تُجمع الأطراف المتابعة للتطورات السوريّة على أن توقيت الحديث عن انطلاق عملية إعادة الإعمار في سورية لا يزال مبكراً، لكن تقديرات هذه الجهات تتفاوت عند إصدار أرقام وتوقعات لإجمالي الخسائر التي أنتجتها الحرب هناك.
السقف الأعلى لهذه التقديرات جاء أخيراً من البنك الدولي الذي قدّر الكلفة بحوالى 200 بليون دولار، بينما تدنت تقديرات خبراء مستقلين إلى حوالى 80 بليوناً، ووفق توقعات غير منشورة لـ «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا» (إسكوا) فإن هذه الكلفة تصل إلى 140 بليوناً. ويعوّل الاقتصاديون على الدور الفاعل الذي ستؤديه دول الجوار في هذه العملية ويشيرون بوضوح إلى الاستفادة والانعكاس الإيجابي على اقتصاداتها.
ويوضح رئيس قسم السياسات الاقتصادية في إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في «إسكوا»، خالد أبو إسماعيل، لـ «الحياة» أن العمل بدأ قبل أكثر من عام ونصف العام على مشروع إعداد الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، وقد تطلب العمل مشاورات مع الأطراف كافة، مشيراً إلى أن عدد المشاركين ناهز 350 شخصية متنوعة تمثل كل الطيف السياسي السوري.
ويلفت منسق برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، باسل كغدو، إلى أن المشروع يهدف إلى تقويم حاجات سورية ما بعد النزاع على مستوى السياسات والخيارات وكلفة كل واحد منها، ولا يركز على إعادة الإعمار بمقدار ما يركز على إعادة البناء بصفتها عملية شاملة تطاول المستويات الاجتماعية والثقافية وحاجات المواطن السوري بالدرجة الأولى، لافتاً إلى أن المرجعية الأساسية في إعداد المشروع هي تقاطع ملفات حقوق الإنسان والمرأة والمجتمع المدني والحوكمة.
ويشير أبو إسماعيل إلى أن النتيجة الثانية لهذا البرنامج هي تقرير عن كلفة النزاع في سورية وأثرها في الاقتصاد الكلي والأهداف الإنمائية، وأثر ذلك في الاقتصاد الكلي والأهداف الإنمائية التي حددتها أهداف الألفية. ويتابع: «نجمع فريقاً من الخبراء لدرس سبل تدبير هذه المصادر ونعمل على وضع إطار اقتصادي متوسط المدى ليس فقط لإعادة الإعمار، بل لوضع نظرة اقتصادية تفصيلية لمستقبل سورية ما بعد الأزمة».
ويضيف: «إذا نظرنا بعيداً من المصالح الشخصية للأطراف المانحة، فإن سورية ستستقطب مستثمرين ورؤوس أموال لإعادة الإعمار، وأنا لست قلقاً على تمويل هذه العملية»، واستدرك بالقول: «ما يقلقني أكثر هو غياب خطة لليوم الأول بعد انتهاء الأزمة. لذلك، نحن نعمل على وضع هذه البرامج لتساعد أياً كان في سدة القيادة».
وحول الانعكاسات المرتقبة لعملية إعادة الإعمار على دول الجوار يعتبر أبو إسماعيل أن السوريين سيؤدون الدور الأساسي فيها ويقول: «في الظروف العادية لم تكن المرافئ والمرافق الموجودة قادرة على تلبية متطلبات الاقتصاد المحلي، بالتالي فإن عملية الإعمار ستتطلب الاستعانة بكل دول الجوار لتوفير الدعم ولتكون نقاط انطلاق للشركات المساهمة في هذه العملية».

أرقام وبيانات
وتظهر أرقام حديثة حصلت عليها «الحياة» من «إسكوا» التي ستنشرها في وقت لاحق، أن نمو الناتج المحلي تراجع 28 في المئة في 2012، و17 في المئة في 2013، في حين بلغت نسبة التضخم 90 في المئة، وتراجعت الصادرات 95 في المئة والواردات 93 في المئة بين عامي 2010 و2013، في حين انخفض التحصيل الضريبي العام الماضي بحوالى 34 في المئة مقارنة بعام 2010.
ووفق البيانات، فإن الإنفاق الجاري بلغ 16 في المئة من الناتج في 2010، ليرتفع إلى 34 في المئة في 2013، بينما تراجعت العائدات الحكومية من 21 في المئة إلى 10 في المئة في 2013. في موازاة ذلك، سجل العجز الحكومي زيادة من 4.5 في المئة خلال 2010 إلى 26 في المئة.
وفي حين وصل الدين المحلي إلى 88 في المئة في 2013، يُتوقع أن يتجاوز 97 في المئة من الناتج في 2015، أما الدَّين الخارجي فبلغ 17 في المئة ويُتوقع أن يصل إلى 100 في المئة من حجم الناتج في 2015. وتبيّن الأرقام أن الاستثمار الحكومي تراجع من تسعة في المئة في 2010 إلى 2.5 في المئة العام الماضي.
ووفق تقديرات «إسكوا»، فإن الخسائر الإجمالية للنزاع السوري بلغت 139.7 بليون دولار حصة القطاع الخاص منها 69.1 بليون، أو 69 في المئة مقابل 31 في المئة للقطاع العام. وتكبد قطاع البناء خسائر قيمتها 29 بليون دولار وطاولت تداعياتها 11.276 مليون شخص، أي 50 في المئة من إجمالي السكان تقريباً بينهم 32 في المئة في حلب وحدها، و20 في المئة في ريف دمشق و12 في المئة في حمص، وبلغ عدد المساكن المتضررة جزئياً أو كلياً حوالى مليونين.
ويشدد كغدو على وجود فارق ما بين كلفة إعادة البناء التي تفوق حسابات الخسائر الإجمالية للنزاع، وكلفة إعادة استرداد الخسائر التنموية وإعادة تقويم التراجع الجذري في مؤشرات الأهداف الإنمائية للألفية والتي تشكل التحدي والهاجس الأكبر لمستقبل سورية.

