تتعدد نقاط القوة في الاقتصاد السوري بين الزراعة والصناعة والطاقات البشرية والتنوع المناخي وغيرها من النقاط، ولكن يبقى هناك حالة من الضعف نتيجة عدم استثمار هذه النقاط كما يجب، فتضيع الفرص المسؤولة عن تعزيز تنافسية الاقتصاد ودفع المستوى المعيشي للمواطنين نحو الرفاه، الذي يعتبر أسمى أولويات العمل الاقتصادي في أي دولة.

طرحنا هذا التساؤل في محاولة لتسليط الضوء على نقاط القوة المهملة في الاقتصاد السوري، وكيفية الاستثمار فيها بما يحقق العائدية الأفضل ويزيد من الميزات التنافسية.

 

حيث رأى رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد كشتو أنه  يجب التركيز على الاستثمار في الموارد البشرية لأنها الأهم والأقوى، فإن لم يكن الكادر البشري مؤهل ومدرب وصالح للاستثمار، فلا يمكن أن تتحقق القوة للاقتصاد ولن يكون هناك مستقبل له، موضحاً أنه بالشكل العام هناك الكثير من نقاط القوة غير المستغلة، وأهمها في القطاع الزراعي حيث يجب اعتبار أي منتج نباتي أو حيواني هو ميزة تنافسية بحد ذاته، على أن يتم استثماره بكل الطاقة الموجودة به، بحيث يحقق قيماً مضافة عليا لمصلحة الاقتصاد، وعلى سبيل المثال يشرح كشتو أن غنم العواس الذي نقوم بتصديره على أساس الاستفادة من القطع الأجنبي العائد من تصديره، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه الاستفادة ينطبق عليها المثل القائل (ما حصل من الجمل أدنو)، أي إننا لم نكسب كل القيم المضافة فيه حيث يمكن تشغيل كافة حلقات الإنتاج، فبدلاً من تصدير الغنم الحي يمكن تصدير اللحوم المجمدة والصوف والجلود وكل ما يمكن إنتاجه منه وبذلك نحقق أعلى قدر ممكن من القيمة المضافة، وكذلك الأمر بالنسبة للمحاصيل الزراعية - يضيف كشتو- وأهمية الاستفادة من التعدد المناخي الموجود في بلدنا، فحتى المحاصيل التي نعتقد أننا نستفيد منها هي تملك قيماً إضافية كامنة فيها يمكن أن تحقق فائدة أكبر، فمثلاً سورية هي ثاني دولة في العالم بتصدير الكرز، ولكن لو استفدنا من ميزاته التنافسية من خلال صنع المنتجات النهائية للكرز كالمربيات والعصائر وغيرها ونصدرها، نكون بذلك قد أدخلنا قطعاً أجنبياً أكبر من خلال هذه المنتجات بدلاً من تصدير محصول الكرز الخام، وكذلك الأمر بالنسبة للفستق الحلبي فنحن ثالث دولة عالمياً في الإنتاج ولكن العائدة الاقتصادية ليست كبيرة، ويمكن أن نقيس هذا الأمر على العديد من المنتجات الزراعية.

 

ورأى رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية أننا نمتلك خارطة استثمار ولكنها تقليدية وهي تحتاج إلى الإنفاق على التأهيل والتدريب لكافة الكوادر، فمن يضع الخارطة الاستثمارية غير مؤهل لهذه المهمة الهامة جداً، مشيراً إلى عدم وجود نهج اقتصادي واضح المعالم، لذلك تتغير الخطة الاقتصادية مع تغير الأشخاص، ولذلك يجب وضع اقتصادي مشرع ويملك قوانين لتنفيذه ولو تغير الأشخاص فلا يتغير النهج، لافتاً إلى أن الضياع في الحالة الاقتصادية كان واضحاً جداً فهناك تداخل بين اقتصاد السوق والاقتصاد الموجه والاقتصاد الاشتراكي، بالمحصلة تأتي حكومة وتعتبر أن الزراعة هي قطاع ثانوي وتعمل على تطوير القطاعات الخدمية والمصرفية وبذلك تكون قد خسرت الميزة التنافسية، وبعد أن وصل البلد لمرحلة صعبة نتيجة تلك السياسات الخاطئة يتم الاكتشاف بأن الاقتصاد السوري يقوم على الزراعة وهو المضحك المبكي.

 

ويؤكد كشتو أن المطلوب لاستثمار نقاط القوة الكامنة في الاقتصاد السوري هو وجود فريق متكامل مؤمن بالميزات التنافسية للاقتصاد السوري وأن يعمل للمصلحة العامة وفق برنامج وأسس سليمة، مع وضع برنامج زمني لكل خطوة وتقييم للأداء، كما يجب أن يكون هناك محاسبة لمن يخطئ سواء في القطاع العام أم الخاص فهما معاً يشكلان الاقتصاد.

 

بلغة الهدر

من جانبه رأى نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون العلمية الدكتور إبراهيم ميدة في حديث خاص لـ«الوطن» أن سورية بلد زراعي بامتياز ولذلك يعتبر التصنيع الزراعي هو الميزة التنافسية الأولى التي نملكها، إضافة إلى وجود قطاع الصناعات الدوائية المهم جداً، ولكن نجد أن هناك هدر وضياع في الطاقات بشكل كبير، فمثلاً نجد أن القطاع العام للصناعات النسيجية لا يواكب التطور وما تحتاج اليه السوق كما يفعل القطاع الخاص، لذلك تمتلئ مخازنه بالمنتجات النسيجية التي لا تصرف نتيجة عدم التخطيط الجيد وبذلك يكون هناك هدر كبير للمال وتعطيل للطاقات نتيجة الطلب المنخفض على المنتج لأن المنتجات لا تلبي تطورات السوق واحتياجات المستهلك.

