقارير، يستدل منها على مدى تأثيرها على الحكومات الأوروبية، عندما قامت برسم حدود سياسية لسورية لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى، على أنها تمتد من طوروس حتى مصر (سيناء أو العريش)، وتُقسم فيها الجزيرة بين سورية والعراق. سورية الطبيعية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والآثار والأوابد مثلها مثل طبيعتها المتنوعة من الصحراء إلى الجبال والسهول والبحر والأنهار. ومن هذه الأرض كانت بدايات الإنجازات الحضارية الكبرى، التي صنعها سكان هذه الأرض بجهدهم وتراكم خبراتهم، إنهم أجدادنا القدماء الصيادون الأوائل، وهم من الأوائل الذين عملوا بالزراعة وأسسوا المستوطنات الزراعية الأولى. وفي أوغاريت التي قدمت أول الألوان وأول مدونة موسيقية استطاعوا أيضا أن يقدموا للبشرية العطاء الأغلى وهو أول أبجدية عرفها الإنسان. ومن أوغاريت، أبحرَت السفن الفينيقية إلى قرطاجة وإلى العالم كله ناشرة الحضارة في كل أصقاع المعمورة. وسورية أعطت روما بعضاً من أباطرتها مثل فيليب العربي وكركلا وإيلاغابال , ونبغ فيها مشاهير تركوا بصماتهم الواضحة كالمعمار أبولودور الدمشقي صاحب عمود تراجان الشهير في روما، وباني جسر نهر الدانوب، ومن سورية كانت هندسة الكنائس البيزنطية تعتمد كمرجع في العمارة الكنسية في العالم كله، مثل كنيسة سمعان العمودي وكنيسة قلب لوزة وغيرها الكثير الكثير. تعاقب على أرض سورية شعوب وحضارات عديدة: السومريون والعموريون والأكاديون والحثيون والفراعنة، والحوريون والآشوريون والكنعانيون والآراميون والفرس والإغريق والسلوقيون والبطالمة والرومان والعرب الأنباط ، والبيزنطيون، والعرب الغساسنة، ثم كان الفتح العربي الإسلامي وتتالت عليها عصور الأمويين، العباسيين، الطولونيين، الإخشيديين، الفاطميين، وتعرضت إلى حملات الفرنجة "الحملات الصليبية" المتعددة في عصور السلاجقة والأتابكة والدولة النورية والأيوبيين والمماليك كما تعرضت لغزوات المغول "التتار"، ثم حكمها العثمانيون حتى جاءت الثورة العربية الكبرى، ووضعت سورية بعدها تحت الانتداب الفرنسي، إلى أن كان الجلاء عام 1946 حيث خرج آخر جندي محتل. وآثار هذه الحضارات المتعاقبة الماثلة للعيان في يومنا هذا هي أقل بكثير من تلك التي ما زالت قابعة تحت تراب سورية تنتظر اكتشافها، فمن بقرص، وماري، ودورا أوروبوس، وأفاميا، وتدمر، والرصافة، وبصرى، وشهبا، والقلاع العديدة المنتشرة مثل قلعة شيزر، قلعة المضيق، قلعة صلاح الدين، قلعة المرقب، قلعة الحصن، قلعة جعبر، إلى المعابد والمسارح والحمامات والكنائس والأديرة والفسيفساء والتماثيل والنقوش، وأقنية المياه، والمدافن والآثار الإسلامية من فجر الإسلام إلى يومنا هذا، ففيها أنشئت أول مدرسة للطب، وأول بيمارستان، وطور علماؤها الفلك والهندسة والرياضيات، والطب والفلسفة وصناعة الساعات والاسطرلابات. وتنتشر المساجد في أرجائها وكذلك المدارس والأضرحة والمزارات من الصحابة والأولياء والصالحين إلى الخلفاء والعظماء.
