قد يكون الأمر الأكثر قلقاً للمواطن السوري, هو الفجوة الكبيرة التي اتسعت بين الدخل والاستهلاك , بفعل التضخم الكبير الذي ابتلي به الاقتصاد السوري, جراء ارتفاع الأسعار لمختلف الحاجات الأساسية ,وحتى المواد الأولية ,‏ وبطبيعة الحال لا يبتعد ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية أمام الليرة السورية عن هذا التضخم بل يكاد يكون من العوامل الرئيسية لذلك , إلى جانب الحرب الظالمة القائمة على الشعب السوري ومقدراته الاقتصادية والاجتماعية.‏‏‏

 

السؤال الأبرز كيف السبيل إلى العودة التدريجية لردم هذه الهوة بين الدخل والاستهلاك ؟‏‏‏

 

لايبدو الجواب عن التساؤل السابق بعيداً عن كل مايجري على المستويين الاقتصادي والاجتماعي , سواء ما هو مرتبط بالإجراءات الاقتصادية الصرفة أو ما هو مرتبط بالاقتصاد الاجتماعي كعامل مساعد أو قد يكون رئيسياً في العودة التدريجية لتعافي هذا الاقتصاد المبتلي.‏‏‏

 

ارتفاع سعر الصرف وتغيراته وعدم استقراره هو الآفة الأكبر التي يعاني منها الاقتصاد السوري, والتبدل الذي طرأ على هذه الجزئية من بداية الأزمة وحتى اليوم هو سيطرة عامل المضاربة على الليرة السورية المدعوم من قبل الدول التي تتآمر على الشعب السوري, أكثر من العامل النفسي الذي سيطر على بعض عقول الناس أول الأزمة , وهذا من العوامل المرشحة إلى الانزياح خلال الفترات القادمة بفعل انتصارات الجيش العربي السوري, والمصالحات التي تقوم في أكثر من منطقة سورية, وحتى الاستسلامات للمسلحين والتي يطلق عليها الإعلام «التسويات» وهذه مكونات أساسية على طريق الخلاص من هذه الحرب المدمرة , وللعلم فإن المخطط كان أن يصل سعر صرف الليرة السورية إلى آلاف الليرات أمام الدولار الأميركي, الأمر الذي بقي مجرد أضغاث أحلام.‏‏‏

 

بكل الأحوال من المتوقع أن يستمر المصرف المركزي في السوق كتاجر حقيقي وفق سعر صرف يتلاءم مع الظروف الاقتصادية المحيطة وقوفاً في وجه المضاربين الذين يحاولون زعزعة استقرار الليرة أكثر من رفع سعر الصرف .‏‏‏

 

وهذا سيجعل دفة القيادة في يد المصرف المركزي وهذا من العوامل المهمة في وجه زعزعة استقرار الليرة إضافة إلى العوامل المذكورة سابقاً .‏‏‏

 

أضف إلى ذلك فإن الحكومة السورية تسعى إلى فتح حقول نفطية وغازية جديدة للتعويض عن الخسارات الكبيرة التي مني الاقتصاد السوري بها جراء سيطرة المجموعات الإرهابية السوداء على حقول النفط في المنطقة الشرقية, خاصة في المنطقة الساحلية وفي المنطقة الوسطى ومنطقة القلمون, الأمر الذي سيعوض الاقتصاد السوري لجزء كبير من خسارته من القطع الأجنبي , باعتبار أن النفط هو المولد الأساسي للقطع الأجنبي في سورية , والمعلومة الإضافية أن شركات النفط والغاز ستعمل وفق « مبدأ الإيراد المؤجل» أي أن هذه الشركات ستؤجل إيراداتها إلى آجال أخرى دعماً للاقتصاد السوري في المرحلة الأولى .‏‏‏

 