بناء جزئي
ويؤكد الباحث الرئيسي في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط»، يزيد صايغ، أن الأرقام المتداولة في ملف إعادة إعمار سورية كثيرة ومتفاوتة، ما يصعّب استخلاص رقم دقيق كما أن استمرار المعارك لا يترك مجالاً لاستنتاج تقديرات حاسمة.
ويشير في حديث إلى «الحياة» إلى أن تقطّع القتال في المناطق السورية يتيح المجال أمام عمليات إعادة بناء محدودة من خلال إصلاح المنازل أو المتاجر المتضررة، ويلفت إلى أن الحكومة السورية تدعو في شكل مستمر رجال الأعمال إلى إعادة بناء مؤسساتهم في دمشق والمدن الساحلية، لكن ذلك يبقى على مستوى محدود لا يمكن تعميمه.
ويشدد صايغ على أن تمويل إعادة الإعمار مسألة مهمة، لكن مصادره غير واضحة المعالم وستتحدد تبعاً لشكل السلطة التي ستنشأ بعد نهاية الحرب، ويقول: «حتى لو حصل سلام بشروط أصدقاء سورية، فهل ستكون هذه المجموعة جاهزة لاستثمار عشرات بلايين الدولارات في هذا المشروع؟ أنا أشك، وفي المقابل هل سيكون باستطاعة حلفاء النظام الحالي تمويل مشروع بهذه الضخامة؟ هذا مدعاة للشك أيضاً». ويضيف: «أعتقد أن رأس المال السوري الذي هاجر خلال الحرب سيؤدي دوراً أساسياً في عملية إعادة الإعمار، لكن يجب الانتباه إلى أن أي جهة تستثمر في سورية ستسعى للحصول على مكاسب سياسية ونفوذ في المقابل، وهو ما حصل في لبنان بعد الحرب».
ويؤكد صايغ أن استفادة اقتصادات الدول المجاورة لسورية ستعتمد أولاً على مدى الاستقرار الأمني الذي ستتمكن السلطة الجديدة من تأمينه ويستدرك بالقول: «جذب رجال الأعمال من دول الجوار إلى سورية التي تحظى بإمكانات جيدة يتوقف على مدى نشاط الاقتصاد السوري وتمكن السلطة الجديدة من بسط الأمن».

استفادة لبنان
ويرى صايغ أن لبنان سيستفيد من كونه معبراً قريباً من سورية كما أن مصارفه وقطاعه الخاص سيحققان استفادة كبيرة ويقول: «يبدو أن رجال الأعمال اللبنانيين يستعدون لتلك المرحلة كما فعلوا في كردستان العراق حيث استفادوا من عامل الاستقرار، ما يمكن أن يتكرر في سورية».
ويعتقد الباحث الاقتصادي، مازن سويد، أن الاقتصاد اللبناني قادر على تحقيق استفادة من مشروع إعادة إعمار سورية ويقول لـ «الحياة»: «إن لبنان وقطاعه الخاص لديهما الخبرة في هذا المجال بعدما خاضا أكثر من تجربة، خصوصاً في إعادة بناء البنية التحتية من مطارات ومرافئ وطرق وسواها، لكني أعتقد أن من المبكر الحديث عن إطلاق مشروع لإعادة إعمار سورية، والحديث عن هذا الأمر بعد انتهاء الانتخابات السورية يجب ألا يؤشر إلى أن الأمور انتهت هناك».
ورداً على سؤال حول وصول ممثلين لشركات عربية وأجنبية إلى لبنان لاستطلاع الأوضاع في سورية وتحضير مقار تكون منطلقاً في مرحلة إعادة الإعمار، يجيب سويد: «هناك شركات تأتي إلى لبنان في شكل دائم سواء عبر ممثلين تنتدبهم أو عبر شركات لبنانية، وهذا أمر روتيني، لبنان سيستفيد من أية مبالغ يمكن أن يحصل عليها من مشروع إعمار سورية الذي قدّر البنك الدولي حجمه بحوالى 200 بليون دولار، وستشكّل نقطة دفع للاقتصاد اللبناني وستنعكس على نمو الناتج المحلي وسيحدث طفرة كبيرة، لكن هذا لن يحصل غداً».

سيرياديلي نيوز


التعليقات