و عن أهمية موقع سورية الطبيعية من وجهة نظر الأطماع الاستعمارية في العصر الحديث , فقد صدر في صيف عام 1919 تقرير لجنة ( كنغ-كرين) الأميركية، يعبر عن الأفكار التي كانت سائدة آنذاك بالنسبة إلى أهمية موقع سورية، وقد ورد في ذلك التقرير ما يلي: ( لما كانت سورية جزءاً من رأس الجسر، الذي يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا ـ حيث يلتقي الشرق والغرب بصورة فريدة ـ فإن موقعها ذو أهمية إستراتيجية، وسياسية، وتجارية. و قد أضيف إلى هذا أهمية الموقع اكتشاف الذهب الأسود في تراب سورية الطبيعية مما ضاعف أطماع المستعمرين و صيادي الكنوز فبعد موجات المستعمرين القدماء و بعد نيل دول سورية الطبيعية الاستقلال بتضحيات أجدادنا لم يستسلم المستعمر الذي خرج من الباب ليعود من النافذة بالتعاون مع أذناب الاستعمار التي خلفها لتأمين مصالحه فكانت حروب الكيان الصهيوني المتتالية و تهديداته المستمرة التي رتبت على دولنا الاستعداد الدائم لمواجهة عدوانها و كانت الحرب الأمريكية المباشرة على العراق بحجج واهية فنهبت و سرقت البترول و الثروات إلى أن أجبرتها المقاومة العراقية المدعومة من سورية و محور المقاومة للانسحاب من العراق ذليلة و لكنها عادت مجددا و لكن عبر أدواتها الرخيصة في المنطقة و أعني محميات الخليج التي لم تخرج من نير المستعمر إلى اليوم و ينساب نفطها ليغذي معامل السلاح الأمريكية التي تقتل أطفال العرب وهذه المرة تفتق عقلهم الشيطاني على ضرب مكونات المجتمع العربي ببعضها ليخلو لهم الجو بسرقة ثروات العرب فمن بيعهم السلاح بأثمان خرافية إلى سرقة البترول بأسعار بخسة إن لم تكن مجانية في الوقت الذي يتفرغ فيه العرب لقتال بعضهم تحت عناوين أقل ما يقال فيها أنها تافهة فمكونات هذا المجتمع تعايشت آلاف السنين مع بعضها دون صدام فما الذي يحدث اليوم إن لم يكن مخططا صهيوأمريكي لضرب المجتمع العربي من الداخل و تفكيك هذا المجتمع على أسس عرقية و مذهبية لسلبه كل أسباب القوة و المقاومة داعش اليوم ترتع بجلابيب أمريكية صهيونية تقتل و تحرق و تغتصب و تعيث فسادا في أرض الشام يحملون بنادقهم الصهيونية و الأمريكية و يقاتلون نيابة عنهم , يسرقون ثروات بلادنا ليعطوها لسيدهم الأمريكي و الصهيوني و يرفعون رايات إسلامية زورا و بهتانا ليضللوا العقول الجاهلة , ثلاث سنوات من التخريب و القتل في سورية استطاع خلالها الجيش العربي السوري سحق فلولهم و الانتصار عليهم و على أسيادهم فتوجهوا إلى أرض العراق الذي أرهقته سنوات الحرب الأمريكية على أرضه ليكرروا نفس السيناريو الذي اتبعوه في سورية و لكن الجيش العراقي الذي استطاع امتصاص الصدمة و استعادة المبادرة قادر اليوم على سحق فلولهم مدعوما من كل قوى الحرية في العالم و خصوصا محور المقاومة من دمشق إلى طهران و دول بريكس و ستندحر أمريكا مجددا في العراق و على العراق إفشال مخطط التقسيم كما فشل في سورية و قطع الطريق على إقامة الكيان الكردي الذي يوازي في خطورته على الأمن العربي قيام الكيان الصهيوني و بنفس المقدمات و النتائج فأخوتنا الأكراد منذ فجر التاريخ يعيشون بيننا بسلام لهم ما لنا و عليهم ما علينا من واجبات للحفاظ على وحدة البلاد و العباد و أبناء العراق الأحرار يعون خطورة المرحلة و ما يراد لبلاد الشام في مخططات برنارد لويس من تقسيم و فرقة و ستبقى دمشق و بغداد منارة للحضارة الإنسانية رغم أنف الغزاة و المستعمرين الذين لا يعرفون من الحضارة إلا القشور و يعيشون على امتصاص دماء الشعوب و خيراتها و سوف يسحق أبناء العراق اليوم جماجم الغزاة باختلاف مسمياتهم
سيرياديلي نيوز
2014-07-05 16:39:38