والخيار الواضح يتجه نحو إعادة العمل والإنتاج خاصة في المناطق الآمنة , وتبدو أهم مؤشرات هذا الخيار من خلال المعارض الناجحة التي نظمتها رابطة المصدرين السوريين وغرفة صناعة دمشق مثل «سيرمودا» و»موتكس سورية» الأمر الذي سيحول نسبياً نقمة ارتفاع سعر الصرف إلى نعمة من خلال رهان الصادرات كمولد آخر للقطع الأجنبي وهذا موضوع كان مطروحاً قبل الأزمة كرهان ممكن لزيادة الدخل القومي من القطع الأجنبي , لكن الفرضية الأساسية إلى أي مدى تستطيع الصادرات دعم قوة الليرة أمام العمولات الأجنبية , وفي هذا الظرف إلى أي حد تساهم الصادرات في تراجع سعر الصرف أمام الليرة؟‏‏‏

 

في هذا الاتجاه يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور وائل حبش بأننا لا نستطيع في هذا الظرف تنشيط الصادرات بشكل كامل في هذه الأزمة , رغم أن الصادرات السورية مرغوبة في الأسواق التي اعتادت على استيراد المواد من سورية .‏‏‏

 

وبرأي حبش فإن الصادرات كعمل اقتصادي تشكل أحد العوامل المؤثرة في سعر الصرف , وهي إن تم تنشيطها في الفترات القادمة سيكون لها أثر محدد على استقرار هذا السعر .‏‏‏

 

لكن الأهم هو موضوع الأمان الاقتصادي مثل النقل والتصنيع والدورة الإنتاجية الكاملة التي تستغرق اليوم أربعة أشهر في حين كانت في السابق تستغرق شهرين فقط.‏‏‏

 

رغم ذلك استغرب حبش عدم تقوية العلاقات الاقتصادية وبالأخص الصادرات مع الدول المجاورة وخاصة العراق , والتي تعتبر المتنفس الأكثر إنقاذاً , رغم القرب الجغرافي والظروف السياسية المساعدة , وهذا أجدى من التصدير إلى الدول الأوروبية التي تتخذ مواقف سيئة من الأزمة السورية .‏‏‏

 

النقطة المهمة التي يجب أن ننتبه إليها جميعاً هي السلوك الاقتصادي في الأزمة وفي ما بعد الأزمة , كواقع يفرض ترشيد الإنفاق والابتعاد عن الكماليات خاصة في هذه الأوقات, وهو حال قد تكون بدأت ملامحه في الريف السوري أكثر من المدينة , من خلال العودة إلى الاكتفاء الذاتي , الأمر الذي يجب أن ينطلي على سكان المدن للترشيد في النفقات اليومية الزائدة والمكتسبة من الظروف التي كانت سائدة قبل الأزمة , مثل وجود أكثر من هاتف نقال في الأسرة الواحدة أو استخدام الانترنت بشكل عشوائي أو من أجل التسلية...الخ من العادات الاستهلاكية الخاطئة . وعلى هذا المستوى نجد أن الحكومة اتخذت قرارات واضحة بتحديد أسعار السلع الأساسية ودعمها والابتعاد عن السلع الرفاهية والكمالية, وهذا واقع تعيشه حتى الدول المزدهرة من خلال رفع رسوم الرفاهيات أمام تخفيض هذه الرسوم للأساسيات بالمحصلة يمكن القول: إن الخياران الأساسيين أمام الاقتصاد السوري هو تقدم الدولة نحو حسم معركة الإرهاب لعودة الدورة الاقتصادية إلى سابق عهدها , الأمر الذي يخفف الكثير من الأعباء عن كاهل المواطن السوري, وبالمقام الثاني مطلوب من المواطن أن يعي مستوى المرحلة ويرشد ويتأقلم معها وهذا ليس بالأمر السهل, لنعترف أن أي زيادة في الرواتب والأجور بدون عمل بدون إنتاج هي تضخم قد يزيد الطين بلة بفعل عوامل الاستغلال التي تقوم في السوق الذي يحتاج إلى معالجات كبيرة .‏‏‏

Syriadailynews - Thawra


التعليقات