 

معتبراً أن كل القطاعات ليس فيها استثمار جيد، فالقضية ليست بعدد القطاعات المهملة ولكن هناك هدر لرؤوس الأموال وضياع للطاقات الكامنة، ولذلك لا يتم استثمار الميزات التنافسية للاقتصاد.

 

ويشير الدكتور ميدة إلى عدم وجود اهتمام كاف بالقطاعات كافةً سواء الزراعية أو الصناعية، لكي تحقق العائدية الكاملة من هذه القطاعات، فعلى سبيل المثال يجب على الحكومة أن تقوم بشراء المنتجات الزراعية من الفلاح وبأسعار منافسة كي لا يصدرها كمواد خام، وتدخل هذه المواد ضمن حلقات الإنتاج للحصول على المنتجات النهائية كافة وتعيد تصديرها لتحقق القيم المضافة.

 

وأوضح ميدة أن عدم وجود انسجام بين الفرق الاقتصادية التي تعاقبت على الاقتصاد السوري كان من أهم الأسباب في عدم الاستغلال لنقاط القوة، مؤكداً أن حالة عدم التنسيق والانسجام ما زالت قائمة فكل وزارة تعمل وحدها، كما أنه لا خارطة استثمارية حقيقية، وإن وجدت فهي مهملة ولا يتم تسويقها بشكل جيد وتوضع في الأدراج ولا أحد يعلم بها، ومن ثم يأتي المستثمر المحلي أو العربي والدولي ويتخبط ما بين مؤسسات الدولة ولا يتمكن من الاستثمار الأمثل وتشغيل رؤوس أمواله وتحقيق العائدية الإنتاجية الكاملة.

 

الأزمة.. اتجاه إجباري

كان لمدير عام هيئة الاستثمار السوري هالة غزال رأي آخر، حيث أكدت في تصريح خاص لـ«الوطن» أن خريطة الاستثمار السورية موجودة ولكن لم يتم تسويقها بشكل جيد للمستثمرين، ولم يتح المجال المناسب للترويج الصحيح لها نتيجة ظروف الأزمة، وخصوصاً الترويج الداخلي للمشاريع المتوسطة والصغيرة، ولذلك - تضيف غزال- إن الهيئة عملت خلال فترة الأزمة على ترتيب البيت الداخلي والتحضير لما بعد الأزمة وهو ما تم فعلاً حيث تم تحضير خريطة استثمارية بـ150 فرصة استثمارية جاهزة للاستثمار والتنفيذ، وكلها مشاريع حقيقية قابلة للتنفيذ ذات عائد اقتصادي ممتاز مع تخفيض لتكاليف الإنتاج وقادرة على إدخال قطع أجنبي للبلد ولها سوق تصديرية وسوق داخلية.

 

واعتبرت غزال أن الأزمة التي نمر بها تعطينا درساً مهماً في أن التجريب في الاقتصاد ممنوع، لأن الوقت لا يرحم وعجلة الإنتاج يجب أن تعود، مع الاستفادة من أخطائنا وإعطاء أهمية للقطاعات التي أهملت والتي كانت عاملاً رئيساً في حماية الاقتصاد السوري وهي القطاع الزراعي والصناعي.

 

مشيرةً إلى أن الاقتصاد السوري لم يعمل في أي مرحلة بطاقته الإنتاجية الكلية أو الطاقة التشغيلية لعوامل الإنتاج لأسباب كثيرة ومنها غياب التخطيط وعدم الدراسة قبل التنفيذ والتجريب كثيراً، معتبرةً أن لدى الاقتصاد السوري لدى الكثير من مقومات القوى وأولها التنوع المناخي وهو ما يعطي غنى للاقتصاد لأن اقتصادنا يعتمد على الزراعة بشكل رئيسي والصناعات الزراعية الرديفة له والتي كانت مهملة، مع العلم أن كل القيم المضافة تتركز فيها.

 

وأوضحت غزال أن آلية التصدير لدينا خاطئة فنحن نصدر ما ننتج، على حين السياسة التسويقية تقوم على أن تصدر ما يرغب فيه الآخر وتطلع على أذواقهم وما يحتاجون اليه من منتجك وتصنعه لهم وبذلك تكسب القيمة المضافة لمنتجك المصدر.

 

ورأت غزال أن عدم الربط الحقيقي بين القطاعات أدى للاستفادة منها بالحد الأدنى، حيث يجب التركيز على القطاعات الحقيقية، فمثلاً فرصة العمل في القطاع الزراعي تؤدي لإيجاد ثلاث فرص عمل في قطاع الخدمات، ولذلك لا يمكن أن تحول بلدنا من زراعي إلى خدمي بين يوم وليلة.

 

وأكدت غزال أن أهم ما يجب أن يقوم به أي فريق اقتصادي هو التركيز على دراسة للموارد المتاحة وإمكانية استغلالها بالشكل الأمثل مع التخطيط لسنوات قادمة لمعرفة ما يمكن أن ننافس به ويميزنا بعد عدة سنوات.

Syriadailynews - Alwatan


التعليقات